فى سخرية شديدة, واستهزاء أشد نظر إلى مصباح قديم اختفى لونه من الصدأ , لم يعرف إن كان فضيا أم ذهبيا , احتواه الصدأ تماما واكتسى بقشرة سميكة منه, كان ميراثه الوحيد من جده المتوفى حديثا, والذى أوصى بأن يرثه حفيده –الوحيد أيضا- بعد مماته.
ضحك فى مرارة وهو لا يتوقع أن يكون هذا المصباح هو الشىء الوحيد الذى يرثه , كان يدرك تماما أن الحظ السىء هو رفيقه على مدار حياته, ولم يقصر معه فى يوم من الأيام, ولكنه لم يتوقع أن يصل لتلك الدرجة من السوء.
لم يتزوج رغم اقترابه من نهاية العقد الرابع من عمره, توفى والده فى حادث سير, ثم لحقت به والدته حزنا عليه, وظل مع جده طوال حياته.
وجده –للأسف- لم يكن مثالا يحتذى به, أو قدوة يسير على دربها, بل كان نموذجا للمراهق العجوز , لم يهتم بحفيده , بل بخل بماله ومشاعره ووقته عليه, حتى جاء يوم تحول فيه الجد مرة واحدة, لم يعد يتحرك, صمت تماما, ولم يعد يريد تناول الطعام, ومرت عدة شهور حتى رحل عن الدنيا.
كان يعمل فى أرشيف مبنى المحافطة, أحب زميلة له ولكنها لم تبادله نفس المشاعر, فقره , وملامحه الحزينة التى طمست معالم وسامته الضئيلة , جعلتها تبحث عن شاب ثرى , مرح, وسيم, فنسج حول نفسه شرنقة سميكة, ولم يعد يفكر فى الزواج تماما.
جلس فى حجرته صامتا, يتأمل المصباح يمينا ويسارا , حتى لمح علامة مطموسة الملامح لنجمة خماسية, فدار هاجس فى خاطره وظل يحتل تفكيره..هل ؟..ربما؟!!..
ضحك من تفكيره الطفولى وهو يفرك المصباح ناحية النجمة..ثم صرخ من الفزع وهو يراه يهتز فى شدة ويخرج منه دخان أزرق كما يرى فى الأفلام الهزلية التى يراها دوما..
تجسد له جني أزرق يتكلم فى قوة ويطلب منه أن يتمنى..
ظل صامتا , ينظر له فى خوف, ودهشة, وانبهار..
هل حقا ما يراه ؟..
هل بالفعل تجسد له جنى المصباح كما تجسد لشخصية علاء الدين الخيالية؟
خرج صوته خافتا يسأله :هل كنت تعرف جدي؟
ثبتت هيئة الجني وبدا صارما وهو يقول: جدك؟!..أنت الحفيد إذن..طالما لمحتك عندما كان جدك يأمرني بأمنيات لأحققها له. كان أنانيا , بخيلا..طل يتمنى وأنا أنفذ حتى سخر منى ذات مرة فجعلته عاجزا, قعيدا..
انكمش فى مكانه خوفا عندما علم سبب مرض جده فى الفترة الأخيرة من حياته, لكن الجني طمأنه بأن ذلك يرجع لغرور وأنانية الجد..وطلب منه أن يتمنى ما يريد وأنه سيحقق كل أمانيه فى الحال..
استرجع الحفيد جرأته ورباطة جأشه وتمنى..
تمنى الثراء..
أصناف الأطعمة التى يعرف –فقط- اسمها..
ملابس فاخرة ليحرق ملابسه البالية التى فقدت لونها الطبيعى..
ضحك الجني وصاح : فى الحال..
واختفى ..
مرت دقيقة ..دقيقتان..ربع ساعة كاملة حتى كاد يشك بأن كل ما حدث كان وهما صنعه خياله المريض.
ثم ظهر الجني مرة أخرى وعلى ملامحه القلق , والتوتر..
سأل فى اضطراب: فى أي عام نحن؟
- 2024
بدت على ملامحه علامات الفزع قائلا: لا أستطيع للأسف تحقيق أمنياتك , ماذا حدث فى الأعوام الأخيرة؟ هل غبت كثيرا لهذه الدرجة عن حياتكم ؟ سأطلب منك أمنية أيها الحفيد.
تعجب الحفيد وسأله" أمنية!! أنت الذى ستتمنى؟
صاح الجني " نعم" ..أنا أريد العودة إلى مصباحي العزيز ..اجعلنى أعود داخل سجنى الجميل!!
تمت