هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • الحب علامة بسيطة
  • جمال مصطنع
  • عدالة الأرض وعدالة السماء
  • عندما يغيب النور 
  • مش هاسمح لحلمي يموت
  • اعط تعطى
  • فتاه من الفيوم 
  • سيكون هناك
  • تتجول في ظلام السماء
  • أمانة يا صاحبي
  • قراءتي لكتاب لعنة فستان فرح لمايكل يوسف
  • خلاصة الكلام في حدود البدعة المذمومة:
  • زيارة القبور و الدعاء .. جائز
  • "بدون سابق انذار" نوعه إيه ؟
  • زمان بعيد فكريا
  • حبل المشنقة
  • رسالة إلى الله
  • رحلة سافاري
  • ألم أقل إنني
  • يا رعاكَ اللَّه
  1. الرئيسية
  2. مدونة محمد كافي
  3. النبوءة (رواية)

آخر موعد : 24 أكتوبر

إضغط هنا لمزيد من التفاصيل 😋

 

تمهيــــد

التابوت يحملني بين الجلبة و الضوضاء ..... صرخات تعلو , و تعود فتخبو , و أيادي تحاول أن تتشبث بالتابوت بيأس ..

و الشيء القاتل ينزعهم عن التابوت بعيدا ...أجساد يلقيها أصحابها فوق التابوت ... و الشيء القاتل يؤلمهم حتى الموت...

أشعر بدوار يتملكني ... أطرافي تبدأ في التجمد ...أتحسس أنابيب بلاستيكية بمحاقن موصولة إلى أطرافي ... أحزمة تثبت

جسدي بالتابوت الغريب ... الصرخات البشرية تزعجني ...و الدوار يحاول أن ينزعني بعيدا عنها في أعماق اللاشعور...

و الشيء القاتل يضرب بأذياله على التابوت .... لقد عرفت هويته الآن ... إنه مصدر الحياة و الموت معا .... إنه الماء ..

العالم يغرق ...و أنا أفقد الوعي ... و أسقط في بئر المصير المجهول ....

**************************

1

انتزعتني الصور المتداخلة لمنازل تتدمر و أناس يهلكون من ثباتي العميق, و كانت آخر صورة أتذكرها لرجل في

العقد الخامس من عمره يرتدي نظارة و رداء أبيض يشبه رداء الأطباء , و على وجهه معالم الهلع و هو يلفظ

بكلمات لم أتبين منها سوى هذه الجملة " أنت آخر أمل لهذا العالم " ثم أغلق التابوت علي ....و عندما بدأت أستعيد

وعي , لم أستطع التحكم في عيني كي أفتحهما و لم أقوى على الحراك , غير أنني سمعت همهمات خارج التابوت

لرجلين يتحدثان و يعبثان بالتابوت , لم أتبين حديثهما في البداية , وتدريجيا بدأت الكلمات تتضح شيئا فشيئا ...

" تبا لهذا التابوت الفولامي .... به بعض الصدأ الغريب "

" الفولام لا يصدأ ... إنه نوع من التليف الطحلبي نتيجة لمكوثه زمنا بالمحيط الأعظم ... ولكن هذا النوع من التليف لا يصيب الفولام إلا بعد مرور عشرات السنوات عليه في الماء , فالفولام خليط بين الفولاذ و الهلام يجمع بين مزايا المادتين , كما أن هذا النوع من الفولام قد تم تحديثه منذ سنوات طويلة ......أخشى أن يكون هذا له علاقة ب..."

" ها نحن ... لقد انفتح أخيرا "

قالها و هو يرفع غطاء التابوت و قد بدت صورهما مشوشة للغاية و أنا لا أكاد أفتح عيني , و على يبدو من تغير لهجته أنه قد تبين أنني لازلت على قيد الحياة , فاستطرد بلهجة مليئة بالدهشة :

- تبا ... إنه حي ... هذا يعني أن ....

فقال الأخر مكملا في نفس الدهشة :

- النبوءة تتحقق .....

فقال الأول في دهشة :

- لقد صدقت رؤيا الزعيم الروحي ... " في ذكر الأثر ...يأتي التابوت يحمل المنتظر "

ثم نظر ناحيتي و لم تفارقه لهجة التعجب وهو يستطرد :

- و لكن كيف يمكن أن يكون هذا هو الشخص المنتظر ؟

فقال الآخر بصوت أكثر رزانة يدل على أنه ذو علم واسع :

- حتى الآن لسنا بمتأكدين من ماهية هذا الشخص , و أخشى أن تثار زوبعة حوله إذا علم أحد بأمره غيرنا , أو قد نعرض حياته لخطر ما ...

قال الأول بصوت يشوبه القلق :

- إذن فلنذهب به للزعيم الروحي مباشرة و هناك سيعلمون منه كل ما يريدون معرفته...

قال الآخر مستنكرا :

- لننتظر ريثما يستعيد صحته حتى نكون على بينة من أمره ...و لنحاول التكتم على الأمر حتى يعلم الزعيم الروحي...

فأومأ الأول بالموافقة قبل أن ينحني على التابوت و قد بدى مبتسما و هو يقول لي :

- مرحا يا صديقي ... فقد عدت من بين الأموات ...

***************

سرت إنتعاشة مفاجأة في جسدي و كأن مادة المنتول المركزة قد تدفقت إلى داخل رأسى حتى أشعرتني بألم بين عيني و أنا أنتفض دون أن أنهض , ففتحت عيني لأجد إمرأة شابة على قدر كبير من الجمال , فكان وجهها المتلألئ بين شعرها الأسود المنسدل أشبه بالبدر يتوسط سماء الليل البهيم , ظننت أنني في الجنة عندما رأيت ابتسامتها الرائعة على شفتيها , فبادلتها الإبتسام حتى تبينت زيها الأبيض و المحقن الذي في يديها فتلاشت ابتسامتي وحل محلها مزيج من الدهشة و خيبة الأمل مما جعلها تبتسم أكثر و هي تقول :

- لازلت في الدنيا أيها الشقي ..

