آخر الموثقات

  • اللغة العربية بين غير الناطقين بها والناطقين
  • نقاط محددة تشرح المستقبل المحتمل لسياسات إيران الإقليمية بعد سقوط الأسد
  • من يحتاج من ؟!
  • اصبحنا مثل امرأة لوط
  • شمس ديسمبر "7"
  • سحر السنين
  • وحشني دفا إيديك لما بلهفة
  • صاحب الثمانين معركة
  • شُرَحبيل بن حسنه
  • عاشق الشهادة
  • لقاء
  • البيضة والحجر
  • مازلت نائمًا ..!
  • الحبُّ في عَينَيكَ..
  • أعلم أنّه لا يراكَ احَدٌ غيري
  • من جمعة الكرامة إلى جمعة النصر.. سيرة نضال شعب بأكمله:
  • عزيزي المقيم في أعماقي
  • الجليد الملعون
  • أفكر بالطعام
  • لدي وطن
  1. الرئيسية
  2. مدونة حسن غريب
  3. قصة قصيرة - الضحك في يوم عصيب .

كانت الشمس قد بدأت بنسج خيوط الضوء على رمال الشاطىء ، وحيداً خارج المنزل ،واقفاً لا يعرف ماذا يعرف وماذا يريد ؟ ! ! ثم بدأ يمشى ،مشى بخطوات مرتابة نحو البحر .. صامتاً خائفاً هائماً غارقاً فى الحيرة .
شعر أن أثقال كبيرة يجرها بقدميه حتى يمضى ويجلس على المقعد الصخرى المخصص له .
وصل إلى مقعده بعد عناء طويل وكسل ليس له مثيل .
جلس ثم وضع قدميه فى مياه البحر الباردة ، التى كانت وما زالت تعطيه دفقة نشاط باهتة تساعده حتى يكمل يومه . تعطيه نشوة ملؤها التفاؤل والأمل للحظات قليلة بسيطة تجعله يجوب البحر خلال تلك العيون التى يغطيها الحزن .
ها هى اللحظات قد إنقضت ،وها هو قد عاد إلى سجنه الإختيارى .
أخذ يفكر كالعادة لماذا تغير كل شىء ؟ حتى نسمات البحر لم يتغير مكان شروقك وغروبك أيتها الشمس لماذا ؟ لماذا ؟ لا تبتعدين عن طريقى .. واتركى ضوء القمر يضىء عتمة ليلي ، وظلمة قلبى .
لماذا أبعدنى شعاعكى البراق عنى ؟
خذيه ،اخفيه أرجوكِ .
بعد برهة من الزمن . عاد وتجول مع أمواج البحر ،لكنه فى هذه المرة أخذ يدندن :
" شدوا الهمة شدوا الهمة " .
توقف فجأة وقال : آه ما بالك يا قلبى تنادينى وتطالبنى العودة مرة أخرى إلى ذكرياتى ألا يكفى ساعات الليل لإعادة شريط الذكريات المؤلمة ؟ ما خطبك ؟ أرجوك كف عن هذه المطالبة .. أرجوك يكفينى ألماً . أتريد أن أعود لتذكر تلك الأيام التى طردت فيها من عملى وبعد ماذا بقى بعد أن طردت من عملى عنوة طردونى بحجة أننى أتطرق إلى مواضيع خارجية خلال الشرح وأسىء كثيراً لتاريخك أيها البحر لتاريخك يا بلادى لتاريخ العروبة والعرب .. آه شل لسانى وتوقف مركب الطموح عند حدود اليأس .. غادرت هذا المركب ولم أفكر بارتياده مرة أخرى لا ..لا .. دموع لا لم تسقط أى دمعة بل خرجت من تلك العيون الذابلة نظرات تحقد على هذا العالم دون إستثناء .
لم يدم هذا طويلاً بسبب صوت رقيق شق هدوء المكان . قطعت إيمان صمت حسين قائلة : كفى كفى ارحمنى ارحم أياماً جميلة عشناها معاً ، ارحم أحلاماً نسجناها معاً .. ارحم .
لماذا لم يرحمنى الزمن ؟
لماذا لم تساعدنِ رمال هذا الشاطىء الذى جعلنا منه قلعة جميلة بنيناها بعد أن مزجنا تلك الرمال بماء حبنا وصدقنا وصراحتنا. لماذا ؟
لماذا لاترحم نفسك ؟.
قل لى كيف ؟ وأنا على وشك أن أطلب الصدقة من الناس ، ذهب عملى لاتوجد أى وظائف أخرى.
لماذا ضاع عملك ؟ لسانى الذى يرفض أن ينطق بأشياء ينكرها القلب والعقل .
قالت مقاطعة أعرف يا عزيزى لكن حاول. حاولت أن أعود للعمل لكن دون جدوى .
لا أنت ضائع فى عالم كل ما فيه مبادىء وكلام دون عمل .
أنت تتجول فى هذا العالم لكنك تلوذ بالفرار عندما يقول لك أحدهم افعل اثبت .
يكفى أنا هارب من المواعظ واللوم وها أنتِ تلاحقيننى بتلك الكلمات التافهة .
كلا إنها ليست تافهة لماذا تلوم أخاك عندما حاول الإنضمام للمطالبة بحقوق الفدائيين؟
لماذا تلوذ بالهرب عندما تسمع صوت الرصاص ؟
فى اليوم التالى تكتب المقالات التى تحث الناس على الصمود والوقوف فى وجه الدبابات .
لماذا تحطم أجمل وأعظم الكلمات التى تزرعها فى قلوب وعقول طلابك ؟.
من أجل حب الوطن والحرية الاستقلال وحب العودة الحقيقية .
التى تزرع فيهم رفضاً قاطعاً للذل والوهن والهوان تحطمها وتنكرها أمام تحقيق من المدير لماذا تمنعني أن أحدثك عن المظاهرات والعمليات ؟.
تبدأ الدموع تنزل على وجنتيها ،يرتفع صوت أنفاسها تخرج تنهيدة وتقول بصعوبة، كأنها ضجرت من الكلام: قل لى أتوسل إليك أمعقول أن تكون بليد المشاعر إلى هذا الحد ؟
أمعقول هذا ؟
لا .. لا يا إيمان
لا يكفى .. لا أحد يعرف أننى عانيت الكثير ومازلت .
مرةً أخرى " تقاطعه " : لست أنت وحدك الذى تعانى .. كل طفل رضيع يعانى ، كل أم رءوم ، كل شيخ هرم ، كل امراة .
نعم لكننى تحملت فوق طاقتى فى سنة 1973 ،فقدت والدى وعشت يتيماً .
مع عمى شاركت مع رجال المقاومة فى العريش كان عمرى يومها خمسة عشر عاماً .
لكن كان بيننا خائن وبسببه قتل الزملاء الأوفياء وبقيت ،وهذا الصديق الخائن .يا لها من معاناة عشتها . مذبحة شاهدتها دافعت لكن دون جدوى وها أنا أظلم من قبل أعز الناس على قلبى من ابن عمى يقول عنى خائن و أطرد من البيت وأتشرد ، وأنا مازلت طالباً ، عانيت الكثير نمتُ على الطوى . جلست على الأرض لاحقتنى وحوش الخوف والألم ، لكننى قاومت ودخلت الجامعة والتحقت بجماعة أخرى وشاركت فى عمليات عدة لكن شبح الصديق الخائن لاحقنى .. أصبحت عنصراً شاذاً .. تم نقلى لجامعة أخرى وتركت هذه الحركات وبدأت بكتابة المقالات ولسوء حظى فقد تجرأت فى إحدى مقالاتى وكتبت بحرية مطلقة … ذكرت معلومات سمعتها كان علىَّ أن أحتفظ بها لنفسى .. آهٍ كم كان صدى هذه المقالة .
أرغمونى على الإعتذار وأرغمونى على الخروج من الجامعة .
لم يكتفوا بذلك بل أساءوا لسمعتى أكثر وأكثر .. وآهٍ سجنت .. تبدأ الكلمات تنبض فى حلقه وتبدأ الدموع بالنزول على خديه ببطء شديد .. ببطء حارق .. ببطء قاتل كأنها سكون ليل شتوى مظلم .. يطلق صرخته تشق عنان السماء .. يكفى أرجوكى لا أريد الرجوع إلى ماضٍ أحمل له رهبة وخوفاً عظيمين لالا لا أريد إنه مؤلم إنه يؤجج نيران الحقد والكره فى داخلى .. إذهبى إتركينى وحيداً أصارع جوعى وألمى وجبنى إذهبى .. لا لا يا حسين لا أعرف ماضيك لكن ذلك لايعنى نهاية الحياة ما زالت قلوبنا تنبض ما زالت ضمائرنا تتحدى ظلام الأيام ما زالت أرواحنا تأمل خيراً بأيام قادمة … قم فأنا قد سئمت الجلوس والنظر إليك .. سئمت حقاً أرجوك ماذا ستفعل لإبن قادم لك من عالم الغيب ؟
يريدك ولداً قوياً شجاعاً ولا يريدك هشاً جباناً ماذا ستفعل بشمعة وهبنا الله إياها ؟
أتريد أن تطفىء بريقها ؟ ،وتبقى على ضوئها الخافت المحزن ؟
" تقولها وعيناها الرائقتان تغرقان فى بحيرة الدموع " .
أم أنت ستبني له سريراً من الخوف والجبن والحقد والكره ؟
أم أنك ستتركه لوحوش الزمن تنهش من لحمه بسهولة ؟. أم أنك ستتركه فى مهده يلهو ويلعب وعندما يبرد يركض إلى حضنك وصدرك ويأخذ منها الحرارة التى تعطيه جرعة كبيرة يقاوم بها أياماً مازالت فى علم الغيب .
ماذا ماذا هل أنتِ حامل ؟ .
حامل آهٍ تكاد الدنيا لا تسعنى فرحة يكاد قلبى يرقص ويقفز . تكاد شرايينى تنفجر لتخرج نبعاً جديداً من دم مصرى لطفل عربى .. يصمت برهة من الزمن .. آه حامل .. حامل امرأتى حامل .. أيها البحر سيصبح لى طفل .. نعم يا إيمان ولد أم بنت لا فارق عندى لأننى سأعلمه كل شىء سأطبق مبادىء .
لماذا لماذا لم تخبرينى من قبل ؟ لماذا تركتينى وحيداً صريع الخوف فاقد الأمل.
إنه طفل سيشرق لى وحدي ،لا بل للعالم كله إنه وليد المجد والحق .
آه سأجعله طفل البحر يتعلم منه كل شىء " التحدى الشجاعة القوة والعزة والجمال وشموخ أشجار النخيل الباسقة " .
يضم إيمان إلى صدره الملتهب ، ويجلسان على البحر يجمعان أصدافاً جميلة من شتى الأنواع و الأجناس ويصنعان بيتاً صغيراً لمهدى الأمة المنتظر .. عندما أصبحت الساعة الخامسة أمسك حسين يد زوجته وانطلقا يمشيان فى طريقهما ،وسهام الأمل والتفاؤل تنطلق إلى كل شىء يحيط بهما .
انطلقا وأشعة الشمس تعانق المياه. المهم .. قال حسين : المقعد الملوكى اسمعى يا إيمان، لن اتركه ابداً سأعود وأجلس عليه سوف أتحدث مع رمال الشاطىء التى تحيط بالمقعد ، ومع أمواج الأمل التى تغسله فى كل مدٍ ،لكن بعد أن أحرث أرضاً و أزرع حباً وينبت لى الله زرعاً ،لن أعود وحدى بل سيكون معى طفلى خالد و أبناء خالد وحفدة خالد .. يضحك ويمضي فى طريقه .

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1414 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع