يقال إن هناك إ حساسان حقيقيان فقط في الكون كله :
( الحب والخوف )
منذ اللحظة التي ولدت ، كانت تلك الطاقة قوية لدي، وتربط كل شيء ببعضه ،أو هكذا أخبرتني مربيتي العجوز ( أم هاني ) .
و مع مرور سنين طفولتي أخذت أشعر بسلبية كل ما حولي تحتلني ، وفهمت بعد ذلك أنه لدي القدرة على امتصاص خوف الآخرين .
كنت أشعر بخوف ورعب الآخرين يسري إلى كياني ، فيكون من الواجب علي أن أذهب للبحث عنهم والقيام بما يجب علي القيام به ، وإلا فإنني سأظل أحس بتلك الآلام الكبيرة تسيطر على جسدي من نوع عاصفة مظلمة قوية تهز صدري وتكاد تطرحني أرضا كلما مرة .
كان ذلك يحصل لي عندما أشعر بالخوف أنا أيضا .
وكانت ( أم هاني ) تنصحني دائما بأنه لا يجب علي أن أترك الخوف يتسلل إلى جوارحي بتلك الطريقة ، بل يجب علي مواجهته بجرأة وشجاعة .
كانت تؤكد لي أننا يجب أن نضع الخوف بجانبنا في خط متوازي مع خط سيرنا في هذه الحياة وكانت تبين لي أننا في الحب أيضا فإننا نحس بالخوف .
كل ذلك لم أكن أفهم منه شيئا لأن الألم يسيطر علي . فأجيب بغيظ :
ــ لكنني مازلت أراها ، كل تلك الأشياء البغيضة وكلها أسئلة مجسمة .
تبتسم في وجهي محاولة تهدئتي وتجيبني على شكل سؤال :
ــ ما هي تلك الأسئلة المؤرقة المجسمة ، قد أجيب عنها وأفك ألغازها .
ـــ حاضر ،
سؤال ، ما معنى القبلة ؟ وهل تسعدين أحدا ما عند تقبيلينه ؟ ولماذا أنفر من ذلك ؟ لا أترك أي أحد يقبلني بما فيهم أنت ؟
ظهرت في عيني العجوز ( أم هاني ) ومضات شكوك وهي تفكر ، وقالت :
ـــ حسنا ، غالبا ما تكون القبلة نابعة عن حب ، وقد تسعد الآخر ، لكن ذلك يعتمد على نوع القبلة ، أتعرفين ؟
واستدارت نحوي وهي تسأل في فضول وكأنها تحاول إخفاء التفكير العميق الذي بدا على محياها بعد سؤالي عن القبلة :
ــ ما هو السؤال التالي ؟
ـــ لماذا يمسك الناس بأيدي بعضهم البعض ؟ هل ذلك حب ؟ او أنه خوف ؟
وماذا لو أنني لم أمسك بيد أحد أبدا ؟
نظرت إلي ( أم هاني ) وقد استغرقها صمت ثقيل وفراغ كبير في عينيها المجعدتين ، في نفس اللحظة راودني ذلك الشعور الغريب بالخوف وتراءت لي تلك المرأة في الشارع الموجود فيه بيتي ، وهي تجلس القرفصاء على الأسفلت، علمت أنها ترتعش من الفزع والخوف .
كان علي أن أخرج مسرعة من البيت لأبحث عنها لكي أمتص خوفها في الحال فهي على وشك أن تقتل نفسها .
عندما اقتربت منها أخيرا ووضعت يدي على رأسها وباليد الأخرى نزعت السكين الذي كان في يدها تريد أن تغرزه في صدرها ، كان الألم يعتصرني .
كان يجب علي أن أتحمل كل ذلك العذاب الكاسح الذي قسم ظهري وجعلني أسير على ركبتي .
كا نت تلزمني قوة كبيرة جدا لكي أستطيع أن أجر نفسي إلى منزلي مرة أخرى.
وجدت ( أم هاني ) تنتظر عودتي عند الباب ، والخوف يتلألأ في عينيها الصغيرتين .
قالت بصوت مرتعش :
ـــ خفت عليك ،جاء شاب يبدو أنه غير طبيعي يبحث عنك .
اقتربت منها ووضعت يدي على يدها وقلت بصوت هادئ :
ـ لا تخشي علي ، عزيزتي ، لا تخشي شيئا ، فلا أحد يمكنه أن يقترب مني .
ــ لقد ترك لك هدية ، إنها هناك على الطاولة ، في ذلك الظرف .
ــ سآخذها ، لا تقلقي .
لما أخذت الظرف وفتحته وجدت فيه بطاقة سوداء ، بها ثقب كثيرة .
كانت كتابة ولا شك . ككتابة (طريقة براي) الخاصة بمن لا يرون .
أمعنت النظر إليها محاولة أن أقرأها ، رفعتها أمام عيني ليخترقها الضوء كانت تقول :
(لكي تعلمي مدى النور المنبعث منك في الظلام والقوة عند الخوف . )
( كان من الممكن أن أحمل عنك كل آلامك وعذابك لو استطعت ، لكنني ما دمت لا أستطيع فحاولي ألا تموتي بخوف الآخرين . )
وضعت تلك الرقعة السوداء على الطاولة قرب سريري ، كنت أعرف أنها ستحميني من ألم الحب وظلامه الحالك ، و من الخوف منه ، فأنا لم أعرف يوما ألما ووجعا أكبر وأعظم من ألمه ووجعه .
لم يعد لدي يوم ، أو غد ، ومع كل نفس أتنفسه كنت أحس أن شظايا قلبي تصطدم ببعضها وتنغرز بعمق بين أضلاعي من الخوف على الآخرين .