ثم ضغطت على زر بجانب الفراش الممد عليه فارتفع الجزء الملاصق لظهري قليلا فتمكنت من رؤية الحجرة البيضاوية الفارغة التي كنت بها , و كان من الواضح انها بداخل مستشفى فسألتها في بطء :

- كم مضى علي و أنا هنا ؟

فقالت وهي تدفع بالمحقن في تجويف صغير بالحائط :

- ليس أكثر من يوم واحد ..

فقلت متعجبا :

- ولكني أشعر بأن جسدي نشيطا نوعا ما ..

فابتسمت و هي تقول :

- هذا بفعل الأدرينالين المعدل بالجزيئات النشطة و أيضا جهاز إعادة بناء العضلات و الخلايا الحيوية ...

فبدت على وجهى ملامح الدهشة و التساؤل مما دفعها لتقترب بوجهها مني و هي تستطرد في صوت أقرب للهمس :

- لقد وجدك أخي و صديقه عندما كانا يقومان ببعض الأبحاث على أطراف خليج "سارو" عند المحيط الأعظم , وكنت محفوظا في تابوت فولامي و قد تلفت بعض خلاياك , فقاما بإخفاء التابوت و إحضارك إلى هنا حيث أعمل , و حسب ما ذكراه لي - لو كنت حقا من يعتقدونه - فأنت بعيدا جدا عن عالمك , و أكثر ما سيصيبك في الفترة القادمة هو الشعور بالدهشة , لأنك سترى مالم تراه من قبل , و ستعرف مالم يكن لك به علم ...

فقلت لها في قلق :

- أنا لا أتذكر ما حدث , ذاكرتي مشوشة , و لست متأكدا مما تتحدثين عنه ..

فتراجعت قليلا و صمتت لحظة قبل أن تقول :

- بإمكانك أن تخبرني بإسمك كبداية ..

فقلت في سرعة :

- خالد عز الدين ..

- و ماذا تعمل ؟

- أعمل في مركز البحوث البيوفزيائية ..

- عالم فيزيائي ؟

فابتسمت قائلا :

- لازلت مبتدءا لأحصل على لقب كهذا

فقالت مبتسمة وهي تشير لنفسها :

- أنا الطبيبة لارجين فخوري و أخي يوسف عالم أحيائي هو الذي وجدك هو و صديقه حسن... هل تعلم في أي سنة نحن ؟

فتعجبت من سؤالها غير أني أجبتها :

- في عام 2030 بالطبع ...

فحملقت في للحظات مندهشة قبل أن تقول في شرود :

- النبوءة !!!

فتذكرت الحديث الذي سمعته يدور بين الشابين فقلت لها :

- يخيل لي أني سمعت هذه الكلمة و أنا شبه فاقد للوعي ... ماذا يحدث بحق الله ؟

فنظرت إلى عيني مباشرة و ملامح الجدية قد ارتسمت على وجهها وهي تقول :

- خالد !! أنت لست في عام 2030 .. نحن في عام ...2222

وكانت صدمة....

************************

2

كان لوقع كلماتهم على مسامعي أثرا عجيبا كمزيج بين الدهشة و الصدمة , فلم أكن أتذكر ما حدث في الأيام القليلة التي سبقت إلقائي في التابوت , على ما يبدو أنه كان تأثير تلك المادة العجيبة التي حقنت بها قبيل الطوفان الكبير ... نعم الطوفان الذي أغرق العالم و لم ينج منه إلا عدد قليل بالنسبة لسكان العالم , وقد تم شحنهم في بعض السفن المدرعة التي ظلت تجول في الماء لسنوات طويلة قبل أن يهتدوا إلى القارة الأسطورية التي ظهرت إلى الوجود بعد إنتهاءه لتعيد إليه الأمل في التعمير من جديد ... أطلنطا .. كانت كما قصت الأساطير علينا قديما ..ذات مساحة أكبر من مساحة قارتي أفريقيا و أسيا مجتمعتين , تصلح لزراعة كل شيء , بعد هبوط الناجين من الطوفان عليها , اتحد الجميع لتعمير القارة تحت مجلس قيادة موحد , تعلم الجميع جميع اللغات الناجية حتى أنهم صاروا يتكلمون بمزيج من جميع اللغات , لم يعد هناك مجال لأي تفكير عنصري سواء على أساس الدين أو العرق , تزاوجوا و تناسلوا سعيا وراء تعمير القارة الجديدة , لم يعد هناك قيمة للمال فكل شيئ كان تحت إشراف مجلس القيادة , بوصولهم للتقدم المذهل الذي لم نصل إليه طوال قرون مضت , إكتشفت أن جشع الدول و العنصرية و الحروب هي التي منعت الإنسان من الوصول إلى كثير من التقدم العلمي ... لقد فشلنا حتى في أن نطعم و نكسو فقراء العالم ... التكاتف و التضامن هنا مع الغايات النبيلة ضاعف من سرعة التقدم و الإزدهار ... كل هذا كان يحدث و أنا أجوب المحيط الأعظم في تابوتي المغلق العجيب الذي كان سببا في بقائي على قيد الحياة بشكل أكثر عجبا لسببب ما ... النبوءة .. قبل مائة عام تنبأ الزعيم الروحي السابق – وكانت وظيفته الحفاظ على التناغم الديني لكل الطوائف و الأديان بلا تفرقة – بأن العالم الجديد سيتعرض لمحنة قوية قد تقضي عليه نهائيا ...و أن من سينقذه سيأتي من الماضي البعيد محفوظا في تابوت ..

" المنتظر سينهض من بين الأموات ليحمي العالم الجديد من الهلاك المبين".....على لوح من الذهب مثبت على باب مبنى وزارة الروحانيات نقشت هذه العبارة... و قد اصطحبني يوسف و حسن و لارجين إلى الزعيم الروحي بعد أن استرددت صحتي و أخبروني بما أخبرتكم به سابقا عن الأحداث التي تلت الطوفان..كما أروني مدى التقدم الذي وصلت إليه أطلنطا ونحن نركب الـ"إيرسبيد" وهي سيارة تتنقل جوا كفكرة التاكسي الطائر التي كنا نعمل عليها , رأيت المساحات الخضراء الشاسعة التي تنضم البيوت و المنشآت , كما تم عزل المصانع عند أطراف أطلنطا حفاظا على البيئة , وانتشرت شاشات العرض الليزرية في الطرقات و الميادين تعرض إرشادات عامة و نصائح في كل المجالات الإنسانية ...الممرات الجوية أكثر أمانا , فبمجرد أن تقوم بتحديد وجهتك في السيارة الـ"إيرسبيد" يتم تأمين ممر جوي محمي بجدران طيفية تمنعك من الإصطدام بسيارة أخرى ...رأيت سيارة تسلك ممرا بجانبنا و قد جذبتني نظرات السائق لي و كأنه يعرفني ..و لكنه مالبث أن انحنى به الممر بعيدا عنا و نحن نقترب من وجهتنا ..و لم أشغل تفكيري بهذا الأمر.. فتكفيني حالة الذهول التي أحياها ..فالبنسبة لي كانت ساعات قليلة تفصل بين عالمين مختلفين ..وسنوات بعيدة.

استوقفنا أحد رجال شرطة مرور المنطقة السماوية عند مدخل الممر الجوي المؤدي إلى وزارة الروحانيات و كان متوقفا في الهواء بدراجته النارية الطائرة عند مدخل الممر حيث طلب رؤية تصريح المرور للوزارة التي حصلت عليه لارجين عن طريق الكمبيوتر حيث استطاعت أن تحدد موعدا مع الزعيم الروحي , ثم سمح لنا بالمرور......

" أرني ذراعك الأيسر " قالها لي الزعيم الروحي , و كان رجل مهيب الشكل أبيض البشرة في العقد السادس من عمره يرتدي رداءا أبيض اللون يتوافق مع شعره الأبيض المنسدل على كتفيه و لحيته البيضاء الطويلة , وكان يجلس على ما يشبه عرش الملوك ... كشفت له ذراعي فنظر إلى شامة كنت قد ولدت بها تشبه البيضة بنية اللون تخرج منها خطوط بنية اللون فتجعلها أشبه بعنكبوت صغير , ففتح عينيه عن آخرهما كمن رأى شبحا و هو ينقل بصره بيني و بين الشامة –و الثلاثة الأخرون يترقبون مايحدث باهتمام شديد – قبل أن يقول في صوت خفيض :

- إنه هو ... هو بالتأكيد ... العلامة التي سجلها الزعيم الأسبق في نبوءته موجودة بالفعل على ذراعه ..

قالها و هو يدور بسرعة حول مسند عرشه وسط دهشة من الحضور ليفتح غطاءا سريا صغيرا في المسند ويخرج منه لفافة جلدية حولها شريط أحمر صغير , أتى بها و نزع عنها الشريط الأحمر ليقرأها :

" بعد الألف الثاني و القرن الثاني و العقد الثاني و العام الثاني , وحش قديم تنهضه الأيادي القذرة من ثباته ليغتال آمال العالم الجديد , و يأتي المنتظر صاحب العنكبوت الموشوم علي ذراعه الأيسر ليحول دون حدوث ذلك , المنتظر سينهض من بين الأموات ليحمي العالم الجديد من الهلاك المبين ... "

أطبق الصمت على المكان للحظات شعرت فيها و كأنني ممثل في إحدى المسرحيات يقف على خشبة المسرح وهو لا يعرف شيئا عن دوره في المسرحية ,بل لا يعرف موضوع المسرحية نفسها , شعرت بأن عقلي قد توقف و لم أدري سوى بلساني وهو يقول :

- يوجد خطأ ما ...

فنظر الجميع إلي في دهشة أكثر من دهشتهم بالنبوءة فاستطردت :

- حتما يوجد خطأ ... فأنا لا أعرف عن ماذا تتحدثون ...لست أنا من سينقذ عالمكم ...أنا لست من عالمكم حتى ... تبا لكم جميعا... هل استيقظت من ثباتي طوال تلك السنوات لأكون أضحية و فداء لشيء مجهول ..

قلتها و أنا أستدير و أهم بالخروج فأستوقفني الزعيم قائلا بصوت هادئ عميق :

- لا أحد يلومك يا بني ...لا أحد يستطيع ...ولكن مالم أخبر به أحدا من قبل سأخبرك به ...أن أيضا لم أصدق هذه النبوءة يوما واحدا...

فنظر الجميع إليه في دهشة بينما استطرد و لم يحول بصره عني :

- لم أؤمن قط بالنبوءات ... ولكننا عجزنا عن فعل أي شيء لنحمي أنفسنا ..و جئت أنت تؤكد ما قالته النبوءة .. فأخبرني ماذا أفعل ؟

قال يوسف و هو يعدل نظارته الطبية :

- لا أحد يستطيع إجبارك على فعل شيء ضد رغبتك ... أنت حر في الذهاب ..

فقالت لارجين بصوت حزين :

- ولكن العالم الجديد الذي استقبلك ...سينتهي قريبا

وقال حسن بلهجة حملت غضبا دفينا و حزن :

- و ماذا سيهمك على أي حال ؟ فأنت كنت ميتا قبلا ...لن يضيرك أن تموت مرة أخرى ..

شعرت و كأنني شيطان في دنيا الملائكة ...و لم أحتمل نظراتهم البائسة و هي تنظر إلي في حزن و ألم, فنظرت لهم نظرة متفحصة قبل أن أقول في تضرر :

- تبا ... لن أتحمل أن أكون السبب في هذا ..

فاشرق وجه لارجين بابتسامة رائعة و تهللت أسارير الباقين بشكل عجيب ولكني قاطعت تلك السعادة بسؤال :

- عذرا !!.. فأنا لا أعرف شيئا عن الوضع ... ما الذي يهدد هذا الكيان الرائع ؟ ما الذي يفترض أن أنقذكم منه ؟

فتلاشت الإبتسامة عن وجوههم قبل أن يقول الزعيم الروحي في جدية :

- اسمعني جيدا يا خالد , الشر لابد أن يحيي مادامت السماوات و الأرض .. و الصراع قائم بين الخير و الشر إلى يوم القيامة ...و قد تلاعب الشيطان ببعض الأشخاص كثيرا فعاثوا في الأرض فسادا ...منهم من استطعنا أن نقومه .. ومن لم نستطع الإصلاح من شأنه قمنا بنفيه من الأرض ....

فقاطعته في دهشة قائلا :

- نفيه من الأرض ؟! إلى أين ؟ إلي المحيط ؟

فصمت الزعيم لحظة قرر يوسف فيها أن يجيب عنه قائلا :

- في الواقع أطلمطا ليست الأرض الوحيدة الموجودة على وجه الأرض ... يوجد قارة أخرى .. لم نعرف أنها نجت قبل أن نقوم برحلات استكشافية شملت الأرض كلها ..

فرددت في دهشة :

- قارة أخرى ؟! هذا يعني أنكم لستم الناجين الوحيدين ..

فقالت لارجين في سرعة :

- نحن الوحيدون .... القارة المقصودة هي قارة (أنتراكتيكا ) القارة القطبية الجنوبية

و قال حسن مستدركا :

- و لم تعد قطبية أو مثلجة ... فقد أصبحت حارة مليئة بالحمم البركانية و غير صالحة للزراعة أو التعمير ..

تنهد الزعيم الروحي قائلا :

- هذا أقصى ما أمكننا فعله لأولئك الذين أصروا على الشر و الفساد ... أن نعزلهم عن عالمنا تماما ... لنبقي على عالمنا نظيفا نقيا كما أردنا أن يظل دائما ...

مرت لحظات حاولت فيها التركيز على نقطة عدم الإندهاش مرة أخرى , فعلى الأرجح أنه لو لم تكن هناك نبوءة لتبدلت نظراتهم لي ,وكنت سأصبح بالنسبة لهم إنسان الكهف الذي سيكون مصيره متحف الأحياء الطبيعية بأطلنطا ..

قطعت لحظات الصمت قائلا للزعيم الروحي :

- كل هذا جيد ... ولكن اعذروني فمازلت لا أعرف ما الذي يهدد عالمكم بالفناء ...

فأطرق الجميع رؤوسهم بينما قال الزعيم الروحي في حزن و هو يتهالك على عرشه :

- للأسف كان هناك عالما جليلا في الفيزياء من العلماء النابغين في مجالهم و الذين قدموا الكثير لهذا العالم بعلمهم و حكمتهم ... إلا أن الحكمة لم تلازمه طويلا قبل أن يبدأ في تنفيذ مخطط لصناعة الأسلحة المدمرة ... و هذا ممنوع تماما قانونا ... فقد نص قانون مجلس الحكماء الذي يقود أطلنطا على عدم تصنيع أي أسلحة سواء كانت خاصة أو مدمرة ... ولا يوجد غير سلاح يطلق صدمة كهربية يستخدمه رجال القانون ضد المخالفين للقانون لشل حركتهم مؤقتا ليتم القبض عليهم ... لقد قمنا بإلغاء كل ماهو مميت ... و لما أصر هذا العالم على تنفيذ مخططه سرا , قمنا بنفيه لقارة المنبوذين , و لكن يبدو أننا أخطأنا , فبذكائه استطاع أن يصبح قوة , و جمع جيشا من المنبوذين هناك وقد استطاعوا بطريقة ما إيجاد بقايا مواد نووية , و لقد ذكر مؤرخينا أنه تم صنع متفجرات شديدة من مواد كتلك تقوم بتدمير عالم كامل..

فقاطعته متسائلا :

- تقصد قنابل أو صواريخ نووية ؟

فقال وهو يعبث بلحيته البيضاء :

- شيء من هذا القبيل .. فاحاولنا أن نوقف هذا الأمر بشتى الطرق..

فقلت وأنا أحك رأسي محاولا التركيز :

- لايزال الأمر غامضا بالنسبة إلي ...هناك الكثير من المعلومات مفقودة ...

فقال الزعيم و هو ينهض من مجلسه :

- ستعرف كل شيء عندما تقابل أعضاء المجلس..

لم يكن مسموحا للبقية بالولوج إلى "القاعة البلورية" الخاصة بأعضاء مجلس قيادة أطلنطا ,فرافقت الزعيم الروحي وحدي إلى داخل القاعة التي بدت لأول وهلة و كأنها كهف زجاجي التكوين , تتوسطه مائدة زجاجية كبيرة بيضاوية الشكل انتشر حولها بعض الحكماء و الرجال التي تتراوح أعمارهم بين الخمسين و السبعين عاما , و عند رأسها كان يقف أحدهم يرتدي زيا أشبه بالزي العسكري , وكان وجهه يحمل صرامة وحزم يحيطان بعينين ثاقبتين تطلقان نظرات تشعر و كأنها قد تخترقك كالرماح , و كان يقوم بشرح شيء ما على "الهيكل الطيفي " الذي يتوسط المائدة عندما قام الزعيم الروحي بمقاطعته ونحن ندلف إلى داخل القاعة قائلا:

- أيها السادة يؤسفني أن أقاطعكم ...و لكني أحمل خبرا مهما لكم ..

فقال الرجل ذو الزي العسكري في دهشة و ضيق و بصوت صارم عميق :

- و ما الخبر المهم الذي يجعل الزعيم الروحي يتخطى حدود احترامه لقدسية المجلس مع شخص غريب ؟

فأشار الزعيم إلي و على وجهه ارتسمت ابتسامة خفيفة وهو يقول :

- هذا هو المنتظر ......

