تقول السائلة: أنا متزوجة من ١٥ سنه وعندي أربعة أولاد والحمد لله.
باختصار زوجي بخيل جدا ، ودائما كنت أتصرف انا في نفقة البيت لأني كنت أعمل ، والآن تركت العمل لما أصبت بالكنسر ، وهو لايزال على حاله ، ولما احتجت لجراحة تكفل بها والدي وإخوتي ، لدرجة أنه كان إذا ذهب معي لجلسات الكيماوي يأخذ منى أجرة المواصلات كما تعود ، وبعد مرضي تعبت نفسيا من تصرفاته هذه وكلمته كثيرا دون جدوى ، والآن لم أعد أطيق أن يعاشرني معاشرة الأزاوج ، حتى إنني أبكي لو تم ذلك
فماذا أفعل ؟ وهل انا آثمة ، أفيديني .
- السؤال مختصر من رسالة مطولة -
الجواب:
أقول للسائلة : اسمحي لي أولا ومن باب توعية غيرك من السيدات أن أقول لك : لقد أخطأت سيدتي في حق نفسك وأبنائك ، حين أعفيت زوجك من البداية من الإنفاق ، الذي هو من أبرز مسؤولياته عنك وعن أبنائه ، وكان ينبغي أن تلزميه بنفقتك حتى و لو كنت تعملين أو كنت ذات مال وفير، فنفقتك على زوجك وعلى قدر سعته ، ولامانع من المساهمة في نفقات البيت عن رضا وطيب خاطر ، وهذا من باب المروءات وليس الواجبات .
ثانيا : أقول لك سيدتي :هناك قاعدة قرآنية تحكم العلاقة بين الزوجين وماعليهما من حقوق ومالهما من واجبات ، وهي وكما يقول الشيخ محمد عبده بمثابة الميزان الذي توزن به تصرفات كل منهما تجاه الآخر وماله وما عليه ، وهي المنصوص عليها في قوله تعالى " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف "
وعليه ، فهذا الزوج الذي لايراعي نفسيتك ويتعامل معك بلا إنسانية في ظروفك الحرجة هذه ، إنما أسقط بذلك أهم مايجب أن تنبني عليه الحياة الزوجية وهي قاعدة المودة والرحمة بموجب قوله تعالى "وجعل بينكم مودة ورحمة "
فالعلاقة الخاصة بين الزوجين ليست علاقة حيوانية بهيمية ، ولكنها وكما عبر القرآن الكريم ، حالة من الإفضاء أو التلاحم الجسدي والنفسي بين الزوجين ، وبتعبير القرآن الكريم " أفضى بعضكم إلى بعض " وكأن كلا من الزوجين يدخل في فضاء الآخر ويتلاحم معه فيصيران كيانا واحدا .
وقريب من هذا المعنى يأتي قوله تعالى " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " ومعلوم أن اللباس هو ألصق شيء بالجسد ، وبه يستتر الإنسان ويتجمل.
وفق هذه المعاني يجب أن تسير العلاقة الزوجية ، وفي إطار من قاعدة المودة والرحمة.
فإذا حدث وتجرد الزوجان أو أحدهما من هذه المعاني ، جاءت العلاقة بينهما أشبه بحالة حيوانية ، وليست إنسانية على الاطلاق .
واذا كان هناك طرف لايهمه ولايعنيه أن تمارس هذه العلاقة الخاصة بطريقة إنسانية أو حيوانية ، إذ المهم عنده أن يقضي مأربه وكفي ، فإن الطرف الآخر حين يتأذى بذلك يصبح من الضرر.
والقاعدة " الضرر يزال " و " لاضرر ولاضرار "
-أما النصوص التي جاءت تأمر المرأة بسرعة الاستجابة لزوجها إذا طلبها ، وتتوعدها بالعقاب في الآخرة إذا امتنعت حتى وإن حكم عليها بالصحة ، نحو قوله صلى الله عليه وسلم " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت ، فبات عليها غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح " متفق عليه .
فأقول لك : هذه الحديث ومافي معناه إنما يتحدث عن حالات الاستواء والاعتدال ،يعني حين ينفق الزوج ويحتوي ويرعى ويتودد ويقوم بواجباته كاملة ، ثم تتمنع عليه الزوجة دون عذر مقبول ، وهو غالب سلوكها معه .
والخلاصة هي أن العلاقة الزوجية ليست حقا للرجل وحده ، فهي حق للزوجة كذلك ، والعلاقات التي تكون على هذه الشاكلة يجب ان تتم على صورة تشبع حاجة الطرفين ، ولايجوز أن يستأثر بها طرف ويتألم بها آخر .
ثالثا: هذا الزوج اذا امتنع عن النفقة لاعن عوز أو عن ضيق ذات اليد ، ولكن عن بخل كما ذكرت، تسقط قوامته باتفاق الفقهاء ، لأن القوامة جاءت في القرآن الكريم معللة بهذه العلة" وبما أنفقوا من أموالهم "
والقوامة حين تسقط عن الرجل بموجب الشرع ، فهذا معناه أنه أصبح ديكورا في بيته
، فكيف إذن يكون له هذا الحق عليك ؟
ومعلوم أن الفقهاء في عمومهم فسروا قوامة الزوج على زوجته بمعنى السلطة والكلمة النافذة وإذن الدخول والخروج - ولست معهم بالطبع في هذا التفسير - فالقوامة ذات معنى أرحب من ذلك وأعمق ، فهي المسؤولية في أعلى درجاتها وهي الحب وهي الرعاية وهي الحنو ، فهي مشتقه من مادة (قوم ) التي منها اسم الله " القيوم " بمعنى القائم على ملكه يحفظه ويتعهده لايغفل عنه ، ولاتأخذه في سبيل ذلك سنة ولانوم .
وإذا كانت القوامة تسقط بالامتناع عن النفقة ، فمن باب أولى أن يسقط بسقوطها حق المعاشرة ، الذي أساسه المودة والرحمة والسكن ، وهذه هي أسس العلاقة الزوجيةفي ديننا الإنساني الحنيف ، وإلا نكون قد أسسنا لأسر تقوم العلاقات فيما بينها على المنفعة الجسدية فقط ، أو أسر من خارج عالم البشر .
وبناء على ذلك : أرى أن من حقك الامتناع عن هذه العلاقة التي تؤذيك ، خاصة وأنت مريضة بهذا الداء الذي تلعب النفسية دورا أساسيا في التعافي منه .
واذا كان الزوج مصرا على أن يأخذ مايتصوره حقه من هذه العلاقة ، وهو في الوقت نفسه لايبدي أية بادرة في سبيل إصلاح حاله معك من التعامل بالمودة والرحمة وتحمل أمر النفقة ، فمن حقك أن تطلبي منه أن يطلقك بالمعروف ، فإن أبى كان لك الحق في طلب التفريق للضرر عن طريق القضاء .
فالانفصال بالطلاق خير من الاستمرار في حياة مؤذية نفسيا إلى هذه الدرجة ، فكأنك في ظروفك هذه تلقين بنفسك إلى التهلكة ، وقد تأثمين بذلك بسبب تفريطك في حق نفسك عليك ،" وإن لبدنك عليك حقا "
وأنصحك بأن تبدئي بالامتناع عن هذا الزوج ، كنوع من الضغط عليه كبادرة لإصلاح حاله معك ، فإن عاد إلى رشده ، وإلا فالحل هو الطلاق في رأيي ، ولكن أنت فقط من يمكنه تقدير ماإذا كان هذا الحل هو الأمثل بالنسبة لك ، أم إن الإبقاء على حياتك العائلية شكلا كما تقولين لأجل أبنائك، ودون السماح لنفسك بتحمل أية ضغوط زائدة عليك إن كنت تقدرين على ذلك - هو الأمثل ، وفي هذه الحالة لاإثم عليك شرعا إن امتعت عن هذا الزوج تماما ، إلى أن يصلح من نفسه .
وعليك إذا اخترت حل الطلاق أن لاتخافي من هذه الخطوة ، ودائما ضعي نصب عينيك قوله تعالى " وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته "
فما أنت فيه هو المخيف حقا ، ولايوجد في رأيي ماهو أقسى من أن يتعايش زوجان وبينهما مثل هذه التلال من البغض والكراهية ، وأن ينشأ الأبناء في مناخ مسموم إلى هذه الدرجة . .
والله تعالى حين شرع الطلاق شرعه لأنه حل وعلاج ، ولكن نحن من جعلناه مشكلة وساحة للاحتراب والثأر ، حتى أصبح مخيفا بل ومرعبا ، ولكن لاتخافي ولاتحزني مادام الله معك ، فأنت في المعية ، لكونك مريضة أولا " أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده " ثم لكونك صابرة " والله مع الصابرين "
تنبيه
الذي لايعجبه رأينا له ذلك ،ولكن غير مسموح بالتجاوز ، ولست ملزمة بالرد إلا على ماأراه يستحق الرد من الاستفسارات فقط.