الظلام الحالك يلفُّني، والدموع تُسكبُ على خدي. لا أصدقُ ما حدث، لا أستطيعُ أن أتقبّلَ هذه الفاجعة. أنا أمين بك الألفي، آخرُ مملوكٍ هربَ من مذبحة القلعة.
بدأتْ القصةُ بدعوةٍ من محمد علي باشا، يدعونا لحضورِ حفلٍ بمناسبةِ تولّي ابنهِ أحمد طوسون باشا قيادةَ الجيشِ الخارجِ إلى الحجاز فى الخامس من صفر 1226 هجرية. لبّينا الدعوةَ بكلِّ ثقةٍ، مُرتدينَ أزهى ملابسِنا، مُتزينينَ بأجملِ زينتنا.
لكنّ ما لم نكنْ نتوقّعهُ، حوّلَ الحفلَ إلى مذبحةٍ مُروّعة. فأغلقَ الجنودُ الأبوابَ، وفتحوا النارَ علينا من كلِّ جانبٍ. سقطَ رفاقي الواحدُ تلوَ الآخر، وأنا أُشاهدُ الموتَ يقطفُ أرواحَهم أمامَ عينيّ.
حاولتُ الفرارَ، قفزتُ على حصاني، واندفعتُ وسطَ الرصاصِ. طاردني الجنودُ، لكنّ حصاني كانَ أسرعَ منهم. اتّجهتُ نحوَ بابِ العزب، لكنّ الجنودَ أغلقوهُ أمامي. لم يكنْ أمامي سوى خيارٍ واحدٍ: القفزَ من فوقِ السور.
أغمضتُ عينيّ، ودعوتُ اللهَ أن يُنقذَني. قفزتُ، وشعرتُ بجسدي يرتطمُ بالأرض. اعتقدتُ أنّني قدْ مُتُّ، لكنّني عندما فتحتُ عينيّ، وجدتُ نفسي على قيدِ الحياة.
نهضتُ مُتألمًا، مُصابًا بجروحٍ في جسدي. هربتُ من القلعةِ، واتّجهتُ نحوَ الشام. لم أُلتفتْ خلفي، لم أُرِدْ أنْ أرى المزيدَ من الموتِ.
عشتُ في الشامِ مُنفيًا، حزينًا على رفاقي الذين قُتلوا. لم أستطعْ أنْ أنسىَ مذبحةَ القلعةِ أبدًا. لقد كانتْ يومًا أسودًا في تاريخِ مصر.
أنا أمين بك الألفي، آخرُ مملوكٍ هربَ من مذبحة القلعة. هذه شهادتي، شهادةُ من عاشَ الموتَ ورأى بأمِّ عينهِ كيف تُزهقُ الأرواحُ البريئة بكل هدوء ، وبلا رحمة.