آخر الموثقات

  • شهيد المعبر 149
  • الصبر على البلاء والحرمان: امتحان القلوب وصقل الأرواح
  • فوانيس مصر في رمضان 
  • العمل عن بُعد
  • فستان فرح 
  • طريق ومنحنيات
  • قلب وعقل 
  • أهو الإنسان؟!
  • نجاح بطعم الفشل
  • التيك توك .. مقزز
  • إلى صاحبةِ الحُزنِ الطويلِ
  • الهدف التوعية
  • محتوى بلوجر قبيح و معيب
  • هل الوهم يرسم، يا يحيى؟
  • مبروك أنت ممسوس
  • نجمة أمل
  • وميض ومضة غرام
  • ذلك الصباح البعيد 
  • ‏في أوروبا استطاعوا تحويل الزبالة لطاقة كهربائية‏
  • التوازن بين الابتكار والحفاظ على الأصالة
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة سلوى بدران
  5. يمامة من بلادي

كنت وأنا أفتح النافذة اليوم. أتذكر أنني قد حلمت بيمامة بنية اللون، تجيء لي من أقصى البلاد حيث موطن أهلي وأحبابي، تحط فوق إطار نافذتي، تبيض بيضتين لم أرَ مثلهما في حياتي. تنتشي، وتهز الجناحين. تنظر لي، ثم تطير من جديد. فتحتُ النافذة وأنا أبحث عن يمامة أحلامي، فلم أجدها، فكأنَّما هي لحظة ذابت في لحظات الزمن المرتحل أبدًا. نظرتُ للسماء. كانت مثقلةً بسحابات رمادية كثيفة، وكأنَّما هي على وشك بكاء مؤكد. وحين نظرت للشارع كان سرب البيوت العالية ذات الأسقف القرميدية الحمراء هادئًا، كما هو، وكانت الكنيسة التي تقف بهيبتها في صدر الشارع، تقاوم أصابع الزمن الطويل، الذي نام على حوائطها الصلبة خالية تمامًا، وهي تستعد لفتح أبوابها يوم الأحد بإطلاق أبواقها. مثلها مثل رصيف الشارع الذي كان يلمع بقطرات المطر التي باغتته. أغلقتُ النافذة وأنا أفكر في تلك التي جاءت تطير عبر البحار. تقاوم المطر والريح، وهي التي لم تعتد الطيران في تلك السموات الملبدة الغائمة. هي تطير دومًا فوق سماء بلادي الصافية. تحط فوق النخلات العالية. تتأرجح، وتداعب ثمرات النخيل الناضجة؛ لتسقطها فوق الرمال الممتدة .وكأنما حينما أغلقت النافذة، وأغلقت عيوني رأيتها من جديد تحط القدمين، تروح وتجيء وتطير؛ لترتفع صوب السماء. تلقي فوق وجهي منديلًا معطرًا برائحة النيل والأحباب، فأشم رائحة زهورالبرتقال البيضاء في الحقول، حين يؤرجحها الهواء؛ لتتوغل في الأنوف. ورأيت النخيل في الأعالي، مثقلًا بالثمرات الحمراء الحلوة، أشم رائحة بخور، وتسكن ملامحي رذاذات نيل بلادي، ثم تتحول اليمامة لسرب من اليمامات تظللن السماوات، وترتفعن حيث الشمس التي تسقط أشعتها على رءوسنا حانية دافئة.

     أفتح العينين، وأعود بالزمن، وأنا أدير الكاسيت على صوتها: (على بلد المحبوب وديني، طال وجدي، والبعد كاويني) يثمر قلبي بالنشوى؛ فأغني معها، وكأنني ما زلت الصغيرة التي تلوِّح لسرب اليمام الذي يذوب في السماء الرحبة وقت العصاري؛ ليتفتح في زرقة السماء بنفسجات منمنمة، وأرى البنات متحلقات بفوانيس رمضان حول بيوت حارتنا. يفرحن بقطع الحلوى التي توزعها علينا الجارات، والقروش القليلة التي نغتنمها من الجدود بعد صلاة التراويح، ونتضاحك رغم لسعات قطرات الشموع لأيادينا الصغيرة.

   أفيق فجأة على صوت جرس الباب المتتابع، وعلى دقات حثيثة، انتزعتي من نشوة الذكريات. أنظر حولي فلا أرى سوى حوائط غرفتي الأربعة تحيط بي، وكانت سماء البلد الأجنبي الذي أعيش به منذ أعوام تقذف زجاج نافذتي بزخات المطر، وندف الثلج لا تزال. فتحت الباب، فكانت الريح تنفذ من بين جسد جارتي العجوز التي طالما تفرست في ملامحي، وكأنما تخمن من أي البلاد أتيت، وقت نزولي، أو صعودي مكتفية بتحية الصباح، أو المساء بملامح جامدة،وعيون زجاجية زرقاء .كانت تقذفني بلغتها الفظة، وهي تشير للكاسيت الذي جريت بسرعة لأغلقه، وهي تهددني بإبلاغ البوليس، وتذكرني بأنني أعيش ببلد لها نظام يجب أنْ أحترمه وإلَّا فاذهبي إذن إلى بلادك، فربما أوحشتك الفوضى.

   شعرت فجأة كأن حوائط غرفتي صارت زجاجًا، وحين أغلقت الباب سمعت صوته يتهشم، فتحت النافذة، ولما لم أجد يمامتي أيقنت أنَّها طارت حزينة عائدة إلى سماء بلادي، فوضعت لها وعاءً مليئًا بالماء على سور النافذة، وبعض الحبوب؛ فربما تعود. نظرت لحوائط غرفتي، فكانت مزينةً بصور لفراعين وأهرامات صغيرة، وجلست أحلم بها تجيء من جديد؛ لتحط فوق سور شرفتي .ثم تطير وهي تشق بجسدها وجناحيها الهواء، فينزاح الثلج على الأرصفةهشًّا، وينشق لي طريق للشمس. استنشق رذاذ النيل، ورائحة بخور الذكريات. تبيض بيضة لم أرَ مثلها في حياتي، وتطير قلتُ عله قريبٌ قريبٌ، وأنا أهمس لنفسي: (على بلد المحبوب وديني، طال وجدي، والبعد كاويني)

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1229 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع