لابد أنهم ينزعون قلوب السجانين من قِبل الاحتلال الغاشم قبل أن يوظفونهم في أماكنهم، بل وربما يشترطون عليهم أن يكونوا أصحاب نزعة سادية ومدمني تعذيب ويستمتعون بآلام الآخرين. كل ذلك مر بخاطري وأنا أتعرض لشتى ألوان التعذيب وأنا لم أرتكب أية جريمة، كل ما فعلته أني كنت مواطن يعمل ليل نهار ليُطعم أسرته الكبيرة المكونة من أب قعيد بسبب التعذيب في سجون الاحتلال وأم مريضة ومعظم الوقت لا تتوافر لها الأدوية اللازمة بسبب الحصار المفروض على القطاع. كذلك أنا مسئول عن زوجتي وأطفالي وزوجة أخي الفدائي وأولاده فقد تركهم أمانة في عنقي وأوصاني بهم حتى يؤدي واجبه لتحرير الوطن. كان الحمل ثقيل لكني حملته بنفس راضية ودعوت الله أن يعينني عليه. وقعت أحداث طوفان الأقصى وانقطعت بنا سُبل الرزق وقُصفت بيوتنا وقُتل أهلنا وجيراننا وأصحابنا.صرنا نحمل متاعنا وننتقل من منطقة لأخرى لنجد الأمان. لكننا في وطن مفتقد للأمان فقدرنا أن نقع تحت سطوة عدو سادي متوحش متعطش للدماء وكلما أراق دماؤنا تعطش للمزيد. فقدت الكثير من أسرتي ولم تكن لدي حتى رفاهية البكاء عليهم بل وحتى معظمهم لم أجد أشلاؤهم ولم أستطع دفنهم. ذات يوم وقعت تحت قبضة جنود الاحتلال الذين أذاقوني كل كؤوس العذاب التي لم تخطر على بال إبليس نفسه، كل ذلك لأعترف عن مكان أخي أو أي فرد من المقاومة ولا يعلمون أني رجل بعيد كل البعد عن ذلك فأنا في رقبتي حِمل تنوء به الجبال، فلكل منا دور في الحياة وأنا رضيت بدوري لكن الاحتلال الغاشم لا يصدقني. بعد فترة طويلة من التعذيب وبعد أن أصابتني أمراض جسدية ونفسية بسبب التعذيب أطلقوا سراحي وأنا لا أصدق أني نجوت منهم وأصابني الذهول. لكن الذهول الأعظم كان من نصيبي عندما رأيت ما حل بالبلاد وأهلها وتساءل ترى حقًا هل نجوت؟!