القاهرة، 23 يوليو 1952
يُطلّ فجرٌ حارّ على قصر عابدين، حاملاً معه بوادر عاصفةٍ سياسيةٍ ستُغيّر مجرى التاريخ. داخل جدران القصر الفخم، يسودُ شعورٌ بالقلقِ والترقب. الملك فاروق، آخر ملوك مصر، يمضي آخر أيامه على العرش، ليس بغافل عن المصير الذي ينتظره.
كان القصرُ هادئًا تمامًا. ينامُ الجميعُ، ما عدا فاروق. يقفُ فى شرفةِ غرفتهِ، ينظرُ إلى أضواءِ القاهرةِ البعيدة. يشعرُ بالوحدةِ والخوفِ، ويُدركُ أنّ نهايةَ حكمهِ باتتْ قريبةً لا محالة.
في الصباحِ الباكر، يُوقظُهُ صوتُ الطلقاتِ الناريةِ. يخرجُ إلى الشرفةِ، ليجدَ الشوارعَ مليئةً بالجنودِ المُسلَّحين.
يُدركُ فاروقُ أنّ الوقت قد حان .
يرى حشودًا من الناس تتجمع في ساحة قصر عابدين، مردّدين شعاراتٍ مناهضةً للحكم الملكي. يزدادُ قلقهُ وتوترهُ، لكنّه يُحاولُ إخفاءَ مشاعرهِ أمام مستشاريهِ الذين يُحاولونَ طمأنتهُ.
يُغمضُ الملكُ فاروقَ عينيهِ، وتتداعى ذكرياتُ طفولتهِ وشبابهِ. يتذكرُ أيامَ الرخاءِ والترفِ التي عاشها، ويتذكرُ أيضًا التحدياتِ والهزائم التي واجهها خلال فترة حكمهِ. يندمُ على بعضِ قراراتهِ، لكنّه يُؤمنُ بداخله بأنّه بذلَ قصارى جهدهِ لخدمةِ مصرَ وشعبها.
تذكر أيضا حرب فلسطين 1948 ، حريق القاهرة ، تزايد الغضب الشعبي
في ساعةٍ متأخرةٍ من الليل، يتلقّى الملكُ فاروقُ رسالةً من قادةِ الجيشِ على يد حسين فوزى مساعده المخلص تُطالبهُ بالتنازلِ عن العرشِ ومغادرةِ البلاد. يواجهُ الملكُ قرارًا صعبًا: التنازلُ عن العرشِ دون مقاومةٍ، أو المُقاومةِ والمُغامرةِ بفقدانِ حياتهِ.
في صباحِ اليومِ التالي، يقفُ الملكُ فاروقُ فى شرفةِ قصرِ عابدينِ، يلقي خطابًا وداعيًا لشعبِهِ. يُعربُ عن أسفهِ لتركِهِ البلادَ، ويُؤكّدُ على إيمانهِ بمستقبلِ مصرَ المُشرقِ. ثمّ يُودّعُ مستشاريهِ وخدمهِ.
في تمامِ الساعةِ السادسةِ والعشرينِ دقيقةٍ مساءً، يُغادرُ فاروقُ مصرَ على متنِ اليختِ الملكيِّ المحروسة.
يُبحرُ اليختُ الملكيّ حاملًا على متنهِ آخرَ ملوكِ مصر، تاركًا وراءهُ بلدًا على أعتابِ ثورةٍ جديدةٍ. تُعلنُ مصرُ الجمهوريةَ، وتبدأُ حقبةٌ جديدةٌ في تاريخها.