هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • إلى صاحبةِ الحُزنِ الطويلِ
  • الهدف التوعية
  • محتوى بلوجر قبيح و معيب
  • هل الوهم يرسم، يا يحيى؟
  • مبروك أنت ممسوس
  • نجمة أمل
  • وميض ومضة غرام
  • ذلك الصباح البعيد 
  • ‏في أوروبا استطاعوا تحويل الزبالة لطاقة كهربائية‏
  • التوازن بين الابتكار والحفاظ على الأصالة
  • الفريسة 1
  • صباح يوم السبت ١٠ رمضان ١٣٩٣....٦ اكتوبر ١٩٧٣
  • هم جبناء….ماتبقوش زيهم 
  • لجام الكلمة
  • سقطت الأقنعة
  • للاجحاف وجوه عدة
  • الجندي المجهول
  • دراما منفصلة عن الواقع
  • في الوسط .. غرور مهزوزي الثقة
  • بِرُوحيَ قِيامةُ إِذْ عَشِقتُ
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة ياسمين رحمي
  5. الفريسة 1

بسم الله الرحمن الرحيم

القصة مستوحاة من أحداث حقيقية

مكنتش متخيل إني هحب من تاني....

حب إيه وكلام فاضي إيه، هو في بعد "هنا" حب؟، ده تعريف الحب هو "هنا"، "هنا" مراتي ماتت من 15 سنة، عجيبة، كنت متأكد إني هموت قبلها، سبحان الله، أقدار.....

اليوم اللي ماتت فيه كنت متخيل إني هنام ومش هقوم، أصل إزاي هعيش بعدها....

-دكتور "عصمت" سامعني؟ (صوت أنثوي)

لكني قمت، فضلت ممدد على السرير فترة كبيرة، بحاول أستوعب، معقول أنا قمت من النوم وعايش، ولا أنا مت وقريب هقابلها؟ رفعت إيدي المكرمشة وفضلت أدقق فيها وأحركها، لأ، واضح إني لسه عايش، نمت وقمت عادي!

مش كفاية كده؟ 20 ساعة على فراقها، مش المفروض أروحلها ونتجمع من تاني؟

اللي قومني من السرير تخبيط الباب...قمت ببطء وفتحت الأوضة لقيت "هدى"، واضح إنها كانت بتزعق بس صوتها مش خارج من بوقها، أنا ميزت إنها بتزعق من حركة شفايفها، لكن مش سامعها....

وأخيرًا الحواس رجعتلي وقدرت أسمع....

-بتقفل على نفسك الباب بالمفتاح ليه يا بابا؟ أفهم!

=أنا وهنا متعودين على كده...

-يا بابا....

شهقت وبدأت تعيط وبعدين كملت...

-ماما ماتت، إنت دلوقتي لوحدك، مينفعش تقفل على نفسك الأوضة كده، مينفعش تغيب عني، أنا مش مستحملة، من فضلك متصعبهاش عليا...

-دكتور "عصمت" خليك معانا.....

عادي، الشمس طلعت والسحب اتكتلت في السما، والناس بتشوف مصالحها والطيور بتغرد والعربيات بتكلكس، والدنيا ماشية، الكون موقفش بموت "هنا"، كنت ببص لكل ده بإستغراب شديد، إزاي يعني الحياة مكملة، الحياة المفروض تقف بموتها، زي ما حياتي وقفت، "هنا" كانت لما تمر بجنينة زهورها تفتح ولما تغيب الورد يموت، إزاي الناس مكملة ولا كإن....

كان عندي رغبة رهيبة إني أفضل لوحدي طول الوقت، حتى وجود "هدى" بنتي كان مضايقني، حاسس بسلاسل على رقبتي، وهي مكنتش بترضى تسيبني، لدرجة كانت بتقف لي على بابا الحمام لحد ما أخرج، أنا بوجودي لوحدي كان متهيألي إني هبقى مع "هنا" لحد ما أموت وأروحلها، لكن وجود "هدى" كان عائق، بيقطع تفكيري و ذكرياتي معاها ، لأ والأدهى إنها قال إيه عايزه تجوزني، الفكرة جاتلها بعد سنتين من موت "هنا"، بقت تجيب الموضوع بهزار وتلمح وكل مدى تزود في الجرعة، لحد ما شالت بُرقع الحيا وبقت تتكلم في الموضوع بشكل صريح...جواز إيه وبتاع إيه.......

أنا خلاص فقدت الشغف، ومين دي اللي كانت هتقبل بواحد عنده 65 سنة والحزن عجزه وخلاه كمان أكبر من سنه؟.....

-يا دكتور، خليك معانا، أنت سامعني؟

"أيوه سامعك! معاكي، أنا سامعكوا أهو....مالها الدكتورة ولا الممرضة دي مش سامعاني ليه؟"

-مفيش إستجابة.

"مفيش إستجابة إزاي، بقولك أنا معاكي، سامعك، وشايف كل حاجة، حواليا سرارير تانية، ناس بتتأوه من الألم، وفي أسلاك على أجسامهم وأهاليهم حواليهم، وأنا قدام سريري "هدى" و "فيروز"، ماسكين في بعض وبيبصولي برعب وقلق، ليه؟ مالهم؟"

.......................

جزء من رغبة "هدى" إنها تجوزني هو قلقها عليا والجزء التاني رغبتها إنها تكمل حياتها بشكل طبيعي، البنت ياعيني كانت متقطعة، بتاخد بالها مني ومن جوزها وولادها والحمل تقل أوي عليها، كتير كانت بتترجاني أروح أقعد معاها لكن أنا مش برتاح غير في بيتي، ده غير إني مش بطيق جوزها، دايمًا كده بحس إني مش مرحب بيا عنده، بيفش وينفخ ومش بيبقى مرتاح لوجودي....

أنا أعرف اللي اسمه حسن ده ملامحه كده، نزل يعني من بطن أمه مبوز ومكشر ولا ده الوش اللي بيستقبلني أنا بالذات بيه؟...يالا يغور، مش عايز أي علاقة بيه، أنا حياتي بلا "حسن"...

وبيبقى يوم فل عليا لما "هدى" توصل لحل عبقري وهو إنها تجيب عيالها يرازوا فيا! قال يعني هي كده بتوفر على نفسها مجهود وبتدخل البهجة عليا، الحقيقة مش بيدخل غير الوَش ووجع الدماغ والعضم وفقدان للأحبال الصوتية ووقاري....

.............................

"أنا واقف دلوقتي جنب الاتنين "هدى" و"فيروز"، إزاي؟ إزاي اتنقلت بالسرعة دي من على السرير للمكان ده جنبهم، بس دول مش بيبصولي، ولا كإني موجود، مديت إيدي قدام "فيروز" حركتها يمين وشمال، عنيها متحركتش! ولا كإن....قدامي دخان، الله، جي منين ده؟ الدخان ده جي من بوقي، تلج! الدنيا صقيع حواليا وبوقي بيطلع بخار من البرد، إزاي؟ ده إحنا في شهر أغسطس، و.....مين ده؟ مين اللي ممدد على السرير قدامي، هو...ده...أنا؟"

.............................

وتفوت سنة وراها سنة ومعاهم سنين ياما لحد 15 سنة بعد موت "هنا"....طبعًا "هدى" كانت فقدت الأمل من زمان في مسألة الجواز دي، بطلت تفاتحني في الموضوع من زمن....

أنا وهي والولاد من غير "حسن" والحمد لله طلعنا مصيف زي ما متعودين كل سنة في شرم الشيخ، من أكتر الأماكن المفضلة عندي.....

فضلنا يوم واليوم التاني وإحنا قاعدين على الشط لمحت ست كبيرة بتجري على الرملة، كانت كل شوية تتكعبل وهي بتنده وباين عليها مذعورة، بتنده على حد جوه الميه....اتنفضت من مكاني وروحتلها، مسكتها وهي جسمها سايب وعلى وشك تقع تاني، مكنتش فاهم منها حاجة، بتتكلم بالمقطع وصوتها بيرتعش....

أخيرًا قدرت أجمع منها كلمتين:

-الولد....بيغرق....

يا خبر! ولد مين اللي بيغرق؟

بصيت في الاتجاه اللي بتشاور عليه، كان في ولد في الميه فعلًا، اتجمدت لحظة، إيه التصرف اللي الحد ممكن يتصرفه في موقف زي ده؟ بس الحمد لله، ربنا محطنيش في الامتحان ده كتير، عشان الولد طلع مش بيغرق ولا حاجة، ده بيهزر مع إخواته ولا أصحابه....

=إهدي....إهدي يا مدام....الولد بخير...

أخدت نفسها بالعافية، مكنتش عارفة ترد عليا، مسكينة، الست كانت هتروح فيها....

قلتلها تيجي معايا وتقعد ترتاح شوية، الست استجابت، مكنش ليها أصلًا إرادة، جسمها كان سايب، جت معايا زي المسحورة وقعدت على الشيزلونج اللي جنبي....

=هجيبلك حاجة تشربيها.

حركت راسها موافقة.....

........................

"هو إيه اللي بيحصل بالظبط؟ إزاي أنا شايف نفسي، أنا بقى مني اتنين؟؟ وإيه البرد ده.؟...فجأة اتنقلت مكان تاني، بقيت على مسافة من المشهد كله، ما بيني وبينهم خطوات، مديهم ضهري، لسه "فيروز" و"هدى" واقفين نفس الوقفة وأنا ممدد على السرير، والدكتور والممرضين بيجروا وفي حالة هلع، بيشيلو حجات من عليا ويحطوا حجات، إيه البرد ده؟ المستشفى اتزحمت أوي فجأة، بقى في ناس كتير في الممرات وقدام السراير وفي كل حته، ناس وشها شاحب، ناس بتقع كل شوية وتقف، ظهر واحد قدامي، كان جي في اتجاهي ، مش بيقف، جي في اتجاهي بالظبط، على بعد خطوات مني، بوقه اتفتح على الآخر وفضل ينزل دم، شلالات دم على الأرض، أنا اتشليت في مكاني، مقدرتش أتحرك والراجل عدى من خلالي! بعدها لقيت واحدة تانية ماشية ببطء، زيجزاج، مش في خط مستقيم، كإنها سكرانة، قربت مني ومسكتني وقالت "لو سمحت؟ هو أنا فين؟ إيه اللي بيحصل هنا؟ كانت لابسة زي أبيض وفجأة صدرها اتملى دم، مكان قلبها، بصت لتحت وبصتلي وقالت : "آه....افتكرت...آه".....

وكتير بقى شفتهم قاعدين على سراير المرضى أو واقفين قصادها بيبصوا للمريض بأسى، لكن محدش من المرضى شايفهم ولا من الدكاترة....

..........................

طلبتلها "مانجا"، فضلنا ساكتين بعدها، لسه كانت بتنهج، كانت لحظات مريبة، مكنش عندي حاجة أقولها، أول ما جه العصير وبدأت تشربه قلتلها:

=متقلقيش، ده هزار ولاد، هو كويس....ده...قريب حضرتك؟

-حفيد أختي، في مقام حفيدي، هي ميتة من زمان وأنا معنديش ولاد ف....

= تمام، ربنا يخلي، هم كده ولاد اليومين دول، عفاريت، الواحد مبيعرفش يتعامل معاهم....

قلعِت وقتها النضارة الشمس، ولأول مرة شفت عنيها....

كانت جميلة أوي....فيها لمعة غريبة، ملامحها على بعضها، مش بس حلوة، دي مريحة، مريحة جدًا، جمال مش صارخ، هادي كده، كإنها شخص مألوف، بسيط وقريب، كل ده وهي في السن ده أومال لما كانت صغيرة كانت عاملة إزاي....

لساني اتعقد، مبقتش عارف أقول إيه، سرحان في وشها وشعرها، في الآخر اتشجعت وقلت:

-أنا مهندس على فكرة، كنت...معايا دكتوراة في الهندسة، إسمي "عصمت"، نازل في الفندق هنا مع بنتي وأحفادي....

ومديت إيديا....

كنت، متوتر، متوتر أوي، مش عارف ليه، مع إنه كان تعارف، عادي...

مدت إيدها وهي بتبتسم إبتسامة رقيقة وقالت:

-فيروز.

بنتي جت من ورايا واتنفضت لما شفتها كإني عامل عاملة، ابتسمت لفيروز وحيتها، "فيروز" قامت وشكرتني على المشروب ومشيت....

"هدى" سألتني مين الست دي، حكتلها في كلمتين، مكنتش عايز أطول في الكلام، مش عايزها تقفشني، تقفشني؟ مالك يا "عصمت"، أنت اتهبلت على كبر ولا إيه؟ بجد؟! الست دي عاجباك؟ ومتعجبنيش ليه؟ دي تعجب الملك، تعجب أي راجل بيفهم....

حالي كان يصعب على أي حد، رقبتي هتتلوح، عمال أدور عليها، بلف رقبتي في الشط كله، مش لاقيلها أثر، كل شوية "هدى" تسألني مش جعان؟ مش تعبان وعايز تريح شوية؟ وأنا أقول لها لأ عايز أقعد في الشمس، لحد ما زهقت وسابتني ورجعت على الفندق هي والعيال وأنا فضلت محلك سر، بدور على حورية البحر، لحد ما أخيرًا ظهرت، كانت لابسة فستان غير الكاش مايوه اللي كانت لابساه، الفستان لبني في أبيض مخليها زي الملاك، بيزود رقة ملامحها، ابتسمتلي من بعيد، وجت عليا وكانت هتتخطاني لولا إني وقفتها وعزمتها على فنجان قهوة بليل قدام حمام السباحة بتاع الفندق، وافقت بضحكة رقيقة وبهزة من راسها من غير كلام ومشيت وسابتني....

..........................................

هو إيه اللي بيحصل؟ اللي بشوفهم دول مش أحياء، الزحمة اللي المستشفى اتزحمت بيها فجأة ....دول أموات على أحياء! وده معناه إني....في الطريق، أنا بموت، ممدد على السرير ولا حول لي ولا قوة، أجهزة جسمي بتنهار، الحياة بتتسحب من جسمي شوية بشوية، لأ....مش عايز أموت! قبل كده، من وقت موت "هنا" ولحد من شهر فات كل اللي كنت عايزه إني أموت وأروحلها، دلوقتي الوضع اختلف، أنا عايز أعيشلها، أعيش لفيروز، مشيت لحد السرير، بصيت لنفسي، فضلت مراقبني شوية، مديت إيدي على جسمي وأنا بقول "شد حيلك، لازم أقوم، لازم أقوم، لازم......".....سمعت صوت خطوات عنيفة جايه ناحيتي، بصيت بجنب عيني لقيت "هنا"! كانت غضبانة، مكشرة، جت عليا بسرعة، وبعزم ما فيها ضربتني بالقلم!

=كح كح كح (صوت كحة).....

كنت بشهق، كإني بالع ميه كتير، فُقت...."هدى" جريت عليا و"فيروز" فضلت واقفة متسمرة، مديت إيدي بالعافية ناحيتها، عايزها تيجي تمسكها، عايزها تطمني، قربت مني، ومسكت إيدي، ضمت إيديها الاتنين عليها، وابتسمتلي....

.........................................

سهيت "هدى" والعيال ونزلت عند حمام السباحة، قعدت شوية ومظهرتش، حسيت بالإحباط وبإحراج كمان، كانت بتاخدني على قد عقلي، مش عيب؟ مش عيب أعمل كده في نفسي وأنا عندي 78 (تمانية وسبعين) سنة؟ ما أنا اللي هزقت نفسي و....

لقيتها طالة عليا، طلتها نافست القمر اللي كان واضح في السما ليلتها، كان جمبها، واضح، كبير ومشرق بس مش زيها!

فاكر كل تفصيلة فيها يومها، لبسها وشنطتها وشعرها والمكياج اللي كانت حاطاه، قعدت على الكرسي جنبي، قمت جبتلنا 2 قهوة وبدأنا نشربها سوا....

-أنت عندك كام سنة؟

=إيه القنبلة دي؟ أول حاجة جت في بالك؟

ضحكت وقالت:

-لأ بجد.

=78 .

-ياااه، كبير أوي، أنا 75.

= طب ماحنا قد بعض أهو.

-لا متخنسرش، فرق 3 سنين بحالهم.

= بس بأمانة شكلك أصغر بشوية حلوين، إيه سرك بقى؟

-بحب نفسي، وبعيش ليها.

وانطلقنا في الكلام، الكلام كان سهل أوي معاها ومريح، تقريبًا معملتش مجهود، فعلًا ملامحها مش بس اللي طلعت وديعة، هي نفسها، مريحة أوي، حكتلي إنها اتجوزت مرة ومخلفتش، وقضت حياتها ما بين مصر وأستراليا، وكان واضح من طريقة كلامها ومن القصص اللي حكيتها إنها مختلفة شوية، نمط حياتها منفتح عني وعن أهلي ومعارفي، بس عادي، إيه المشكلة، ده هيضرني في إيه؟ خصوصًا في المرحلة العمرية اللي أنا فيها، أهم حاجة بساطتها ورقيها ورقتها وجمالها، وضحكتها، اااه، ضحكتها، دي في حته تانية...

.......................

أخدنا أرقام بعض، وأول ما رجعت القاهرة ابتدينا مكالمات، كنا بنتكلم على التليفون الأرضي، على قديمه، بعيد عن الموبايل والمكالمات السريعة المتكروتة والرسايل اللي من غير روح، إحنا بقى كنا بنتكلم بالساعات، بنتكلم في كل حاجة، في الطبيخ اللي بعمله، والطلبات اللي بجيبها والمسحوق اللي بغسل بيه هدومي، وعيلتها وعيلتي وأذواقنا في الموسيقى ونوع القهوة المفضلة عندنا.....

طبعًا "هدى" قفشتني، مبقتش عارف أخبي عليها، كانت بتشوفني بتكلم في التليفون وبتلاقي وشي منور ومودي بقى حلو دايمًا وبحب الحياة وعرفت إن الموضوع ليه علاقة بست وكانت مخمنة إنها "فيروز"، الست بتاعة شرم وتحمست جدًا وبان عليها الارتياح إني لقيت حد يسليني ويهون عليا الأيام....

وفي خلال كام إسبوع بس فاتحت "هدى" في إني عايز أتجوز "فيروز"، أول رد فعل ليها كان التجهم، سرحت وزي ما تكون مكنتش مستوعبة، اتخضت، وده لإني كنت حارن على الجواز 15 سنة بحالهم، وكان باين إني قفلت الباب ده بالقفل من زمان ومش هفتحه، لكن ثواني وحواجبها المعقودة فكت، شفايفها انبسطت ووشها نور....

-ألف ألف مبروك، ده أحلى خبر.

هي كانت مرتاحلها أوي، وتحفظها الوحيد هي إنها مختلفة عننا شوية، عاداتها مش عاداتنا، ونمط حياتها مش زينا، بس مش مهم، لإننا مكناش هنجيب عيال ونربي مثلًا، كل اللي عايزينه نتسند على بعض في الوقت المتبقي لينا...

وفي يومين وزي كده العادات الأوروبية، قابلت فيروز وقدمتلها خاتم الجواز، وبكده اتخطبنا....

........................

في ليلة من الليالي وفي خلال مكالمتنا قلتلها إني نفسي في آيس كريم، بعد ما قفلنا اتفاجئت بالباب بيخبط، كانت فاتت ساعة على المكالمة، فتحت ولقيتها....كانت لابسة لبس بسيط لكن شيك كعادتها، ومش حاطة ولا نقطة مكياج وده خلى ملامحها أحلى، كان في إيدها كيس كرتون، اتحرجت جدًا، مكنتش عارف المفروض أتصرف إزاي، لقيت نفسي بقول لها تتفضل تدخل....

فتحت التليفزيون وهي قعدت جنبي وفتحت الآيس كريم وبقت تأكلني في بوقي....بعد شوية استأذنت تمشي، لكن أنا اترجيتها تفضل، القعدة كانت حلوة وهي وجودها حلو أوي وبيطمنني، مكنتش عايزها تسيبني...

الكلام ما بينا مكنتش بيخلص، سلس زي الحرير، مفيهوش مجهود، فضلنا كده لقرب الفجر، استأذنتها أدخل الحمام دقايق...دخلت، كنت خلاص هطلع، يدوبك بس بغسل إيديا، معرفش اللي حصل، فجأة رجلي اتزحلقت كإني واقف على رخام ناعم ووقعت ومدرتش بالدنيا....

فُقت على وشوش مخضوضة بتجري بيا في ممرات ساقعة، واحدة منهم كانت بتقول:

-دكتور "عصمت" سامعني؟

أيوه أنا سامعها وبحاول أرد عليها لكن مش عارف، على قد ما أقدر بحاول أفهمهم إني واعي وشايف وسامع كل حاجة....

وبعدها كملت الممرضة وقالت:

-دكتور "عصمت" خليك معانا..... يا دكتور، خليك معانا، أنت سامعني؟

فقت ولقيت نفسي بشهق، كإني بالع ميه كتير ، مديت إيدي بالعافية ناحية فيروز، ، قربت مني، ومسكت إيدي، ضمت إيديها الاتنين عليها، وابتسمتلي....

دي كانت أول مرة تحصل لي، أول مرة اقرب من الموت بالشكل ده، خفت، مش عايز أموت، قبل كده كل اللي كنت أتمناه أنام مصحاش، عشان أروحلها، أروح لهنا، لكن "فيروز" جددت رغبة الحياة فيا، عايز أعيشلها....

الدكاترة قالوا إن اللي حصل لي بسبب الوقعة، دوخت وراسي اتخبطت جامد في الأرض، والحمد لله مفيش عضم اتكسر و"فيروز" سمعت الخبطة وجريت عليا وطلبت الإسعاف و"هدى" ، كان في نزيف داخلي بس اتلحق....

......................

خرجت بعد يومين، "فيروز" مسابتنيش فيهم ولما روحت البيت مع "هدى" قالتلي:

-يا بابا كنت عايزه أكلمك في الموضوع، مبدئيًا ألف سلامة عليك، ربنا يبارك فيك، بس....إزاي "فيروز" كانت عندك في البيت ولوحدكم؟

=إيه يا بنتي يعني؟ عيال إحنا وهنغلط؟

-لأ، أنا عارفة ده، بس حضرتك برضه عارف أخلاقنا، وبعدين ترضى تشيل ذنوب في حاجة زي دي؟ هي لسه خطيبتك، طبعًا بحمد ربنا إنها كانت موجودة ولحقتك لكن...الأصول أصول، ما تتجوزوا، إيه موضوع الخطوبة دي؟ لسه هتكونوا مستقبلكم؟؟

عندها حق، مقدرتش أرد....

................................................

فاتت 10 أيام معرفش ليه خلالهم لساني اتلجم، كنت محرج أفاتح فيروز في إننا نتجوز بسرعة، هي كانت قالت محتاجة شهرين أول الخطوبة عشان تحضر نفسها للجواز، بس على رأي "هدى" مكنش في أي داعي للتأخير، وفي ليلة وكالعادة فضلنا نتكلم بالساعات، وبعدين قفلنا، روحت في النوم، وصحيت على خبط باب الشقة، مكنتش مميز إحنا لسه بليل ولا النهار طلع، مسكت نفسي بالعافية لحد الباب وفتحته ولقيت "فيروز".....

عاملالي مفاجأة، ابتسمتلي، لكن ابتسامتها ضاقت لما أدركت إني كنت نايم، فضلت تعتذر كتير وكانت مُصرة تمشي وأنا اللي وقفتها بالعافية وخليتها تدخل، قعدنا قصاد بعض، كل واحد على كنبة، جيت أعزم عليها على أي حاجة، أكل أو شرب رفضت، وفضلنا قاعدين نتكلم وإحنا بنتفرج على التليفزيون وبعد ييجي ساعة أصريت أعمل لها حاجة تشربها، قمت وروحت المطبخ، عملت الشاي وصبيته وبدأت أقلب، وأنا بقلب دوخت مع حركة المعلقة، مع كل تقليبة كنت بدوخ أكتر، الرؤية بقت مشوشة وشفت في المشهد اللي بيتهز قدامي مجسم، المجسم مش واضح ، زيه زي كل المشهد لكن شوية شوية ومع قربه مني بقى واضح، "هنا"!

فضلت تقرب عليا، شكلها وملامحها واضحة جدًا وحادة برغم التشويش اللي حواليها، عنيها كلها غضب، تعبيرات وشها ناشفة وقاسية، مدت إيديها الاتنين وزقتني!

ووقعت....وقعت جوه بير عميق، فضلت أقع وأقع لكن جسمي لسه مش بيلمس أرض، مسافة مهولة، لحد ما أخيرًا اطصدمت بقاع البير، سقف البير بعيييييييد،في وش ظهر فيه بعد شوية وقت، وش قلقان ومشفق عليا، "فيروز"!

الحقيني، الحقيني يا "فيروز"....

 

 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1356 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع