هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة محمد كافي
  3. الصالح بين العالم ( المصري الذي أنقذ اليهود )

 2013- مقر مؤسسة ( ياد فاشيم ) – القدس

خطت امرأة في منتصف الثلاثينات من عمرها بخطى واسعة الممرات بين قطاعات المؤسسة قاصدة الوصول إلى حجرة مكتبها قبل أن يقابلها زميل لها قائلا " صباح الخير يا سارة .. عودا حميدا من عطلتك "

فابتسمت سارة قائلة " صباح الخير يا ديفيد .. لقد كانت عطلة مرهقة حقا "

فضحك ديفيد قائلا " العطلات ليست حول الراحة بل حول الاستمتاع.. المهم.. هل تودين تناول فطورك المعتاد ؟ "

فابتسمت سارة و هي تكمل طريقها " بكل تأكيد , أفتقد الكعك المحلى مع القهوة في صباح يوم عمل "

كان عمل سارة يقوم على البحث عن عائلات الذين نجوا من المعتقلات النازية ممن لم يتم توثيق قصصهم بعد ليتم توثيقهم في سجلات و متحف المؤسسة .. و بعد أن جلست إلى مكتبها بدأت تتفحص رسائلها الألكترونية التي كانت حسب مبدأها لا تفحصها خلال عطلتها .. لتجد رسالة جذب عنوانها انتباه سارة " هام جدا للتاريخ " , فقامت بفتحها فوجدت نص قصير :

" اسمي كارلا جرينسبان , و أتمنى من المؤسسة جديا الاطلاع على الملف الذي أرفقته بالرسالة , و التي حاولت فيه جاهدة ذكر القصة الكاملة لرجل يعود له الفضل كوننا على قيد الحياة الآن .. من المؤلم أن يندثر ما فعله كأنه لم يكن .. ربما أنا الآن المحاولة الأخيرة لتخليد ذكراه .. ذلك الرجل المسلم العربي المصري الذي أنقذ يهودا من أفران النازية .. يستحق التخليد في سجل ( الصالحون بين الأمم ) "

حملقت سارة في الرسالة قليلا و هي تحاول أن تستوعب جزء " المسلم العربي المصري ", وكيف لم يكن هناك معلومة واحدة أو بحث عن ذلك الرجل ! مما أشعرها بالحماسة القصوى لتقوم بفتح الملف المرفق, الذي انتقل بمخيلتها إلى فترة من الفترات المظلمة في التاريخ .

*************

شتاء عامي 1939/ 1940

معسكر فرتسبرج الخاص بالمعتقلين العرب

بالقرب من معسكر بورنبرج – برلين

وقف ضابط التحقيقات الشاب في شرفة مبناه الإداري وهو ينفث دخان سيجارته و يراقب المعتقلين و هم يجوبون بالساحة يحملون أثقالا من الحجارة ينقلونها من موضع لآخر كنوع من التعذيب بالأشغال الشاقة و بجواره يقف أحد الضباط الأقل رتبة منه يحمل في يده سجلا به هويات المعتقلين , قبل أن يلاحظا سقوط ذلك الشاب الأسمر و التي بدت عليه معالم الإعياء الذي قد تمكن من هزيمته قبل أن يحاول معتقل آخر مساعدته على النهوض .. فسأل ضابط التحقيقات مساعده و هو يشير إلى الشاب الأسمر " من ذلك المعتقل ؟ "

فنظر الضابط المساعد في سجله قبل أن يقول " محمد حلمي .. مصري يعمل كطبيب .. تم اعتقاله طبقا للأوامر العليا باعتقال كل العرب و المصريين الذين تتراوح أعمراهم بين السادسة عشر و الستين مع التأكيد على اعتقال ذوي المناصب و الوظائف المهمة "

فألقى ضابط التحقيقات ما تبقى من سيجارته و هو يقول " قم بإحضاره إلى غرفة التحقيقات بصحبة طبيب المعسكر, مع الملف الخاص به "

فأشار الضابط المساعد إلى أحد جنود الساحة تجاه (حلمي) ففهموا المغزى قبل أن يقوموا بإحضاره إلى غرفة التحقيقات حيث تم إجلاسه إلى مقعد معدني و هو مكبل بالأصفاد ,مرتديا زيا خفيفا ليتغذى البرد القارس على جسده الذي الممتليء بالندوب , و من خلفه وقف جنديا و طبيب المعسكر , و أمامه جلس ضابط التحقيقات يتفحص ملفه قليلا قبل أن يقول " الطبيب محمد حلمي .. تفيد التحريات أن لك نشاطا سياسيا معاديا للنازية .. كما أنك تقوم بمساعدة المعارضين السياسيين و اليهود و الزنوج و كل من تم إدراجهم كفئات ممنوع تواجدها في المجتمع .. ما قولك ؟ "

كان حلمي لا يقوى على الحديث و رغم ذلك جاهد كي يقول " لقد أدليت بأقوالي مسبقا لسلفك .. أنا طبيب .. المغزى من وجودي هو مساعدة الناس بكل فئاتهم .. ليس لي شأن باتجاهاتهم و ميولهم "

فابتسم الضابط قبل أن يقول " أنت ذاتك من ضمن هذه الفئات أيها الطبيب .. لقد تم إقالتك من وظيفتك بالمعهد لذلك السبب .. لما لم تعد إلى وطنك بين عائلتك حيث كان متاحا لك العودة ؟ لا مكان لك هنا أيها الطبيب "

فقال حلمي و هو يترنح " جئت هنا لأنني كنت أود إحداث فارقا في حياتي .. حتى وجدت نفسي أود إحداث فارقا في هذا الوطن .. لم يكن ينبغي أبدا أن تكون السياسة ضد الإنسانية "

فقال الضابط " و من قال هذا الأمر .. نحن لسنا ضد الإنسانية .. و لكن ما حدث أن كل الدخلاء على هذا المجتمع و على مدار سنوات طويلة كانوا يمتصون قدرته على النهوض .. يمتصون خيراته .. يعملون في الخفاء ليبقى ضعيفا أجوفا .. كل ما نفعله هو رد هذا المجتمع إلى مواطنيه الأصليين الذين يستحقونه .. أهل الأرض أولى بكل ما فوقها "

قال حلمي " بالتعذيب و الإبادة ؟! "

قال الضابط " أولئك الذين تحميهم يتعاملون مع أعداء الوطن .. يعملون ضد المصلحة العامة للشعب "

قال حلمي " و هل عملي كطبيب ضد المصلحة العامة للشعب ؟ "

قال الضابط " أخبرني .. أليس هناك عداءا تاريخيا بين المسلمين و اليهود ؟ كيف تحميهم ؟ ألم يقم نبيك بإجلاء اليهود عن المدينة المنورة ؟ "

فقال حلمي مستنكرا " هذا الأمر ليس صحيحا على النحو الذي تقوله .. لم يكن الرسول الكريم معاديا لأحد.. على العكس تماما لقد كان يتعامل مع يهود المدينة بكل مودة .. و لم يتم إجلاءهم إلا بعد أن نقضوا الميثاق و أعلنوا العداء .. و رغم ذلك لم يقم بمحاربة إلا من رفع عليه السيف فقط .. بل طلب منهم الرحيل حقنا للدماء .. و إن لم يحاربوه لبقوا فيها .. و لكنكم تقتلون من لا يحاربكم سواء كانوا يهودا أو مسلمين أو نصارى .. فالأمر... فالأمر ... لا يتعلق باليهود.. وحدهم "

قال جملته الأخيرة و هو يترنح قبل أن يسقط , فأشار الضابط برأسه إلى الطبيب الذي انحنى ليفحص حلمي قبل أن يقول " حالته سيئة للغاية , يحتاج إلى بعض الراحة "

فقال الضابط " انقلوه إلى عنبر الرعاية الطبية فلدينا أوامر عليا بالمحافظة على حياة كل من أصحاب المناصب و الوظائف المهمة و من يرتبطون بهم .. و هذا الشخص تربطه علاقة ببعض أصحاب النفوذ "

فتم نقل حلمي لعنبر الرعاية الطبية لفترة في حالة إعياء و فقدان للوعي لعدة أيام قبل أن يستفيق و يأتيه الضابط و معه أحد الملفات و هو يقول " من الجيد رؤيتك بصحة جيدة أيها الطبيب .. على ما يبدو أن الحياة لم تنتهي منك بعد.."

لم يقم حلمي بالرد فاستطرد الضابط " لدي خبر جيد لك على أي حال .. القيادة الحكيمة التي تعارضها هي التي أبقت على حياتك و حياة بعض ممن تم القبض عليهم معك ليتم الإفراج عنكم مقابل إخوتنا الجنود الذين سقطوا في الأسر في بلادكم في حربنا المقدسة .. و يبدو أن القيادة العليا الحكيمة ترى أنه يجب تحسين العلاقات بيننا و بين المسلمين فأضافوا بند حرية القرار لكم سواء بالبقاء أو العودة لبلادكم على ألا يتم المساس بكم إلا إذا ثبت بدليل قاطع تورطكم في نشاط يهدد استقرار الوطن .. مع الاعتذار عن الذين ماتوا في معسكرات الاعتقال ... أليس خبرا مبهجا بالنسبة لك ؟.. ستعيش يوما آخر .. شريطة أن تبقى بعيدا عن المشاكل "

رسم على وجهه ابتسامة صفراء و هو يغادر قبل أن يتوقف لحظة و يتلفت رافعا ذراعه بتحية النازية قائلا " ليحيا هتلر " ثم يغادر المكان .

*************

مارس 1942 – برلين

في إحدى الليالي توقف حلمي بسيارته التي يقل بها مخطوبته أمام منزلها بعدما قاموا بجولة بها طوال الوقت حيث لم يكن مسموحا مشاهدتهم يجلسون معا في مكان عام .. كان يبدو عليها الحزن من الفترة التي يمرون بها و التي بدأت منذ سنوات و لم تنتهي بعد ,فقال لها " أعلم أنك تحتملين مالا يحتمل , إن كان يناسبك أن نفترق ف.. "

قاطعته قائلة " بالتأكيد لا .. ليست لهذه الفكرة مجال في مخيلتي .. ما بيننا لا تحكمه سياسة أو يقتله قانون .. سنظل على العهد "

فابتسم حلمي و هو يقول " سنتجاوز هذا الأمر معا .. مهما طالت هذه السياسة سنشهد نهايتها قريبا عندما تنتهي هذه الحرب .. لا يمكن أن تستمر "

فقالت مبتسمة " أتمنى ذلك من كل قلبي " ثم ربتت على كتفه قبل أن تقول " عدني أن تأخذ حذرك " فوعدها قبل أن يرحل عائدا إلى مقر سكنه و عيادته في ( بوخ ) , و عندما أوقف سيارته قبالة المبنى صدر صوت من الزقاق المظلم بجوار المبنى ينادي عليه .. التفت حلمي ليجد فتاة في السابعة عشر من عمرها يعرفها تماما فقال " آنا !! ماذا تفعلين هنا ؟ "

فأشارت له الفتاة بالقدوم ليجد برفقتها والدتها ( جولي ) و زوج والدتها غيورج و جدتها ( سيسيلي ) التي بادرته قائلة " لقد هاجموا منازلنا .. إنهم يبحثون عنا "

فاصطحبهم حلمي إلى داخل مسكنه و هو يتأكد من أن لا أحد يراقبهم قبل أن يقول " هذا الوضع سيء للغاية و لكن لا داعي للقلق .. باديء ذي بدء , فلن تستطيعوا أن تكونوا معا في الفترة الراهنة .. إن كنوا يبحثون عن أسرتكم فهم يبحثون عن أربعة أفراد .. يجب عليكم التفرق "

فقالت جولي " كيف نفترق عن بعضنا البعض ؟ "

فقال حلمي " لا تقلقي .. سنجد طريقة للتواصل فيما بينكم .. المهم أن تنجوا من هذا الأمر "

فقالت جولي دامعة " أمي كما تعلم مريضة بالقلب .. و ابنتي هي كل ما لدي "

فقال حلمي بعد لحظات من التفكير " ستبقى والدتك مع صديقة لدي في نفس عمرها و هي أيضا مريضة بالقلب .. سيعتني كل منهما بالآخر و سيتسنى لي زيارتها كطبيب لصديقتي , و سأقدم العناية اللازمة لكليهما .. أما عن آنا فستبقى معي .. سأدعي أنها قريبتي و تعمل معي ممرضة .. سأدربها على التمريض و كل شيء و سأرتب لها إقامة في المسكن ... أما عنكِ و زوجك فسأوفر لكما ملجأ لدى أحد الأصدقاء .. و لكن يجب عليكما قطع أي تواصل بأي شخص تعرفانه نهائيا حتى لا ينكشف أمركما "

فقال غيورج " و كيف سيتم هذا الأمر ؟ "

فقال حلمي " لي صديق سيساعدني لتزييف هويات جديدة لكم جميعا تحسبا لأي شيء ..عليكم فقط التخلص من أي شيء يثبت كونكم يهود .. النجاة هي أهم شيء الآن "

ثم ربت على كتف الفتاة يطمئنها قائلا " آنا بوروز .. سيكون اسمك منذ هذه اللحظة هو نادية و حتى تزول هذه الغمة فلن تتواصلي مع أحد سوى أسرتك عن طريقي .. سأعتني بك جيدا".

قام حلمي بتوصيل الجدة سيسيلي إلى صديقته فريدا شتورمان التي رحبت كثيرا باستضافة سيسيلي فقد كان حلمي واثقا تماما من شخصية فريدا المحبة و التي تناهض الفكر النازي .. ثم قام بتوصيل جولي و زوجها غيورج إلى صديقه ( عبد العزيز حامد ) الذي كان يرافقه في المعتقل .. و قد كان عبد العزيز قد تدبر سكنا لهما مدعيا أنهما أقرباءه , و قد تعاون مع حلمي في توصيل كل ما يلزم من مؤونة إليهما قبل أن يتدبر لهما هويتين عربيتين ليعملا في أحد المتاجر .

************

يونيو 1943 – برلين

اصطحبت إحدى الفتيات صديقتها المصابة بحالة طارئة إلى عيادة محمد حلمي قبل أن تساورها الشكوك تجاه (آنا) التي كانت تعمل في التمريض هناك و قد حاولت تغيير مظهرها قليلا ليتناسب مع إدعاء صلة قرابتها بالطبيب حلمي , و قد لاحظت (آنا) هذه الشكوك فأخبرت حلمي بالأمر فور انصراف الفتاة , فعلم بخطور استمرارها بالعمل في العيادة فقد يتعرف عليها أحد , فقام بزيارة عاجلة لصديقه القائم بأعمال المركز الإسلامي في مسجد برلين (كمال الدين جلال ) , الذي استقبله سرا في غرفته و هو يناوله رزمة ملفوفة بعناية و يقول

" هذه ثلاثة وعشرون هوية أخرى .. لقد تدبرنا حتى الآن ما يزيد عن ثلاثمائة هوية تشمل الهويات التي طلبتها .. لكنك تخاطر كثيرا بتورطك في هذا الأمر بتواجد الفتاة معك "

فقال حلمي " لقد لجأت إلي مباشرة .. فلا أستطيع أن أتركها إلا بعد التأكد من سلامتها .. لقد فكرت في أمر قد يساعد كثيرا في تأمينها "

فسأله كمال " و ما هو هذا الأمر ؟"

فقال " سنعقد حفل زفاف صوري لها على صديقي عبد العزيز .. بعقد قران مزيف .. و لييحضر الحفل أصدقائنا .. هذا سيبعد الشبهات عنها و يؤكد أنها قريبتي .. و أنا أضمن عبد العزيز أنه سيحترم تواجدها معه و يحافظ عليها "

ففكر كمال للحظات قبل ان يقول " فكرة جيدة حقا .. نستطيع تطبيقها على بعض الأشخاص .. لكن عليك أن تفكر في خطة احتياطية كوسيلة أمان أيضا "

فأومأ حلمي برأسه متفهما قبل أن يقول " على كل حال لنشرع في تنفيذ الأمر سريعا .. لنتمم الزفاف الأسبوع القادم "

تم الزفاف في حضور بعض الأصدقاء من العرب و الألمان في مراسم صورية و كانت جولي و زوجها من بين الحضور قبل أن يصطحب عبد العزيز زوجته الصورية إلى مسكنه حيث تم تدبير غرفة مستقلة لها , مع التأكيد عليها ألا تغادر المسكن تحت أي ظرف .

ظلت الأمور مستقرة مع آنا و أسرتها نوعا ما , ملتزمين بالتخفي رغم كشف الجستابو عن هوية العديد ممن زيفوا هوياتهم إلى أن جاء عام 1944 عندما تعرف أحدهم على غيورج زوج والدة آنا فتم اعتقاله .

تحت التعذيب أفصح غيورج عن كل ما يعرفه , لم يستطع معرفة مسكن آنا أو جدتها و لكنه وشى بمحمد حلمي و كونه على علم بكل شيء فوجد حلمي رجال الجستابو على أعتاب عيادته فجأة .. و كان حلمي قد أخذ بنصيحة صديقه كمال الدين فيما يخص الخطة البديلة فاحتفظ بخطاب مزيف يُظهر أن تم إرساله من آنا ، جاء فيه أنها تقيم مع عمتها في مدينة ديساو , و قد استغل الأوامر العليا بعدم المساس به طالما لا يوجد دليل دامغ على تورطه في شيء , ثم لاحقا استطاع نقل آنا إلى منزل فريدا شتورمان لتمكث فيه مع جدتها حتى عام 1945 .

لاحقا نجا غيورج و زوجته جولي قبل أن يتمكن حلمي مع انتهاء الحرب و هزيمة ألمانيا من مساعدة الأسرة الصغيرة على الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية , و قد قامت آنا بكتابة رسائل إلى مجلس الشيوخ الألماني تشيد فيها بما فعله محمد حلمي , و لكن الرسائل فُقدت كحال الكثير من الوثائق .

لم يبحث حلمي أو فريدا عن الشهرة أبدا , حتى بعد زواج حلمي من مخطوبته إيمي لم ينجبا , و هذا ما علمته بعد سنوات من ميلادي عندما قامت والدتي آنا باصطحابي لزيارة حلمي و زوجته في برلين عام 1969 , و قمت بزيارته مرة أخرى عام 1980 و كانت هذه هي المرة الأخيرة التي أراه فيها .

توفي حلمي عام 1982 بلا أطفال و قد انتابنا الحزن جميعا لفقدانه , و لم تلبث والدتي آنا كثيرا بعده , فقد توفيت عام 1986 , و قد بقيت على تواصل مع زوجة حلمي حتى توفيت عام 1998 لتلحق بزوجها على روحه السلام .

ربما اعتقدت لاحقا أن لا فائدة من ذكر هذه القصة لأننا لا نعلم إن كان له أقرباء على قيد الحياة أم لا , و لكنّ ثلاثين فردا من نسل أسرتنا فقط على قيد الحياة بسببه , لذلك يستحق أن يُخلّد من بين الصالحين , ليعلم العالم أن الإنسانية التي أشادت بها الأديان ليس لها علاقة بألاعيب السياسة .

كلارا جرينسبان

مارس-2013

*******************

انتهت سارة من قراءة رسالة كلارا و على وجهها قد ارتسمت ابتسامة لم يدرك معناها زميلها ديفيد الذي بادرها بالسؤال قائلا " ما الذي تسبب في هذه الابتسامة يا ترى ؟ "

فنظرت إليه قائلة " لقد وجدت لتوي قصة مبهرة .. ربما تصلح فيلما سينمائيا .. بل قد تكون رسالة قوية لهذا العالم .. قصة ( آنا و الطبيب محمد حلمي ) "

تمت

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

912 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع