هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة غادة سيد
  3. نساء المحمودية تاريخ متصل

أولا- عتبات النص
عتبات النص: هي كل ما يحيط بالنص من العنوان، اسم المؤلف، الغلاف، المقدمة، الإهداء، كلمة الناشر، مقابلات مع الكاتب، دراسات وندوات حول النص وحتى الاعلانات. تهتم دراسة العتبات بالجوانب المهمشة التي تحيط بالنص وتربطها ببناء النص وتفسيره وفهم دلالاته.
نبدأ بأولى العتبات -الغلاف- بتفاصيله حيث لا يوجد عتابت أخرى اللهم إلا كلمة الناشر في قطعة الظهر.
الغلاف جاء باللون الأخضر الذي يمثل خورشيد بأحراشها ثم مزارعِها التي امتد خيرُها ما بين الاسكندرية وكفر الدوار والحدائق الغناء لقصورها التي تهدمت واندثرت عبر الزمن لتختفيَ في النهايةِ خلف مشروع التطوير الجديد.
يحمل الغلافُ في جزئه الأعلى اسمَ الكاتب منير عتيبة وعنوان العمل وجنسه الأدبي مع عبارة مشوقة عن التاريخ السري لخورشيد، داخل ما يشبه الطابع البريدي، ولكننا اعتدنا أن يتخذ الطابع وضعا رأسيا في معظم الأحيان ويحمل صورة تمثل حدثا هاما أو شخصا محددا، لكنه هنا جعل الصور والأشخاص والأحداث خارج الإطار الذي احتوى على كتابة دون صور من عنوان يُعرف بهوية العمل موضحا أن الأمر يسرد تاريخا طويلا مليئا بالأسرار يمتد إلى مائتي عام. فصار هذا الطابع يمثل البطاقة اللاصقة التي كانت تأخذ نفس الشكل قديما وتوضع على الدفاتر الشخصية تعرف بصاحبها ونوع المادة التي يحتويها وهو ذات ما سنجده في هذه الرواية الفريدة.
لكن لماذا نساء المحمودية ؟ لِماذا اختصت النساء؟ لأنهن ببساطة من يرسمن تفاصيلَ الأحداثِ في كل الحقب المختلفة على امتدادها داخل العمل. فدائما البطل الرجل هو من ينشئ الحدث ويحركه، لتشكل نساء المحمودية نهاية كل حقبة بما حملته من أحداث وصراعات. فالبطل واحد بنفس الاسم "حسين" ونفس المصير حتى أن الأمر يلتبس عليك في البداية فلا تستطيع التمييز بين حسين وآخر. لتأت كلُّ إمراةٍ منهن، مع السياق السياسي للحقبة التي عاشت بها محددة عن أي حسين نتحدث فصارت نساء المحمودية كالهوية للبطل وإن لم تحمل نفس الجنسية أو تتشارك معه نفس الهموم بل وقد تعمل كخصم للبطل في بعض الأحيان.
حمل الغلاف صورا توضح هذه المئتي عام، فكل صورةٍ منها تحكي قصةً لحقبة زمنية وتشير إلى شخصية بعينها. المرأة التي ترتدي زيا أشبه بزي الممرضات ومصمَّمة بنفس طريقة الاعلانات في الفترات القديمة لما قبل الستينيات تخفي وجهها وهويتها خلف ذلك التاريخ الطويل من عمر الوطن لتظهر بصورة رقيقة فهل حقا هي كذلك؟ أم هي شيطان تمثل في صورة ملاك الرحمة؟ ثم يُعبر عن كل عصر بأميز ما فيه، ولا أميز من صورة الزعيم جمال عبد الناصر معبرا عن فترة الستينيات، ثم الفترة الزمنية المجاورة له في السبعينيات وعصر الانفتاح الذي تطور فيه الراديو كاسيت من الراديو الخشبي القديم ذو الدور الهام الذي ظهر بالعمل والذي تمسكت به إحدى الشخصيات وهي أم حسين زوج صباح لآخر لحظات الرواية وحتى التخلص منه في رسم فريد لما يشكله ارتباط السياسة بحال الشعوب وقناعاتها. يُحمل كلُّ ذلك على منضدةٍ عتيقة منمقة في الأسفل منها ماكينة خياطة سنجر بشكلها القديم تخص الشخصية التي تربط الأحداث في الرواية وهي رضوى، وكأنها حملت كل هذا التاريخ على عاتقها لتنقله لنا بكل تفاصيله التي حاكتها بماكينة الخياطة خاصتها.
ثم يأتي الغلاف الخلفي باقتباس من الرواية واضافة كلمات قليلة من الناشر ثم تصميم يوضح أن "نساء المحمودية" هذا العمل الذي ترويه النساء حملته رضوى وقدمته لنا وتقدمت بأحداثه عبر السنين رغم ساقها العرجاء المدعمة بذلك الإطار الحديدي، وفي الخلف منه زيا عسكريا قد يعني أن خلف هذا التاريخ هناك من يدير الأمور ممثلا بهذا الزي، ولكنه مثَّل لي القائد المنشئ للحدث دائما هو الرجل بصرف النظر عن هويته واسمه.
دلاله الأسماء.
اختيرت الأسماء بعناية ليخفيَ كل اسم خلفه قصةً كبيرة. سأتعرض إلى الأبرز منها فقط اختصارا للوقت.
عائدة: الشخصية الغامضة التي ظهرت منذ البداية بدهائها وعنفها وخيانتها التي وصلت لحد القتل متخلية عن ضمير مهنتها، ثم التعاون المخابراتي تقربا لحبيبها الطبيب ابراهام اليهودي مثلها والذي لايختلف عنها، واختفت لتعود بعد خمسة وثلاثين عاما متذكرة القطعة النحاسية التي انتزعتها من رقبة حسين والقتها في ترعة المحمودية لتحرم منها عائلة أبو حسين إلى الأبد. فهي عائدة بتصميم كبير بعد كل هذه السنوات لتشتري قصر أحمد بك الجزيري من ابنته انجيلا لصالح شركة متعددة الجنسيات تعمل في مجال الاسمنت بصفتها العضو المنتدب. عادت لكن في هيئة أخرى عندما سنحت الظروف لتكشف لنا مدى تربصها وعدم غياب حلم العودة عنها لحظة واحدة لتملك خورشيد بأرضها وناسها هي ثم ابنها الذي يحمل اسم حبيبها السابق الذي انتحر بعد أن قبض عليه الضباط الأحرار وهو يهرب عددا من اليهود وكميات من الذهب فابتلع السيانيد. مسلسل لن ينتهي.
لكن لعنة جرائمها طاردتها في صورة رضوى التي افشت سرها وخيالات للمقتولَين يطاردانها بنفس أدوات جريمتها في حقهما ليجدوها جثة ممدة على اريكة مكتبها بالشركة وفي عينيها فزع ورعب غير مفهومين لكنها حتما تفهمه.
انتصار: تلك المولودة التي اتخذت اسمها تيمنا بنصر اكتوبر المجيد والتي ماتت في لحظات عمرها الأولى مع موت والدها الأسير الذي تلقى صنوف العذاب من العدو الخسيس بعد أن حقق الانتصار يوما وانجبها. فماتت بموته مع ولادة ما يسمى بالسلام. - من وجهة نظر الكاتب منير عتيبة
حسين: هو الشخصية المحركة للأحداث من بدايتها. وحدثها المفجر الذي أطلق سهم البداية عندما ترك منزل والده الذي تزوج بعد وفاة والدته التي منحته ميراثها. تزوج بأخرى وأنجب منها ثم بثالثة وأصبح هو وأخويه محمد وطاهر أولاد القديمة بما يحمله المسمى من معانٍ حزينة ومهينة. ينطلق في رحلته ليستقر في خورشيد البكر في ذلك الوقت، ومن ثم تنطلق الرواية بفصولها الاثني عشر، لكنه دائما يموت قربانا لعصره فمرة يموت برصاص الانجليز، ومرة بانتقام جرو الذئاب الذي كبر بعد أن أذله حسين يوما واتخذه رهينة في صغره، ومرة يموت أسيرا وقد قضى نحبه في سجون العدو. وكأنه اتخذ اسم الإمام الحسين الشهيد لنقف من خلال الاسم فقط على كل ابعاد تلك الشخصية المتكررة في كل حقبة من الرواية.
وان كانت رحلة حسين هي الحدث المفجر للتاريخ السري لخورشيد خلال 200 عام فإن رضوى بخروجها مع ماهر لمشاهدة الاحتفال بمحور المحمودية الجديد هو الحدث المفجر للرواية ككل وسرد أحداثها.
واستكمالا لدلالة الأسماء تأتي..
رضوى: الثانية ابنة محمود سائق التاكسي وفاطمة الجيران الوافدون إلى خورشيد. اتخذت نفس اسم رضوى الراوي المشارك بل هي من اطلقت عليها اسمها ووهبتها لخالد إبن أخيها سعيد حتى قبل أن تولد ثم اختفت في نهاية الاحداث لتقول لنا أن مسؤولية نقل التاريخ بتفاصيله لم تنته باختفاء رضوى زوجة ماهر ولكن سيظل السرد مستمرا مع رضوى خطيبة خالد.
خالد: ابن سعيد أخو رضوى الذي تسلل اسمه بهدوء لنكتشف في النهاية أن الاسم لم يختره الكاتب عبثا، بل ليزرع لنا ارهاصة تشير الى احداث يناير بكل ذكاء دون أن ندري المغزى من الاسم الا في اللحظة التي أراد لنا الكاتب أن نكتشفه فيها.

الهيكل البنائي للرواية
اتخذت الرواية شكلا ومضمونا يتمثل فيما يسمى بأدب المرايا كما أشار الكاتب في الاقتباس التالي: "بدا لرضوى أنها تنظر في المرايا المتوازية كل منها تضج بحياة تخصها ربما لا تجمعها إلا هذه الترعة الكبيرة التي تحولت إلى خط من المياة التائهة في ضجيج محور المحمودية والاحتفال بافتتاحه." انتهى الاقتباس.
وقد نلحظ الخطوط المتوازبة التي تغطي مساحة الغلاف معبرة عن هذه التقنية بخفاء ومشَكلةً نسيجا للاحداث حاكته رضوى على ماكينتها.
لكنني هنا لن اتحدث عن هذا النوع من السرد بتقنياته وأهدافه. سأتناول السردَ من منظور مختلف، فقد بنيت الأحداث في اثني عشر فصلا تمثل الاثني عشر شهرا من دورة الحياة السنوية المتكررة عبر الزمن. فهي تشكل عمرا بل اعمارا متتالية. كل فصل يشمل مشاهد حمل كل منها اسم إحدى نساء المحمودية وتحته رقم الفصل, كان سردا متوازيا لكلِّ امرأة مع البطل حسين الخاص بمرحلتها، وقد حمل كلُّ فصلٍ تطورا للأحداث والصراع والتصاعد الدرامي، تفاصيل حبكتِه وتشابك أحداثه لا تربطها إلا رضوى مستخدما تقنية الاسترجاع في هذا السرد الدائري الذي يبدأ بأحداث الاحتفالية بافتتاح طريق المحمودية الجديد الذي يحضره الرئيس وينتهي عندها أيضا فلخص أحداث مائتي عام في ساعات قليلة موضحا الفرق الهائل بين زمن السرد وزمن الخطاب. كان طريق المحمودية الجديد بخطوطه المستقيمة المتوازية والكوبري الذي يربط خورشيد البحرية بالقبلية معادلا لخطوط السرد المتوازية للحقب المختلفة، ورضوى هي الكوبري الذي يربط الأحداث قديمَها وحديثها، لكن تقنية الاسترجاع كانت ستتعثر حيث أن رضوى لم تكن شاهدا على الأحداث ولم تطلع من الأجداد على كامل التفاصيل ولم تلتق بكل الشخوص التي تفنن الكاتبُ في ابتداعها، فكان الخروج من هذا المأزق بحالة روحانية انتابتها جعلتها ترى ما لا يراه الناس وتسمع ما لا يسمعونه، بل اختفى كل الناس إلا هؤلاء النسوة اللاتي بدأن يُعٍدن شريط الذكريات الماضي بتفاصيله.
يقول: "لم تدر رضوى بما حدث لها، كل ما شعرت به أن هذا المهرجان الصاخب حولها اختفى، حتى ماهر لم تعد تراه،لا طريق جديد، لا خط مياة رفيع، لا كوبري، لا طفل يلعب بطائرته الورقية اختارته ابنا لساعة، لا أحد، ولا شيء، سوى نساء يقفن بجوارها، تبدو كل واحدة منهن في عالم مختلف عن عالم الأخرى، وكلها تختلف عن عالم رضوى، لم تفهم ما يجري، فقط تذكرت والدَها عندما كان يتحدث عن الصالحين الذين يَكشفُ اللهُ عنهم الحجب، فيرون ما لا يراه غيرهم، لكنها لم تعرف ما علاقتها بالصالحين،" إلى آخر الفقرة انتهى الاقتباس.
كانت هؤلاء النسوة هن نساءَ المحمودية، سنية وعائدة وصباح كل منهن تدعونا لنعيش معها تفاصيل حكايتها. فكل واحدة من نساء المحمودية شكلت خطا دراميا متكاملا يبدو وَحدَه كرِواية في حد ذاتها غير منقوصة الأركان، تستطيع قراءةَ كلِّ رواية على حدة وتستشعر البداية والوسط والنهاية والتصاعد الدرامي والحبكة الرئيسية لبطلتها وعلاقتها بالشخصيات المحورية والثانوية وتطور هذه العلاقات ثم تصل للنهاية عبر ذروة الأحداث الدراماتيكية، لكن هذه القصص ايضا متتالية زمنيا فيما بينها، تسلم القصة لقصة أخرى جيلا بعد جيل، لتأت رضوى تربط كل ذلك في بناء متجانس وحبكة موحدة.
فالحبكةُ في الروايةِ هي بنيةُ النصِ والنظامُ الذي يجعلُ من الروايةِ بناءً متكاملا، وهي حركةُ حيويةُ تحولُ مجموعةً من الأحداثِ المتفرقةِ إلى حكايةٍ واحدةٍ متكاملة ضمن اطارِ حدث رئيسي.ِ
الشخصيات:
رُسمت الشخصيات بدقة وعناية ولم تغفل جانبا من جوانبها الخارجية والنفسية وتفاعلها مع الاخرين، فتحدث عن المواصفات الشكلية والانفعالية وتاريخ الشخصية ودوافعها ولماذا تتصرف بهذا الشكل، ثم تحدث عن مكنوناتها ودواخل نفسيتها ورغباتها وامكاناتها وأوجه القصور بها ونقاط ضعفها، ثم علاقاتها بالاخرين وتطور هذه العلاقات سلبا وايجابا انتهاء بمصيرها الذي قد يتوافق مع أفق توقعات المتلقي أو يختلف.
وهو في رسمه للشخصية لم يمدنا بذلك دفعة واحدة بل زرعه على امتداد الرواية وترك الأحداث هي من تخبر عن هذه المواصفات في حينها ليُبقى على شعرة الغموض والتشويق، فيأسر عقل المتلقي ويستحوذ على انتباهه وتركيزه بلعبة التوقع والتنبؤ وينجح تماما في الابتعاد به عن محطات الملل التي تبرز في كثير من الروايات الطويلة المماثلة التي تتخطى ال300 صفحة (316 صفحة).
أُعطي مثالا:
رضوى: ص 14 " كانت رضوى تنظر الى سنية وكأنها تنظر إلى وجهها هي، الشبه لاتخطئه عين، الوجه المدور، والغمازة في الخد الأيمن، العينان السوداوان الواسعتان، والحزن العميق القابع فيهما، سنية تشبه رضوى تماما لكنها أكثر رشاقة أو للدقة أكثر نحافة" هنا علمنا عن مواصفات رضوى الشكلية وانها تشبه سنية والحزن العميق القابع في عينيها مرآةِ نفسها,
ثم مع مرور الاحداث وذهاب أمها بها الى المستشفى نعلم ما تعانيه من قصور في ساقها وهذا الجهاز الحديدي الذي عليها ان ترتديه حول ساقها تدعيما لها وقد يُحسن من حالتها في المستقبل. وتُظهر لنا الأحداث كم أن هذا الجهاز الحديدي كان مصدرا للأوجاع من تنمر صديقاتها بالمدرسة تتزعمهن شيماء ثم زوجتي أخويها اعتماد وسعدية الذي سببت سخريتهما منها في تركها لهذا الجهاز وعدم ارتدائه، مما ابقى على عاهتها مدى الحياة، إلا إن ذلك كان سببا في اكتشاف طاقة روحية داخلها تستطيع توجيهها تجاه من يؤذيها لتنتقم منه وبالفعل أدت هذه الطاقة دورها المدمر مع شيماء فأقعدتها ومع اعتماد وسعدية فأُجهضتا. وقرب نهاية الأحداث نعرف أن سنية لم تشبهها شكلا وحزنا فقط لكن أيضا في امتلاك نفس الطاقة المدمرة التي تخلصت بها من حسين رغم حبها المتفاني له ومن عليات زوجته الثانية التي استحوذت على الجزء الأكبر من قلبه الذي كان يخصها يوما ما.
ثم تتطور علاقة رضوى مع أخوتها سعيد وحمدي وعادل بعد موت الأب، ومع زوجها البدري وابنه هشام وهي علاقات غير سوية بل مشينة تربطها وتشكلها جميعا المصالح غير المشروعة من الجميع من استيلاء الأخ على إرثها والطمع فيها وفي أموالها الذي يحكم زوجها وابنه الخاليان من كل معاني الرجولة والشهامة ورغبتها في اشباع رغبات جسدها مع الاحتفاظ بروحها لماهر في منطق غريب تبنته.
وهكذا الحال مع باقي الشخصيات والأماكن يكون دائما الوصف لأدق التفاصيل بقصديتها ودلالاتها
في وصفه للمكان آخذ مثالا واحدا من أمثلة عديدة.
في حديثه عن عائدة: " قفز قصُر الجزيري إلى ذهنِها فجأة بعمارتِه التي تعود إلى عصرِ الباروك وحديقتهِ الواسعة، بوابتهِ الحديدية الضخمة ذات الطلاء الأخضر الزاهي، سلالمهِ الرخامية العريضة، طوابقِه الثلاثة التي تبدو وكأنها عشرةُ طوابقُ مقارنةً بالبيوتِ القزمةِ في كل منطقة خورشيد. من يعيشُ في هذا البيت؟ وكيف فكر في بنائه هنا أصلا؟ هذا البيتُ يليقُ بمنطقةِ زيزنيا أو رشدي أو جليمونوبولو، هل نقله ساحٌر ما إلى تلك المنطقةِ التي تعجُّ بالنازحينَ البؤساءِ شديدي الفقرِ، الخيامِ المهترئة، الكلاب الضالة، القطط العجفاء، الناموس والذباب، الحشرات الطائرة والزواحف التي لا ُيؤمن جانبُها. قصرٌ وترام في خورشيد، كانا أكثر ما يثير عجبها." انتهى الاقتباس
فنرى المقابلة في الوصف تشرح الحال كاملا بشكله الاجتماعي والمجتمعي والاقتصادي والمعماري ويبرز من الوصف شخصيات بعينها سيكون لها دورا هاما في الاحداث نتعرف على ايدلوجياتهم ومكانتهم وطرائق تفكيرهم.

وعن علاقة الشخصيات ببعضها:
هناك شخصيات كانت ثابتة لا تتغير و لا تتطور سواء فاعلة أو مفعول بها، طيبة كانت أم شريرة، كعائدة وصباح، والبعض الآخر يتطور سلبا وايجابا كرضوى وسنية، واترك لكم تحديد ذلك عند قراءة الرواية.
هذه الشخصيات قد تتطور علاقاتها بمن أو ما حولها وقد تظل بلا تطور فالاصدقاء قد يصبحون أعداء وهو متوقع ومعلوم من البداية كعلاقة عائدة بحسين والبك أحمد الجزيري وغير متوقع أو مشكوك فيه كعلاقة سنية بزوجها حسين وعليات. وانتهت كلها بقتل الجميع لصالح طرف واحد منتصر.
وقد تظل العلاقة ثابتة رغم الغياب كعلاقة صباح بزوجها حسين التي عاشت بدونه أكثر مما عاشت معه، وقد غيبته حروب لا مغزى لها وحروب استرداد الكرامة دون طائل – بحسب رؤية الكاتب-
ورضوى وعلاقتها الروحية بماهرالتي لم تنته حتى آخر لحظة من الرواية رغم زواجها بغيره ثم عودتها اليه وحتى الاختفاء الأخير في الاحتفال فروحيهما لم تنفصلا بأي حال.
علاقة سنية بالمحمودية وعلاقة أم حسين حماة صباح بالراديو الخشبي علاقة تستحق التأمل وتشرح الكثير في سياقات مختلفة اجتماعية وسياسية.
يبقى أن أذكر أغلب أسماء الشخصيات الواردة في الرواية:
حسين وزوجته سنية وزوجته الثانية عليات أرملة وأخواه محمد وطاهر وزوجتاهما حياة ونعمة
رضوى وأخوتها حمدي وسعيد وعادل و سعدية واعتماد زوجتا سعيد وحمدي.
وزوجها البدري وابنته وابنه هشام وحبيبها ماهر.
الشيخ السعيد شيخ الكتاب الذي كانت تذهب له رضوى وابنه عبد الرازق وزوجة ابنه أبلة سميرة
صباح وحماتها وزوجها حسين
عائدة وابراهام حبيبها وابنها ابراهام ديفيد وزوجها ديفيد أهاروني وأحمد الجزيري بك وابنته أنجيلا الجزيري

ذكاء الكاتب ظهر جليا عند سرد السياقات السياسية التاريخية دون الانحياز إلى أي جانب بل بسلامة في نقل وجهات النظر السائدة في هذه الفترات من الحرب العالمية الثانية لحرب اليمن ونكسة 1967 والسلام وأحداث يناير، وأحسب أن هذا يحسب في عدم فرض وصاية على المتلقي، اللهم إلا ظهور الانحياز لجانب واحد فيما يخص فكرة السلام في مشهد فريد بتقنية متداخلة الاحداث والاصوات تعكس حالة التشوش والحزن التي انتابت الشعب في هذه الفترة بشكل دقيق، وكذلك عند وصف التطوير الجديد لمحور المحمودية التي اختفت لتصبح ممرا ضيقا مغطى في معظم أجزائه رغم تشوهها عبر الزمن والمخاوف التي قد يتسبب فيها المحور الجديد بعد أن كانت المحمودية تضج بالحياة يوما ما. فوصف حالة الرضا والاستمتاع بشكلها القديم رغم الأعداد الكبيرة لمن مات من الفلاحين والعمال البسطاء اشبه بما حدث في حفر قناة السويس، فلا طعام يسد الجوع ولا كساء يستر و يدفئ ولا مال ولا حتى قبر يواري الاجساد الهزيلة التي انفقت كل انفاسها -الشيء الوحيد الذي تملكه- انفقتها في حفر المحمودية ليستفيد منها الاثرياء لقصورهم وحدائقهم وتجارتهم.
رواية نساء المحمودية رواية تعكس دراية واسعة وتَمكُّن كبير من التقنيات وبراعة في استخدام هذه التقنيات وتحقيق كل الاهداف المرجوة منها.
رواية برع الكاتب في رسم شخصياته وادار الصراع واتم حبكته الرئيسية بلا ثغرات أو خلل رغم تعدد وتشابك الحبكات الفرعية التي أثرت العمل واكسبته غنا وعبقا وبعدا بل ابعادا مختلفة السياقات والدلالات.
وعلى مستوى النسق. اللغة رائقة مسترسلة تنساب بالاحداث دون تعثر مع شعرية حققت مبدأ أدبية الأدب تجعل السرد الأدبي مميز عن السرد التاريخي الوثائقي.
شكرا للكاتب منير عتيبة على هذا العمل الذي سيثري المكتبة العربية بجزء لم يتطرق له أحد من قبل واتمنى أن يترجم وينتشر خارج نطاق الوطن العربي.

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1532 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع