هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة محمد كافي
  3. الهوية

 

1

يا له من شعور سيء أن يهجرك النوم كل ليلة بينما تظل تراقب هذا الظلام و أنت ممدد على فراشك حتى يزول .. ثم تبدأ أصوات الطيور في البزوغ شيئا فشيئا قبل أن تدرك أنك قد اجتزت الليل كله في الصمت إلى أعتاب الفجر .. ثم يبدأ وميض ضوء الصباح ينسل تدريجيا عبر شقوق النافذة ليعلن مضي ليلة أخرى في عالم الأرق المستمر ... و أنا أتساءل .. كيف يمكن لعقلي تحمل هذا الأمر مرارا و تكرارا .. ربما للوحدة دور رئيسي في هذه المهزلة المرهقة .. أشعر أن هناك دائما من يراقبني رغم ذلك .. ربما الوساوس هي من تلعب هذا الدور السادي بلا شفقة و لا رحمة .. ربما تراكمات عقلي من كل الصور و المشاهد التي أبتلعها يوميا بسبب عملي في المباحث .. كل هذه الجرائم و المعاناة .. كل هذه الأرواح التي تبحث عن الثأر من الجناة من خلالي .. حتى أنني في كل جريمة و في خضم بحثي عن هوية الجاني ... أشعر أحيانا أنني أفقد هويتي ... ربما هذا هو سبب ما أعانيه يوميا من أرق .. ربما كان يجدر بي ترك هذه الوظيفة .. ربما .. و لكنني لسبب ما أجهله أشعر أنه لم يعد في استطاعتي تركها .. ربما هناك شيء ما بعد كل هذه الحياة .

هذه الليلة كانت مختلفة .. جائتني مكالمة هاتفية بعد منتصف الليل من رئيس وحدتي العقيد (سعيد ) " يوسف !! معذرة على إزعاجك في هذا الوقت من الليل .. و لكن الأمر هام .. تعلم أن المقدم (هيثم ) في مهمة تدريبية خارج البلاد "

  • لا داعي للإعتذار سيادة العقيد .. ما الأمر ؟
  • جائتنا إخبارية من شرطة النجدة بجريمة قتل .. سأرسل لك إحداثيات موقع الجريمة .. عليك أن تذهب هناك في الحال لجمع المعلومات اللازمة .
  • حسنا .. سأكون هناك قريبا .

ربما أنقذتني هذه المكالمة من معركتي مع الأرق على أي حال .. فنهضت لإعداد نفسي مصطحبا قدحي الحراري و ما قمت بتعبئته من قهوة , منطلقا إلى موقع الجريمة .

كان شارعا هادئا في حي يعد من الأحياء الراقية , و أمام إحدى بناياته كانت سيارتين من سيارات الشرطة و سيارة إسعاف في حالة تأهب .. و ما أن وصلت إليهم حتى بادرني أحد الضباط بملامحه المتسائلة عن هويتي .. فأخرجتها من جيب سترتي قبل أن يقول " معذرة سيادة النقيب "

  • ماذا لدينا ؟
  • جثة رجل في العقد السادس من عمره يبدو أنه قد تعرض للقتل بشكل غير طبيعي .
  • القتل هو أمر غير طبيعي أيها الضابط .
  • نعم .. و لكن ... سترى سيادتك بعد قليل .

جالت عيناي في شرفات الحي التي امتلأت بأهلها يراقبون الوضع فقلت للضابط " يبدو أن لدينا جمهور .. هل من شهود على الواقعة ؟ "

  • لا يوجد شهود .. بيد أن الجار الذي يقطن أسفل الضحية – و هو من قام بالاتصال بنا – سمع أصواتا فيما تبدو كمعركة طاحنة .. فاستيقظ من نومه في هلع هو و أسرته .. و ما أن هدأت الأمور صعد لجاره في محاولة لتبين الوضع و الإطمئنان عليه .. فالضحية يقطن وحيدا في شقته .. طرق الباب عدة مرات فلم يلق استجابة .. فقام بالإبلاغ عما حدث ..

وصلنا إلى شقة الضحية و كانت تصميم البناية على ما يبدو أن يحوي كل دور فيها شقة واحدة على مساحة مائتين متر مربع .. كانت الشقة في حالة يرثى لها .. معظم الأثاث قد تحطم .. وقد انتشر فريق من المعمل الجنائي لمعاينة مسرح الجريمة قبل نقل الجثة .. يا لها من فوضى .

استطرد الضابط حديثه و نحن نقترب من جثة الضحية " طبقا لأقوال الجيران فإن الضحية يدعى ( حسين نظمي ) كان يعمل بوزارة الآثار قبل بلوغه سن التقاعد .. و لكن الجيران قالوا أنه رغم التقاعد كان مستمرا في التواصل مع عمله لأنهم لم يرونه ينقطع عن موعد نزوله من بيته كل صباح في موعد العمل .. ربما لأن زوجته متوفاة منذ عقد من الزمن "

كان الأمر مريعا .. أدركت الآن ما قصده الضابط بأنها جريمة قتل غير طبيعية .. كان يبدو أن جسده قد تحطم , و بالأخص وجهه .. كمن تعرض للدهس من شاحنة .. غير أن الشاحنة لن تمر عبر بيته .. ولم تقتصر دهشتي على هذا الأمر .. بل لأن الأثر على جسده يبدو كأثر أيدي ضخمة .. ليست ضخمة للغاية .. و لكن الفكرة مثيرة للرعب .

حاولت إخفاء شعور القلق حول هذا الأمر بداخلي و أنا أقول للضابط " على ما يبدو أن نظرتك في محلها أيها الضابط .. لقد أحسنت صنعا بإبلاغك عن الأمر "

فابتسم ابتسامة بدت لي طفولية و هو يشعر بالرضا عن نفسه و هو يقول " لقد قمت بواجبي فقط "

لمحت عيناي إحدى الصور الفوتوغرافية معلقة على الحائط و تبدو أنها تعود لسنوات للضحية و زوجته و بينهما فتى في طور المراهقة .. فأشرت إليها و أنا أقول " يبدو أن للضحية ابن .. أين هو ؟ "

فقال الضابط " نعم .. أحمد حسين .. الجيران يقولون أنه قد سافر بعد وفاة الأم إلى الولايات المتحدة منذ سنوات للدراسة .. لازلنا نبحث عن طريقة للتواصل معه لإخباره بالأمر .. على مايبدو أن هاتف الضحية مفقود .. لم نتأكد أنه يملك هاتف و لكن الجار قد أعطانا هذا الرقم و قال أنه رقم الهاتف الشخصي للضحية .. حاولت الإتصال به لكنه مغلق "

فتناولت الورقة التي تحتوي رقم الضحية و قلت " حسنا .. بعد انتهاء هذه الفوضى إذا لم نتمكن من إيجاد الهاتف هنا سنفترض وجوده مع الجاني .. و في جميع الأحوال سنتولى أمر تحديد موقع الهاتف .... أتمنى ألا يكون الأمر صعبا " قلت جملتي الأخيرة همسا و أنا أنظر إلى جثة الضحية .. ثم نظرت إلى الضابط مستطردا " شكرا جزيلا .. سأنتظر تقريرك عن الأمر " .

ابتعد الضابط بينما اقترب مني ( راشد ) - أحد رجال الأدلة الجنائية - و هو يقول " الأمر فوضوي قليلا .. لقد أنهينا العمل المبدئي على الجثة و معظم ما حولها .. يستطيعون الآن نقل الجثة إلى المشرحة .. لقد قمنا بالإتصال بالطبيبة الشرعية و المفترض أنها قد وصلت إلى المعمل .. و أتمنى ألا تفقد الوعي ... سنبقى هنا حتى ننتهي من مسرح الجريمة بالكامل و العمل على رفع البصمات و جمع كل ما يبدو أنه دليل "

فأومأت برأسي متفهما و أنا أقول " حسنا .. سأعطي الإذن بنقل الجثة و سألحق بهم إلى المشرحة  " قلتها و أنا أهم منصرفا فاستوقفني قائلا و هو يرفع يده بحافظة بلاستيكية بها مفتاح صغير " هذا المفتاح وجدناه أسفل طرف السجادة بالقرب من الضحية .. و على ما يبدو أنه لم يصل هناك عن طريق المصادفة .. لقد قمت بتصويره و تسجيله .. يبدو أنه ينتمي إلى خزينة ما و لكننا لم نجد ما يطابقه هنا .. لو حل الجريمة يبدأ من هذا الشيء فأنت مدين لي بوجبة غداء فاخرة .. لن تتملص مني كما في المرة السابقة  "

فابتسمت متفهما و أنا ألتقط الحافظة و اتفحص المفتاح قبل أن أقول " حسنا .. حسنا .. هذه المرة لو قمت بمساعدتني حقا سأدين لك .. فأنا أتولى هذه القضية وحدي هذه المرة "

ثم استدرت  لأغادر المكان .. و في رأسي تدور مئات الأسئلة .. ما الذي فعله العجوز ليستحق هذا الأمر ؟ .. هل الجريمة كانت بدافع السرقة ؟ .. لكانت ضربة صغيرة كفيلة بردعه .. و ليس هذا التدمير .. هل كان انتقاما ؟ ربما .. و لكن لماذا ؟ .. هل كان استجوابا قاسيا ؟ هل للعجوز سر يخفيه ؟ .. ما سر هذه الأيدي القوية ؟ من أين لإنسان القوة لتحطيم عظام شخص بأصابع يده ؟..  ليس هناك في رأسي سوى السعي إلى إجابة مقنعة .. ربما خلف هذا المفتاح خيط لدليل .

2

( سلمى نديم ) .. الطبيبة الشرعية الشابة .. عملت معها في عدة قضايا سابقة فأصبحنا في منزلة الأصدقاء ... رأيتها عبر باب غرفة المشرحة و هي تهمس بكلمات لا أسمعها بينما تلتقط بعض الصور لجثة الضحية قبل أن تعمل عليها .. يبدو أنها تهديء من توترها .. لقد كان راشد محقا .. نأمل ألا تفقد الوعي و قد تركوها وحدها مع جثة محطمة على نحو مفزع .. فارتأيت أن أشاركها بعض لحظات العمل .

" يبدو أن علاقتك تطور بصديقك الجديد .. هل يوجد ما يمكن أن يقال عنه ؟ "

فتنهدت قبل أن تقول " لا يزال الوقت مبكرا للجزم بشيء ما .. و لكن مبدئيا من الشكل الظاهري فالتشخيص يدل على التصادم القوي بجسم صلب .. كحالات السقوط من مرتفع .. أو كحالات الصدم و الدهس بواسطة سيارة .. "

فقلت " ألا يمكن أن يكون الأمر أكثر دقة ؟ "

فقالت " إن لم يظهر التشريح أسبابا أخرى .. أو أدلة تحدد سبب الوفاة فغالبا يكون في هيئته العامة كما ذكرت .. أنا فقط تدهشني أثار الأيدي .. إنها حتى لا تظهر بصمة يمكن تقفيها .. و كأنها أيدي حديدية .. رغم أنه يوجد سبب لإستبعاد هذا الأمر "

فقلت متسائلا " و لما يكون مستبعدا أن تكون حديدية ؟"

فقالت و هي تشير بمبضع على حواف أثر الأيدي " تتباين أثار الضغط على الوجه .. فاليد لو كانت حديدية لكانت أثار الضغط متماثلة .. و لكن الحقيقية تجعل نقاط الضغط تخضع لإرادة صاحبها ... ثم الأثر الثاني  هنا .. على الصدر .. هي لكمة بقبضة حيث تظهر أثار براجم اليد ... و هذا يعني أن صاحب اليد يستطيع فرد أو ثني أصابعه .. و هذا يدحض نظرية اليد الحديدية  "

فأومأت برأسي قائلا " هل نذهب إلى نظرية القوة الخارقة الآن ؟ "

فقالت بعض لحظات من تأمل الجثة الذي يشوبه الإرتباك " لو كان يجوز لي قول هذا الأمر .. ربما صاحب اليد من أولئك المتمرسين في الرياضات العنيفة كالملاكمة منذ نعومة أظافره .. تحطيم أضلع رجل مسن كالضحية لن يمثل له مشكلة .. لكن سحق عظام الجمجمة ليس بهذه السهولة .. لو كان هناك مصلاكم بهذه القوة لكان من أبطال العالم أو في السجن بتهمة الإطاحة برأس الخصم بقبضته "

فابتسمت قبل أن أتبين منها إحدى النقاط قائلا " بالنسبة لعدم وجود بصمة .. هل هذا يعني أنه كان يرتدي قفازات ؟ "

فعدلت من نظارتها و قالت " ربما .. أتمنى أن أجد شيئا بعد التشريح "

فابتسمت قائلا " حسنا .. سأدعك تكملين حالة التعرف هذي "

فأومأت برأسها و هي تطلق زفرة قصيرة فقلت لها " هل أنت بخير ؟ .. أرى أنك متوترة ؟"

فابتسمت في إرتباك و هي تقول " رغم أنني حضرت عمليات تشريح و تلقيت  تدريبا جيدا .. إلا أنني لم أتجاوز أبدا هذه اللحظات المهيبة .."

فقلت متسائلا " و ما الذي دفعك للإستمرار في هذا المجال ؟ "

فقالت و هي تنظر إلى الجثة " أحيانا أعتقد أن الطب الشرعي هو الصوت الأخير للضحية .. نحن الصوت الأخير لردع الجناة .. و هذا ليس بالأمر الهين أيضا "

فأومأت برأسي قائلا " أتعلمين .. سأقوم بإحضار بعض القهوة و سأجلس في زاوية المكان .. لقد أوشكت الشمس على الإشراق على أي حال ... هل تريدين بعضا منها ؟ "

فابتسمت و شكرتني قائلة " ربما بعد الإنتهاء من هذا الأمر "

أعتقد أنني استطعت أن أقلل من توترها قليلا .. فتجولت في المكان بحثا عن القهوة قبل أن أن يساعدني أحد العمال في إحضارها .. و أنا أفكر في ماهية المفتاح .. ثم جلست إلى أحد الحواسيب المتوفرة في محاولة للعثور على مطابقة لشكل المفتاح مع نماذج المفاتيح المعروضة على الشبكة العنكبوتية .. و لكنني لم أصل إلى شيء .

رن هاتفي فإذا به العقيد سعيد يسألني عن مستجدات الأمور فأخبرته بما رأيت فقال "يبدو أن الأمر غامضا بعض الشيء .. فقد قمت بالإتصال بفريق المعمل الجنائي بمسرح الجريمة و قاموا بتأكيد وجود مبلغ مالي و بعض المصوغات الذهبية التي تعود إلى الزوجة .. و هذا يستبعد فرضية القتل بغرض السرقة .. كما أنه لا توجد أثار إقتحام البيت عنوة .. و هذا يدل على إحتمال أن الضحية كان على معرفة بالجاني .. ثم أن تلك الطريقة في القتل تبدو من مناهج التعذيب "

  • هذا ما أحاول معرفته بوجودي بالقرب من عملية التشريح .. ربما يتضح لي خيط جديد من الأدلة .
  • يبدو أن مكان عمل الضحية يحتاج إلى زيارة سريعة .. لقد أوشك يوم العمل على البدء فعليك بزيارتهم و رؤية ما يمكن جمعه من معلومات حول الضحية و علاقته بزملاء العمل .. القضايا الغامضة مثل هذي القضية ستلق رواجا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي و سنجد أنفسنا عالقين بين الإدارة و المواطنين .. لنأمل أن يتم حل القضية قريبا .
  • أنا أعمل على ذلك .

انتهت المكالمة بيننا و أنا ليس لدي أدنى فكرة عما ستؤول إليه القضية .. كان ينبغي أن يستدعي المقدم  هيثم   للمساعدة في هذا الأمر رغم أن إنهاء هذه القضية بنفسي سيكون نقطة تفوق في مسيرتي المهنية .. إلا أنني لسبب ما لا أجد الحماسة اللازمة .. حتى أنني قد اكتفيت بتقرير الضابط الخاص بتحقيقه السريع مع الجيران و لم أقم بالتحقيق معهم بنفسي .. ربما لأنني لا أعتقد أنني سأستخلص منهم من معلومات أكثر مما فعل .

رن هاتفي مرة أخرى .. " أعتقد أنني قد وجدت شيئا " قالتها سلمى .. فهرولت إلى غرفة التشريح قبل أن تبادرني بقولها " لا تبالغ في حماستك .. ربما كان لا شيء .. و لكن أردت أن أجعل مكوثك يستحق العناء "

  • أي شيء أفضل من لا شيء ... في جميع الأحوال لن أعود لمنزلي .

فابتسمت و قالت " أنظر هنا "

و كانت قد أخرجت قطعة من جسد الرجل لم أتبينها في البداية و قد وضعتها على قطعة من القطن الطبي و بجوارها شريحة زجاجية عليها بقعة حمراء .. فبدا على وجهي التساؤل قبل أن تستطرد " هذا جزء من الرئة و قد قمت بفحصه مع الجهاز التنفسي عموما .. و على أي حال يوجد ما يشبه ذرات الرمال "

  • ذرات الرمال ! .. هل مثل هذه الأشياء تستقر في الرئة ؟
  • إذا تعرض لكمية ضخمة من الرمال و الأتربة قد تسبب " صدمة إنتانية " و من ثم تحدث كتير من الإلتهابات الحادة و ألم بالصدر ... في مثل هذا السن لابد أنه كان يعاني .
  • لكن السؤال من أين أتت الرمال ؟ لم" تكن هناك عواصف رملية في الأيام المنصرمة .. لابد أنه قد تعرض لها في مكان ما .. في الواقع ربما يكون للأمر صلة بعمله في الآثار .
  • تقصد مقبرة أثرية !! .. لم يرد إلى مسامعي أي خبر عن إكتشاف حديث إن كان يعمل في هذا المجال .. و لكن إن كان الأمر كذلك فهو يتطابق مع إصابة الرئة .. إعتقدت أنهم يقومون بإتخاذ إجراءات للسلامة المهنية في هذا الأمر .
  • هذا إن كان الأمر بشكل رسمي ..ربما كانت هناك عملية تنقيب لم يتم الإفصاح عنها .. أعتقد أنه حان الوقت لزيارة مكان العمل ... إن ظهر شيء آخر سأقدر لك الإتصال بي .

قلتها و أنا أغادر المكان و في نيتي التوجه للهيئة التابعة لوزارة الآثار و التي كان يعمل بها الضحية .. ولا تزال في رأسي تساؤلات حول السر وراء مقتل (حسين نظمي ) و سر الرمال في رئتيه .. الليلة المنصرمة كنت أظن أنها إحدى تلك القضايا التي تنتهي سريعا .. و لكن الأمر يبدو أنه أكثر تعقيدا مما ظننت .. ترى ما الذي فعله و أيامه في الحياة معدودة ؟! .. ما الذي أقدم عليه لتكون نهايته على هذا القدر من البؤس و الألم ؟ .. بماذا ورطت نفسك أيها العجوز ؟ .

3

"  يوسف الراوي  .. من مباحث العاصمة .. أريد مقابلة السيد ( عدنان زاهد ) رئيس الهيئة من فضلك "  قلتها لسكرتيرة مكتب رئيس الهيئة قبل أن تقول " السيد عدنان في عطلة مرضية منذ ثلاثة أيام .. تستطيع مقابلة السيد أكرم المساعد الشخصي له و هو في مكتبه حاليا "

فأومأت بالإيجاب و تقدمتني في السير إلى مكتب أكرم و قد كان شابا في منتصف الثلاثينات من عمره .. و قمت بتقديم نفسي له و السبب في زيارتي قبل أن تبدو عليه الدهشة و هو يقول " يا إلهي .. السيد حسين !! .. يا له من شيء مؤسف .. هل هي محاولة سرقة ؟ "

  • و لماذا تفترض أنها محاولة سرقة و ليست بغرض الإنتقام ؟
  • أوه .. لا أعلم .. يبدو لي السيد حسين أنه ليس من ذلك النوع الي قد يرتكب شيئا يستوجب الإنتقام بقتله .. الرجل كان لا يفعل شيئا في حياته غير العمل .. و خاصة بعد وفاة زوجته و سفر ولده الوحيد .. إنقطاعه عن العمل كان بمثابة المسمار الأخير في نعشه .. و لكن السيد عدنان قد ساعده .
  • و كيف ساعده السيد عدنان ؟
  • إنهم أصدقاء منذ زمن و طبقا لما علمت أنهم كانوا زملاء على نفس الدرجة .. قاموا بكثير من الأبحاث و الإكتشافات معا .. و تقدم السيد عدنان وظيفيا عن السيد حسين لم يكن إلا بسبب إنشغال الأخير بالعمل الميداني .. كان يكره العمل المكتبي حتى مع تقدمه في السن .. لم يكن يمكث كثيرا بالهيئة و يخرج دائما يبحث عن شيء يمكن اكتشافه .
  • لازلت لم تذكر لي كيف ساعده السيد عدنان .
  • أوه نعم .. معذرة .. بعد بلوغ السيد حسين سن التقاعد - و كما أخبرتك كيف سيكون تقاعده مميتا بالنسبة له - تقدم السيد عدنان بطلب لمد خدمة السيد حسين لثلاث سنوات بنظام التعاقد ... على ما يبدو أن ذلك لم يفده كثيرا الآن .
  • هل كان هناك ما يعمل عليه السيد حسين مؤخرا في العمل ؟ مشروع ما أو إكتشاف ؟
  • ليس على حد علمي .. في الغالب لم تكن ترقى إلى شيء حقيقي .. علمت من السيد عدنان أن السيد حسين كان يبحث بنفسه و كان لديه في السابق فريق تنقيب .. إلا أن هذا الأمر كان مكلفا بالطبع فلم يعد هناك فريق للعمل ... لم يعجب السيد حسين الأمر و كان يصطحب معه خرائطه و يتجول بها محاولا متابعة الإستكشاف بنفسه .
  • و كيف يستطيع عمل ذلك بدون فريق ؟ هل يستخدم أصابعه للحفر مثلا ؟
  • في الحقيقة لم أكن منخرطا تمام فيما يخص السيد حسين .. لكن هناك بعض الأجهزة كان يستطيع إستخدامها في رحلاته الميدانية .. و أعتقد أن السيد عدنان كان يستطيع توفير المساعدة البشرية له إذا دعت الأمور لذلك .
  • يبدو أن السيد عدنان كان مؤمنا بقدرات صديقه .
  • أعتقد أنه لن يتجاوز خبر وفاته بسهولة .
  • ما هي آخر مرة رأيت بها السيد حسين ؟
  • يوم أمس .. وقت الظهيرة تقريبا .. كان في طريقه للخروج من المبنى في عجلة من أمره و يبدو عليه الشرود حتى أنني ناديته و لم يلتفت إلي ّ .
  • هل واجه أي مشكلة مع أحد بالعمل ؟
  • لا لا .. لا أعتقد ذلك .. لقد كان مسالما و لا يختلط كثيرا بالأشخاص .
  • حسنا .. إن تبادر إلى ذهنك شيء ما يخصه أرجو التواصل معي .

أنهيت حديثي معه وهممت بالخروج من المكتب قبل أن أتذكر المفتاح الذي بجيبي فأبرزته له و أنا أسأله " هل لديك فكرة عن هذا المفتاح ؟ ماذا قد يفتح ؟ "

فاقترب ببصره من حافظة المفتاح و هو يؤميء برأسه نفيا و يقول " لا .. لا أعلم .. ربما يفتح صندوق ما ... هل له علاقة بالقضية ؟

فابتسمت دون أن أجبه على سؤاله  و شكرته على اللقاء ثم  خرجت من مكتبه و لكنني توقفت عند الباب للحظات كنت أتفحص فيها هاتفي قبل أن يرد إلى مسامعي صوته و هو يتحدث لشخص ما بالهاتف " نعم .. كما توقعت .. لديهم شيء ما ربما نحتاجه .. لا يشكون بشيء حتى الآن "   ثم أنهى المكالمة .

كانت نيتي التوجه إلى منزل ( عدنان زاهد ) و لكن خطرت لي فكرة غير قانونية في الحقيقة .. و لكنها سوف تساعدني قليلا في هذا التخبط .. و سبب هذا هو شعور خفي .. أو ما يسمونه حدس .. فهاتفت صديق لي كان يعمل في القسم التقني قبل أن أمر به لأقترض منه قطعة ألكترونية صغيرة قبل أن أذهب للقاء عدنان .

كان ( شريف ) قد ترك العمل بالقسم التقني للعمل لصالحه الشخصي في إنتاج و تطوير تقنيات أمنية يقوم ببيعها للشركات الخاصة .. و كان يقوم بالعمل على تصميم منتجاته هذه في منزله .. هو يؤمن أنها البيئة المناسبة للعمل بتركيز و حرية .. فمررت به لألتقط منه جهاز للتنصت فسمح لي بجهاز محدود المدى ليسه له هوية يمكن تتبعها .. و كان يستخدم مثل هذه الأجهزة للعمل على تطويرها ... و قبل أن أغادر المكان عرضت عليه المفتاح لربما يعرف عنه شيئا .. فقال لي " لا أعلم ما هذا و لكن يمكنني البحث من أجلك "

  • و لكن لا يمكنني ترك المفتاح لك فهو أحد الأدلة .
  • لا حاجة إلى ذلك .. لدي جهاز مسح ضوئي خاص بالقطع سيقوم بتصويرها بشكل ثلاثي الأبعاد .. يمكنك الاحتفاظ بمفتاحك .

فابتسمت قائلا " نعم .. نسيت أنك سيد التقنيات .. أحيانا تسعدني صداقتك "

فنظر لي في صمت للحظات قبل أن يقول " لا أعلم .. أشعر أن هذه الصداقة ستتسبب بقتلي أو إعتقالي "

  • أتقول هذا و أنا نقيب بالمباحث ؟!
  • لو كان أمرا قانونيا لماذا لم تتبع الإجراءات القانونية .. و لما جهاز التنصت ؟
  • أنت تعرف أنني لا أفكر بالشكل التقليدي في العموم .. عليّ أحيانا أن أستخدم وسائل أكثر سرعة للحصول على المعلومات اللازمة .
  • لقد قاموا بإختيار الضابط الأكثر تكاسلا و الشعور بالملل من أداء وظيفته دون وجود رئيسه المباشر .. أعتقد أن العقيد سعيد سيكون سعيدا بإلقاء اللوم عليك إن فشلت ... أو .. يريد أن تنتهي هذه القضية على أي حال .

لم أستطع أن أمنع نفسي من القلق بعد هذه الكلمات .. هل لدي هذه السمعة فعلا ؟ هل تم اختياري لهذا الهدف ؟ .. ربما مزحة شريف تحمل في باطنها حقيقة لم أدركها .

في إحدى الضواحي الراقية كان يقع منزل عدنان زاهد على مساحة لا بأس بها وسط حديقة كبيرة محاطة بسياج حديدي تتوسطه بوابة ألكترونية ضخمة .. علمت من بعض المصادر أنه ينحدر من عائلة ليست ثرية فحسب .. بل عريقة .. لا عجب أنه قد أحب العمل في مجال الآثار و الحفريات . لمحت زوجته تجلس مع أحفادها في الحديقة و قد رمقتني بنظرة متشككة .. لم ألق بالا لها و أنا أتقدم إلى الخادم الواقف عند الباب أطلب مقابلة عدنان .

في حجرة مكتب عدنان بالمنزل شعرت للوهلة الأولى أنني قد انتقلت عبر الزمن لحجرة مكتب أحد أثرياء العهد الملكي .. كل شيء عتيق مثل النماذج الأثرية و لفائف تشبه البرديات و خرائط لمصر القديمة و نماذج مجسمة لمنطقة الأهرامات .. حتى صور العائلة التي علقت على الجدران تظهر مدى امتداد جذور هذه العائلة .. و قد لفت نظري إطارات تحمل صور لعدنان و حسين في مراحل الشباب و هما يحملان قطع أثرية وقت اكتشافها .. أو ملتقطة لهما أمام مقبرة قديمة إكتشفاها .. تلفت حولي في حذر قبل أن أدس قطعتي الألكترونية في مزهرية موضوعة على طاولة بجوار المكتب .

" تاريخ عريق بهذه الغرفة " قالها عدنان و هو يقف عند باب الحجرة قبل أن يستطرد " لقد أنفقنا عمرا في اكتشاف أسرار القدماء على هذه الأرض المباركة .. أو بالأحرى بداخلها "

" النقيب يوسف الراوي من مباحث العاصمة .. أ‘تذر على القدوم في هذا الوقت من الصباح " قلتها و أنا أصافحه قبل أن يقول " لقد تم إبلاغي بما حدث لحسين .. شيء مؤسف .. أرجو أن ننتهي من معرفة ما حدث سريعا لإتمام إجراءات دفنه بصورة لائقة " ثم سعل قليلا قبل أن يخرج جهاز موسع للشعب  قبل أن يقول بعد لحظات " حساسية الصدر .. ضريبة في الغالب ندفعها مقابل هذا العمل "

فأومأت متفهما و خادمه يدخل لنا قدحين من الشاي بجوار قطع من السكر و بعض الكعك ثم غادر .. فبادرته بالسؤال " هل هناك اي شيء لاحظته في سلوك السيد حسين مؤخرا ؟ هل كان على خلاف مع شخص ما ؟ "

فأومأ بالنفي قائلا " ليس على حد علمي .. لا أعتقد ذلك .. لم يكن من النوع المحب للنزاع "

فقلت بعد لحظة من الصمت " سيد عدنان .. أعتقد أن الجاني كان يبحث عن شيء محدد .. لم تكن جريمة بهدف سرقة المال و لم تحدث بشكل عرضي .. و لكن من ارتكبها كان يبحث عن شيء لدى السيد حسين .. و قد قام بتعذيبه حتى الموت "

لم يبد حتى دهشته و قد تناول قدح الشاي يرتشف منه رشفات قبل أن يتسألني " و ما الذي حملك على هذا الإعتقاد ؟ "

فابتسمت قائلا " ردة فعلك الآن .. و أمور أخرى تبينتها خلال الساعات المنصرمة "

فقال بنفس الهدوء " و هل ردة فعلي الهادئة جريمة ؟

  • لا بالطبع .. و لكنها مثيرة للشك عند قتل صديقك المقرب .. علاوة على أنني على علم بأنك لم تشاركه البحث الميداني منذ توليت مهامك الإدارية .. فمن أين قد أصاب المرض رئتيك ؟ ربما بهما نفس ذرات الرمال المتواجدة في رئتيّ السيد حسين , أليس كذلك ؟

فعقد حاجبيه و هو يقول " أنت لا تدرك ما الذي تقوله سيد يوسف .. ليس لي علاقة بموت حسين .. لقد عرفت الرجل دهرا فما الذي يجعلني أقدم على التخلص منه الآن ؟ "

  • لا أعلم .. ربما وجدتما شيئا ما و قد اختلفتما على كيفية التعامل معه .. ألم يقم مساعدك الشخصي بالإتصال بك قبل مجيئي و إخبارك عن المفتاح ؟
  • مفتاح ؟! أي مفتاح ؟

فأخرجت الحافظة البلاستيكية التي تحوي المفتاح و أنا أقول " هذا المفتاح .. ماذا يفتح هذا المفتاح ؟ "

فبدا عليه مزيج من الدهشة و الضيق و قد لاذ بالصمت لحظات قبل أن يقول " لا أعرف شيئا عن هذا المفتاح .. و مساعدي الشخصي لم يقم بالإتصال بي .. لقد أخبرني مديرك بنفسه "

فرددت " العقيد سعيد ؟! "

فقال بإبتسامة خفيفة " نعم .. يمكنك التأكد منه إن أردت .. أنت لا تعرفني جيدا سيد يوسف .. جذوري تمتد في هذه الأرض إلى عمق لا تستطيع إدراكه .. و من هذا العمق لدي من الصلات التي لا تستطيع التعامل معها .. فاحذر مما تنبث به شفتاك "

فابتسمت و أنا أهم بمغادرة المكان فاستوقفني بكلماته قائلا " ربما يجدر بك ترك الأمر عند هذا الحد .. فالأمر ليس بذلك التعقيد الخيالي في رأسك "

فالتفت إليه قائلا " ربما يجدر بك معالجة رئتيك جيدا لأن هذا الخلل يسبب إنتانا قد يدمرها "

ثم تركته خلفي و عندما جلست بسيارتي وضعت سماعة الجهاز الذي دسسته له في أذني فاستقبلت صوته و هو يتحدث هاتفيا لشخص ما و يقول " لم يكن يجدر بكم السماح للغريب التعامل مع الأمر .. لم يكن ذلك الوضع يستحق .... لو كان الأمر يتعلق بأصدقائنا لأنتهى هذا الوضع المخجل .. لكن هناك من يثير الوضع شكوكه و لن يهدأ ..... تبا , حسين كان صديقي و كنت لأتعامل معه ... أنا أتحدث بشكل عملي .. يبدو أن الغرض لم يكن هناك .. و أعتقد أنكم على علم الآن .. بما أنكم تتواصلون مع مساعدي الشخصي دون علمي .... لا .. لا يوجد عذر لذلك .. علينا أن ندبر إجتماعا طارئا في أقرب وقت  ... "

قالها قبل أن ينهي مكالمته وأنا في طريقي و عندما عبرت السياج المحيط بالحديقة اختفت الإشارة اللاسلكية للجهاز .. كنت على علم مسبق بهذا الأمر .. و لكني قد تعمدت إثارة غضبه بشكوكي لأدفعه للقيام بهذه المكالمة .. كنت أحتاج للتيقن منذ أن سمعت مكالمة مساعده الغامضة .. و بعد رؤيتي لحالته الصحية أن له علاقة بمقتل حسين .. و بعد مكالمته هذه قد تيقنت أن هناك خلفه من يشارك في هذا الأمر .

4

رن هاتفي فجأة و أنا أقود سيارتي مبتعدا عن ملكية عدنان زاهد , لأجد شارة " رقم محجوب " على شاشة هاتفي لأجده ( شريف ) فقلت له " هل تتصل بي أنا بهذه الطريقة ؟! كيف ذلك ؟ "

  • لدي محاولاتي البائسة لحماية نفسي من مما تورطني فيه .

فضحكت قبل أن أسأله " هل وجدت شيئا ؟ "

  • نعم بالطبع ... المفتاح يخص نوع من الخزائن الجدارية .. يتم إخفائه بأحد جدران المنزل مثلا خلف إطار معلق .. و السبب في كونه غير معروف أن هذه الخزائن كانت إصدار محدود من سنوات طويلة .. الخبر الجيد أنك عندما تجدها لن تحتاج لكلمات سر أو وسيلة ألكترونية لفتحها ... المفتاح فقط .. ربما لأن طريقة إخفاءها تجعلها آمنة .
  • لو تم إخفاءها خلف إطار لصورة معلق على جدار .. كيف لهذا أن يجعلها آمنة ؟
  • ربما ليست خلف إطار .. هي صغيرة الحجم .. ربما خلف أحد المعلقات الجبسية أو بداخل تمثال مثلا .

  فصمت لحظة قبل أن أقول " حسنا .. شكرا لك .. سأتولى هذا الأمر "

و أنهيت المكالمة و قد فكرت في الإتصال ب(راشد ) فقمت بذلك " هل هناك جديد ؟ "

  • لا .. قام فريق الأدلة بالعودة و ليس هناك جديد حتى الآن .
  • هل يمكنك الوصول إلى الصور الملتقطة لمسرح الجريمة ؟
  • نعم .. أعتقد ذلك .. إبق معي للحظات .

في هذه اللحظات انتابني الشك تجاه سيارة تسير خلفي على مقربة من أنها تتبعني .. و لكنني لم أستطع تبين قائدها جيدا .. قبل أن يجيئني صوت راشد على الهاتف و هو يقول " حسنا .. ما الذي نبحث عنه ؟ "

  • هل ترى أي تماثيل بالصور ؟

فصمت للحظات و هو يبحث قبل أن يقول " نعم يوجد بعض التماثيل الصغيرة معظمها محطم و تمثالان متوسطا الحجم على جانبي مكتب الضحية و لكن عند زاويتي الحجرة "

  • في حالة جيدة ؟
  • نعم قد نجيا من التحطيم على ما يبدو .
  • حسنا .. أراك لاحقا .

عدت أنظر إلى المرآة لأتبين السيارة التي اعتقدت أنها تتبعني فلم أجدها .. فتابعت طريقي حتى وصلت إلى مسكن حسين و قد كان أحد رجال الأمن يقوم بحراسته باعتباره لا يزال مسرحا للجريمة لم يتم إغلاقه .. فتوجهت مباشرة حيث التمثالين و كانا نموذجين مزيفين لتمثالين لملكين من ملوك مصر القديمة .. فتفحصت أحدهما فلم أصل لشيء .. فقمت بتفحص الآخر فوجدت نقوشا بارزة قليلا عند المنتصف .. فاكتشف شقا على شكل مستطيل صغير بدا كغطاء مزيف .. عندما قمت باقتلاعه ظهرت خزانة صغيرة بالداخل .. ارتسمت على شفتي ابتسامة ظفر .. الآن نفتح الصندوق الأسود .

إعتقدت أنني سأجد وثيقة ما .. ولكن عوضا عن ذلك وجدت مجسما أقل من حجم كف اليد بقليل على هيئة هرم بأبعاده الثلاثة .. مصنوع من مادة بلورية غريبة .. تعطي إنعكاسا بلوني الأسود و الأخضر القاتم .. و لكنني لم أدرك ما هذا الشيء و لا السر وراءه .. و قبل أن أفكر ماذا أفعل رن هاتفي .. إنه رقم العقيد سعيد الذي بادرني بقوله " ماذا فعلت عند السيد عدنان ؟ "

  • لم أفعل شيئا .. كنت أقوم بسؤاله عدة أسئلة فقط .
  • أنت قمت بمضايقته بالتلميح بأصابع الإتهام ضده .
  • و ماذا في ذلك ؟! .. لحين الإنتهاء من التحقيق فالجميع مشتبه به .

فعلت نبرة صوته بشيء من الغضب و هو يقول " ليس الجميع .. عليك بالحذر عندما تتحدث مع شخصيات لها كثير من الصلات التي قد تؤثر على مستقبلك ".

فقلت في دهشة " ماذا ؟! .. هل أنا عرضة للتهديد من بعض الشخصيات ؟ "

  • لا أحد يقوم بتهديدك .. و لكن لا تتجاوز حدودك فقط بدون دليل.
  • سأخبر سيادتك بشيء مهم .. ربما لا تعرفه .. ما أقوله هو أن عدنان زاهد لديه صلة بعملية القتل و لم يبدو مندهشا عندما تحدثت معه .
  • يوسف ..! أنت رجل قانون و سأقولها مره أخرى .. طالما ليس لديك دليل دامغ ضد أي شخص .. فلا يوجد لدينا قضية .. إذا لم تسفر التحقيقات و الأدلة عن شيء سيتم غلق هذه القضية و تقيد ضد مجهول بغرض السرقة .. و لن نتطرق لشيء آخر .
  • وإن استطعت الحصول على دليل ما ؟
  • لدينا فريق يعمل على كل الأدلة التي تم جمعها من مسرح الجريمة بالفعل .. أنت تدير التحقيقات فقط .. و سأمهلك يومين لذلك .

تفحصت الهرم البلوري في يدي قليلا و كنت أفكر في عدم إخباره عنه .. و هذا ما حدث .. فقلت له " حسنا .. سألتزم حدودي في التعامل "

فقال " عد إلى مسكنك .. تحتاج لأن تنال قسطا من الراحة "

ثم أنهينا الحديث .. و لكن عقلي لم ينتهي من التفكير .. فمررت ب(سلمى ) و كانت تتناول القهوة و هي تدون ملاحظاتها فقلت لها " ألن تنالي قسطا من الراحة ؟ "

فقالت مبتسمة " اعتدت الأمر .. سأنال قسطا وفيرا عندما أنتهي من هذا التقرير .. يبدو أن صديقنا لا يحمل شيء في جوفه أكثر مما استخرجناه منه .. إنه سيء في التغذية .. توجد آثار لمواد حافظة للطعام .. يبدو أنه كان يعتاش على الطعام المعلب .. "

جاءني إتصال من راشد يقول " لقد أوشكنا على الإنتهاء من تقرير المعمل الجنائي .. و لكن اعتقدتك تريد أن تعرف أنه يوجد كثير من التصاريح لزيارة منطقة الأهرامات في الأدلة .. أعتقد أن تواجده في تلك المنطقة لفترات طويلة مؤخرا  "

فقلت معلقا " الأهرامات !! .. شكرا جزيلا لهذه المعلومة .. أتطلع إلى التقرير النهائي "

ثم أنهيت المكالمة قبل أن أخرج من جيبي الهرم البلوري ..فبدت على سلمى ملامح الإنبهار و هي تقول " ما هذا ؟ يا للروعة ! "

فقلت لها " هذا ما كان يخفيه في خزانته التي يعود إليها المفتاح الذي وجدناه "

فنظرت إلي في دهشة قبل أن تأخذه لتضعه تحت منظار المختبر للحظات قبل أن تقول "يا للعجب ! .. أنظر إلى هذا "

فنظرت عبر المنظار فكان المشهد وكأن الهرم ممتليء بمادة مشعة تتحرك بشكل هلامي .. فقلت " أنا لا أعرف ما هذا الشيء "

  • ولا أنا .. هل تعتقد أنه مرتبط بمقتله ؟
  • المؤكد أنه مرتبط بزياراته لمنطقة الأهرامات .. و غير مستبعد أنه السبب في نهايته .
  • و ماذا ستفعل الآن ؟
  • لا أعلم .. علي أن أقوم بزيارة هذه المنطقة .. علينا ألا ندرج هذا الشيء كدليل في الوقت الراهن .. لأنني مطالب بتقديم دليل دامغ .

فأومأت برأسها متفهمة .. فقلت بعد لحظات " أشعر بالحاجة إلى الإستلقاء قليلا و لكنني بحاجة لقراءة التقرير النهائي "

فقالت " سأنتهي من تقريري عن الجثة و بعض التقارير الأخرى ... توجد غرفة إستراحة تخص أحد الأطباء و هو في عطلة هذه الأيام يمكنك الإستلقاء فيها حتى ننتهي ... سأرشدك إليها "

فابتسمت و أنا أقول " شكرا جزيلا .. لقد قمتِ لتوك بمنع حادث سير في المستقبل ".

5

يا له من طقس بارد .. كيف أتيت إلى هناك .. ممدد أنا على رمال الصحراء المختلطة بالثلج و السماء تومض بأضواء خفيفة .. نهضت و بالكاد أشعر بقدمي تحملني لأجد الأهرامات الثلاثة جاثمة في مشهد مهيب  بين أضواء الشفق القطبي .. هذا الشفق في لونه و وميضه يشبه تلك المادة المشعة في الهرم البلوري .. و أمام الأهرامات تمثالين متماثلين لأبي الهول .. ثم تهتز الأرض بشدة قبل أن تضيء عيون التمثالين بضوء أخضر .. و يخرج من بينهما تمثال ذهبي ضخم لأنوبيس .. إله الموت .. يرفع ذراعيه و يطلق صرخة .

إنتفضت لأجد نفسي في فراش حجرة الاستراحة بالمستشفى و قد حل المساء , فخرجت منها لأجد سلمى جالسة إلى مكتبها و ما أن رأتني قالت " ها أنت .. لقد كنت على ما يبدو تحتاج كثيرا إلى النوم .. لم أرد إيقاظك "

فحككت رأسي قبل أن أقول " معذرة لهذا الأمر .. لا أدري كيف حدث "

  • لا عليك .. التقرير النهائي قد انتهى و هو جاهز ليتم تسليمه .. أعددت لك نسخة و نستطيع إرسال التقرير إلى الإدارة .
  • سيكون هذا جيدا .. هل انتهيتِ من عملك ؟
  • نعم و أنا على وشك المغادرة .
  • حسنا .. دعيني أقوم بتوصيلك إلى منزلك .
  • سيكون هذا لطيفا .

سألتني في الطريق " ماذا ستفعل إن وجدت شيئا في منطقة الأهرامات ؟ "

فتنهدت قائلا " لا أعلم تحديدا .. حتى أنني لا أعلم كيف أن هناك شيئا قد يتم دون علم أحد .. المكان مزار سياحي .. و لكن لو القوة الخفية التي أعتقد أننا نواجهها موجودة فبإمكانهم تدبير أي شيء "

فقالت في قلق " هذا الأمر مقلق فعلا .. أحيانا أجد نفسي بين رغبتي الفضولية في معرفة حقائق الأمور و بين خوفي الذي يدفعني للتراجع إلى منطقة الجهل الآمنة .. لا أدري أيهما أفضل "

فقلت " هذا الأمر يعود إلى الشعور بالمسئولية .. أنا معروف بين أقراني بالتكاسل عن البحث لمعرفة الحقائق .. كنت ألقي بالمسئولية على عاتق الآخرين .. أريد أن تنتهي القضايا سريعا و يتم إغلاقها ... لا أحد يعرف حقيقتي جيدا فكان حكمهم غير صحيح .... تم إسناد هذه القضية لي بناءا على هذا الحكم .. و ما أثار شعورهم بالتهديد أنني بدأت في طرح الأسئلة التي تمس الحقيقة .. و يبدو... أننا مراقبان الآن "

قلتها و قد لاحظت نفس السيارة التي كانت تتبعني طوال اليوم و هي تسير خلفي , فنظرت سلمى خلفها و هي تقول " هل يتبعنا أحدهم ؟ "

  • لا تقلقي .. سأقوم بإنهاء هذا الأمر قبل إيصالك إلى بيتك .

ثم انحرفت عن الطريق لعدة طرق جانبية قاصدا تضليله و قد زدت من سرعتي فزاد من سرعته أيضا .. و ظل يتبعني حتى وصلنا إلى شارع خلفي شبه مظلم ذي نهاية مغلقة .. فأوقفت السيارة و كنت أهم بالتراجع لأخرج من هذا الشارع و لكن السيارة التي تتبعني قد سدت علي المخرج .. فلم يكن هناك بد من المواجهة .

" ابقي بالسيارة هادئة .. و اخفضي من رأسك .. و مهما حدث .. لا تخرجي أبدا من السيارة"  و أخرجت سلاحي من غمده و قمت بشد أجزاءه قبل أن أخرج من سيارتي في مواجهة السيارة الأخرى التي توقفت بدورها على مسافة .. قبل أن يهبط من شخص ضخم ملامحه غير واضحة في الظلام ... أيقنت في هذه اللظة أنه الشخص الذي أجهز على حسين نظمي ..انتابني بعض القلق قبل أن أشهر سلاحي و أنا أصيح به " لا تتقدم خطوة واحدة .. أنت تعلم يقينا أنك تقوم بالتعدي على ضابط مباحث .. و سيحق لي إرداءك قتيلا في جميع الأحوال إلا أن تقوم بتسليم نفسك الآن "

لم أتلق أي رد من الشخص الضخم للحظات قبل أن يقول بصوت أجش عميق كصوت آلي ضخم  " إعطني الهرم " .

فقلت صائحا " هذا لن يحدث "

صدرت منه زمجرة غضب قبل أن يتقدم مهرولا تجاهي و أنا أصيح به  " توقف مكانك " دون جدوى .. قمت بإطلاق النار عليه .. و لكنه لم يتوقف .. و كأن الرصاصة لم تمسه أساسا  .. فأطلقت النار عليه عدة مرات دون جدوى سوى أنه صاح بشكل مخيف جعلني أشعر أنه سيمزقني إربا .. و كان يقلقني إن استطاع الوصول إلى سلمى  و قد نفدت الرصاصات من سلاحي و قد اقترب مني .. و لا مجال لإعادة تلقيم السلاح .

و ما أن اقترب مني حتى توقف فجأة و انتفض و كأنه لامس موجة كهربية ضخمة قبل أن يسقط مكانه بلا حراك .. و قبل أن أتبين ما حدث له جاءني صوت عبر الظلام  " لا يمكن قتله مثل البشر .. لديه شريحة في رأسه يتم التحكم بها .. و هو الآن معطلا بشكل مؤقت حتى يتم تشغيل الشريحة مرة أخرى "

كان صوت عدنان  ممسكا بيده جهاز تحكم صغير فقلت له " كنت أشعر أنك خلف هذا الأمر .. ما هذا الشيء و من أنتم على وجه التحديد ؟ "

فابتسم قائلا " أنت مخطيء .. هذا الشيء لست المتحكم الوحيد فيه .. و ليس الوحيد من نوعه و لكنه نموذج أولي .. نحن لدينا علماء يعملون في الخفاء لتحقيق هذه الأمور التي يعتبرها العامة ضربا من الخيال .. فكما ترى الآن هذا الحارس هو نتيجة تطور من الإنسان العادي إلى الإنسان المتطور و الأكثر قوة بتعديل حمضه النووي أصبحت أنسجته مقاومة للرصاص فلا يمكن التحكم به إلا بشريحة ألكترونية مزروعة في مؤخرة جمجمته .. مع كثير من التفاصيل المعقدة التي ليس لها مجال للشرح الآن ...أما عن الأمر الذي تعتقده مخطئا   هو اعتقادك أنني قد دبرت مقتل حسين .. لقد كان صديقي لأعوم عديدة .. لقد حدث مقتله دون علمي  "

فقلت له " و لما تحملت عناء إخباري بهذا الكلام بدلا من أن تتركه يجهز عليّ .. في النهاية لم يكن هناك ما يدينك أنت و أصدقاءك "

فقال " عائلتي من مؤسسي هذه الجماعة في مصر منذ القدم ..نحن نتوارث عضوية التأسيس .. حسين كان من أعضاءها بالتزكية .. و هذه الجماعة في كل دولة تتحكم في كل مواردها و اتجاهاتها .. كمؤسسة ضخمة بها أقسام "

  • وكنت أنت رئيس قسم الآثار هنا .

فابتسم قائلا " هناك أشياء يجب أن تظل خفية و لا تظهر للعامة إلا بالشكل الذي نريده "

  • و هذا ما خالفكم عليه حسين مؤخرا .
  • لقد قمت بإسداء النصح له عندما اكتشفنا آخر شيء .. و لكنه لم يستمع .. كنت أحتاج لبعض الوقت معه و لكن زعماء الجماعة ليس لديهم هذا الصبر .. و سيسعون خلفك بكل قوتهم .
  • هل العقيد سعيد ....؟
  • لا .. هو فقط يعلم أن هناك جهة لا يجب العبث معها .. و لكنه ليس من أعضاءها .. فيفضل التصرف بحكمة .. هذا الحديث بيننا لم يحدث أبدا .. و قضية حسين سيتم غلقها كما تعلم .. و لم يتبق سوى أن تجد طريقة كي تنقذ نفسك .. لأنك لن تظل على قيد الحياة طويلا .

ثم أولاني ظهره ليغادر فاستوقفته قائلا " لماذا تفعل كل هذا ؟ .. لما خضت معي هذا الحديث ؟ "

فالتفت إلي مبتسما و هو يقول " يوما ما قد تدرك السبب "

ثم ذهب مبتعدا و هو يقول " الفضول سيدفعك للذهاب لمنطقة الأهرامات .. يوجد جزء مغلق لأعمال الصيانة مع بعض الحراسة الخفيفة .. الجهل يجعل الناس أقل خطورة "

ثم اختفى .. عدت إلى السيارة و قد كانت ملامح الدهشة و الخوف على وجه سلمى و هي تقول هامسة " يا إلهي ! ما كل هذا ؟! "

فقلت " لا شيء سوى أن الأمر أصبح أكبر مما كنا نتخيل ... سأقوم بتوصيلك إلى المنزل و سأذهب لاستكشاف الأمر "

فقالت و هي تتمالك نفسها " لا .. سأذهب معك "

قلت لها مستنكرا " الأمر يبدو خطيرا .. و هم قد عرفوا عني على أي حال .. عليّ الآن أن أجد شيئا ما يمكن إستخدامه ضدهم .. لا يعرفون عنكِ شيئا "

  • لا نستطيع الجزم بهذا الأمر الآن .. و على أي حال تحتاج إلى شاهد واحد على الأقل على أن هذا الأمر ليس ضربا من الجنون .

فأومأت برأسي متفهما قبل أن نغادر المكان مبتعدين و هدفنا الوصول إلى منطقة الأهرامات .. و كان الظلام قد حل بالمنطقة , و عندما وصلنا قمت بالإقتراب من طريق للدخول إلى المنطقة غير المدخل الرسمي ثم أوقفت السيارة و أكملنا الطريق سيرا على الأقدام على ضوء القمر و أنا أقول لها " كنت في الماضي أتعجب من أن للقمر تأثيرا شاعريا على الناس .. و مرعبا على البعض منهم .. أعتقد أننا في ظروف أخرى لكانت هذه الأجواء مثالية للشاعرية "

فضحكت سلمى ضحك خفيفة قبل أن تقول " محاولة سيئة لتشتيت ذهني عن القلق الذي أشعر به و لكن أشكرك عليها .. الأمر ليس أكثر رعبا من التعامل مع الجثث بشكل مستمر "

  • أعتقد أن الجثث أكثر وداعة من المخلوق الذي كاد يفتك بي .. لا أعلم كيف قاموا بهذا الأمر .. إعتقدت أن رواية ( فرانكنشتاين ) خيالية .. تبا .
  • ماذا لو أن المومياوات عادت إلى الحياة مثل مسخ فرانكنشتاين ؟
  • ماذا ؟! .. هل تعتقدين أن ذلك المخلوق كان مومياء ؟
  • لما لا .. أنا أصدق كل شيء الليلة .

لم أجد ردا على كلامها .. لديها كل الحق في شكوكها .. ثم لاح وميض خفيف لمصابيح محاطة بأغطية منصوبة على دعامات خشبية ملاصقة لتمثال أبي الهول فقلت هامسا " ها نحن .. لننسل بالقرب من الصخرة الضخمة الموازية لتمثال أبي الهول لنرى ما الذي هناك "

و ما أن اقتربنا من الصخرة حتى رأينا ثلاثة رجال يحرسون المكان فقلت لها " لابد أن أدخل إلى هذا المكان "

  • و كيف ستتجاوز الحراسة ؟
  • لا أعلم .. سأفكر في شيء ما .
  • إنتظر .. هناك سيارات تقترب .

اقتربت ثلاث سيارات من المكان فانتبه الحراس كأنهم يعرفون أصحابها و هبط منها مجموعة من الأشخاص يبدون من هيأتهم كأصحاب الثروات أو السلطة .. أشار أحدهم للحراس ليحضروا بعض الصناديق من السيارات .. فقلت لها " هذه هي فرصتي .. سأنسل من وراءهم عندما يقوموا بالدخول  "

و قد كان .. فما أن دخل الجميع خلف الأغطية الساترة حتى انسللت وراءهم .. لأجد بابا صغيرا في جسد أبي الهول .. و عندما دخلت عبره وجدت سلما يؤدي إلى أسفل و قد أدى بي إلى دهليزا طوله عدة أمتار مدعوم بعدة أعمدة , شبه مظلم إلا من ضوء نبعث من آخره... شعرت بعودة الحراس فألصقت جسدي بجوار أحد الأعمدة و قد ساعدني ظلام المكان حتى مرورهم إلى الخارج ... بعدها اتبعت الضوء آخر الدهليز و أنا أخطو في حذر و على الجدران تظهر بعض النقوش تارة و تختفي تارة أخرى .. و ما أن وصلت إلى نهاية الدهليز حتى رايت قاعة مستديرة وقف بها مجموعة من الناس يرتدون زيا كهنوتيا موحدا , مغطاة رؤوسهم بقلانس وجوههم تنظر إلى الجهة المقابلة لنقوش ضخمة على جدار يبدوا كبوابة , و أكبرها نقش أنوبيس و بين ساقية نقش لعين حورس يتوسطه فراغ على هيئة هرم .. فتذكرت الهرم البلوري.

فقال أحدهم " لابد أن نحصل على المفتاح .. طقوسنا التي بدأت منذ مئات السنين لابد أن تستمر"

قال آخر " لا نستطيع أن نتخلص منه بالطريقة التي إنتويناها .. لقد قدم عدنان أسبابا مقنعة للعدول عن هذا الخيار "

قال ثالث " لماذا لا نضمه إلينا ؟ يمكننا عمل إستثناء له "

قال الأول " ليس مستعدا بعد لقبول الفكرة .. أليس كذلك يا سيد يوسف ؟ "

ففاجئني الأمر .. و كذلك إندفاع أحد الحراس من خلفي يدفعني بيديه لأجدني في قلب القاعة .. ثم جردني من سلاحي قبل أن يقول الأول و كان يبدو زعيمهم " شكرا لك على توصيل الغرض لي "

ثم مد يده إليّ و لم يكن لدي خيار غير أن أعطيه الهرم البلوري .. فابتسم في هدوء ثم قال " لم يكن حسين متعاونا .. ما خلف هذه البوابة لا أحد مستعد له .. نحن نتوارث المعرفة التي قد تنفجر من ثقلها العقول البسيطة "

فقلت " و ما خلف هذه البوابة ؟ "

فقال في هدوء " الكثير من أسرار العالم .. هل اعتقدت حقا أن ثلاث أهرامات بهذه العظمة كانت مجرد مقابر ؟ "

ثم ولاني ظهره و هو يقول " أنا واثق أننا سنلتقي مجددا .. يوما ما "

ثم انهالت ضربة على رأسي أفقدتني الوعي .

فتحت عيني بصعوبة لأجد نفسي ممدا في غرفة بيضاء .. بجواري العقيد سعيد الذي ابتسم و هو يقول " ها أنت تعود إلى الحياة "

  • أين أنا ؟
  • أنت بالمستشفى .. لقد كنت فاقدا للوعي ليومين.
  • كيف أتيت إلى هنا ؟

فجاء صوت سلمى عند باب الغرفة تقول " لقد أتيت بك بعدما تعرضت للضرب و السرقة عندما كنت تقوم بتوصيلي إلى المنزل .. هل تتذكر هذا الأمر ؟ "

ففهمت مقصدها و جاريتها قائلا " نعم .. نعم .. تذكرت "

فضحك سعيد قائلا " لن نقوم بذكر هذا الأمر ..من الجيد أنك لم تفقد سلاحك .. و لكن ليس من الجيد ذكر أن ضابطا بالمباحث تتم سرقته و ضربه هكذا ... خذ وقتك للتعافي قبل العودة إلى العمل "

قالها و هو يصافحني و يغادر الغرفة قبل أن تجلس سلمى بجوار و تقول هامسة " لقد رأيتهم يحملونك خارج المكان فتتبعتهم بالسيارة و كنت في حالة من الرعب ظنا مني أنهم قد قتلوك .. و ما أن ألقوا بك على جانب الطريق حتى تفحصتك لأجد على قيد الحياة .. فأتيت بك إلى هنا "

  • لا أعلم كيف أقوم بشكرك .. و لكن شكرا لك .
  • ماذا حدث بالداخل ؟

فتنهدت ثم قلت " هناك الكثير من الأمور التي علينا أن نبحث عنها .. يبدو كل شيء بهوية مزيفة "

قلتها و أنا في داخلي سؤال يتردد عني عندما عدلوا جميعا عن فرص قتلي لسبب أجهله ... سؤال يتردد عن هويتي .

*******

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

453 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع