في قلب العاصمة، حيث الأبنية الرمادية الشاهقة تخفي خلفها أسراراً ثقيلة، كان هناك صحفي شاب، يعمل في صحيفة مستقلة تُعرف بجرأتها في كشف الفساد. لكن الزمن تغيّر، ولم تعد الجرأة تُغفر.
بينما كان يجلس في مكتبه المتواضع، يتفحص مستندات مسربة تتحدث عن صفقة مشبوهة يديرها رجال أعمال اشتهروا بنفوذهم الواسع، تلقى اتصالاً مجهولاً. صوت عميق حذره قائلاً:
"إذا واصلت هذا الطريق، لن تسقط الحقائق وحدها، بل ستسقط أنت أيضاً".
لم يأبه للتحذير. قرر أن ينشر القصة، لكنه واجه صعوبات غير مسبوقة؛ رؤساء تحرير تراجعوا، مصادر اختفت، وحتى مقالاته أُزيلت من الموقع الإلكتروني للصحيفة دون تفسير.
في اليوم التالي، دُعي إلى اجتماع طارئ مع رئيس تحريره. قال له الرجل، وهو يمسح جبينه المتعرق:
"القضية أكبر مما تتصور. هناك خطوط لا يمكن تجاوزها، وإلا... كل شيء سيسقط".
لكنه لم يكن من النوع الذي يخضع للتهديدات. خرج من المكتب عازماً على مواجهة النظام الفاسد مهما كلفه الأمر. التقى بمصدره الأساسي، أحد الموظفين الحكوميين، في مقهى مهجور على أطراف المدينة. كان الرجل خائفاً، لكنه أكد أن الصفقة التي كشف عنها ستؤدي إلى بيع أهم موارد الدولة بثمن بخس، تحت غطاء "الاستثمار الأجنبي".
بعد أيام من التحري، حصل على دليل قاطع: تسجيل صوتي لمسؤول كبير يعترف فيه بتلقي رشاوى مقابل تمرير الصفقة. قرر أن يعقد مؤتمراً صحفياً ويبث التسجيل أمام الجميع.
لكن في صباح يوم المؤتمر، اختفى ..
تبخر تماماً، كأن الأرض ابتلعته. تحريات قسم الشرطة زعمت أنه "سافر فجأة"، لكن زملاءه لم يصدقوا الرواية. الصحيفة نفسها أُغلقت بأمر قضائي، بحجة "مخالفات قانونية".
بمرور الوقت، تساقط كل شيء. الأصوات المعارضة صمتت، الملفات اختفت، والشعب نسي القضية تحت وطأة أزمات يومية مفتعلة.
وداخل أحد الأبراج الشاهقة الفاخرة، جلس رجل في مكتبه الفخم يتابع نشرات الأخبار. كان هادئاً، يحتسي قهوته، قبل أن يهمس لنفسه بابتسامة خبيثة:
"عندما تملك السلطة، لا شيء يسقط... إلا الحقيقة".