يتوقع عماد ما رآه، فالذي رآه لم يكن مخيفا، ولا مرعبا، بل كان صادما، محيرا.
رأى كل أرفف ثلاجته على أرضية المطبخ، وقد تحطمت كل الأطباق الموضوعة عليها، كل المعلبات مبعثرة فى أرجاء المكان، وكأن الثلاجة انفجرت من الداخل.
ولا يوجد أدنى أثر لزوجته ..
اقترب من الثلاجة ، ومد يده يفتحها وجسده ينتفض فى قلق وخوف.
ورآها..
تحتل الثلاجة بأكملها من الداخل ، تجلس نصف جلسة داخلها و تضغط بيديها على أذنيها؛ لمنع وصول صوت القرآن إليها، وتنظر له فى غضب رهيب، وتهتف بصوت وكأنه خوار:
- لن يقتلنى، ولكنه يزيد غضبى.
ثم صرخت بقوة ..
سمع صوت زجاج ينكسر ، ثم دوت فرقعة شديدة فى صالة المنزل، أتت من لوحة التحكم الكهربائي، فاشتعلت وامتدت شرارتها للستائر المعلقة .
وبدأت النيران فى الاندلاع، تلتهم كل شىء دون أن تشبع ..
حاول إخراجها من الثلاجة فدفعته بعيدا عنها ليصطدم بحافة طاولة المطبخ ويسقط أرضا..
بدأت غشاوة تجتاحه، وهو يرى النيران تقترب منه، والدخان يلف المكان ، وصوت دقات عنيفة على الباب..
ثم أظلمت الدنيا من حوله تماما..
---------
شعر عماد وهو يفتح عينيه وكأنه يبذل مجهودا خرافيا، بدأ يرى ضبابا من حوله ، ثم بدأت الصورة تتجسد أمامه..
كان ممددا على أريكة ، مبللا تماما، وأمامه قد احترقت الصالة تماما..
نظر حوله فرأى والدته، ووالد زوجته وبعض جيرانه، ثم انتبه إلى زوجته..
كانت تجلس على مقعد وعلى يسارها والدتها وهى تحاول تهدئتها..
لمحته يفتح عينيه فهرولت ناحيته، وهى تهتف باسمه .
_ ماذا حدث؟
قالها فى إعياء تام .
قالت له فى حزن :
_ السخان الكهربائي جعل لوحة التحكم تنفجر.ولولا تدخل الجيران و حضور والديّ لاحترقنا بالكامل.
سمع صوت أحد الجيران وهو يسب السخانات، ويلعن الكهرباء، وهو ينظر لها فى قلق ..
كان يراها ولم يمسها شيئا أبدا، فى أتم عافية ، وأوفر صحة، وأكثر جمالا، وكأن النيران جعلتها شهية، طازجة ، شحنت طاقتها بلا حدود.
ثم نظر لوالدها فى ثبات..
كان يطرق رأسه أرضا، ويبدو عليه التوتر.
بدأ عماد فى التحرك غير مبال بنصائح من حوله ، فقام من أريكته وهو يتجه فى تعب إلى والدها ويضع يده على كتفه ويقول فى همس:
_ أريد التحدث معك.
ثم اتجها نحو حجرة المكتب معا، وهما يلمحان ابتسامة ساخرة خاطفة تحتل وجه مروة، قبل أن ترسن على ملامحها الحزن والأسى مرة أخرى.
--------------
_ أنت تعلم كل شىء
هتف عماد بتلك الجملة فى وجه والد مروة ، الذى نظر له فى ألم ويشيح بوجهه بعيدا عنه.
أمسك عماد وجهه؛ لينظر له وهو يهتف من جديد :
_ ما الذي يحدث؟
بكى والد مروة فجأة ، فجلس عماد أمامه وقد هدأ قليلا ..
مسح والدها دموعها ، وبدأ فى الكلام وصوته يجيش بالمرارة، وأثر البكاء:
- سأحكي لك كل شىء. أنا السبب !
"نهاية الجزء الثالث.."