في زمنٍ غلبت فيه الرويبضة على العقول، وأضحى السفهاء يتقدمون الصفوف، تتراءى لنا الحياة كأنها مسرحٌ ساخر، تُبدل فيه الأدوار وتُعكس فيه المقاييس. يجلس الجاهل على كرسي الواعظ، ويبسط صاحب الفكر السطحي سلطته، ويصير من لا يملك علماً ولا أدباً قائداً للنفس والناس.
هؤلاء السفهاء الذين يتلون النصيحة بجرأة كاذبة ويدّعون الحكمة بزيفٍ منمّق، يُلبسون الرداءة حلّة التميز، ويظنون أنّ هزيمتهم للحق شرفٌ وقوة. يتقدّمون المشهد، يدّعون فهم الحياة، ويوزعون الآراء الجوفاء التي تفتقر إلى أساسٍ من فكرٍ نقيٍّ أو تجربة حقيقية. في كل قولٍ لهم تشعر بأنك أمام طيفٍ من فراغ، يحاول أن يرتدي ملامح الوجود القوي.
يتقلّدون أعلى المناصب بغير وجه حق، يجلبون الفوضى تحت قناع التنظيم، ويغرسون العشوائية باسم التغيير. إنهم كأمواج عاتية تُغرق العاقل في صخبها، وتُعلي من شأن الجهل على حساب الحكمة.
أين ذهبت العقول الرصينة؟ لقد غطت سحابة من الجهل والتعصب على بصائر الناس، فلم يعودوا يفرقون بين الحق والباطل، ولا بين الحكمة والهراء. وكأنهم قطيع من الغنم يتبعون كل من هتف بصوت أعلى."