في يوم من الايام المطرب محمد رشدي راح للموسيقار بليغ حمدي وكان معاه حفلة في التليفزيون زي اليومين دول بالظبط من سنين كتير قوي كانت بمناسبة أعياد الربيع.. رشدي كان مستعجل على أغنية جديدة لازم يطلع بيها في الحفلة دي.. لما سمع بليغ طلب رشدي قاله ااااه مفيش غيره.. قاله مين قاله عبد الرحيم منصور هو الوحيد اللي هيعرف يعملك طلبك.. رشدي قال طيب يلا نكلم عبد الرحيم.. 

جه عبد الرحيم وسمع رشدي عايز ايه.. وكان لسه جي من الصعيد مبقالهوش كتير واشتغل شويه في الإذاعة ونزله شويه قصائد في مجلات وجرايد وشوية حوارات وكام ندوة كده.. 

روح بيته عبد الرحيم بعد القعدة دي وكتب لرشدي "بياع قناديل".. 

قناديل بياع قناديل بنورك يا ليل

وآدينى ماشى ومش لاقى السبيل

بسافر بسافر.. بهاجر بهاجر

والبخت يا عينى قليل

وآه يابا يابا عليا.. لا دار ولا مرسى ولا صبية

الحقيقة أن عبد الرحيم كان بينوح على حاله.. كتب اغنية اقرب لفن العديد والنواح.. وده فن صعيدي تراثي كان منتشر جدا في العزاءات الجنوبية.. في بلادنا هناك.. وكان في ناس بتتأجر أحياناً عشان يعددوا على المتوفي.. 

عبد الرحيم وقتها مكانش متزوج وكان متغرب مبقالهوش كتير وفضل عايش بإحساس الغربة ده لحد م مات.. لم يعتاد الغربة ولا القاهرة لحظة.. والمستقبل بالنسباله في الوقت ده مبهم نوعاً ما.. يعني ما بين الفشل والنجاح.. 

قفلنا الدار بعد ما راحوا وهجروا الدار.. قفلنا الدار

بعد ما كنا قسمنا اللقمة والضحكة وهم المشوار

بعد ما شيلته فى عينيا طول المشوار

بعد ما عمرى أدتهوله رماه في النار

وآدى آخر الرحلة ما لقينا غير دمع عنينا

كدبوا علينا حبايبنا آه يا عينى علينا

كدبوا علينا والعمر مبقاش فى إيدينا

كدبوا علينا وايه باقي يفرح ليالينا

وآه يابا يابا عليا.. لا دار ولا مرسى ولا صبية

عارفين بقى المثل اللي بيقول أن الحزن بيجيب حزن.. يعني هو بدأ الغنوة بالنواح الكوبلية التاني استدعى حياته وهجرته من بلده الصغير الدافئ.. وتذكر كلام اخوه حمدي له ووالدته.. 

لما بيسألهم في يوم عاملين ايه ف جدتي قالتله مش عاملين قفلنا الدار بعد م سبتنا.. وطبعا حمدي ده كان رفيقه وصديقه ورفض يهاجر معاه للقاهرة وتمسك بقنا وحياته فيها.. ف دائماً كان شايف أن عبد الرحيم خانه بإقامته بعيد عنه وعن قنا.. فقاله بعد ما شلته في عنيا طول المشوار بعد م عمري اديتهوله ورماه في النار الى آخر الكوبليه ده على لسان اخوه الصغير حمدي..

ياما قلتله يا حبيبى أنت بعتني فى السوق غلينى

ياما قلتله بكلمة حنينة منك ترضينى

وآما قلتله إن قلت آه ضحكة تداوينى

وآما قلتله ع البر خدنى معاك رسينى

راح فى السبيل ولقاله سبيل

أن بعتني في السوق غليني.. دايما بنزعل لما الفراق يحصل بسهولة.. لما حد نبقى شاريينه ويبيعنا بالرخيص اوي..

بنحب نحس اننا غاليين حتى وقت الفراق وخصوصا لما تدي في العلاقة كل ما تملك.. وطموحنا مش بيبقى كبير فيها يعني مثلا كلمة أو طبطبة أو ضحكة تداوينا.. 

حكاية أن طرف يبقى ماسك قوي قوي والتاني سايب ايده وماشي حر دي بتوجع قوي.. وبييجي يوم على اللي ماسك طاقته بتخلص وبيتعب.. وبيضطر يسيب.. بيسيب خالص.. ولما بيسيب ويرتاح مستحيل يرجع للتعب اللي كان فيه.. والحكاية بتخلص على كده..

بياع القناديل بييجي عليه وقت وجواه بيبقى عتمة ضلمة قوي مبيبقاش شايف ينور لحد.. وبيبقى محتاج حد ياخد بايده وينورله طريقه.. حد يحسسه بالأمان والطمأنينة.. مش طول الوقت يهدده بأنه هيخرجه من حياته للأبد.. 

الأمان هو كل الحياة.. الأمان هو الحب