لن أتحدث عن موضوع التحرش الجنسي كموضوع بتعريف وعناصر ومظاهر ونتائج من تأثير على المجتمعات في كل العالم وما إلى ذلك ، فكل المعلومات عنه لا فائدة منها .
خاصة وأن هذا الموضوع أصبح متداولا إعلاميا وأسريا وأصبحت الكلمتين ( التحرش الجنسي)،متعارف عليها لدى الصغير والكبير ، ففي محاولة كفاحه ومعالجته أصبح منتشرا أكثر فأكثر والنتيجة جاءت عكسية من فرط إثارة هذا الموضوع ، دون تردد أو خجل أو حياء من المجتمعات .
وهكذا فلن أتحدث عن هذه الآفة اللعينة التي تنخر المجتمع كيفما كان نوعها إسلامية أو غير ذلك الشيء الذي جعل علاقات الناس تتفسخ والأخلاق تفسد إن لم أقل تنعدم ، فبعد موت الضمير ، لا شيء يكون حيا فالمتحرشون لم يكن لهم ضمير يوما ، إنه سلاح قاتل ذو حدين ، يقتل الطرفين معا في نفس الآن .
بعد مقدمتي هذه التي لم أعرف كيف تمكنت من جمع كلماتها أمام هول العذاب المرسوم على ملامح حليمة ،
وجهت إليها الميكروفون ، فتراجعت لوهلة إلى الوراء كمن وجه إليه مسدس ما
كانت تحدثني وكأنها تتحدث إلى نفسها في مكان خال إلا منها وكأنها في عالم، الأحياء فيه ليسوا بأحياء كما يعتقدون .
قالت بصوت يكاد همسا وكأنها تخشى أن يسمعها أحد ما أو ربما أن تسمعها نفسها أيضا :
(بعد ما تعرضت إلى ذلك من أقرب الناس إلي والذي كانت ثقتي به لا حدود لها، وبعدما تغيرت أفكاري تغير العالم المحيط بي ، انعدمت ثقتي بالكل ، حتى بنفسي لا أتمكن من عدم التفكير في كل الوقت الذي ضاع مني وكل من تجاوزوني ، لا أستطيع أن أصدق أن هناك مستقبل لي حتى أتمكن من تحمل عذاب الحاضر .
بعض الأحيان ، أظن أن الوسيلة الوحيدة لمواجهة الواقع هو الموت ، ربما إنني أخطأت لأنني لم أخبر أحدا بالسر وبما حدث في الحقيقة ، لكن خياري كان أن أحتفظ بذلك حماية لمن أحبهم وحفاظا على أخلاقي ومبادئي ، ولتأمين عيش اضطراري لي ، لكنني كنت أموت كل يوم وهو دائما متواجد أمامي في كل مكان أكون فيه وحتى في خيالي وأحلامي .
صدقيني ، الحديث عن موت الضمير بالنسبة للمتحرش في حالتي هذه لا جدوى منه والأفضل ألا أتكلم عن ثمن الحياة هذه ، الأفضل أن أتكلم على محاولتي أن أظل حية وسط الأموات ، كان يلزمني الكثير من الوقت لأفهم ذلك ، وأنه قبل أن أحاول الكلام يجب أن أجعل الآخرين الأموات قادرين على الاستماع وهو شيء لن يحصل أبدا ما داموا أمواتا .
ومع ذلك ، كنت أظل قريبة من الناس على سطح الوحدة ، مقتنعة أنني وقت الإنذار سأحتمي بهم وأدخل وسطهم .
في الحقيقة ، لحد الآن ، لم أكن أعرف إن كنت حية أو ميتة أم هاوية للحياة فقط .
هذه الشمس ،
هذه السماء الزرقاء ، كل شيء كاذب ، غش في غش ، إنها المرة الألف التي تستغل سذاجتي فأكاد أصدق أنني حية فعلا .
لقد جرحني أقرب الناس إلي ، منذ نعومة أظافري ، وأنا ما زلت أنزف إلى الآن من الداخل ، وليس من الخارج ، فهل أنا حية أو ميتة أو ما بينهما ؟ ....).