********************

3

كانت مفاجأة للجميع عندما أخبرهم الزعيم الروحي عن حقيقتي و عن العلامات التي تؤكد حقيقة النبوءة ,إلا أن الجنرال "أسبر " صاحب النظرات الثاقبة كان متشككا و بدأ في طرح أسئلة كثيرة حول هويتي الحقيقية ,فأخبرته بكل شيء غير أنني لم أكن أذكر ماحدث قبيل الطوفان, فقال موجها كلماته لأعضاء المجلس :

- يجب أن يتذكر ... فالوضع قد أصبح خطيرا بالفعل ..

فقال الزعيم الروحي متسائلا :

- إلى أي مدى ؟

فقال أحد الأعضاء :

- إنهم يستعدون للهجوم الآن ....

فقال أسبر وهو يشرح على الهيكل الطيفي :

- لقد رصدنا تحركات مريبة بدأت من ليلة أمس , وقد زادت قوة الستار الألكتروني و الحراسة البشرية على المرتفعات و المداخل ....تبا ...لقد طلبت منكم أكثر من مرة أن تسمحوا بالعمل على تطوير أسلحة للحماية ... ولقد قوبل طلبي بالرفض ...

فقال الزعيم الروحي :

- سيدي !! لقد نصت القوانين الأولى لهذا العالم على ألا يتم تصنيع أي أسلحة فتاكة من أي نوع و تحت أي ظرف ..

فقاطعه أسبر بغضب :

- تبا للقوانين إن كانت ستودي بحياة البشرية ..

فقطب الزعيم جبينه قائلا في جدية :

- لقد نسيت أنك تتحدث إلي أيها الجنرال ...

فتحامل أسبر على نفسه ليهدأ قائلا :

- عذرا يا سيدي ...لقد فقدت أعصابي ... في النهاية جميعنا في عالم واحد..و نعمل لمصلحة مشتركة..

فقال الزعيم وهو ينقل بصره بين أعضاء المجلس :

- على أي حال لن يفيد الغضب ... لقد صدقت النبوءة ... و أعتقد أن الأسلحة لم تكن لتنفعنا الآن ... فالوحيد القادر على ردع هؤلاء الأوغاد هو هذا الشاب ...

فأخذ الجميع ينظرون لبعضهم نظرات قلقة بينما كنت غارقا في الحيرة و الدهشة ... فلم أكن أعرف حتى الآن ما الذي علي أن أفعله..فقال أسبر :

- سنضعه في " الميموتراك " ...

فقلت في دهشة :

- عذرا ؟!!

فقال أحد الأعضاء :

- إنه جهاز أشيه بالتابوت به مجسات ليزرية تعمل على تنشيط الذاكرة و عرض هذا على ....

فقاطعته في ضيق شديد :

- بربكم !!.. لقد ظللت قرابة المئتين عام محبوسا داخل تابوت عجيب ...لا تطلبوا مني الآن الدخول بتابوت آخر ...هذا لن يحدث ..

و هممت بالخروج فأمسك الزعيم معصمي في رفق وقال :

- يا بني ... لقد لمست فيك سعة صدر لم يكن ليبديها أحد في وضع مماثل ... ولم أكن لألومك لو رحلت أو امتنعت عن المساعدة.. فمن الصعب على المرء أن يسترد حياته ليخاطر بها من جديد في أمر مجهول لا يعرفه.. ولكن يبدو أن القدر له تصاريفه ... و نجاتك العجيبة لم تكن مصادفة ...إنها لحكمة ..و مانعرفه عنها أن القدر قد اختارك لتنقذ آلاف البشر يأملون في مستقبل آمن وسعيد...

فنظرت إليه عينيه الدامعتين برهة قبل أن أقول :

- حسنا ...يبدو أنني لا أملك الكثير من الخيارات ...على الأقل سأكون مفيدا ...و لكن لا تبقوني في " الميموتراك " هذا كثيرا فقد أصبت برهاب الأماكن المغلقة ..

فابتسم الزعيم ابتسامة بعثت في نفسي راحة عجيبة و انتقلت إلى وجوه باقي الأعضاء عدا أسبر , فقد ظل القلق مرسوما على وجهه إلى أن بدأت التجربة في الميموتراك ...

**********************

هرعت إلى الغرفة( "115" محظورة) بحثا عن أستاذي " محسن سليمان" العالم الفيزيائي الفذ ,فقد نفد الوقت و بدأ الطوفان في إغراق الأرض .. اجتزت ممرات مركز البحوث البيوفزيائية بصعوبة ضد نيار العاملين الهاربين من الموت, وفتحت الغرفة بواسطة بطاقتي الممغنطة لأجد هذا الرجل و قد انشغل بإعداد التابوت , فبادراه في انفعال واضح:

- تبا أيها العجوز ...اترك ماتفعله ولننجو بأنفسنا ...هيا ..

فاعتدل محسن واقفا و كانت علامات القلق و الإرهاق بادية على وجهه وهو يقول :

- لا يمكننا الهروب من القدر يا بني ..

- ماذا تفول بحق الله ؟! الجميع يهرع إلى السفن المدرعة ...هيا بنا ..

- لن تحمل الجميع ... إن الأمر أشيه بالبحث عيثا عن قشة في قلب المحيط ... لقد أبلغناهم بالتقارير سابقا .. ولم يقونوا بالتحرك إلا بعد فوات الأوان ... لكنني لم أنتظرهم ..

ثم أشار إلى التابوت فقلت في دهشة :

- وهل سيحميك هذا ؟!

فابتسم في وهن وهو يقول :

- سيحمي من يحمله ...فقط انظر إلى ما يحتويه ..

فانحنيت على التابوت أتفحص ما يحتويه من أجهزة و إعدادات قبل أن أقول :

- و كيف سيعمل هذا الـــ...تبا !!

فوجئت بإبرة محقن تخترق عنقي و قد أمسكني محسن من الخلف بقوة واضعا ذراعه حول عنقي , فشعرت بمادة غريبة تتدفق سريعا عبر أوردتي و شرايني و تدريجيا بدأت أفقد إتزاني فألقاني داخل التابوت و أنا أقول :

- ما الذي تفعله ؟

فقال و قد بدأ بتوصيل الأجهزة الموجودة بالتابوت بجسدي :

- اسمعني جيدا قبل أن تفقد وعيك ... لن يحتمل جسدي المركبات الكيميائية التي أعددتها بالتابوت ...تحتاج لشاب مثلك..

لذا سأخبرك بشيء بالغ الخطورة و الأهمية ...لقد قمت أنا و مجموعة من زملائي بحماية شيء خطير دفنه الزمن و اكتشفنا وجوده نحن ...عصا موسى..

فقلت في دهشة و قد بدأت أشعر بالدوار الشديد :

- عصا ماذا؟ !! ماذا تقول بحق الجحيم ؟

فقال في سرعة :

- عصا موسى شيء حقيقي موجود ... لقد أبلغتك بالمكان الذي خبأته فيها قبل ذلك ... ستتذكر عندما تنجو كما أتمنى ..إنها ذات قوة كبيرة ...ستساعد العالم بل قد تنقذه .... ستعرف ماذا تفعل وقتها ...

كدت أسأله عما سيفعله و لكن تزلزلت الأرض فجأة و أتانا صوت الطوفان القادم فنظر إلى النافذة و قد بدت عليه ملامح الهلع قبل أن ينظر إلي و يقول :

- أنت آخر أمل لهذ العالم ...

و أغلق التابوت ....و اصطدمت أمواج الطوفان العاتية بالمكان ....

استعدت وعي فجأة لأجد الزعيم الروحي و أسبر واقفين أمامي مع بعض أعضاء المجلس و قد ساعداني على النهوض و أسبر يقول في ضيق:

- لقد رأينا ماحدث على " الميموسكرين " ويبدوأن الأمل قد تبدد ..

قال الزعيم الروحي بحزن :

- أعتقد أن عصا موسى تلك مستقرة الآن في قاع المحيط الأعظم ...يلزمنا أعوام من الجهد لنجدها ..

فقلت في شرود :

- أنا أعرف مكانها ...

فنظر الجميع إلي نظرات تملأها اللهفة و الترقب فقلت في ضيق :

- إنها هناك ......في قارة السجناء...أنتراكتيكا...

*************************

4

" تبا !!..و كيف ستحصل عليها ؟ "

قالها يوسف بعد عودتنا للمنزل و بعد أن أخبرتهم بما حدث فقالت لارجين :

- بل الأحرى أن تسأله كيف سيصل إلى هناك وقد عجزت قوات المجلس أن تقترب من قارة السجناء...

فقال يوسف في شك :

- و ما أدراك أصلا أنهم لم يعثروا عليها بالفعل ؟ قد تكون سلاحهم الذي سوف يستخدمونه ضد أطلنطا ..

فقلت في ثقة :

- أنا أتذكر جيدا الحديث الذي دار بيني و بين محسن ... لقد قال أنه لو وجد عصا موسى فسيخبئها في كهف "فرونتو" الذي اكتشفناه في "أنتراكتيكا " .. وكان كهفا مميزا في غموضه ..و عندما سخرت من الفكرة أخبرني أنه سيجعل من تاريخ مولدي كودا سريا لمخبأ العصا ... ولم أدرك وقتها أنه قد قام بذلك بالفعل...

فقال يوسف بنفس النبرة المتشككة :

- مهلا .. أنت لا تعرف أي معلومات عن العصا ,ولا تدرك ماذا ستفعل بها , ولا تعرف كيف ستصل إليها , ولا تتبع إلا حدسك ...رائع...سأذهب للنوم هذا أفضل لي في الوقت الراهن ..

قالها وهو يتجه لحجرته فنظرت لارجين إلى ساعة رقمية طافية في الهواء قبل أن تقول:

- معك حق ..الوقت قد تأخر و علينا أن نرتاح جميعا..ترفق بنفسك أيها المنتظر .. فلست سوى إنسان ..

واتجهت لحجرتها ...نعم لست سوى إنسان ..و أنا اليوم أتحمل مالا طاقة لي به ..بقيت في قلب أمواج متلاطمة من الأفكار البائسة ,أبحث بيأس عن قشة أنقذ بها هذا العالم الجميل من عقل مختل يريد تدميره , وقررت بعد برهة أن أخرج من المنزل لتنشق الهواء , فقد يفيدني أكثر من رؤية جدران المنزل أمامي .... وجدت سيارة تقل شرطيين قد أوكل أسبر إليهما مهمة حمايتي ,فأصرا على أن تكون نزهتي داخل سيارتهما ولم أجد بدا من الموافقة , وانطلقا في شوارع العاصمة, و بينما كنا نمر بإحدى الحدائق العامة إذ انفجر فجأة محرك السيارة , و أصيب الشرطي الذي يقودها بينما هرع الآخر خارج السيارة وهو يصرخ شاهرا سلاحه :

- تبا ...نحن نتعرض لهجوم ..

و لم يكد يكمل عبارته حتى أصابته قذيفة كهرومغناطيسية أحرقته في جزء من الثانية ,بل تحول لرماد و تلاشى, فهرعت محاولا النجاة بنفسي عندما لمحت مروحية غريبة الشكل يتدلى منه شخص دميم ,وضع سلاحه بداخل المروحية و تناول آخر و صوبه إتجاهي ... وحاولت أن أتفادى قذيفته و لكن الأمر لم يفلح ...فكان قد أطلقها بالفعل ..و أظلمت الدنيا أمامي...

************************

للمرة الثانية اعتقدت أني مت ...و للمرة الثانية أكون مخطئا ...بدأت أستعيد وعي لأجد نفسي مثبتا إلى حائط لزج كريه الرائحة بسلاسل حديدية , وانتبهت لوجودي في غرفة كبيرة شبه مظلمة إلا من مصباح صغير يتدلى من السقف فوقي ..

" ها نحن ذا...لقد استعاد الحقير وعيه ..لايبدو كمنتظر أتي لينقذ البشرية "

قالها ذو الوجه الدميم الذي أطلق قذيقة كهربية غير ضارة كما عرفت فيما بعد ,وكان يقف إلى جواره رجل عجوز يحمل جرحا غائرا في خده الأيمن تبين فيما بعد أنه مساعد المخترع المجنون أو سيد العالم الجديد كما أطلق على نفسه و قال بنبرة فيها شيء من الحزن :

- أنت أكثر حمقا من أن تعرف مع من تتعامل ...

فابتسمت في سخرية عندما أدركت أنني في قارة السجناء ..الأقدار جميعها مخططة بدقة لا يعقلها البشر ...فصاح الدميم في غضب قائلا :

- على ما تبتسم أيها الحقير ؟

فقلت في سخرية :

- يبدو أن العجوز محقا ...فأنت بالفعل تبدو أحمقا و غبيا ..

فاستشاط الدميم غضبا و هم أن يسدد لكمة إلى وجههي فاستوقفه صوت قوي أتى من خلفه قائلا :

- ماذا تظن أنك فاعل أيها الأحمق ؟

فارتعدت فرائص الرجلين قبل أن يلتفا و يجثيا على ركبتيهما أما سيد العالم الجديد الذي ألقى الظلام بستار خفيف على وجهه وقال الدميم في توتر شديد :

- لقد..لقد...لقد أهانني يا سيدي ..

فأطلق السيد ضحكة شيطانية مدوية قبل أن يقول :

- و من منا لا يفعل ذلك ؟!..

ثم اقترب من البقعة المضيئة بملابسه المطاطية السوداء و وشاحه الأسود معتمرا مايشبه خوذة مطاطيةو على صدره شريحة الكترونية كبيرة مثبتة بإحكام و على معصميه جهازين غريبين ,أطلق من أحدهما شرارة كهرومغنطيسية أحرقت الشاب الدميم و كادت أن تصيبني في ساقي اليمنى فقال في سخرية :

- أعتذر لك عن هذا الإستقبال المتواضع الذي لا يليق بالمنتظر ..

فقلت في نفس اللهجة الساخرة :

- لابد أنك العالم الأحمق الذي يريد تدمير البشرية ..

فأطلق ضحكة متعجرفة قبل أن يقول:

- شجاع جدا يا سيد خالد ... ولكتك مثير للشفقة ..

فانتبهت لكونه نطق إسمي و قد لاحظ ذلك فقال مبتسما :

- الأخبار تتناقل مع الرياح ...كما أعلم أيضا أنك لست بذي نفع لهم ...لهذا تركوك تحت حراسة اثنين من الحمقى .. أليس كذلك؟

فقلت بلا مبالاة :

- لا تعلم إلى أين سيأخذك قدرك..

فتنهد في ضيق و صمت لحظة قبل أن يقول :

- اسمعني جيدا أيها التافه ... أستطيع أن أجعلك تتمنى لو لم تحملك أمك في رحمها ... ولكن لا أستطيع أن أفوت على نفسي رؤية وجهك عندما ترى العالم الذي جئت لتنقذه وهو يغرق...بعدها سأفكر بشأنك...وحتى ذلك الحين ستكون في ضيافتنا ...لا تقلق ...بضع ساعات و ينتهي كل شيء..

ثم نظر إلى مساعده العجوز و قال بلهجة آمرة وهو يغادر :

- احرص على أن تكون إقامة السيد خالد مريحة في المعزل...

********************

5

" وكيف ستقوم بدورك الآن أيها المنتظر ؟ "

قالها الرجل العجوز وهو يقوم بتوصيلي إلى المعزل ...وكان المعزل هو عبارة عن حجز تحت الأرض مكون من عدة زنزانات ضيقة نصل إليه عن طريق نفق طويل في آخره بوابة حديدية..و قد أقيم المعزل للمتمردين على سياسة سيدهم ..و كان من الواضح أن المعزل لم يتشرف بوجود أحد ..فلا يوجد حراس أو صوت يصدر من النفق يدل على أن هناك آدمي على قيد الحياة...أدخلني العجوز الزنزانة و أغلق قضبانها قبل أن يقول :

- كيف ستنقذ العالم و أنت سجين عدوه ؟

فقلت في حيرة :

- و كأنني لو كنت حرا فسأعرف...سؤال ليس له محل من الإعراب ..

فنظر العجوز إلى البوابة الحديدية في نهاية الممر قبل أن يقول :

- على الأقل كنت ستنال شرف المحاولة ...

فنظرت إليه في دهشة فابتسم قائلا :

- لأن تموت رجلا شجاعا ... خير لك من أن تعيش جبانا ...

ثم تركني و رحل... فأخذت أفكر في كلماته دون جدوى و أسندت ظهري إلى القضبان فتحرك الباب فجأة ... الرجل العجوز ترك الباب مفتوحا و به المفاتيح ... نظرت في دهشة إليها و أنا لا أفهم لماذا فعل ذلك ..و كان من ضمنها مفتاح كبير بدا لي مفتاح البوابة الحديدية في نهاية النفق ..فهرعت إليه و حاولت فتحه و كان حدسي صحيحا ... انفتحت البوابة على سهل مليء بهوات من الحمم البركانية ..و حاولت أن أستعيد بذاكرتي خريطة المكان كي أستطيع تحديد مكان الكهف ..و بعد محاولات ذهنية كثيرة استطعت تحديد مكان الكهف خلف السهل... و بعد عبور السهل بصعوبة عبر الحمم البركانية وصلت إلى صخرة كبيرة ...من خلفها شاهدت مركبات تحمل بعض رجال السيد الشرير..و لمحت الكهف من بعيد يتوارى مدخله خلف صخرة ... وكاد الأمل يختفي و أنا أقترب من الكهف بعدما أختفت المركبات ..فقد اعتقدت أن الصخرة قد سدت المدخل و سيستحيل أن تتزحزح عن موضعها ...إلا أنني اكتشفت أن ثمة فارق صغير بين الصخرة و المدخل يسمح بعبوري إلى داخل الكهف ..و بعد ما ولجت أسرعت بمحاولة العثور على المخبأ ,فكنت أعلم أن الأوغاد يوشكون أن يطلقوا سلاحهم صوب أطلنطا ...فتذكرت أن أحد الأركان بالكهف كان قد أعددناه لنحتفظ فيه ببعض المعدات ... و بعد عثوري عليه نفضت التراب عنه لأجد خزانة مدفونة في الأرض ذات باب علوي يحمل قفلا ألكترونيا ولوحة تشفير ..و بالطبع أدخلت تاريخ مولدي "1172000"فانفتحت الخزانة ...و ظهرت لأول مرة على مدار التاريخ الحديث ...عصا موسى ذات القوام المميز المصقول برأسها المستدير و كان طولها ثمانية أقدام تقريبا.. لم يكن الوقت بالمناسب لكي أغرق في بحر من العجب و الدهشة ..فأخذت العصا و عدوت مسرعا لأخرج من الكهف و ليس لدي أدنى فكرة عما سأفعله بالعصا...و ما أن خرجت من الكهف حتى ...

"ماذا تفعل أيها الغريب ؟"

قالها أحد رجال السيد وهو يسدد سلاحه صوبي فقلت في توتر :

- لا شيء ...كنت أبحث عن عصاي ..

فقال الرجل بصوت أجش :

- أنت سجين السيد ...لقد رأيتهم وهم يأخذونك إلى مقره ...أنا أحرس هذا المكان فكيف هربت إلى هنا ..

فقلت في حذر :

- لقد أخبرتك أنني كنت أبحث عن عصاي ..

فقال في لهجة آمرة :

- ضعها بحذر على الأرض و هلم بنا إلى حيث تنتمي ..

فانحنيت على الأرض ببطء لأضع العصا ..و في هذه اللحظة انفجرت إحدى هوات السهل مخرجة بعض حممها البركانية فاهتزت الأرض قليلا فاعتدلت واقفا و أنا أضرب وجه الرجل بالعصا فسقط أرضا دون أن يفقد الوعي و قبل أن يعتدل أخذت في العدو هاربا بين الحمم البركانية التي تنفجر ,بالإضافة إلى القذائف الكهرومغناطيسية التي يطلقها الحارس و بالكاد أتفاداها ...حتى وصلت إلى شفا جرف يطل على المحيط و توقفت فجأة ولا أدري ما العمل..و التفت خلفي فوجدت الرجل يقترب مني مسرعا شاهرا سلاحه و يستعد للإطلاق ..فلم أجد بدا من القفز من ارتفاع يقارب المئة متر بين أمواج المحيط الثائر المتلاطمة, والتي ألقت بي بعيدا عن قارة السجناء ... و بعد صراع مرير في محاولة للتغلب على الأمواج المتلاطمة لمحت السيد و رجاله يقفان على أحد المرتفعات بجانب مركبة ضخمة أشبه بقاذفة للصواريخ..فعرفت أن الوقت قد حان ...ولا مفر..

أطرافي توقفت عن المقاومة ...و المحيط يبتلعني إلى أعماقه الهادئة ...يدي مثبتة بالعصا في يأس..و الألم يعتري صدري ..لا أدري أهو عدم القدرة على التنفس ..أم الحزن على الأمل الضائع..الثقة التي وضعها أهل أطلنطا في المنتظر...لارجين ..سأفتقدها حقا..لمست أقدامي القاع ...وحضرتني فجأة صورة محسن وهو يقول في هلع " أنت آخر أمل لهذا العالم " ففتحت عيني فجأة و مع آخر نفس في صدري , رفعت العصا لأعلى و ضربت بها قاع المحيط بكل ما أوتي لي من قوة ...لا أدري لماذا فعلت هذا ..و لكن الأمر استحق العناء...فأحسست أن الأعماق قد اهتزت بعنف شديد.. و بشكل عجائبي لم أره من قبل إنشق الماء لنصفين فكان كل فرق كالطود العظيم , و انقشعت المياه عن وجهي فأخذت ألهث و أتنفس بعمق قبل أن أعتدل واقفا و قد أذهلني ما أرى ...فكانت المياه تبتعد لتصنع طريقا إلى أطلنطا ..و الأعجب من ذلك الأمر ...أن قارة السجناء قد غرقت عن بكرة أبيها ...لقد أنقذت العالم...أنقذته بالفعل...

**********************

شعب أطلنطا كان يقف قرب المحيط يصلي كي يتم إنقاذهم ...يصلي كي أنجح...لقد استجاب الله لهم ...رأيت لارجين تقف عند نهاية طريق المحيط ..و نظرات الجميع المنذهلة تحدق في وأنا قادم على ظهر إحدى المركبات على الطريق الرطب بين تلال الأمواج ..و عندما خرجت إلى شاطيء خليج " سارو " هرعت لارجين إلي و احتضنتني بقوة وهي تقول :

- لقد خشيت ألا أراك ثانية ..

فقلت و أنا أتحسس شعرها الأسود الحريري في سعادة:

- لم أخش على أحد سواك...لقد اكتشفت في الأعماق ..أني أحبك ..

فابتسمت بينما هرع إلي الزعيم الروحي و أسبر يشكرانني على ماقمت به بينما تناول يوسف العصا و أخذ يعبث بها قائلا:

- إنها حقيقة....عصا موسى ...إنها حقيقة ..

فقلت له ضاحكا :

- إحذر أيها الفتي فقد تغرقنا جميعا الآن ..

فضحك الجميع والتفتت لارجين إلى الأفق و قالت:

- لقد انتهت قارة السجناء إلى الأبد

فأومأت برأسي قائلا :

- ولكن لا أحد يعرف ماتخطط له الأقدار ....لا نعرف..

******************************

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

810 زائر، و1 أعضاء داخل الموقع