رنّ هاتفي بِصوت (نادر)، صديقي المقرب منذ الطفولة، ليذكرني بموعد تناول الغداء مع عائلته. والحق يقال أشعر بسعادة غامرة، فلم أكن قد رأيتهم منذ فترة طويلة.
(نادر) صديق الطفولة ، افترقنا بعد المرحلة الثانوية حيث التحقت بكلية الطب ، والتحق هو بكلية العلوم ..
أخذت علاقتنا تأخذ مرحلة السلم والثعبان، حيث نقترن سويا لمدة ثم نبتعد فترة تماما ، ثم نعود ..وهكذا..
حتى انتهت امتحانات المرحلة الجامعية، ونحن الآن فى انتظار نتيجة حصادنا لها..
قرر دعوتى على تناول الغداء مع أسرته ، وألح بشدة ..
وافقت على الفور، مشتاقًا لقضاء بعض الوقت مع نادر واستعادة ذكرياتنا الجميلة، وقد اشتقت لطعام والدته وطيبتها التى تغمرني بها عند وجودى مع نادر لتعوضنى بفقدان والدتى التى لم أراها ..رحلت عند ولادتى ..ولم أدرك كينونة مايسمى حنان الأم!
في يوم الغداء، وصلت إلى منزل نادر. كان الجو هادئًا، يلفّه شعور غريب من الترقب. استقبلني نادر بابتسامة عريضة،
دلفت للمنزل، وفوجئت بِديكور غريب لم أره من قبل. كانت الصور العائلية مائلة على الجدران، والنباتات تبدو ذابلة على الرغم من كثرة المياه، ورائحة خفيفة من البخور تملأ المكان. شعرت بِرعشة خوف سريعة، لكن سرعان ما تجاهلتها.
اجتمعنا حول طاولة الغداء، ورحبت بي والدته حيث لم تراني منذ فترة طويلة.. كانوا ودودين، لكن سلوكهم كان غريبًا بعض الشيء. كانوا يتحدثون بِهمس، وينظرون إليّ بنظرات غريبة، وكأنّهم يخفون سرًا ما. ازداد شعوري بعدم الارتياح، وفقدت شهيتي للطعام.
بعد إصرار شديد تناولت قليلا من الطعام، ثم اتجهت مع ( نادر ) إلى حجرته التى طالما شهدت الكثير من ذكرياتنا المرحة فى طفولتنا..
تركني فى الحجرة وأدركت بقليل من الذكاء أنه فى طريقه لجلب طبق من الفاكهة وكوبين من الشاي ..
رأيت باب الحجرة يُفتح ويدلف منه طفل صغير يبتسم لى فى ود وألفة واضحة، اقترب منى فى هدوء وجلس بجانبي ..
سألته " من أنت ؟ ولماذا لم تتناول طعامك معنا؟"
نظر لى وابتسم وهمس: مبارك على تقدير الإمتياز أيها الطبيب !
ضحكت وأخبرته بأن النتيجة لم تظهر بعد ، ودعواتك لربنا وكلام من هذا القبيل..
ابتسم ثم تركني وغادر الحجرة ..
لحظات وحضر (نادر) كما توقعت ، طبق الفاكهة المحببة لنا و أكواب الشاى التى تفوح منها رائحة القرنفل ..
رشفت رشفة من الشاى ..
- من الطفل الموجود هنا؟ هل لك شقيق وأنا لا أعلم؟!
بدا عليه التوتر وهو يقول :
- طفل !! لا يوجد أطفال هنا ..
ضحكت فى توتر وأنا أخبره بأن هناك طفل و تحدث معى ..
هب نادر من مكانه :
- لا يوجد هنا أطفال تماما ..ولم يدخل أحد إلى الغرفة هنا ..هل تتخيل ؟ يبدو أن انتظار النتيجة جعلك متوترا تماما..!!
" يتبع ...."