هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة جهاد غازي
  3. لكم الخيار

 

 

كل ليلة حينما يجن الظلام على الكون، يأوي الجميع إلى فراشه لينال قسطاً وفيراً من الراحة، ويبدأ العذاب بالنسبة لي؛ فمنذ ذلك اليوم الأسود باتت حياتي جحيماً لا يطاق، جربت كل أنواع المهدئات القانونية وغير القانونية لكي أجبر جسدي على النوم قليلاً ولكن لم يفدني شيء، فبحسب الأطباء تضررت أعصابي الحسية نتيجة ذلك الحادث الذي تعرضت له وأصبح تأثير الأدوية عليها مشوشاً، بل وحتى إحساسي بالألم لم يعد كالسابق، فقد أصاب بجرح خطير ينزف لساعات دون أن أنتبه حتى، وفي أحيانٍ أخرى وخزة دبوس تجعلني أعاني الأمرين، بئساً لك يا حازم على تلك السهرة التي دعوتني إليها!

في نوفمبر الماضي بداية الشتاء وضبابه، احتفل صديقي حازم بعيد ميلاده وأقام ليلة ماجنة دعا إليها كل من يعرفه ولا يعرفه لمشاركته فرحته بزيادة عمره عاماً، وكأنه يكرم الكون على كونه متواجداً به، وفي تلك الليلة أصر عليَّ لتجربة مجموعة من حبوب الهلوسة التي ابتاعها خصيصاً ليضيف الفرح على قلوبنا، انتهى الحفل في وقت متأخر جداً كان الضباب يلف المدينة بستارته المعتمة فتزيد الليل رهبةً وظلاماً، ورذاذ المطر يصنع طبقة مغبشة على زجاج سيارتي منعتني من الرؤية بوضوح، حاول حازم استضافتي تلك الليلة في منزله ولكنني مصاب بوسواس النظافة القهري، لا أستطيع النوم في فراشٍ غير فراشي.

قدت سيارتي على مهل محاولاً ألا أرتطم بأحد ما ولكنه القدر؛ ففي ذلك الشارع المعتم الذي لا يؤمُّه أحد، أطلقت العنان لعجلات سيارتي لتنهب الطريق، فقد مللت وتعبت وأريد النوم بشدة.

فجأة خرج أمامي ظلٌ أسود وكأنه نبت من الأرض وبسرعة مئةٍ وتسعين كيلومتراً في الساعة لم يكن بإمكاني تفادي الارتطام به، كان يشبه أيلاً ضخماً بقرونٍ متفرعةٍ لها نهاياتٍ بارزة، بعد ما يقرب المِئة متر، استطاعت المكابح أخيراً أن توقف العجلات عن دورانها المستعر، هبطت مترنحاً بالكاد أرى أمامي بسبب الدماء التي كانت تغطي عيني إثر جرح غائر أصاب رأسي الذي ارتطم بمقود السيارة، بحثت كثيراً لكنني لم أجد شيئاً.

عدت للسيارة لتفقدها فوجدت انبعاجاً في مقدمتها ولكن لا أثر للدماء عليها، رفعت كتفي ولويت شفتي استغراباً وعدت أدراجي نحو مقعدي، أخذت عدة أنفاس لتمالك نفسي ومسحت الدماء عن جبهتي، ثم أدرت مفتاح التشغيل وقفلت عائداً نحو بيتي ونمت كالقتيل.

عندما صحوت من نومي صدمتني رائحة المعقمات التي خرشت أنفي، فتحت عيني لأجدني محاطاً بالبياض الناصع من كل اتجاه، طنين أجهزةٍ مزعج يجعل أعصابي تئن تحت وطأته، حاولت الحديث ولكنني لم أستطع، فقد كان هناك أنبوباً كبيراً يمتد نحو رئتي يمنعني من ذلك، لحسن حظي تنبهت الممرضة الجالسة إلى جواري لاستيقاظي وهرعت تنادي الطبيب المسؤول.

جاء والصدمة تعتلي وجهه وهو يقول متعجباً: يا لها من معجزة! كيف حدث هذا؟

بعد أن فحصني جيداً وتفقد مؤشراتي الحيوية أخبرني أنني كنت أرقد على هذا السرير منذ شهور عدة، بعدما وجدتني خادمتي صبيحة يوم الحادث مضرجاً بالدماء في سريري وطلبت لي الإسعاف، حاولوا جهدهم لمعرفة سبب غيبوبتي ولكن لم يجدوا لها تفسيراً فكل أعضائي كانت سليمة تماماً ما عدا ذلك الجرح فوق جفني الأيسر، واليوم بالذات كان مقرراً فصل أجهزة الانعاش عني، فليس هناك من معجزة قادرة على إيقاظي.. ولكن حدثت المعجزة! ولا أعرف إن كنت محظوظاً بها أم أنني بت ملعوناً للأبد!

فبعد ذلك اليوم اكتشف الطبيب الخلل الذي أصاب جهازي العصبي، فقدت قدرتي على السيطرة على شعوري بالألم، فتارةً لا أشعر به أبداً حتى وإن كانت الإصابة مميتة، وتارةً أخرى إصابة طفيفة تجعلني أصرخ لساعات، والأصعب من ذلك هو عدم قدرتي على النوم مهما حصل، أيام تلتها أسابيع وأنا متيقظ جداً، منهك الروح والجسد لا شيء يجدي نفعاً مع حالتي.

اليوم قررت تجربة حبوب مخدرة جديدة حصلت عليها من مهرب، يدعي أنها قادرة على إلقاء فيلاً ضخماً في سباتٍ عميقٍ، جاءتني الحبوب مع توصية خاصة بعدم تناول أكثر من حبة في وقت واحد مهما كانت الظروف،

تناولت الحبة الأولى ومرت ساعة وأخرى وثالثة ولم يزر النوم عينيَّ بعد، ورغم التحذير ولشدة التعب الذي أعانيه لقلة النوم منذ عشرين يوماً أخذت حبة أخرى، ابتلعتها دون ماء وجلست بانتظار زيارة السنة لعينيّ، بعد ما يقارب الساعة سقطت على سريري غافياً، وما بين الحلم واليقظة رأيتها متكورة في زاوية غرفتي المعتمة؛ بشعر أسود فاحم تنسدل خصلاته على جسدها كستار، وعينين سوداوين كبيرتين كهوة سحيقة، تتقاطر منهما دموع سوداء كالقطران، ونظرة حقد وألم شديدين ترتدي وجهها الشاحب البياض حتى يكاد يبدو رمادياً، لم تمهلني تلك الحبة وقتاً للتأكد مما أراه قبل أن تصرعني في نوم طويل امتد ليومين.

استيقظت من فترة رقودي بجسدٍ مخدر ووعي مشوش، يا ترى هل ما رأيته كان حقيقةً أم مجرد هلوسات سببتها تلك الحبوب؟

لم أجرؤ على تناولها مرة أخرى لأيام، ورغم ذلك كلما نظرت إلى تلك البقعة التي كانت تشغلها تلك ال... حسنا لا أعرف ما كنهها، شعرت ببرودة تسري في عامودي الفقري، وقشعريرة تجتاح جسدي يتبعهما ألمٌ مبرحٌ يدفعني للصراخ، مرت أيام أخرى دون نوم وغدت كل حركة بمثابة طعنة لجسدي من شدة التعب، مما اضطرني لتناول حبتين معاً هذه المرة، فلن أضيع وقتي في انتظار تأثير لا يأتي لحبة واحدة.

وكما حدث المرة السابقة رأيتها.. وهذه المرة كانت تحمل في يدها شيئاً ما يشبه قرن الأيل المعقوف الذي صدمته بسيارتي، رأيتها تسير على الهواء بلا قدمين، تقترب مني بتأنٍ مدروس ونظرة عينيها تزرع الرعب في روحي، دقائق مرت عليَّ كدهور قبل أن تصبح بجانب سريري، مدت يدها.. لمست يدي وشعرت بجحيمٍ مستعرٍ يشعل جسدي، ثم همست بصوت كالفحيح ورغم ذلك ينز ألماً: لقد كان يومه الأول في عالمكم، كان فرحاً للغاية لأنني سمحت له بالخروج ليكتشفه، وارتدى جسد ذلك الأيل لكي لا يثير الرعب فيمن يراه، ولكنك لم تمهله ليستمتع حتى بذلك، قتلته دون رحمة وركبت سيارتك وعدت لتنام وكأن شيئاً لم يكن.

حاولت النطق للدفاع عن نفسي، ولكن شيئاً ما كان يسد حلقي ويكتم أنفاسي.

قبل اختفاءها وسقوطي في وهدة النوم؛ سمعت فحيحها وهي تقول: لن أكون كبشري مثلك بلا رحمة، وسأعطيك الخيار رغم أنك اجتثثت روحه بلا أي خيارات، لك أن تمضي حياتك بلا نوم، وأنا سأكون رفيقة سهدك وحتماً ستؤول للجنون وتضع حداً لحياتك بيدك، فمنذ اليوم لن يجدي أي نوع من الأدوية ولا غيرها في حالتك نفعاً، أو ستقدم قرباناً بشرياً في ذات التاريخ من كل عام، في ذات المكان الذي أزهقت فيه روح طفلي، وعليك احتمال صرخات ألمهم، ففي كل مرة ستقوم بقتلهم عليك أن تعذبهم أقسى عذاب.

أنا وسهادك وجنونك، أو عذاب الضمير واحتمال صرخاتهم، هذا إن كنت تمتلك ضميراً!

وإياك ثم إياك تناول الحبتين الأخيرتين قبل اتخاذ قرارك النهائي، لديك أسبوع منذ الآن لا تنسَ، أنا بانتظارك.

هل كانت تظن أن بإمكاني النسيان حقاً؟!

أسبوع مر عليَّ بهلع يثير القشعريرة في روحي والكل يتساءل عن سر ذلك الحرق الذي لا يشفى في ذراعي، ربما يأتي يوم وأخبركم فيه ما حدث لي ولكن الآن لدي قرار عليَّ اتخاذه، مددت يدي المرتجفة نحو الجارور المجاور لسريري، وسحبت ظرفاً ورقياً يحتوي حبتين خضراوين، تجرعتهما مع كوب ماء بطعم العلقم، وسقطت على سريري مستعداً لمقابلتها.

لو كنتم مكاني ماذا كان سيكون خياركم؟ فكروا جيداً قبل أن تجيبوني.

لكم الخيار

جهاد جودة

 

 

 

 

 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

2231 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع