هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة جهاد غازي
  3. دائرة الشقاء - قصة

أقبع بين جدران سجني لا أدري أفي ليل نحن أم نهار، محاط بالجدران الرمادية من كل جانب، لا يضيء عتمة زنزانتي سوى نور متسلل من بين قضبان نافذة صغيرة في أعلى الحائط، وبداخل روحي عتمة لا قرار لها، لا شيء بإمكانه أن ينيرها، أعيد التفكير مراراً وتكراراً، هل أنا الضحية أم الجلاد؟ هل أنا وحش مجرد من الإنسانية أم هم من جردوني من إنسانيتي؟ سنين طوال من الوحدة والعزلة عن أشباه البشر أعادتني لرشدي، أو أن موتها من فعل، ربما لأن لا أحد مسؤول عن موتها أكثر مني، لقد كانت مهجة قلبي وفرحة عمري التي أزهقت روحها بيديّ.

كلما وقفت أمام بقايا شظايا مرآتي الصغيرة المعلقة على الحائط البارد الذي يلون أيامي بعتمته، أراها تطالعني بعينين يملأهما العتب، أنهار وأبكي وأدق رأسي في الحائط ربما أستطيع طرد صورتها الشاحبة الوجه من رأسي، أغلق أذني بيديّ كي لا يصلني صوتها الباكي الذي يصرخ طلبا للمساعدة، ولكن الأوان قد فات ولم يكن بإمكاني فعل شيء لأنقذها حتى لو حاولت، أصحو من نومي صارخا مذعورا فأشباحهم تطاردني تحاول الإجهاز عليّ.

جلست متكوراً على نفسي في زاوية زنزانتي التي تضيق أكثر فأكثر بما تغص به من أشباح لأرواح أزهقتها ولم أبالي، ومن بينهم تطل عليّ بفستانها الوردي ويديها الصغيرتين كأميرة متوجة تشع بالنور، تقترب مني تحيط وجهي المنهك بكفيها الصغيرين، تلامس جبيني بجبينها تركز نظراتها في عيني وتطلب مني الصفح عن نفسي.

بكيت وأنا أتذكر طفولتي البائسة لأم مدمنة على المخدرات والخمور، تضربني كلما احتاجت ما تطفئ به ظمأها ولم تجد، تطفئ أعقاب سجائرها بجسدي الصغير وكأنني سبب إدمانها، كانت تلومني على حياتها البائسة كم مرة لسعتني سياط كلماتها وهي تخبرني أنها لولا حملها بي سفاحا ما كانت حياتها هكذا، لو أن والدها لم يكن ذلك الوحش الذي زرعنِ كبذرة شيطانية في أرضها الفتية ما ضاع شبابها هباء، لو أنهم صدقوها حينما أخبرتهم بحقيقة من فعل بها هذا ربما كان المجتمع سينصفها قليلا، ولكن المجتمع لا يرحم من تتهم والدها باقتراف جريمة كتلك، نبذوها ككلب أجرب، عاشت في الشوارع مشردة تنبش النفايات لتحصل على قوت يومها، ويوم ولادتي كان الأسوأ، جسدها انشق حرفيا وسط موجات الألم الحارقة لآتي أنا إلى هذه الدنيا صارخا، وكأنها لم يكن يكفيها كل ما تعانيه لأضيف لأوجاعها الصداع الذي لا يتوقف ببكاءي الذي لا ينتهي، سألتها مرارا لماذا لم تتركنِ أمام بوابة أي ميتم لتتخلص مني، فأخبرتني أنها حاولت مرارا ولكنهم في كل مرة كانوا يقبضون عليها بها ويعيدونني إليها، وكأنني عقابها الأبدي على جريمة لم تقترفها

