سعيد أنا جدًا أن يخرج في الأزهر من يُمثل واجهة مشرفة لعلمائه ويعبر عنه أمثل تعبير فيتكلم باتزان وحكمة ويعرف ما يقال وما يقصد وما يراد منه وما يريده هو.
كان هذا هو الانطباع العام الذي قرأته لأحد كتاب جريدة الوطن تلك الجريدة التي تنتهج خط روز اليوسف في الاستهانة بالدين وشيوخه على يد الكتاب المتغربين المنفلتين، مما يجعلني أقر بأن ما نقرأه على صفحاتها من إشادة بعالم أزهري شيء مبهر وتطور كبير وإنجاز غير مسبوق.
الكاتب هو الأستاذ (حسين القاضي) أحد كتاب هذه الجريدة المعروفة، وقد جاء مقاله تحت عنوان "المفتي في ضيافة صالون حداد" الذي تديره الدكتورة آيات حسين حداد عضو مجلس النواب.. أقيم الصالون في رحاب مسجد عمرو بن العاص، ودار النقاش حول الفتوى ودورها في تحصين الأفكار، كان الكاتب معجبًا جدًا بالخطاب المتزن للمفتي الدكتور نظير عياد، ورأى من وجه نظره أن ما نطق به يمثل عقلا فريدًا يمكن أن يجسد أفضل صورة للعالم الأزهري.
ثم طرح نقطة مهمة حينما قرأتها وجدت في نفسي انفعالا كبيرًا ورغبة جامحة في التعليق والرد.
يقول الكاتب الألمعي: " وأول ما لفت نظري هو حرص فضيلة المفتي على الحضور في موعده، وسمته الجميل، وأسلوبه اللين، الذي يليق بالعلم والعلماء، وهذا يعطي انطباعا إيجابيا، في التأكيد على إعادة الثقة في المؤسسات الدينية، لا سيما أن الجماعات المتطرّفة تحاول هدم الثقة بين الناس وبين مرجعياتهم الدينية، وهي محاولات فاشلة".
ثم يقول: "وهو ما يدعونا لأن نكرر الدعوة إلى الحفاظ على مرجعية الإفتاء، لأن الحفاظ عليها نوع من الحفاظ على الوطن"
وهنا ومن هذه النقطة تحديدًا كان لابد لي من التعليق والحديث وتوجيه اللوم في وجهته الحقيقية لا الوهمية الزائغة، فنقول للكاتب المحترم: الجماعات الإرهابية لم تكن وحدها من هدمت مرجعيات الناس الدينية وعملت على تشويه صورتهم كما تقول، فمن قبلهم وكان أنجح منهم أثرًا هو الإعلام والدراما المصرية ومنذ عقود مضت، حينما كان الشيوعيون والملحدون يحتلون منصات التوجيه والإرشاد في بلادنا، فعملوا على إظهار شيوخ الدين وعلمائه بمظهر السخرية والاستهزاء.
ففي كل فيلم أو مسلسل يعرض تستبيح مشاهده عرض العلماء وتنال من شرف العمامة وتهين شموخها في الوحل، حتى صارت العمامة رمزا للمسخرة والهزأة لكل من يرتديها، وإذا لبسها العالم تبادر إلى ذهن العامة ممن يرونه في الشارع صورة الممثلين أمثال حسن مصطفى وعبد المنعم إبراهيم والذي تخصص ببراعة في ربط العمامة والزي الأزهري بأوضاع كوميدية ساخرة، استطاعت أن تسقط هيبة الزي والعلماء في أنظار المشاهدين.
وأنا أتساءل دومًا هل يمكن للمسيحيين أن يفعلوا ذلك بزي القسيس ويظهرونه بمظهر السخرية والاحتقار؟ إنني أرى منهم كل توقير واحترام إلى حد لم ينل علماءنا نصفه أو ربعه.!
كيف سمحنا للسفلة الفجرة أن يهينوا الزي الأزهري في الأفلام الساقطة والمسلسلات الهابطة التافهة؟
كان الأجدر بالأزهر قديمًا أن تكون له وقفة حازمة ضد هذا الهزل الذي يمس شرف العمامة وكبرياءها.
بل انظر مؤخرا للمنحطين -الحوش- الذين تعمدوا إهانة الشيخ الشعراوي ومس مكانته في قلوب الجماهير، ونعته بأقبح الألفاظ والنعوت غيرة منهم وحسدا على الحب المتدفق الذي علق في قلوب الناس تجاه الشيخ.. ألا يلفت نظرك أيها الكاتب أن هذا أيضا هدم للمرجعيات والرموز الدينية وذبح لمكانتهم العالية؟ ألا يستحق هؤلاء الهمل كلمة نقد منك؟!
ولكن دعك من الإعلام وغيره الآن، ولننظر أيها الكاتب المجيد للجريدة التي تكتب فيها هذه السطور الطيبة، انظر إليها وهي تضم أحقر الأقلام التي تناصب الدين العداء، ويمكن لها أن تسمع الرعد ولا تستمع إلى عالم دين، وتُسخِر مدادها ومقالات كتابها ليل نهار في الكيد للدين وعلمائه.. كان الأولى أن توجه اللوم لمثل تلك الجريدة، قبل أن توجهه للجماعات الإرهابية! في الحط من هيبة رجال الدين والمرجعيات.
كان الأولى أن توجه اللوم للإعلام المصري العريق الذي غذى أدمغة المصريين بصور السخرية والاستخفاف والاحتقار والاستهزاء بالشيوخ.
الجماعات الإرهابية لا تتحمل ثمن أو سدس إهانة الإعلام المصري للرموز الدينية، لكننا الآن بدأنا نفيق وندرك على قولك أن احترام الفتيا والمرجعيات الدينية نوع من الحفاظ على الوطن.. سيعد أنا جدا بهذا الكلام.