إنَّ مَن يتأمل الواقع المعيش والثقافة السائدة التي تسيطر على أفكار مجتماعتنا؛ يلاحظ أنَّ هناك مجموعة كبيرة من المفاهيم باتت مغلوطة في أذهان الناس، وخرجت عن سياقها الأصيل إلى معاني دخيلة، أو تم احتكارها لسمعاني أخرى بعيدة عن معناها الحق.
من جملة هذه المفاهيم مفهوم «الفن والفنون»؛ إذ أصبحت هذه الكلمة الآن وثيقة الصلة بالمسلسلات والأفلام، لا تنفك عنها، ولا يعرفان إلا بها.
فأصبح المألوف عند غالب الناس (الفنان يعني الممثل).
وهذة من تضييق الواسع والاختصار غير المقبول.
لأن «الفن» مصطلح واسع لمعاني الإبداع والتميز والإنتاج وصناعة الجمال، في أي مجال كان.
فالممثل - الذي يستطيع أن يُضحك ويُبكي المشاهد في ذات اللحظة، ويستطيع بأداءه وتعبيراته وتقمصه للشخصية أن ينقل لك أحاسيس ومشاعر وجدانية عبر الشاشات والمسافات هو فنان.!
وكذلك الطبيب الذي يستطيع أن يُشخِّص المرض الدكين بأبسط وسائل ويعالجه بأقل علاج هو فنان.!
والجراح الذي يُجري أدق العمليات الجراحية وأصعبها بكل سهولة وبساطة هو أستاذ الفنانين.!
والمهندس الذي يستطيع تحويل مترات غير منتظمة من الأراضي إلى معمار فاخم الرقُي هو فنان.!
والفقية الذي يستطيع حل المسائل المعقدة غير المسبوقة وإدراك الواقع في فتاويه هو فنان.!
والمُعلم الذي يستطيع أن يصنع من عقول بليدة ونفوس فاقدة الشغف طالبًا مجتهدًا هو فنان.!
والصانع الذي يستطيع أن يصنع من الأدوات البسيطة الزهيدة ألآتٍ ومعدات تيسر حركة الحياة هو فنان.!
والصنايعي الذي ينتج عمله في أشيك صورة وبأقل تكاليف في مساحات ضيقة هو فنان.!
وقارئ القرآن الذي يستطيع بقراءته أن ينقلك معه إلى حالة تتعايش فيها مع الآيات لحظة نزولها هو فنان.!
والإعلامي الذي يعالج الخطر قبل وقوعه هو فنان.!
والرسَّام الذي يُحوِّل الألوان المتداخلة على ورقاته إلى معاني ناطقة ومشاعر متدفقة هو فنان.!
والخطيب الذي يوصِّل أكبر مقدار من الرسائل والتوجيهات في أيسر كلمات وأقل زمن هو فنان.!
والصوت العذب فن ....... وربط المعلومات ببعضها ذكاء وفن ........ والتعامل مع التكنولوجيا ببساطة فن ....... ولعب الكُرة فن ........التعامل مع الله فن ...... معاشرة الناس فن ...... حل المشكلات فن ....... استثمار تجارب الآخرين فن ....... التجارة فن ....... السباكة فن ...... النجارة فن ...... الصناعة فن ......... الطبخ فن ........
إنتاج أي شيء ينفع الناس في أكمل جودة وبأقل ثمن في أقل وقت هو عين الفن والإبداع.
فلا نُحجِّر واسعا ولا نضيق على أنفسنا ما من شأنه السعة والرحب.