بعد عدة سنوات من التشرد حصلت على غرفة صغيرة كعلبة الكبريت عشنا فيها، وكبرت وهي ما زالت كما هي، حتى جاء اليوم الذي رأيت فيه منزلنا يشتعل من بعيد، غفت وهي تدخن سيجارتها فأحرقت كل ما له علاقة بعالمي القميء وتركتني وحيدا أواجه قسوة الحياة، كنت سعيدا في البداية بتخلصي من معذبتي، ولكنني صحوت على واقع أكثر إيلاما، كيف سأتدبر أموري حتى لا أموت جوعا؟ لم يكن لدي خيارٌ آخر سوى العمل لأطفئ جوعي، وهم لم يتركوا لي طريقة أخرى لأحيا، بنبذهم لي أجبروني على اللجوء لذلك الطريق الأسود، تقرب مني آرثر الضخم الوسيم ذا اللسان المعسول، أخبرني أن كل ما عليّ فعله هو تسليم بضع رسائل يوميا لا أكثر، وسيعطيني في المقابل مبلغا من المال يكفيني لأحيا بكرامة، لم يكن الأمر صعباً، ولم أكن أعرف ما الذي بداخل المغلفات، كل ما عليّ هو توصيلها دون فتحها لا أكثر، وفعلت.

أصبحت شاباً مفتول العضلات ولم تعد تلك القروش تكفيني، وطالبت آرثر بالمزيد، فطلب مني أن أشاركه بالسفر لكي أكسب المزيد، وقد كان خبراً ساراً، فسأسافر وأزور العالم وكل ما عليّ فعله هو ابتلاع بعض الكرات الصغيرة أتقيؤها حال وصولي، وفي المقابل أحظى بيوم أو يومين في فنادق جميلة وأحيا حياة لم أحلم بها يوماً، ولم يخبرني عن مخاطر هذه المهمة فلو حدث وانفجرت إحدى هذه الكرات فسأموت بجرعة زائدة من المخدرات، حتى لو أخبرني ما كنت لأتراجع، فالحاجة أصعب من الموت، ولم أكن أعلم أن ما سيقتلني ليس المجازفة بل الطمع الذي أعماني.

لم يعد يكفيني الفتات الذي يلقيه لي بعد كل رحلة عمل، وأردت أن أصبح قرشاً بدلاً من سمكة سردين صغيرة يسهل ابتلاعها، في كل رحلة أسافرها رحت أسرق بعض البضاعة قبل تسليمها القليل من كل كرة أستبدلها بمسحوق الدقيق بحيث لا يلاحظ أن هناك فرقا في الوزن، أخبئها وأبيعها بمعرفتي، فقد حفظت جميع الزبائن عن ظهر قلب، يوما بعد يوم أصبحت الآمر الناهي، صنعت حياة باذخة الترف، تمتعت بكل ملذات الحياة وأكثر.

في إحدى رحلاتي التقيت بها، تلك الفتاة البريئة الجميلة التي يضاهي حسنها القمر، وقعت في غرامها وهي أحبتني رغم كل ما بي من عيوب، حاولت كثيرا أن توقفني عما أعمل به ولكنني كنت متمسكا بما أفعل، البشر لم يكونوا يوما عطوفين، لماذا عليّ أن أكون عطوفاً، فليمت من يمت أنا لا أجبر أحدا على ابتلاع ما لا يريده، هم من يطلبون وأنا ألبي رغباتهم لا أكثر.

وهي رغم علمها بما أفعله إلا أنها لم تتخل يوما عني، ظلت جانبي تنصحني وتحاول تغييري وإعادتي إلى جادة الصواب، ولكنها كانت كمن يتحدث إلى شخص أصم القلب أعمى العقل، حتى حينما علمت بحملها بطفلي داخل جسدها لم أستطع التوقف عما أفعل، بل زدت تجبرا، وكأنني أريد ابتلاع العالم بأكمله، ظمأ طمعي لا شيء يطفئه، أصبحت أكبر تاجر مخدرات وأسلحة في البلاد، لا تحصل أي صفقة مهما كانت صغيرة أو كبيرة إلا بأمر مني، ومن يتجرأ ويفعلها من خلف ظهري فروحه بالنسبة لي لم تكن تكلف سوى ثمن رصاصة أرديه بها.

ظننت أنني لا أقهر، ولكن القدير لم يمهلني، عاقبني في دنياي أكثر من قدرتي على الاحتمال، بعد حمل لوسي بطفلتنا جانيت، قاست الكثير من المتاعب، أمضت فترة حملها مسجاة في السرير جسدها يئن ألما، ومهما أحضرت أطباء للتخفيف عنها لم يكن شيئا يخفف عنها، وفي النهاية ماتت وهي تلدها.

تركتها بين أحضاني وهي تبكي وتطلب مني التوقف عما أفعله لكي لا تصبح جانيت عقابي، ولكنني لم أرتدع بموت محبوبة قلبي، مرّ سنتان لم أستطع فيهما تحمل صوت جانيت وهي تبكي، وفي كل مرّة بكت فيها قتلت المربية المسؤولة عن ذلك، كنت أبغضها حد الموت فهي من سلبتني جنتي في هذه الأرض.

ذات مساء كنت أجلس وحدي، أمجّ سيجاري الكوبي ودموعي تغرق وجنتي، أمسك بيدي صورة لوسي وأشكو لها شوقي، لم أسمع صوت خطواتها الصغيرة وهي قادمة نحوي، ولكن لمستها الحنون على كفي أجفلتني، حملتها بين ذراعي ووضعتها في حجري، فمدت أناملها الصغيرة نحو عيني وأخذت تمسح دموعي ثم لفّت ذراعيها حول عنقي وضمتني، شعرت أن لوسي عادت للحياة مرة أخرى، رائحتها التي كانت تشبه رائحة الورد كما لوسي أعادتني ذلك العاشق، ضممتها بكل ما في ومنذ ذلك اليوم أصبحت جانيت كل حياتي، تلون أيامي بضحكاتها، وتداعب قلبي بشقاوتها المحببة، مرت الأعوام واعتدت غياب لوسي وظننت أن وجعي قد انتهى، وأن الحياة الوردية برفقة جانيت ستدوم للأبد.

في يوم ميلادها الخامس ذهبت لإتمام صفقة جديدة ستضيف لحسابي البنكي ملايينا فوق الملايين، ولم أنس الترتيبات لحفل ميلادها، عدت إلى المنزل وأنا أحمل دمية بحجمها، شقراء الشعر مثلها، لها عينان خضراوين تتحدث إن وجهت لها سؤالا، وتقص عليك القصص إذا ما طلبت منها، فتحت الباب وناديت عليها جيجي، جانيت، أين هي طفلة أبيها المدللة، ولم يجبني سوى صمت كالقبور، كان جميع الموظفون مشغولين بالتحضيرات في حديقة القصر، ولا أعرف كيف غفلت المربية عنها، درت في أرجاء المنزل ولكنني لم أجدها، دخلت إلى مكتبي حيث أجدها بانتظاري كل يوم وهناك وجدتها، كانت تمسك بين أصابعها الصغيرة إحدى الكرات المطاطية الصغيرة التي كنت أهرب داخلها الكوكايين، مغمضة العينين شاحبة الوجه وقد غادرتها الحياة، والزبد الأبيض يسيل من طرف شفتيها اللتان كانت ورديتين وتحولتا إلى لون البنفسج، لا أعرف من الذي فتح لها باب مكتبي وتركها دون مراقبة، لكنني كنت على عجلة من أمري يومها ولم أغلق خزنتي كما يجب، جلست بجانبها ورحت أمزق وجهي وأنا أنشج باكياً، صحيح من قال كما تدين تدان، لقد أسقتني الحياة من ذات الكأس الذي قدمته للناس طوال سنين.

اتصلت بالشرطة وجلست بجانبها أحملها بين يديّ ودموعي تغرقها، وتركتهم يقتادونني إلى هذه الجدران، وأنا أتمنى أن يحكموا عليّ بالموت لكي أرتاح من وجعي، ولكنهم تركوني لضميري الذي صحى بموت صغيرتي، لقد عشت في دور الضحية طويلاً حتى تحولت إلى وحش تصعب السيطرة عليه، وحان وقت عقابي.

تمت

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

2375 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع