طهران تقدم مبادرة "مودة" كإستراتيجية بديلة لمحور المقاومة
نقاط محددة تشرح المستقبل المحتمل لسياسات إيران الإقليمية بعد سقوط الأسد
1ــ طرحت إيران مبادرة تحت عنوان “مودة” لدول الإقليم عن طريق الدكتور محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية، حذر فيها من اندلاع حرب أهلية شاملة في سوريا، وذلك خلال تلك المبادرة التي تدعو لحوار بين دول المنطقة بما يشمل الحكومة السورية الجديدة، وهي محاولة من إيران لاختراق أجواء سياسية شديدة التصلب، قبل أن يحث أسعد الشيباني، وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، إيران، على احترام إرادة الشعب السوري وسيادة البلاد وسلامته، فور نشر المبادرة في وسائل الإعلام.
2ــ وتنبع تلك المبادرة من اقتناع إيران بأنه كان من المستحيل أن يبقى الأسد في السلطة دون مساعدة إيران الاقتصادية والعسكرية، وإنفاقها نحو 50 مليار دولار على نظامه وبالتالي ليس من المنطقي التضحية برأس المال السياسي الضخم هذا مجانا والانسحاب من هذا الملف من دون محاولة البقاء فيه.
3ــ في أعماق الإدراك الإيراني لتطورات المشهد الإقليمي تعرف إيران أنها بسقوط نظام الأسد لم تفقد حليفاً مهماً فحسب، بل فقدت الدولة الوحيدة التي ساندتها على طول تاريخ قيام الجمهورية الإسلامية منذ فبراير 1979 وشهدت سوريا صعود تيارات سياسية وعسكرية مناهضة بشدة للجمهورية الإسلامية، وهذا الصعود هو ليس خصما من رصيد نفوذها فقط، بل تعظيم فوري لرصيد المنافس الإقليمي لها وهو اللاعب التركي.
4ــ يقوم التقييم الإيراني الراهن على أن هناك نسختين الآن في سوريا النسخة القومية المتمثلة في الجيش السوري الحر وروافده والنسخة الإسلامية المتمثلة في هيئة تحرير الشام والجماعات الجهادية الأجنبية المرتبطة بها وجماعة الإخوان وفيلق الشام وروافد أخرى تضم نحو 30 فصيلا مسلحا، فضلا عن القوى الكردية في الالشمال الشرقي والمدعومة سرا وجهرا من أمريكا وإسرائيل وهي على النقيض من اللاعب المركزي في الساحة السورية وهو تركيا التي تخون الآن القضايا الإسلامية وفق تعبير مستشار المرشد ووزير الخارجية السابق الدكتور علي أكبر ولايتي.
5ــ ولأن سوريا أصبحت الآن ملجأ لجزء من الحركات المسلحة السنية في إيران، والتي كانت لها تقارب أيديولوجي أو عملي مع الجماعات المسلحة الأخرى مثل داعش والقاعدة خاصة تلك التي تتخذ من الجزء الكردستاني الغربي مقرا لها؛ فإن هذا التغيير يلزم إيران بالمرونة الإستراتيجية للبحث عن مخرج سياسي مع فشل الحل العسكري في هذا البلد.
6ــ فلقد انهار النظام الأمني الإيراني في جناحه الغربي، وهو الجانب العربي من الشرق الأوسط، على الرغم من أن القاعدة الرئيسية لحكومة الأسد كانت بين العلويين، إلا أنه لم يكن الأقل شعبية بينهم في العام أو العامين الماضيين، ولم يظهر العلويون أي مقاومة تذكر ضد الجماعات المسلحة خاصة في طرطوس واللاذقية بل وكان الأسد مكروها حتى من العلويين البسطاء في الجانب الساحلي الغربي من البلاد.
7ــ بالتالي فقدت إيران إمكانية إنشاء كانتون علوي في المناطق الساحلية من سوريا بعد لجوء أغلبية العلويين إلى اللجوء إلى بلاد خارج سوريا بسبب الملاحقات التي تتم حيالهم من الحكام الجدد، فضلا عن عدم رضا هذا المكون العلوي عن سياسات إيران الداعمة للأسد بلا حدود والتي أوصلت سوريا إلى مشهد الثامن من ديسمبر 2024 بعد فرار بشار الأسد إلى روسيا وترك البلاد ممزقة.
8ــ وقد فطنت إيران إلى أن الأقلية الشيعية في سوريا، مثل الإسماعيليون والإثنا عشريون، هم قليلون جداً وليس لديهم أي نية للعمل المسلح، كما أنهم ليسوا قريبين حتى من المواقف السياسية والدينية لإيران. وعليه، وفقا لقطاع من مجتمع الخبراء في إيران من بينهم الدكتور أمين برتو، فإنه ليس لدى إيران حالياً أي فرصة للتواجد في سوريا مرة أخرى، وينبغي أن تكون أكثر قلقاً بشأن احتمالية وجود عمليات من سوريا الجديدة تجاه البلدين الشيعيين الآخرين في الشرق الأوسط، وهما لبنان والعراق.
9ــ هنا فكرت طهران في أن تدشن مبادرة تدعو فيها جميع دول المنطقة التي تربطها علاقات دبلوماسية بطهران، لإجراء مفاوضات شاملة بإشراف الأمم المتحدة، بمن في ذلك الحكام الجدد في دمشق الذين أطاحوا بحليف طهران، بشار الأسد، إذ إن سوريا ما بعد الأسد تمثل تحدياً كبيراً الجميع، خاصة في ظل العدوان الإسرائيلي المتصاعد الذي يتجاهل السيادة السورية، والتدخلات الأجنبية التي تضعف وحدة الأراضي السورية، إلى جانب مشاهد العنف والوحشية المرعبة التي تذكر بوحشية داعش، والعنف العرقي والطائفي، قد تؤدي إلى حرب أهلية شاملة، مما يستدعي الانتباه الفوري.
10ــ وهنا تريد إيران باختصار شديد أن تأخذ زمام المبادرة كي تظهر في كادر الصورة للمرة الأولى بعد أن أقصيت تماما وتم تجاهلها في الاجتماع الوزاري العربي ــ التركي ــ الأمريكي حول سوريا والذي عقد في العقبة بالأردن يوم 14 ديسمبر 2024، وما على المتراقب لتلك التطورات إلا أن ينتظر رد الفعل العربي والتركي حول تلك المبادرة بعد أن أصبحت الكرة في ملعب الدول التي ذهبت سرا وجهرا وأقامت علاقات مع أحمد الشرع.