هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة محاسن علي
  3.   صغيرتي بلا اسم
  • المشاركة في المسابقات: المشاركة في مسابقة منصة تاميكوم
  • الجوائز: حاصل علي المركز الخامس - جائزة الجمهور الخاصة - مسابقة منصة تاميكوم الادبية مارس 2024, حاصل علي المركز الخامس - جائزة لجنة التحكيم الخاصة - مسابقة منصة تاميكوم الادبية مارس 2024, حاصل علي المركز الثالث - جائزة المنصة الخاصة - مسابقة منصة تاميكوم الادبية مارس 2024

تنهدت (صمود)، وهي تستند برأسها على عامود الخيمة التي نصبها أحد الغرباء على حدود رفح المصرية، شاردة الذهن، كما لو أنها في عالم آخر اختلطت الأصوات، المقتحمة خيمتها، امرأة تصرخ لا تتصوروا مأساتنا لا تتفرجوا على أحزاننا، وأخرى تنعي أولادها الخمس وزوجها، طفل صغير يصرخ أين أنت يا أماه، امرأة تبكي وتنتحب؛ الصغار يموتوا من الجوع والبرد، أنقذنا يا الله، ما أصعب بكاء الرجال! ينهنه كالطفل؛ مات عشرون من عائلتي

يا وطن بكى من نزيفه الصخر والحجر، هل وسمت يا وطني بختم الضياع؟ مهما تخلى عنا البشر، لتظل يا وطني وحدك بالحجر أسطورة لا تقهر، تحت نيران المدافع والقنابل

ذابت في ملح الذكريات، تركض في بحرها الهائج، ما أشبه الليلة بالبارحة

مدت إليها الذكريات ذراعيها واجتذبتها راكضة خلف الأيام الخوالي، تحملق في الصخور من حولها، نبتت أشجار الزيتون والنخيل، ارتوت بدموع السماء التي بكت على صمود، وعلى سكان حي الشجاعية وما يجاوره،

دقت ساعة الخطر في الراديو الإسرائيلي، معلنة اليوم الثامن من تموز سنة ٢٠١٤م سوف ندك حصون المقاومة عملية عسكرية واسعة (الجرف الصامد)

 أزيز الطائرات، منشورات ورسائل عشوائية، ترمى إلى سكان حي الشجاعية والزيتون وبيت لاهيا، البقاء في منازلكم يعرض حياتكم لخطر داهم، الموت قادم لا محالة، عليكم ترك منازلكم، لا أمان بين جدرانكم وخلف أبوابكم، اشتد القصف المدفعي، التدافع في كل مكان، الجميع يفر من القصف العنيف، الطرقات محتشدة بركام البيوت، اندثرت رائحة الزيتون والياسمين، رائحة الموت سيدة الموقف، صمود يحتضنها أبوها يغطيها بكامل جسده،

 تركض أمها تحمل طفلها الرضيع بين يديها، تتفلت صمود من حضن أبيها، تهرول نحو أمها التي سقطت في حفرة خلفها القصف، المدفعي العنيف والعشوائي، يطير من بين يديها الرضيع

يسقط ميتًا، تنكسر ساقها، يعلو صراخها يشق عنان السماء، يدهسها الحزن على صغيرها، وتطحنها الآلام، وحيدة، يجتاحها الصقيع وبرودة الأيام

من حولهم آلاف البشر، يفرون من هول الانتقام الغاشم، بعضهم سيرًا على الأقدام، بينما تكدس الآخرون في شاحنات وسيارات امتلأت بعائلات تحاول النجاة، وقد نزح الأهالي إلى مستشفى الشفاء في غزة ومدارس الأونروا التي أضحت ملاجئ للعائلات المشردة، لم يستطع إبراهيم، دفن صغيره، حمله بين يديه، وحمل زوجته على ظهره، صمود تجر قدميها، التي حنت الصخر والركام بدمائها، اصطكت أسنانها، وتخشب جسدها الضئيل الذي لا يناسب طفلة لها من العمر اثنا عشر عامًا، ذات شعر طويل مجدول، مرتدية فستانًا أحمر مخمليًّا، وعيون بنية بلون عسل السدر

 انتابتها حالة هيسترية، عندما أخذ بعض الأهالي الرضيع من بين يدي إبراهيم لدفنه، غارة جوية أحالت المدرسة إلى كومة من الركام الهائل، الغبار والأدخنة غطت الأحياء والأموات، أفاقت صمود في إحدى المشافي، عثر عليها خالها، احتضنها، لم يشأ يخبرها، إنها فقدت، الأمان والحنان، في آخر غارة سمعتها، خمسون يومًا من الاعتقالات والاغتيالات، أرض عارية، لا حياة فيها، الموت زائرنا الوحيد، الذي يطرق الأبواب، ضيف، مرحب به، يزور الديار، يختطف الأحباب، وعندما يراني يغلق مقلتيه، بهذه الكلمات همست صمود، وضعت الحرب أوزارها، بالخراب والدمار

مرت الأشهر طويلة، حبلى بالآلام، متخمة بالأحزان، صمود شاردة الذهن، محبة للعزلة، صائمة عن الكلام والزاد إلا ما يقيم جسدها النحيل،

الذكريات؛ زائرها الليلي، يقض مضجعها، يسلبها الكرى، ويهبها الأرق والسهاد

أحاطها خالها بحنان الأم، الذي لم يعوض عطشها، مرت سنوات أربع، وهي مدللة خالها المنعزلة عما حولها من مباهج الحياة

استدعاها خالها؛ زف إليها البشرى، عقد قرانها وزفافها على ابن خالها، بعد شهر من اليوم، لم يخفَ على من حولهم، اهتمام غيث بصمود، التي حَرمتْ الحب على قلبها، فكل من تعلقت بهم فارقوها، لم يبقَ لها جلد على الفراق، لكن غيث رآها حلم حياته، غادة أيامه، وهبها بحارًا من الأمل في الغد، أهداها حياته وروحه، أقيمت الأفراح، وامتلأت الباحة بالزينات، علت أصوات الزغاريد والأغاني، ظلت ليلة زفافهما، حديث الفتيات والشباب، تأخر حملها، يحتضنها خالها لا ضير يا صمود، ما زلتِ طفلة يا ابنة أختي، يضاحكها، كم عمرك يا فتاة، تهمس بخجل ثمان عشر عامًا يا خالي ومتزوجة منذ عامين يا صمود، ما زال الوقت بكير على القلق

لم يشأ يحزنها، فآخر طبيب أخبر خالها، باستحالة الحمل بطريقة طبيعية، وعليها أن تخضع للحقن المجهري، افترشت الشمس الطرقات، وغسل الندى وجه أشجار الزيتون والبرتقال، اصطحبها خالها إلى المشفى لإجراء بعض الفحوصات، هكذا أخبرها والحقيقة أنها سوف تخضع لعملية حقن مجهري، تمت العملية بنجاح، لزمت صمود، سريرها طوال الثمان أشهر وبقي بضعة أيام، حتى تلد طفلتها، في تشرين الأول

 في أولى ساعات الصباح، شق السكون، أصوات طائرات شراعية وصواريخ، وسيارات رباعية الدفع ودراجات نارية، واختلطت الأصوات بالدعوات والتهليل والتكبيرات التي ملأت الأجواء، وأخبار عن

اقتحام برّي من المُقاومين عبر السّيارات رُباعيّة الدّفع والدّراجات النّارية والطّائرات الشّراعيّة وغيرها للبلدات المتاخمة للقطاع، والتي تُعرف باسم غلاف غزة، مقاطع الفيديو، تثلج صدورنا، السادس من أكتوبر مصري والسابع فلسطيني، سيطرنا على المواقع العسكريّة، في سديروت، وصلنا أوفاكيم، اقتحمنا نتيفوت، اشتباكاتٍ عنيفة في المستوطنات

تم أسر العديد من الجنود، الكثير من الآليّات العسكريّة الإسرائيليَّة بحوزتنا، النصر حليفًا، قاب قوسين أو أدنى

سنخرجهم صاغرين، في الرابعة والنصف مساءً؛ أغارت المقاتلات العسكرية الصهيونية، على عدد من المناطق هجمات جوية، متفرقة، تختبأ صمود، وعائلتها، بين جدران منزلهم، شظايا القذائف؛ أطارت النوافذ والأبواب، ظلت صمود محاصرة بين الأنقاض بعد سقوط المنزل، الجثث في كل شبر، أخرجوها بعد ثلاثة أيام، لم يتبق من عائلتها أحد، أخبرها بعض الجيران بنزوح أهلها إلى الجنوب، بعد أن فقدوا الأمل في وجود أحياء، بينما أخبرها الآخرون أن كل من كان في البيت وقت القصف في عداد المفقودين والموتى

ازدادت الغارات الجوية، منشورات تحذر من البقاء في الشمال، نزح الآلاف إلى الجنوب، اجتاح طوفان الرحيل صمود، فرت مرغمة، ركضت مجبرة، تحت القصف، الذي لا يرحم، كادت طفلتها أن تسقط من أحشائها، اشتدت عليها الآلام، جاءها المخاض، وهي تهرول تارة وتركض الأخرى، حتى وصلت مخيم النصيرات، قصف جوي أحال كثير من المخيم إلى ركام، جثثًا أصبحت أشلاء، البعض يزحف بلا يدين أو قدمين، الآخر رأس بلا جسد

مشيت أميال، انتابها القلق وينهشها الخوف يعتصرها الحزن، لا وقت للبكاء، سوف احتفظ بك صغيرتي، سوف أنجبك قوية، لم تولدِي بعد، لم يحن شروق شمسك، لا تغادري أحشائي اشتدت آلام المخاض،

وطأت قدماها المشفى الكويتي في مدينة رفح، شعرت بالنجاة، صدمتها إحدى النساء، قسم الولادة في المستشفى مغلق، عليك المغادرة في الحال، أمطرت السماء، لقد تحالفت مع العدو، هو يمطرهم نارًا والسماء تمطرهم وحلًا، هرولت تحت النار والماء، الآلام تزداد، المخاض ينهش بطنها وظهرها، تسقط بين الركام، قذيفة صاروخية تدوي، تهز الأرجاء، آلام المخاض لا ترحمها، نوبات الألم والوجع متلاحقة وسريعة، انقباضات حادة، تصرخ، تستغيث، الألم يعتصرها، شيء يكتم أنفاسها، يعلو ويهبط صدرها في زفير بلا شهيق، تختنق، تكاد تلفظ أنفاسها، رائحة الموت والبارود، جاثوم على صدرها ينهكها

الآلام قوية، انقباضات عنيفة، أين أذهب لقد ضاقت الأرض بما رحبت، أصبحت تهذي المخاض، أبي، أمي، خالي، غيث غيث غيث، سقطت وقامت، جلست القرفصاء، تضم ركبتيها إلى صدرها تعاند المخاض، علا صوتها فوق أزيز الطائرات والصواريخ؛ صُمَّت الأذان، وأُغلقت القلوب

 طفلتها عنيدة تنزلق راكضة وسط الوحل والطين، تسقط عليها شذرات المطر، تغسلها من آثام البشر.

  • تم اجراء التدقيق اللغوي لهذا العمل بواسطة : عبد الرحمن محمد عبد الصبور محمد
التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1449 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع