هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • الحب علامة بسيطة
  • جمال مصطنع
  • عدالة الأرض وعدالة السماء
  • عندما يغيب النور 
  • مش هاسمح لحلمي يموت
  • اعط تعطى
  • فتاه من الفيوم 
  • سيكون هناك
  • تتجول في ظلام السماء
  • أمانة يا صاحبي
  • قراءتي لكتاب لعنة فستان فرح لمايكل يوسف
  • خلاصة الكلام في حدود البدعة المذمومة:
  • زيارة القبور و الدعاء .. جائز
  • "بدون سابق انذار" نوعه إيه ؟
  • زمان بعيد فكريا
  • حبل المشنقة
  • رسالة إلى الله
  • رحلة سافاري
  • ألم أقل إنني
  • يا رعاكَ اللَّه
  1. الرئيسية
  2. مدونة جهاد غازي
  3. بيت الأحلام - قصة

آخر موعد : 24 أكتوبر

إضغط هنا لمزيد من التفاصيل 😋

تنويه (أحداث القصة حدثت على أرض الواقع، يحظر قراءتها ليلا أو لأصحاب القلوب الضعيفة، فإن كنت ممن يعاني من أحد أمراض القلب، أو ممن يخافون لأقل الأسباب يرجى منك عدم قراءتها.)

الساعة الآن تدق للمرة الثانية بعد منتصف الليل، وها أنا ما زلت جالساً أقرض أصابعي ندماً لاتخاذي قرار بناء منزلٍ جديد في أرض والدي، في هذا الوقت تحديداً من كل ليلةٍ مضت منذ عامين، كنت أرتجف خوفاً وأنا أسمع صوتها اللطيف الهامس الذي يحاور أشياءً لا أعرف كنهها؛ أجل إنها طفلتي وفلذة كبدي، وما زلت حتى الآن أرتجف حتى أخمص قدمي كلما سمعت صوتها.

بدأت معاناتي حينما أنصت لزوجتي التي لا تتوقف عن الشكوى من ضيق منزلنا وحاجتنا لمنزل أكبر، طلبت من والدي السماح لي ببناء منزل على واحدة من الأراضي الكثيرة التي يمتلكها، ولم يكن ليمانع فأنا ولده البكر الذي يعتبره يده اليمنى، التجأت لأحد البنوك واقترضت المال وبدأت مشروع بناء منزل الأحلام، الذي تحول فيما بعد إلى عالم من الكوابيس التي لا تنتهي.

بعد مدة قصيرة جداً من انتقالنا إلى منزلنا لم أستطع النوم، طوال الليل وأنا أشعر أن هناك يداً تضغط على عنقي، تكتم أنفاسي ببطء حتى تكاد تخبو ثم تتركني وأنا أشهق طلباً للهواء، فلا أجد سوى هواءً عطناً سيء الرائحة يجعلني أتقيأ حتى تكاد أمعائي تخرج من مكانها، ألهث إنهاكاً وأنا أستند على حائط المرحاض أحاول الخروج فيغلق الباب في وجهي وطرقات تصم الآذان تنطلق من كل الجدران، أصرخ بكل ما فيَّ ولا أجد من يسمع صوتي، فأسقط أرضاً مغشياً عليَّ من التعب والخوف، لأصحو بعد ساعاتٍ على صوت زوجتي التي تمسح وجهي بكميات خانقة من عطر نفاذ، وهي تبسمل وتحوقل والخوف يكاد يقتلها.

حالما صحوت سألتها إن شعرت بشيء غريب في الليلة الماضية، لتجيبني بأنها غفت من شدة التعب منذ لحظة وضعها رأسها على الوسادة، ولم تستيقظ إلا صباحاً، وفوجئت بعدم وجودي إلى جانبها.

- ألم تسمعي أي صوت بالأمس؟ ولم تشمي أي رائحة كريهة؟ سألتها والعجب يرتسم على وجهي.

- لا لم أسمع أي شيء، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ما بك تهذي يا رجل؟ هل رأيت كابوساً وهيء لك أنه حقيقي أم ماذا؟! تساءلت وعلامات الفزع والدهشة ترتسم على وجهها.

-  صمتُّ هنيهة قبل أن أجيبها بنبرة مستسلمة لا تخلو من الاستنكار: ربما هو كابوسٌ ليس إلا!

-  اقترب سأرقيك وأقرأ لك بعض آيات القرآن الكريم، ربما هي عينٌ أصابتنا فمن، الذي كان يتصور أننا سنسكن هذا البيت الرائع بعد ذلك القفص الذي كنا نحيا فيه؟!

جلست تمسد على رأسي بيدها وهي تهمس بآياتٍ من الذكر الحكيم، بعد عدة أيام مرت وكأن شيئاً لم يحدث أيقنت أن ما مررت به لم يكن سوى كابوسٍ مرعب، لجأت إلى دفء فراشي بعد يوم منهك من العمل، غفوت سريعاً ولم أشعر بنفسي إلا بعد عدة ساعات؛ محمولاً فوق ما يشبه الأذرع كما يحمل الميت تسير بي، ولا أرى سوى السقف مهما حاولت الالتفات، وكأنني أطير فوق سحابة لا مرئية، لا أرى أرضاً ولا أحداً، فقط سقف لا متناهٍ وجسدي يتجه نحو حائطٍ مسدود، ما هي إلا لحظاتٍ ويرتطم به، رفعت يدي أمام وجهي فزعاً وأنا أتوقع موجة الألم الطاحن، ولكنه لم يفعل، اخترق جسدي الجدار وكأنه غير موجود، فسقط قلبي هلعاً، فنحن في الطابق الثاني وإن سقطت فحتماً سأتحطم، ولكنني حططت برفق في قاع بركة السباحة التي كانت فارغة لحسن حظي، وفي هذه اللحظة اختفت السحابة التي كانت تحيطني وفقدت وعيي من شدة الرعب.

في الصباح صحوت على أصواتٍ تصرخ باسمي، نهضت متثاقلاً من مرقدي وأنا بالكاد أستطيع تحريك أطرافي المتجمدة من شدة البرد، وصوتي لا يكاد يتجاوز مسمعي وأنا أحاول مناداة أي أحد من عائلتي ليعينني على الخروج، بعد لئي وجدوني وجسدي يرتجف برداً وروحي ترتجف هلعاً.

حينما قصصت عليهم ما حدث،  ظنوا أنني أهذي من الحمى التي أعانيها، ولم يأخذوا كلامي على محمل الجد، وليتهم فعلوا ربما حينها لم يكن ليحدث ما حدث...

بعد أسبوع من هذه الواقعة، وحينما بدأت بالتعافي وتناسي ما حدث، سمعت صوتها لأول مرة بعد دقة الساعة الثانية بعد منتصف الليل، سمعتها بصوتها الملائكي تتحدث وتضحك، فظننتها تحلم وذهبت لتفقدها ربما وقع غطاءها عنها، ليصدمني ما رأيت! لقد كانت طفلتي الوحيدة ذات الأعوام الثمانية تجلس مرتديةً قميص نومها الوردي، وعيناها بيضاء تماماً، ممدودة اليدين وصوتها الضاحك يبلغ مسمعي دون أن تحرك شفتيها، وهناك يد خفية ترسم على ساعديها طلاسم دموية.

صرخت بكل ما فيَّ متعوِّذاً من الشيطان الرجيم، وعلا صوتي المتهدج بحروف آية الكرسي والمعوذات، لأجدها تسقط على فراشها كملاك وكأن شيئا لم يكن، خففت نحوها أضمها إلى صدري، لتفتح عينيها اللوزيتين وتنظر نحوي باستغراب وهي تراني باكي العينين مقطوع الأنفاس شاحب الوجه، سألتني: ما بك يا أبي؟

نظرت إليها غير مصدق لما رأته عيناي وخفت أن أسألها فأصيبها بالذعر، فأجبت: لا شيء.. فقط اشتقت لك وجئت لتفقدك.

بعد فترةٍ من الزمن أصبحت رؤية مثل هذه الأحداث شيئاً عادياً بالنسبة لي، باتت سري المرعب الذي لا أجرؤ على البوح به وإلا وصمت بالجنون، فتارةً أجدهم يحملونني ويلقون بي في بقعة بعيدة عن المنزل، فأعود جرياً بعد تمالك أعصابي لكي لا ألفت نظر من في البيت، وتارةً أجلس وأراقبها وهي تتحدث معهم ضاحكة الشفتين، مغيبة البصر وأيديهم الخفية ترسم طلاسمها الدموية على جسدها الغض الذي يتحول لحظة لمسهم لها للوحة دامية، وأخرى أجد جسدها يطفو في الهواء مخترقاً الجدار ويسقط نحو الأرض دون أن يصاب بخدش، أحاول الوصول إليها فأجد درعاً خفياً يدفعني بعيداً، وبعد فترة وجيزة يعود جسدها إلى غرفتها وكأنه لم يتركها.

الغريب في الموضوع؛ أن لا أحد سواي يرى ما أرى، ويشعر بما أشعر، حتى طفلتي المسكينة لا تذكر أي شيء مما يحصل معها، استمريت في البحث سراً عمن يفيدني فوصلت لرجلٍ يقال أنه عليمٌ بهذا النوع من الأمور، طلب أن يزور البيت ليلاً وشرطه أن يكون فارغاً تماماً.

في الليلة المتفق عليها طلبت من زوجتي المبيت في منزل أهلها مع الأولاد، وقفت في الخارج بانتظاره، ودخل هو حاملاً بيده مبخرة تنشر دخاناً عطرياً في كل ركنٍ يسير فيه، وهو يتمتم هامساً بكلامٍ غير مفهوم لم أفهم منه شيئاً، وبعد مضي وقتٍ لا بأس به، خرج من المنزل راكضاً وهو يصرخ قائلاً: لا قبل لي بهم، لا قبل لأحدٍ بهم، عليكم ترك المكان لعمار المكان، انجوا بأرواحكم وإلا أحرقوكم!

في اليوم التالي عدت أنا وعائلتي لمنزلنا الصغير الآمن، ورغم تذمر زوجتي ولكنني لأول مرة منذ شهور طويلة أنام مرتاحاً، ولكنني رغم توقف كل شيء، إلا أنني ما زلت أرتعب كلما دقت الساعة الثانية ليلاً، وكلما تحدثت ابنتي.

بعد سنوات طوال لم يجرؤ فيها أحدٌ على الاقتراب من ذلك المنزل، فكل من حاول السكن فيه أصابه ما أصابني حتى ذاعت حكايته وعمار المكان لم يعودوا سراً، وأصبح صوت طرقاتهم يسمع من بعيد كل ليلةٍ في ذات الوقت، في ذلك اليوم انتقلت إلى رحمة الله إحدى العجائز التي كانت تسكن بالقرب منا، وفي اليوم التالي وصلني خبر من جاري الذي يقطن قرب منزلي ذاك، قال؛ إن هذه أول ليلةٍ لا يسمع فيها طرقاً، ولا يشم فيها رائحةً كريهةً، وأنه حينما خرج ليلاً بعد الثانية لتفقد الصمت المريب، شاهد نوراً يخرج من باب المنزل ويخفت رويداً رويداً وهو يبتعد راحلاً عنه.

عندما حدثت أحد الشيوخ العالمين بهذه الأمور، قال بأن التحليل المنطقي الوحيد؛ أن تلك السيدة كانت قد حضرت سحراً لتسليطهم علينا، وانتهى هذا السحر بموتها والله أعلى وأعلم.

ولكنني رغم كل شيء، لا زلت لا أجرؤ على الاقتراب منه، ولا أستطيع التوقف عن الشعور بالرعب كلما تحدثت إلى ابنتي، أجل أنا ذلك الأب الذي يخاف من ابنته.

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

964 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع