هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة محمد كافي
  3. باب السر النهائي - رواية - الجزء الأول

 

 

الفصــــل الأول

 

" من أعاجيب العالم أنك قد تجد بابًا واحدا يفصل بين سبعة آلاف عام من المجهول .. كيف ستعبره و تعتقد أنك ستظل كما أنت "

 

سنة1322قبل الميلاد

كان القمر يلقى بضوءه الفضي على الموكب الجنائزي للملك ( توت عنخ آمون ) وكانت حاشية الملك تنقل

جثمانه إلى التابوت ...و زوجته الصغيرة تلقي بباقة من الزهور في تابوت الملك و الدموع تسيل من عينيها و وسط جمع من كهنة الإله آمون الذين أخذوا في تلاوة التعاويذ و إطلاق البخور حول جثمان الملك وسط خشوع من حاشيته .... و عند باب المقبرة وقف الكاهن الأعظم و وزير الملك الراحل في الوقت ذاته يتابع مراسم الدفن في قلق عندما تناهى إلى مسامع أصوات خيول قادمة ....إلتفت إلى مصدر الصوت فوجد قائدا كان يخشى وجوده في هذا اليوم ... أشار القائد إلى رجاله بالتوقف و أقترب قليلا بحصانه وهو ينظر إلى الكاهن الوزير نظرة غضب و حقد دفين ووجهه لا يكاد يرى في الظلام... و ظل كلاهما يتبادلان نظرات تدل على معرفة كل منهما بنوايا الآخر للحظات ...ثم أشار القائد لرجاله مرة أخرى و أنطلقوا مبتعدين.... التفت الكاهن إلى الأرملة الشابة  و قد قرأت في عينيه قلق شديد مما سيحدث .....فما تلى ذلك اليوم كان خطيرا جدا .

**************************

في الوقت الحالي

" قيل أن رياح مصر لا تغادرها أبدا .. الرياح الباردة تهب من نعيم الأخيار .. و الرياح الحارة تهب من جحيم الأشرار .. فكلما مر الزمن و اشتدت الحرارة و طال أمدها .. هذا لأن الجحيم يتمدد . "

 

كان ( رامي ) قد قرر أن يتمتع بلحظات الإنسجام و الهدوء التي كادت أن تختفي من المدن , فلم يجدها إلا في البيت الذي تركه له جده و كان أشبه بقصر كبير في الريف حيث كان جده من أعيان البلدة فيما مضى  و قد إعتنى بـ(رامي ) صغيرا و إزداد إعتنائه بالطفل الصغير عندما مات أبواه في حادث سيارة و وهب له مكتبته الضخمة بتراثها القديم التي تحوي من غرائب الكتب و عجائب المجلدات ما كان سببا في حبه للمغامرة و الإكتشاف....و في إحدى الليالي عندما كان (رامي ) مندمجا في الإطلاع على بعض الكتب التراثية طرق باب حجرة المكتب و دخل الخادم ليعلن عن قدوم شخص ما يريد مقابلة (رامي ) شخصيا في أمر هام .. و بعد أن قدم الخادم القهوة للضيف المجهول خرج ( رامي ) من مكتبه لمقابلة الضيف....

" أحمد شوكت ... رجل أعمال " قالها الضيف وهو يصافح ( رامي ) .

 " أهلا و سهلا " رد رامي و هو يتفحص الضيف الذي كان في أواخر العقد الخامس من عمره و الشعر الرمادي يغطي فوديه و تظهر عليه علامات الغني و الثراء....

" سأدخل في الموضوع مباشرة لعلمي بإنشغالك...... جدي كان موجودا بمصر يوم تم إكتشاف مقبرة (توت

عنخ آمون)الملك الأسطورة و أنت بالتأكيد على علم بالأحداث و الملابسات التي صاحبت هذا الإكتشاف " .

فأومأ ( رامي ) برأسه قائلا " نعم و ما أطلق عليه لعنة الفراعنة بعد ذلك ..موت اللورد كارتر فون الممول

 للإكتشاف هو و زوجته موتا غامضا و كذلك معظم اللذين حضروا الإكتشاف من الصحفيين... .. ولكن ما

 علاقة هذا بمسألتك ؟ "

فقال ( أحمد ) وهو يبتسم "لقد إستطاع جدي الحصول على صندوق صغير من المقبرة عن طريق أحد العمال المصريين الذين شاركوا في التنقيب عن المقبرة الشهيرة في مقابل مادي سخي"

 استرعت كلماته إنتباه ( رامي ) قبل أن يقول "غريب !!.. لم يذكر أن المقبرة تعرضت لأي نوع من

الإنتهاكات و خاصة أن المقبرة تم إفتتاحها في حضور عدد كبير من الصحفيين ".

فهز( أحمد ) كتفيه "لا أعلم... لقد إستطاع الرجل الحصول على الصندوق الذهبي الصغير و لم يكن جدي يطمع في أكثر من تذكار من هذه المقبرة العظيمة القدر وكان جدي شرطه الوحيد أن الشيء الذي يحصل عليه لم يتم العبث به فأحضر الرجل الصندوق الذهبي الصغير ولم تبد عليه أي علامة للعبث بقفله النحاسي الغريب الشكل"أطرق ( رامي )رأسه قليلا قبل أن ينظر للغريب نظرة المتسائل " ولكن كيف عرفت هذه الأشياء يا سيد أحمد "فأخرج ( أحمد ) من جيب سترته لفافة ورق أعطاها لرامي وهو يقول " من هذه...هذه الورقة قد كتبها جدي و وضعها بين كتبه في مكتبته الخاصة و يوضح فيها ما قام به و عندما انتشرت الشائعات حول لعنات الملك توت عنخ آمون خاف جدي من هول ما سيلاقيه لو أقدم على فتح الصندوق .. لذلك فلم يكتفي بإخفائها فقط بل حذر فيها من فتح الصندوق الذي كان مخفيا في خزانة سرية أسفل المكتبة .. و قد كتب عنها في الورقة ( تفتح الدلفة الثالثة من اليمين ,تزيح الموسوعات المتراكمة, تجد بابا لخزانة سرية في الحائط بها الصندوق ) وهكذا وجدته"و رسم إبتسامة زهو على وجهه بينما كان ( رامي ) مقطب الجبين وهو يطلع على محتويات الرسالة قبل أن يطويها و ينظر إلى أحمد في حيرة وهو يقول " غريب فعلا!! ولكن ما الذي دفعك لكي تأتي إلي ؟ "

فمال(أحمد ) إلى الأمام وهو يقول " سيد رامي..أنا رجل مغامر لست كما كان جدي... وقد قررت فتح

 الصندوق"

فقال (رامي ) متسائلا "و لماذا لم تفتحه إذن ؟ "

 فأبتسم ( أحمد ) قبل أن يقول " سيد رامي .. قلت أنني مغامر ولم أقل أني غبي .. كي أفتح الصندق كان لابد لي من وجود شخص على دراية تامة بهذه الأشياء و بطبيعتها ... وكي يسدي إلي النصح فيما أفعل ".

فنظر( رامي ) إليه في صمت ثم قطع صمته قائلا " و أين الصندوق الآن ؟ "

   فقال( أحمد ) " في مخبأه...لم أخاطر بإحضاره هذه المسافة فقد أتعرض للسرقة "

  فقال ( رامي ) " من غيرك يعرف بأمره ؟"

 فأبتسم ( أحمد ) إبتسامة خفيفة فقد عرف أن رامي قد كرر قبول المهمة " لا أحد بإستثناء صديقي المقرب

الدكتور عاطف توكل... وسيكون حاضرا فتح الصندوق ".

فقام (رامي ) من مكانه و راح يخطو قليلا في لحظات من التفكير ثم إلتفت إلى أحمد قائلا " حسنا... أترك لي العنوان و سألحق بك بعد غد فلدي أمور يجب أن تسوى أولا .."

   فأخرج ( أحمد ) بطاقة من جيبه و أعطاه لرامي " هذه بطاقة تعريفي بها أرقامي و عنواني أيضا... أرجو ألا تتأخرعلي.. سأنتظرك "

ثم تصافحا و خرج أحمد من المنزل تاركا رامي في حالة من الدهشة لما سمعه من أحمد حول الصندوق

 المجهول و قصته الغريبة مما جعله متشوقا ليعلم عن القطعة اللتي كانت ذات يوم منذ آلاف السنين تخص أميرا غامضا من ملوك مصر القديمة ..غامضا في حياته..غامضا عند موته....أكثر غموضا عند إكتشاف مقبرته.

**************************

أخذ رامي يطالع بعض الكتب و المراجع في غرفة المكتب الخاصة به و بينما يطالع أحد الكتب وجد صورة فوتوغرافية موضوع بين صفحاته .. كانت لوالده و هو يرتدي زيه المميز كباحث آثار و يقف بجوار إحدى المقابر التي تم اكتشافها و كان وقتها يعمل بهيئة الآثار ... ابتسم رامي و هو يتذكر كيف اصطحبه والده في جولاته بين المقابر و المعابد المصرية القديمة .. و كيف حببه في هذا العالم الغامض المليئ بالسحر و الكهانة و القوة و اللأحداث الغامضة .. و مدى المتعة التي يسببها اكتشاف مقبرة كمتية أو معبد كان قد اندثر تحت رمال الزمن .. و مدى الإنبهار بحضارة الكمتيين و علومهم الخفية و التي لايزال الكثير منها لم يصل إليه أحد.

تذكر رامي والده و هو يقول له :

-يوما ما سوف يسيطر عليك هذا الشغف حتى أنك ستعجز عن الخروج منه طوال حياتك .. قد يغرقك البحث في معينه الذي لا ينضب و لا تكتفي منه أبدا .. على مدار السنوات لا تنتهي الإكتشافات .. رغم تطور أساليب البحث إلا أن كل اكتشاف لا يظهر إلا في أوانه .. يظهر فقط لمن يستحق .. فقط كن حذرا و لا تترك الأمر لمن لا يستحق .. حتى لو صرت وحدك تبحث عن الحقيقة ..

- أي حقيقة يا أبي ؟!

- لا تظن أن الإكتشافات مجرد ذهب و مومياوات و آثار ثمينة .. لا يا عزيزي .. بل علم و تاريخ و حقائق مجهولة قد تبرز على جدار مقبرة أو في بردية في معبد .. قد نجد ما يغير التاريخ أو ما يضيف عليه شيئا لم نكن لنعرفه أبدا .. قطعة من حجر واحد قد تغير ملامح العالم .. أنت تعلم قصة ( حجر رشيد ) .

- نعم يا أبي ..

- لولا هذا النقش على الحجر لما كنا توصلنا لترجمة اللغة المصرية القديمة و التي فتحت مجالا كبيرة لكتابة التاريخ الكمتي .. لم يكن مجرد نقش على حجر .. كان بوابة علم كامل .

- فعلا يا أبي .. حجر واحد فتح أمامنا كل هذا .. قد نجد يوما ما يفتح أعظم من كل هذا .

ابتسم الأب و هو يربت على كتف ابنه قائلا :

- يا بني .. يوم ما قد نفعل ذلك .

ابتسم رامي و هو ينظر للصورة و يقول في نفسه : نعم يا أبي .. يوما ما قد نفعل ..

وضع الصورة أمامه و لبث للحظة قبل أن يخرج يلتقط هاتفه ليبحث عمن يستطيع الوثوق بهم في مهمته .

****************

" وهكذا نجد أن إكتشاف الهرم الرابع كان إكتشافا عظيما في العصر الحديث... مثلما يتم إكتشاف المقابر المصرية القديمة .. فالعالم القديم لايزال يكشف عن نفسه على مدار الزمن بلا توقف .. و أنا مؤمنة أن في الأعماق لاتزال هناك خفايا تنتظر أن تُكتشف . "

هكذا أنهت الدكتورة ( مريم ) عالمة الآثار الشابة محاضرتها التي كانت تلقيها في كلية الآثار جامعة القاهرة " أي سؤال أو إستفسار عن المحاضرة ؟ "

 فقام أحد الطلاب برفع يده " لدي إستفسار ... لقد كان إكتشاف لهرم و ليس تمثال يعثر عليه احد مصادفة "

 فقالت ( مريم ) في دهشة " لم أفهم ماذا تعني "

فقال الطالب في سخرية " أعني أن هذا البناء الضخم رغم وجوده من آلاف السنين إلا أننا لم نلاحظه إلا الآن و كأنه كان مختفيا عن الأنظار و ظهر فجأة ..فما حال المقابر المدفونة تحت الأرض إذن."

فقالت ( مريم ) " لقد تم طرح فكرة مشروع لتمشيط الصحراء الغربية والشرقية للكشف عما إذاكانت هناك

مقابر كمتيه قديمة أو أثر آخر و لكن هذا المشروع لايزال في طور البحث نظرا لتكلفته الضخمة و لأنه سيستغرق سنوات عديدة لكي نستطيع تمشيط هذه المساحة الهائلة.......أي إستفسار آخر"

 فشكرها الشاب قبل أن يجلس و يقول في نفسه  ساخرا " علينا إذن أن ننتظر رسالة إلكترونية من أحد الفراعنة ينبأنا أنه ظهر بمقبرته فنذهب إليه ".

توجهت الدكتورة ( مريم ) إلى حجرة الأساتذة قبل أن يرن هاتفها المحمول و ترد عليه متبسمة " لا أصدق أنني أسمع صوتك بعد هذه المدة "

 فجائها صوت ( رامي ) " إنه الإعتكاف على العلم يا عزيزتي "

فضحكت ( مريم ) قبل أن تسأله "  وما الذي خرق نظام إعتكافك أيها المعتكف ؟ الإشتياق إلى صديقة مثلي؟ "

فضحك ( رامي ) وهو يقول " لا يخترق العلم إلا العلم يا فتاه .. و لكني أحتاج إليكي بالفعل"

 وقال الجملة الأخيرة بجدية جذبت إنتباهها فتساءلت "هل أنت بخير يا رامي ؟ .. هل حدث شيئ ؟"

 فقال ( رامي ) في جدية " سأخبرك بكل شيء يا عزيزتي ..فقط وافيني إلى منزلي بالقاهرة بعد ساعة ..... فلدي مفاجأة لكي"

ثم أغلق الخط لم تحاول ( مريم ) رغم القلق الذي ظهر على وجهها أن تسأله لعلمها أنه لن يقول شيئا ولم تكن متأكدة إلا من شيئ ... أن هناك أمرا خطيرا يحدث... وقد كانت على حق .

*****************************

"حسنا أيها الوغد ..سأقتلك الآن بلا رحمة "

 قالها ( حسام رمزي ) وهو يضغط على زر الإدخال بجهاز الكمبيوتر الخاص به داخل حجرته بشقته الصغيرة فظهرت عبارة (تم تخريب الهدف ) على شاشته فأطلق ضحكة هستيرية سمع على أعقابها تصفيق من خلفه ففزع قائلا " يا إلهي ... رامي !!!.. لقد كاد قلبي ان ينفجر .. كيف دخلت إلى هنا ؟ "

 فقال ( رامي )مبتسما " هل نسيت أن معي مفتاح لشقتك تحسبا لموتك دون أن تدري و أنت تجلس إلى جهازك الأخرق " .

فقال (حسام ) معارضا "لا لا ..لا تنعت جهازي الذكي المطور هذا بالأخرق ..و إلا ماكان أصبح مطمعا

للمتسللين... فلقد قمت لتوي بتخريب القرص الصلب لأحدهم حاول أن يتسلل إلى جهازي ليسرق كافة

مخططاتي للأبواب الألكترونية المطورة.....وأنت تعلم أنني أعمل على هذا المشروع منذ فترة طويلة لكي أتمكن من بيعه لأحد الشركات المتخصصة و سأصبح بعدها مليونيرا "

فقال (رامي ) في تهكم و سخرية " نعم نعم تعمل على هذا المشروع منذ فترة لدرجة أنك لا تعلم في أي عام نحن .. أليس كذلك؟ "

  فضحك ( حسام ) قائلا " لا لا ليس إلي هذه الدرجة ."

 وصمت فجأة قبل أن يستطرد "صحيح...في أي عام نحن ؟ "

  فهز ( رامي ) كتفيه في ملل و استدار على عقبيه مغادرا فقال حسام وهو يلحق به

 " ماذا؟ إلى أين تذهب يا صاح؟ "

 فقال ( رامي ) و هو يتابع سيره دون أن يلتفت " سأذهب قبل أن أقتل أحدهم "

   فقال ( حسام ) " بربك !! لست سوى محترف يقوم بعمله "

 فألتفت إليه ( رامي ) بعد أن فتح باب الشقة " إنهِ ما تفعله بسرعة ثم وافني إلى منزلي ... سنذهب في مهمة عمل"

  فقال ( حسام ) متسائلا " إلى أين ؟ "

  فقال ( رامي ) قبل أن يغلق الباب و يرحل " عندما تأتي ستعرف كل شيئ ."

   ثم ذهب بينما وقف (حسام ) في حيرة يتحدث إلى نفسه " و أي عمل ينتظرنا غير البحث عن شيء

غامض......... ولكن صدقا ..  في أي عام نحن ؟ "

*******************

الفصــــل الثــــــاني

" الطريق بين الماضي و المستقبل يمر بالحاضر .. و لكن ربما لو أمعنت النظر لوجدت طريقا مختصرا "

 

" أقدم لكم الصندوق الذهبي "

قالها ( أحمد شوكت ) وهو يشير إلى الصندوق الموضوع أمامه على مائدة مستديرة و بجانبه كان يقف صديقه دكتور (عاطف توكل ) وفي الجهة المقابلة من المائدة كان يقف رامي يتوسط مريم و حسام ...

و استطرد ( أحمد  )" وكما ترون يا سادة فإن للصندوق قفل غريب الشكل ليس له مدخل لمفتاح"

 فمالت ( مريم )على الصندوق لتتفحصه و أشارت إلى نقش صغير جدا وهي تقول " إنه فعلا يعود للملك توت عنخ آمون"

 فنظر الجميع إلى مكان النقش و سأل ( أحمد ) " كيف عرفت هذا ؟ "

 فقالت ( مريم ) " إن النقش عبارة عن رموز لإسم الملك "

فقال ( رامي ) مكملا " وهذا من باب الإحتياط حتى إذا تعرضت المقبرة للسرقة يستطيعون تتبع المسروقات

 من خلال النقش "  فأومأ ( أحمد ) " مثل تلك الطريقة التي يتبعون بها الأموال المسروقة عن طريق الرقم المسلسل ....   لقد فهمت ".

وتدخل (عاطف ) الذي بدا قليل من التوتر " عذرا و لكن كيف سنفتح القفل بلا مفتاح؟ "

 فاقترب ( رامي)  و( حسام ) من القفل النحاسي الضخم و قال( رامي) " القفل ليس له مفتاح يا سيد عاطف "   فقال (عاطف )" هل سنكسره إذن؟"

 فنظر إليه (رامي) قائلا في جدية " لا يجب التعامل مع الآثار بهذه الطريقة يا سيد عاطف "

   فقال (حسام )وهو ينظر إلى القفل " لا أظننا نحتاج إلى مفتاح "

  فقال( أحمد)  في حيرة " ماذا تعني ؟ "

   فأشار( حسام )إلى وسط القفل " أنظروا !! "

فنظر الجميع إلى نقش بصورة الملك (توت عنخ آمون) مقلوبا وتميل الرأس قليلا ناحية اليسار

  فقال (عاطف ) " وماذا في ذلك ؟ "

  فوضع (حسام ) إصبعيه السبابه والإبهام على النقش و أداره ناحية اليمين فصار النقش معتدلا ثم ضغط عليه ضغطة خفيفة ففتح القفل مصدرا صوتا أجفلهم في حين قال ( أحمد ) في ذهول

" ما هذا ؟!! كيف عرفت بأمر القفل ؟ "

 فقال ( حسام ) في زهو " مجرد تخمين فالنقش كان مائلا بشكل غير مألوف إلا إذا قام أحد بلفه إلى هذا الإتجاه ... وهذا يفسر عدم وجود مكان لمفتاح القفل "  .

قالت ( مريم ) " دعونا نفتح الصندوق بحرص فلا ندري ماذا يوجد بالداخل "

فأزال ( رامي ) القفل ببطء ثم وضع يده على حافة الصندوق و أخذ في فتحه ببطء و تراجع الجميع تحسبا لأى خطر حتى إنفتح الصندوق ......... وكانت المفاجأة .

******************

" مازالوا يحاولون فتح الصندوق "

 قالها الرجل الغامض وهو ينظر عبر منظاره المقرب من البناية المقابلة لشقة أحمد شوكت....ثم نظر إلى رفاقه الثلاثة الذين يعملون تحت إمرته " سننتظر إلى أن نتبين ما يجدوه حتى نرى إذا كان يستحق العناء " .

و عاد الزعيم إلى مراقبته وهو يتذكر اللحظة التي إتصل به شخص مجهول و يعرض عليه الصفقة التي هو

 بصددها الآن ,والتي بمقتضاها يحصل على الصندوق ومحتوياته الثمينة بعدما يتم فتحه لأن "المستأجر" - كما يطلق الزعيم على الرجل المجهول – لا يريد أن يواجه مشكلة في فتح الصندوق بعد الحصول عليه ...... مهمة سهلة وبسيطة بالنسبة لتاريخه المليئ بعمليات السطو والقتل المعقدة ... وكل ماعليه الآن أن يقوم بالإتصال بالمستأجر بعد فتح الصندوق و تبين ما بداخله من خلال عملية المراقبة ... ثم يتلقى منه الأوامر الجديدة ...

وبعد إتمام هذه الصفقة سوف يحظى بأجر مجزي .... عشرين مليون دولارا أمريكيا ...

 فقال أحدهم في شك " هل تعتقد أنهم سيجدون شيئا ثمينا ؟ "

 فقال الزعيم وهو يتابع مراقبته " لا ندري حتى الآن.... دعنا لا نتعجل الفوز حتى نرى على ماذا سيحصلون "

فقال آخر وهو يعبث بمسدسه " وحالما يحصلون على شيئ ثمين ...."

 وجذب مشط المسدس وصوبه في حركة درامية ثم استطرد  " ستكون النهاية "

  و أرتسمت على وجهه البغيض إبتسامة شيطانية تدل على أن تلك النهاية رهيبة.....رهيبة للغاية .

********************

" إذن هذه هي النهاية !! "

 قالها أحمد وهو ينظر إلى الصندوق وعلامات خيبة الأمل تظهر على وجهه بينما تراجع عاطف و على وجهه علامات الغضب واضحة جلية بينما لم يبدو التأثر على البقية الذين اعتادوا كثيرا على مثل هذه المواقف  عندما فتحوا الصندوق و وجدوا لفافة من ورق البردي بجوارها ثلاثة رؤوس نحاسية للملك توت عنخ آمون لكل منها جزء بارز في القاعدة له شكل مختلف عما يماثله  في الرأسين الآخرين...

فقال حسام مازحا " على الأقل فقد حصلت على هدايا تذكارية من الملك شخصيا "

فرمقه أحمد بنظرة حادة في حين أن رامي أخذ يتفحص البرديه بينما أخذت ريم في فحص الرؤوس النحاسية قبل أن تقول " من النحاس لا شك ".

فقال عاطف في ذهول " ملك له تلك الثروة ... ماالذي يجعلهم يحتفظون برؤوس نحاسية له ؟! و الأعجب أنها محفوظة في صندوق من الذهب !!"

فقالت مريم وهي تضع الرؤوس مكانها " ليس غريبا بعد أن تعرف أنهم عندما فتحوا تابوته وجدوا حول رقبته تميمة من الحديد وسط 143 قطعة من جواهر و مشغولات ذهبية كثيرة "

فقال عاطف في يأس " على الأقل وجدوا الجواهر والذهب "

لاحظ أحمد إندماج رامي في قراءة البردية فسأله في دهشة " ماالذي تفعله ؟ هل وجدت شيئا ؟"

فلم يجيبه رامي إنما رفع بصره بعد لحظة إلى مريم قائلا " أنظري إلى هذا !!"

 كانت تصرفاته هذه كفيلة بأن تجذب إنتباه الحضور فقال عاطف " بحق الله !! ما الذي وجدتموه ؟"

فقالت مريم في صوت أقرب للهمس " هذا عجيب حقا "

فقال رامي ناظرا لمن حوله " أيها السادة أعتقد أننا وجدنا شيئا "

 و أخذ البردية وسط إنتظار على أحر من الجمر لما سيقال " هذه البردية تخبرنا بشيئ غريب ... سأتلو عليكم نص البردية ( اللعنة على من أنهوك و تركوك ويحسبون أنهم ناجون ..إذهب بأسرار الدنيا ..حتى تعود.. كل يد تمسكك تقطع ...كل أنف يشمك يسقط ..كل عين تراك تنطفئ ...السلام عليك يا صاحب الجلالة ) .

 ثم توقف عند هذا الحد فتناقل الجميع نظرات الحيرة قبل أن يقول أحمد " أهذا كل شيئ ؟! "

فقال رامي " نعم ... وهذا غريب حقا "

فقال حسام في حيرة " وما الغريب في هذا ؟ فقد امتلأت معظم المقابر الملكية بعبارات تهديد و وعيد مثل

هذي!! "

فقالت مريم " نعم كما قلت ... تهديد و وعيد ... لكنها عبارات موجهه للصوص و ناهبي القبور ولكن هذه

 الكلمات تلعن في بداياتها من تسببوا في وضع الملك في مقبرته...."

و استطرد رامي " أي أن كاتب هذه الكلمات كان غالبا على علم بمن قتل الملك الشاب "

فقال عاطف " و إلى ماذا يوصلنا هذا الإستنتاج ؟ "

فقال رامي " لست متأكدا الآن من شيئ ... هذا يحتاج لقليل من البحث "

فقال عاطف في توتر " و إلى ماذا سيوصلنا هذا ؟ ماذا سنستفيد من معرفة شخص ارتكب جريمة من آلاف

السنين ؟ "

فقال رامي " لست أسعى وراء معرفة القاتل فقط يا سيد عاطف .... إن البردية مليئة بالغموض ... طلاسم

تحتاج إلى ترجمة روحية لها .... شفرة علينا أن نحلها لمعرفة ما ورائها "

فقال أحمد متسائلا " شفرة ؟! كيف هذا ؟ "

فقال رامي " نعم شفرة ... فما أعرفه عن الفراعنة أنهم لم يقدموا على كتابة كلمة واحدة دون معنى أو جدوى .. و أيضا نظرا لما كانت عليه شكل الكتابة المصرية القديمة .. فكان يتعين عليهم كتابة ما قل و دل ... إلا أن الكهنة كثيرا ماكانوا يفضلون الكتابات الغامضة المشفرة .. مثل التعاويذ و الكلمات السحرية .... إن من كتب هذه الكلمات كاهن .... فقد أتى على ذكر ( أسرار الدنيا ) .... وهذا شيئ لا يعرفه سوى كاهن حتى الملوك كانوا لا يعرفون أسرار الدنيا .. بل كانوا يعرفون إجابات عن أشياء معينة من كهنتهم أو على نحو أكثر دقة يعرفون ما يسمح به الكهنة أن يعرفوه ... فكان يستحيل على ملك شاب أن يذهب بأسرار الدنيا ... هناك شيئ غامض أيها السادة حول هذه البردية التي تعتبر باب لسر لم يُكتشف .. و أنوي أن أكتشفه "

فساد الصمت للحظات تبادل الجميع النظرات قبل أن يسأل أحمد في قلق " وهل تعتقد أن هذا قد يوصلنا إلى

إكتشاف ذو جدوى ؟ "

فقال رامي في غير تأكد " وقد يقودنا إلى مقبرة أخرى لم تكتشف بعد "

فقال أحمد في عجلة  " و إلى ماذا تحتاج لكي تقوم بمهمتك هذه ؟ "

فقال رامي في هدوء " بعض الوقت لمراجعة بعض النقط التاريخية  لنعرف ما توصلنا إليه ..."

فقال عاطف في حيرة " و ماذا سنفعل بالصندوق ومحتوياته ؟ "

فقال رامي في بديهية " سيكون معي بالطبع "

فقال عاطف في إستنكار " ماذا تقول ؟ هل تمزح ؟ "

فقاطعه أحمد في حزم" أنا موافق  .. سيكون تحت تصرفك على أن تكون على إتصال بي دائما إذا ظهرت أي مستجدات "

 و وسط إستنكار من عاطف مد أحمد يده في جيبه و أخرج شيكا كان مزيلا بتوقيعه و لكنه كان لم يكتب رقما معينا فوضعه على المائدة بعد أن أخرج قلما و هو يقول " لقد كنت أعددت هذا الشيك كمقابل لمساعدتك في هذا الإكتشاف .." ثم خط بالقلم في الشيك و مده إلى رامي قبل أن يقول " هذا المبلغ .. كمقدم أتعاب في هذا الأمر لما قد تحتاجه من مصاريف في سبيل الوصول لشيئ "

فتبادل حسام و مريم النظرات مع رامي قبل أن يقول هذا الأخير " هل تنتوي التصرف في أثريات الدولة يا سيد أحمد ؟"

فقال أحمد مستنكرا " لست كذلك ..ولكن يمكنك إعتباري كاللورد كارترفون الذي قام بتمويل مشروع الكشف

عن مقبرة توت عنخ آمون .... هذا في حد ذاته مكسب لي يا سيد رامي "

فأومأ رامي برأسه وهو يتناول الشيك  " حسنا يا سيد أحمد لك ما تريد .... تكفي هذه الثقة .."

 ثم وضع البردية في الصندوق و قام حسام بإغلاق الصندوق و حمله و توجه الجميع نحو الباب قبل أن يقول رامي و هو يصافح أحمد " سأطلعك على كل المستجدات يا سيد أحمد .. و سنصل إلى شيئ بإذن الله "

فقال أحمد مبتسما " أعلم أن هذه الأشياء تأخذ وقتا يا سيد رامي ولكن كلي ثقة في قدرتك  "

فقال رامي وهو يبادله الإبتسام " شكرا لك يا سيد أحمد "

ثم استأذن رامي ومن معه قبل أن يقول عاطف في سخرية وغضب إلى أحمد " اللورد كارترفون !!!  أرجو ألا تكون نهايتك مثله "

 فقال أحمد في هدوء " لا تقلق .. هذا الشخص محترف وليس محتالا ومعه عالمة آثار ....لن يغامر معي "

فقال عاطف بعد أن هدأ قليلا " هل تعتقد أنه سيصل فعلا إلى الذي يقوله ؟ "

فنظر إليه أحمد مبتسما " بالطبع ياعزيزي .. فقد قضى سنوات حياته وهو يطارد آثار العالم هو و والده قبل أن يتوفى و يتركه يجابه القبور وحيدا قبل أن يعثر على أصدقاءه أو مساعديه حسام و مريم "

فنظر عاطف إليه في دهشة فقال أحمد " ألم أقل لك ألا تقلق ؟... لقد تحريت عنهم كثيرا قبل أن أعطيهم آثاري و مالي "

فقال عاطف وهو ينظر إلى ساعته " عموما سنرى ...سأذهب الآن لأنه موعد عيادتي "

وذهب عاطف و ترك أحمد وسط شعور بالقلق الدفين بأن يكون مصيره كمصير اللورد كارترفون فعلا كما قال صديقه ... الموت .

***********************

دخل الزعيم المجهول على أفراد عصابته في غرفة المراقبة و هو ينهي إتصالا هاتفيا بهاتفه المحمول فبادره أحدهم بالسؤال " ها... ماذا سنفعل الآن ؟ "

فأجابه الزعيم " لقد أخبرت المستأجر بما رأينا و طلب أن نستمر في تتبعهم و مراقبتهم لأنه يعتقد أن البردية

هي طريق إلى مقبرة أخرى لم تكتشف أو كنز دفين .... ويجب علينا أن نصل إليه عن طريقهم "

فقال الآخر في قلق " ولكن بهذه الطريقة سيصبح الأمر أشد خطورة  .. وتكلفة أيضا "

فقال الزعيم " لا تقلق .. فقد إتفقت معه أن يقوم بتحويل مبلغ من المال إلى حسابنا المصرفي  لنستخدمه في

المهمة "

 و استطرد في صوت خفيض " وبعد انتهاء المهمة .. لن أكتفي بالمتفق عليه .."

وكانت في رأسه تكتمل تدابير شيطانية مخيفة مرتبطة باللون الأحمر....الأحمر الدامي .

***********************

 

الفصــل الثالث

 

" أغلب صفحات التاريخ مطويات بشكل دائري .. عند النهاية تجد البداية .. تتكرر الأحداث و لكن الإنسان موسوم بالنسيان أو الغباء .. أو كليهما "

 

في حجرة الأبحاث بشقة رامي بالقاهرة كان منكبا على مكتبه يراجع بعض الكتب فيما كانت مريم أمام مكتبته الضخمة تلتقط بعض الكتب التي لها علاقة بتاريخ مصر القديم , أما حسام فكان على أحد المقاعد واضعا على ركبتيه الـ(لاب توب ) الخاص به يتصفح بعض المواقع الألكترونية  باحثا عن أي معلومات مفيدة قبل أن يقول بإقتضاب " رائع ... أرى أن نهايتنا قريبة "

فقال رامي في دهشة " ما الذي تعنيه بهذا ؟ "

فقال و هو يشير إلى شاشة جهازه " كل من أقترب من مقبرة هذا الملك لقي حتفه بطريقة غامضة ...توفي

 اللورد ( كارترفون ) الممول لمشروع إكتشاف المقبرة بالحمى و كذلك والده وإبنه و زوجته التي لسعتها حشرة غريبة ..... تم دعوة ثلاثة عشر شخصا لحضور إفتتاح المقبرة و حضر إثنان و عشرون شخصا يوم

 23 /11/1922 و لكن بحلول عام 1929 توفى الثلاثة عشر شخصا في ظروف غامضة .... المليونير

الأمريكي ( جاي جولد ) أطل برأسه من المقبرة و توفي في نفس الليلة التي توفيت فيها زوجة ( كارترفون ).... ( وارتر ميسي ) مبعوث المتحف الأمريكي و معاون كارتر (مكتشف المقبرة) في الحفر مات متأثرا بالحمى أيضا ... وطبيب الأشعة ( أرشيبالد رون ) الذي قطع خيوط التابوت الملكي ليصور جثة الملك مات في لندن بالحمى أيضا ..... وغيرهم كثير"

فقالت مريم مستنكرة " لا تنسى أن ( هوارد كارتر ) مكتشف المقبرة مات عام 1939 عن 66 عاما و لم يصب بشيء "

فقال حسام في حزم " و لكنه قيل أن في أيامه الأخيرة كان يرى أحلاما مفزعة و أشباحا يقومون بتعذيبه و دفنه كالفراعنة و إلقائه للتماسيح كي تلتهمه...ثم إن شخصا واحدا بجانب العشرات لا يمثل إستثناءاً "

فقال رامي مستنكرا " قد يكون هذا الأمر نتيجة تجاربه الكثيرة في مجال الحفريات و الآثار وقد تجمعت هذه

 الأمور في صورة تخيالات و أوهام في أيامه الأخيرة ... كتخاريف أواخر العمر "

فقال حسام في تهكم " إذن سنصل لهذه المرحلة قريبا "

فقال رامي محاولا أن يغير مجرى الحديث " دعك من هذا الأمر فإننا نبحث عن معلومات عن توت عنخ آمون و ليس عن لعنة الفراعنة و إن كانت هناك حوادث سنأتي على ذكرها على أي حال "

فقالت مريم مؤيدة فكرته " حسنا .. دعونا نرتب معلوماتنا عن توت عنخ آمون أولا قبل التطرق للصندوق

 ومحتوياته "

فقال رامي وهو ينظر لكتاب أمامه  " هذا أفضل .... نبدأ بـ أخناتون أو ( أمنحتب الرابع )  الذي حكم مع

زوجته 17 عاما...زوجته ( نفرتيتي )..وقد أنجب منها  ست بنات معروفات وقد تزوجت إحداهن بـ( توت عنخ أمون )... دعا إلى عقيدة التوحيد .. أى عباة إله واحد أطلق عليه آتون و رمز إليه بقرص الشمس مما أثار كهنة الإله الأكبر وقتها وهو( آمون )..."

فقالت مريم مستطردة " ولكنهم لم يستطيعوا فعل شيئ  لكونه ملك مصر الذي يتمتع بقدسية مهما كانت

معتقداته..رغم أن عقيدة التوحيد لم تظهر إلا في فترة حكم أخناتون فقط و لم يدع أحد إليها من بعده ...و قد قيل أن زوجته و بناته عارضوه و لكن هذا قول ضعيف .. فتغير أسمائهن لتتناسب مع الإله الجديد يدل على موافقتهن له .. وقد إستند من أشار لمعارضة زوجته له لمحاولات محو إسمها من المعابد و جدرانها .. إلا أن الأرجح أنها تمت من قبل أخيه ( سمنخ كا رع ) الذي تزوج من إبنة أخناتون ( ميريت آتون ) و قد حكم فترة قصيرة و قد كان على خلاف مع (نفرتيتي ) زوجة ( أخناتون ) فحاول محو إسمها من جدران المعابد "

فقال رامي متمما كلامها " ( توت عنخ آمون )... من المرجح أنه إبن غير شرعي لأخناتون الذي أحتاج لوريث لعرشه و قد تزوج من أخته الغير شقيقه إبنة أخناتون الثالثة ( عنخ إسن أمون )التي تحول إسمها لـ(عنخ سنبا تون) بعد عبادة ( أتون .)... تزوجها و هو في العاشرة  و كانت تصغره بثلاثة سنوات تقريبا ... حتى تمت عملية إغتياله التي ظلت لغزا حتى الآن "

فقال حسام في حيرة  " نظرية المؤامرة .....و لكن لماذا كان يحمل إسم (آمون ) مادام إبن ( أخناتون ) و لم يكن إسمه مثلا ( توت عنخ آتون ) ؟ "

فقال رامي مستنبطا " هذا يدل على تراجعه عن ( آتون ) و العوده لإله الفراعنة الأعظم ( آمون ) "

فقال حسام في شك  " ألم يكن صغيرا لكي يتخذ قرارا كهذا ؟ "

فقالت مريم وهي تستنبط أيضا " و هذا يدل أنه كان واقع تحت تأثير شخص ما يوجهه ....و قد ذكر علماء

المصريات أنه هذا الشخص هو الوزير( آى )..وقد كان أيضا أحد كهنة ( آمون ) "

فقال حسام متعجبا " هذا يدل على سيطرة الوزير( آى )على الملك الشاب تأثيرا قويا و بالتالي على الدولة

الكمتية كلها ....و مدون أمامي على الأنترنت أنه كان متزوجا من مربية نفرتيتي زوجة أخناتون و قد تزوج من إبنة أخناتون بعد وفاة زوجها الملك توت........كان بمثابة راعي للأسرة الملكية "

فقالت مريم مؤكدة " نعم وقد كان من الشخصيات الرئيسية المسئولة عن عودة عبادة الآلهة المصرية .... أليس كذلك يا رامي ؟ "

لم يجب رامي الذي كان مستغرقا في التفكير فعادت إليه تنبهه " رامي !!.... ماذا هناك ؟

فقال رامي في بطء " هناك شيء خطأ في سياق الأحداث "

فقالت مريم في حيرة " ماذا هناك ؟ "

فقال رامي متشككا " تروي كتب المصريات أن الضلع الرئيسي في نظرية المؤامرة لقتل الملك توت  كان

الوزير آى  وكذلك قتل امير الحيثيين الذي قدم للزواج من أرملة توت عنخ أمون بناءا على رسالتها إلى ملك الحيثيين تطلب منه إرسال أحد أبناءه للزواج منها .. فتم قتله على الحدود قبل أن يصل "

فقالت مريم مكملة " ثم تمت بعد ذلك مراسم زواجها من الوزير آى الذي حكم لفترة قصيرة قبل موته وتمكن

 الوزير حور محب من السلطة ... و ماذا إذن ؟ "

فقال رامي مندهشا " إن ماذكر عن الوزير آى  و إهتمامه بالعائلة الملكية .... فقد كان مسيطرا تماما على

مجريات الأمور في الدولة .... فما من سبب يدعوه للتخلص من الملك توت عنخ آمون فكل شيء يسير وفقا لخطته و كذلك آمون كإله رئيسي للدولة..لو كنت الوزير آى و أريد السلطة و التخلص من الملك الصغير فماذا كان علي أن أفعل ؟ "

فقال حسام في بديهية " ليس علي إلا أن أثير كهنة آمون على الملك و سيكون قتله نتيجة إتهامه بالهرطقة مثلا  و ستعود الأمور هادئة و سأتوج ملكا على مصر "

فقال رامي مؤكدا " بالضبط ... و هذا أيسر و أضمن من الإنتظار لسنوات .. أليس كذلك ؟ "

فقالت مريم متسائلة " ما الذي ترمي إليه يا رامي ؟ "

فقال رامي  لحسام " أنظر سريعا لما لديك عن الوزير الآخر "

فقال حسام و هو يعمل على جهازه " حور محب .. القائد العظيم  ........ ها هو ذا... كان القائد العام للجيش في عهد أخناتون ..كما أصبح المتحدث الملكي الخارجي للدولة و مستشار الملك في عهد توت عنخ آمون...و لكن هناك شيء غريب..."

فقالت مريم في حيرة " ماهو ؟ "

فقال حسام " لقد إستلم مقاليد الحكم بعد الوزير آى ... وفي عهده تم إتلاف معظم الأدلة على فترة حكم الملك

توت عنخ آمون و الوزير آى  "

فقال رامي مبتسما " و أكثر من ذلك  ... عند جلوسه على العرش بجانب أرملة توت عنخ آمون و من بعده

الوزير آى ماتت و لم يتم معرفة السبب في موتها رغم صغر سنها ... ولكنه تزوج سريعا بخالتها و أخت الملكة نفرتيتي وحطم رؤوس تماثيل توت عنخ آمون و قبر الوزير آى ....لكنه لم يستطع المساس بقبر الملك توت أبدا ...لماذا؟ "

فقال حسام مخمنا " لعنة الملك توت ؟ "

فقالت مريم في إستنكار " تفاهات !!!  لايوجد بما يسمى لعنة الفراعنة "

فقال حسام " بعد كل ما ذكرته من أحداث غامضة تعرض لها أناس كثيرون جراء فتح المقابر الملكية "

فقالت مريم مستنكرة " بربك !! .... دعك من الأساطير و تخاطب بالعقل  "

فقال رامي وهو ينهض من مكانه " هناك طريقة واحدة لمعرفة ذلك "

فقال حسام متسائلا " و ما هذه ؟ "

فقال رامي في حزم " سنذهب إلي طيبة...إلى وادي الملوك تحديدا "

فقال حسام مستنكرا " ماذا؟! لا لا ...سأنتظركم هنا في حال أصررتم على الذهاب "

فقالت مريم مستفسرة " ماذا تنوي أن تفعل ؟ "

فقال رامي في صوت أقرب للخفوت " سأكشف النقاب عن أحداث وقعت منذ أكثر من 33 قرنا "

قالها وهو يشعر بقوى خفية تدفعه للذهاب إلى هناك و لا يدري ...أهو ذاهب ليبهر العالم بإكتشاف آخر ... أم هو ذاهب ليلقى مصيرا آخر ... ليلقى حتفه .

********************

الفصــــل الرابـــع

"  الضوء في حالة سفر دائم في كل الاتجاهات، ولكن هذا السفر يقف عند نقطة معيّنة ينكسر فيها الضوء، ويعود مرة أخرى بشكل معكوس وكأنه اصطدم بمرآة تقع عند حافة الكون، ومن هذه المعلومة الفيزيائية جاءت فرضية أن حدود الكون مرآة وأن هناك كونا آخر هو صورة مرآة معكوسة من الكون الذي نعيش فيه."

في فندق وادي الملوك السياحي و الأقرب لموقع الأحداث القادمة كان الزعيم المجهول ورجاله يتناولون طعام الغداء في مطعم الفندق و يراقبون من الجهة المقابلة للمطعم رامي و رفيقيه  يتناولون طعامهم أيضا.

 وبينما الزعيم و رجاله جلوس إذ أتى أحد رجاله قادما من أعلى و معه حقيبة صغيرة و بعد أن جلس قال

للزعيم " لقد تم الأمر "

فقال الزعيم متسائلا " في الغرفتين ؟ "

قال الرجل في تأكيد " نعم "

فقال رجل آخر في قلق " المهم أن يكون الأمر بالغ الدقة ..... لو شعروا بوجودنا لفشل العملية برمتها "

فقال الأول " لا تقلق .. إنها كاميرات و أجهزة تصنت دقيقة جدا ...ولقد زرعتها بدقة في أماكن خفية "

فقال الزعيم " حسنا ... هذا سيبقينا على إطلاع بخططهم القادمة مادمنا نعلم ما يحدث في غرفة الرجلين و

 غرفة الفتاة .....و سيعلمنا أيضا بمكان الصندوق في حال أن فشلت جهودهم في الوصول لشيء مهم ...

فنحصل على الصندوق "

فقال أحدهم " هذا افضل من لا شيء "

فقال الزعيم و يرتشف من شرابه " لا تكن يائسا و كن صبورا ....فإني أشعر بأن هناك شيئا دفينا هناك في

 الصحراء ينتظر من يكشف عنه "

فقال الرجل " أتمنى ذلك "

فقال آخر وهو ينظر تجاه رامي و رفيقيه " مازالوا يتناولون الطعام.....عسى أن يكون الغداء الأخير "

فقال الزعيم في صوت رزين مخيف " لا تتعجل النهاية ....فالنهاية قريبة "

قالها وهو يلقي نظرة من خلف نظارته السوداء إلى رامي و قد إرتسمت على شفتيه إبتسامة خفيفة و لكنها دلت على شيء مخيف ..

**************************

" مخيف فعلا !!...."

 قالها حسام و هو ينظر إلى شاشة جهازه الذي لا يفارقه حيث ظهرت صورة خارجية لمقبرة الملك توت ..ثم نظر إلى رامي و مريم متسائلا " هل تعتقدان فعلا أننا سندخل هذه المقبرة ؟ "

فقال رامي مبتسما " ألم تدخلها قبل ذلك ؟ "

فقال حسام  مجيبا" نعم ثلاثتنا قمنا بذلك...و لكنك تنوي فحص المقبرة "

فقالت مريم وهي تشرب مشروبا غازيا " ننوي .... ننوي أن نفحصها معا "

فقال حسام في إرتباك " حسنا..حسنا كيف سنقوم بهذا في حرية تامة و تعرفان أن هذا لن يتم "

فأجابه رامي دون أن يرفع نظره عن طبقه و هو يتناول طعامه " سندخلها ليلا "

فضحك حسام " أنت تمزح بالتأكيد "

فنظر إليه رامي في جدية دون أن ينطق فتوقف حسام عن الضحك مستطردا " لا ؟ أنت جاد إذن ؟ "

فقالت مريم في هدوء " و ماذا في ذلك ؟ "

فقال حسام في توتر " هل تمزحان ؟ سيعرضنا هذا للسجن المؤكد للعبث بآثار ملك للدولة "

فقال رامي مبتسما " أو للمكافئة إذا إكتشفنا شيئا ما "

فقال حسام يستوقفه " مهلا مهلا ... لم يثبت لدينا على الأقل أن هناك شيئا خفيا .. كلها لازالت هواجس "

فقالت مريم مبتسمة " أعلم أن هذا يبدو جنونا.. و لكنه يبدو شيئا مثيرا "

فقال حسام مستنكرا " شيئا مثيرا أن تجدي يديكي مكبلتين في أحد سجون النساء ....رائع فعلا "

فقالت مريم في جدية " لا.. حقا أنا جادة في هذا ...هل جربت ان تكون في مقبرة كمتية ليلا ؟ "

فقال حسام في توتر " نعم ....في كوابيسي عندما أكون نائما "

فقال رامي في جدية " ليس هناك طريقة أخرى لمعرفة الحقيقة إلا بدخول المقبرة ...هل لديك طريقة أخرى ؟ "

فلم يعقب حسام بشيء و اكتفى بملامح الإنزعاج التي بدت على وجهه ...

فقالت مريم " دعونا نرى كيف سنفعلها ؟ "

فقال رامي في شرود " سنجد طريقة حتما تمكنا من ولوج المقبرة "

فقال حسام في قلق " الأفضل أن نبحث أيضا عن طريقة للخروج من هناك "

  ثم ألقى بنظرة أخيرة على صورة المقبرة و هو يتخيل هذا المشهد في الظلام... و قد كان المشهد

مثيرا للرعب بحق لدرجة أن سرت في جسده قشعريرة ...وقد كان محقا في هذا.... فقد يكون الدخول صعبا....و لكن الخروج..... مستحيل...

****************************

كان أحمد شوكت يجلس في مكتبه داخل شركته السياحية الخاصة – التي إفتتحها بعد عودته من الخارج – شارد الذهن و هو يفكر في إتصال رامي به عندما أخبره بسفره إلى مدينة الأقصر و أهمية هذا السفر في الكشف عن سر الصندوق الذهبي و برديته المبهمة , فشغفه لمعرفة ما ستوصلهم إليه البردية كان يفوق شغف اللورد كارترفون الذي ترك الأمر للمكتشف كارتر حتى توصل الأخير لمقبرة الملك توت ثم بعث له بخطاب يدعوه فيه للمجيء لحضور لحظة فتح المقبرة , فكان يتعين على أحمد أن يكون قريبا من الأحداث . وبعد أن توصل لقراره ضغط على زر ال(سبيكر) فأتاه صوت سكرتيرته الخاصة : تحت أمرك يا أفندم ؟

فقال أحمد في حزم " إحجزي لي مقعدا على الطائرة التالية المتجهة إلى الأقصر."

فأجابت السكرتيرة في دهشة " حسنا ..تحت أمرك "

ثم أنهى أحمد الأتصال  قبل أن يضغط على أزرار هاتفه المحمول و يأتيه صوت عاطف الذي كان لايزال في عمله بالمستشفى فأخبره أحمد بنيته في السفر..

 فقال عاطف في دهشة " ماذا ؟! و لم عليك أن تسافر ؟"

فأجابه أحمد بقليل من القلق " أفضل أن أكون عل مقربة من الأحداث "

فقال عاطف مستنكرا " دعك من هذا .. فحالما يصلون لشيء سيتصلون بك "

 ثم صمت قليلا قبل أن يسأل في شك " هل تعتقد أنهم غير أهل للثقة و أنهم سيستولون على ما سيجدونه ؟ "

فأجابه أحمد في إستنكار " لا... لا أعتقد هذا ..رامي كمال ليس من هذا النوع ... إنه يسعى وراء الإكتشاف كقيمة و ليس وراء هدف مادي "

فسأله عاطف في دهشة " و مادام الأمر كذلك فما الذي يقلقك ؟ "

فقال أحمد في حيرة و قلق واضحين " لا أعلم يا عاطف ... لا أعلم ..و لكني أشعر أنه يجب أن أكون هناك "فقال عاطف في إستسلام " حسنا يا صديقي .. كما تشاء "

و بعد أن أنهى عاطف الإتصال كان القلق و الشك قد ظهرا على وجهه بوضوح ..فقد أصبح هو الأخر يشعر بأن دائرة الخطر تقترب بسرعة .... وستلتهمهم جميعا بلا رحمة .

*****************

في مقر المباحث العامة كان النقيب ياسر حمدي  يشق طريقه إلى مكتبه عندما إستوقفه الضابط  شاكر و بيده

ملف صغير وهو يقول في قلق " لقد ظهر !! "

فتسائل ياسر في دهشة " من هذا ؟! "

فأجابه شاكر " نابش القبور "

فقال ياسر في قلق " تقصد ....؟ "

 فأومأ شاكر بالإيجاب فاستطرد ياسر في ذهول " ياللشيطان !! لماذا ظهر بعد كل هذه المدة ؟ "

فقال شاكر في حيرة " لا نعلم بعد ...و لكن أحد ضباطنا كان في مهمة مراقبة عادية و فوجيء برؤيته و هو يخرج من إحدى البنايات مع رجاله و يركبون سيارتين فقام بمراقبتهم و الإستعلام عن أرقام لوحتي السيارتين فوجدهما مستأجرتين بإسم " فتحي ضرغام " رجل أعمال لا وجود له ... و بتتبعهم وجدنا أنهم حاليا بفندق وادي الملوك بالأقصر "

فصمت ياسر قليلا قبل أن يقول في صوت خافت كأنه يحدث نفسه " هناك حتما سبب قوي يدعوه للمجازفة ... وادي الملوك ؟... بالتأكيد عمليه أخرى من عملياته القذرة "

قطع شاكر حبل أفكاره و هو يعطيه الملف قبل أن يقول " هذا الملف به تقارير المراقبة التي أفادت أيضا بوجود رامي كمال الشهير و مساعديه أيضا هناك ..و بالمناسبة ..هم تحت رقابته المشددة "

فابتسم ياسر ابتسامة ظافرة " نعم نعم .. هكذا تكتمل الأنشودة ....هناك حتما اكتشاف مهم على وشك الحدوث "فقال شاكر في قلق " و مجزرة أخرى على وشك الوقوع "

فقال ياسر وهو يهم بالذهاب إلى مكتبه " قم بترتيب رحلة لنا إلى هناك ...و التنسيق مع شرطة السياحة ومكتب مكافحة سرقة الآثار .."

قالها و اتجه إلى مكتبه و ألقى الملف على مكتبه قبل أن يفتحه و يلقي نظرة على إحدى الصور التي تضمنها الملف و بها صورة الزعيم بنظارته السوداء المميزة بين رجاله وهو يهم بركوب سيارته.. و تمعن ياسر في الصورة قبل أن يقول في صوت خافت و لكنه ممتلئ بالحزم

 " مرحى يا نابش القبور ...لن أدعك تفلت من قبضتي هذه المرة ..... أبدا "

وكانت كلماته هذه أذانا إما ببدء حرب جديدة على رمال الصحراء ..أو باستئناف حرب بدأت منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام..

******************

الفصـــل الخامس

" أطلق عليه أثريون اسم " الباب الوهمي " .. لكن القدماء الذين صنعوه سموه " بيت الأبدية " .. وصفوه بأنه معبر بين كونين للإنسان .. يساعده أهله في العبور بسلام  بتقديم طعام كقرابين .. و على مدار آلاف السنوات ظل المصريون يوزعون الطعام عند المقابر و وصفوها ب" رحمة و نور " "

 

كان مشهد الصحراء ليلا عموما يثير الرهبة في النفوس إلا أن النجوم المتلألئة في السماء والتي تلقي بضوءها الخافت على الوادي كانت تبعث قليلا من الراحة في النفس ..ولم يكن الزائر لأول مرة ليعتقد أن هذا المكان المسمى بالوادي الملكي يحوي سرا لايزال دفينا في الكيان القابع أسفل الوادي و المسمى بمقبرة توت عنخ آمون...و كان باب هذه المقبرة في مواجهة الوادي إلا أن معظم المقبرة – التي كانت أشبه بتل صغير بسبب الرمال المتراكمة عليها – كان ممتدا إلى أحد التلال الرملية المحيطة بالوادي و الذي عليه كانت ظلال ثلاث أشخاص يسرعون الخطى في خفة وهم يتقافزون على  متعرجات هذا التل ليصبحوا ملتصقين بجدران المقبرة من الخارج ,وكان كل منهم يحمل حقيبتها الخاصة معلقة عل كتفه.......

قال حسام لرامي في قلق شديد " كيف عرفت هذا الطريق ؟ "

فقال رامي هامسا " أخفض صوتك ..قد يكون احد الحراس قريبا من الناحية الأمامية "

فقالت مريم نافية " لا أعتقد هذا .. فبعدما طوقوا الجهة الأمامية للوادي بسور أصبح الحراس الليليين يقضون خدمتهم على مشارف الوادي "

فقال رامي مؤكدا " لكن هناك دوريات مراقبة من وقت لآخر للإطمئنان من أن كل شيء على ما يرام "

فقال حسام و قد زاد قلقه " هذا عظيم جدا ...و مشجع أيضا لكي نعود إلى الفندق الآن "

وهم بالعودة فأمسكه رامي من ذراعه وهو يقول " لا تكن جبانا الآن ...لقد قاربنا على إكتشاف شيء ما ...لدي شعور بذلك "

فقال حسام في توتر و خوف " نعم ..قاربنا على إكتشاف الموت في سن مبكرة "

ولم يجد مفرا في النهاية من الإستسلام لرأي الأغلبية و قام ثلاثتهم بالتسلل إلى الباب الأمامي للمقبرة الكمتية وكان حديديا أحكمت فيه سلسلة حديدية غليظة مغلقة بقفل معدني كبير فأشار( رامي ) إلى ( حسام ) فأخرج الأخير من حقيبته أداه معدنية أشبه بالملقاط و قام بمعالجة القفل ..ثم نزعوا السلسلة في هدوء و قاموا بفتح الباب و دخلوا المقبرة قبل أن يغلقوا الباب من خلفهم و يضعوا السلسلة حتى لا يثيروا الشبهات في حالة وجود دورية مرور ... ...وفي الداخل قاموا بإشعال مصابيحهم بالدرجة الخافتة ثم إتجهوا إلى الضريح الرئيسي لقبر الملك توت .    

وعند المكان الذي استخرجوا منه تابوت الملك وقف (رامي ) مسلطا ضوء مصباحه و هو يقول " هل تعلم أنهم وجدوا ثلاثة صناديق خشبية مطعمة بالذهب فوق التابوت الحجري الكبير الذي كان يضم ثلاثة توابيت ذهبية على شكل تماثيل للملك توت في إحداها كان يرقد جثمانه المحنط في كامل زينته الذهبية ومحاطا بكفن من الحرير ؟ "

فنظر حسام إليه في ذهول " يا إلهي ....لقد كانوا مذهلين بحق "

فقالت مريم ونظرها مثبت على مكان التوابيت الفارغ  " هذا أقل ما يمكن أن يوصفوا به ." ثم نظرت إلى حسام قبل أن تستطرد " و هذا أقل ما يمكن أن تراه "

لم يفهم حسام سر نظرتها الجادة في هذه اللحظة و لكنه شعر بأنها واثقة تماما مما تقول ثم نظر إلى مكان

التابوت الحجري بينما أخذ رامي في فحص الرسومات الرائعة على جدران المقبرة التي كانت تصور رحلة

توت عنخ آمون إلى الآخرة فألتفت حسام إليه و بعد لحظات قال له " يا رفاق لن نجد شيئا لم يجده من أكتشفوا المقبرة ....لذا أقترح أن نعود أدراجنا الآن "

توقف رامي أمام أحد الجدران و لحقت به مريم و أخذ الأول يفحص الجدار و كان مرسوما عليه الموكب

الجنائزي للملك توت و كان ينظر إلى صورة المومياء الملكية في تابوتها الحجري فسأل مريم دون أن ينظر

إليها " إذا أردت أن تحفظي بعض الأسرار مع ميت ...ماذا تفعلين ؟ "

فقالت في بديهية "أضعها معه في تابوته  " و صمتت لحظة قبل أن تقول في دهشة " و لكنهم لم يجدوا شيئا في تابوت الملك غير تماثيله الصغيرة و متعلقاته الشخصية من ذهب وجواهر "

فقال حسام في تهكم " قد تكون في تابوت آخر "

فألتفت رامي إليه قائلا " معك حق ..هناك تابوت آخر "

فأخذ حسام ينظر حوله " أين إذن ؟هه؟ "

فقال رامي في خفوت " لو كان الأمر كذلك لكانت الأسرار عرضة للسرقة ...و لم يكن واضعها ليجازف بهذا "

فقال حسام وهو يهز رأسه " أنا لا أفهم شيئا "

وقالت مريم متسائلة " ما الذي تفكر به يا رامي ؟ "

فصمت رامي و هو يحملق إلى نقش مومياء الملك الموضوعة في تابوت على الجدار و أخذ يتحسس النقش

 بيديه و قال في صوت خافت " هذا هو تابوت الأسرار "

 و قبل أن يتسائل الآخران عن معنى كلماته كان قد ضغط على نقش التابوت بقوة .....و كانت المفاجأة .

********************

في بهو الفندق دخل النقيب ياسر و معه الضابط شاكر و كان في إستقبالهما أحد رجال شرطة الآثار في زي

مدني كي لا يلفت الأنظار إليه كان يجلس إلى إحدى الموائد  و بعد أن إنضم إليه الرجلان سأله ياسر " ماذا لدينا ؟ "

فقال الشرطي " لم نجد لهم أثر هنا "

فسأله شاكر في دهشة " أليسوا نزلاء هنا ؟ "

فقال الشرطي وهو يومئ بإلإيجاب " بلى ..و لكن رامي كمال ومن معه غادروا الفندق عند غروب الشمس و لم يعودوا...و كذلك المدعو فتحي ضرغام ومن معه من رجال ..و بالطبع لا نعرف مكانهم الآن لأن أمر المراقبة صدر بعد رحيلهم "

فقال ياسر متأففا " تبا لهذا "

فقال الشرطي و قد رسم إبتسامة على شفتيه " مهلا أيها النقيب ....مازال لدينا شيئ ما "

فقال ياسر و قد جذب إنتباهه " ماذا ؟ هات مالديك بسرعة .. "

فقال الشرطي و هو يشير برأسه إلى رجلين يجلسان إلى مائدة عند الطرف الآخر من البهو " هل ترى هاذين الرجلين هناك ؟ "

فسأله ياسر " ما خطبهما ؟ "

فأجابه الشرطي " لقد قدما إلى الفندق من حوالي ساعة  و قبل أن يحجزا غرفة سألا على رامي و رفاقه "

فقال شاكر و هو يحك ذقنه متأملا في أحدهم " مهلا .. الراجل الجالس إلى اليمين ؟ "

فسأله ياسر في سرعة " ما خطبه ؟ هل تعرفه ؟ "

فقال شاكر " نعم .. إنه رجل الأعمال أحمد شوكت ومهلا...إنه يقطن في البناية المقابلة لتلك التي كان نابش

 القبور يهبط منها عندما أخذت صورته ...أنا متأكد من هذا "

فقال ياسر مبتسما " أهلا ...الخيوط تتشابك.... و لكن ما علاقة هذا الرجل بنابش القبور ؟.....هل تعرف الرجل الذي معه هذا ؟ "

فقال شاكر نافيا " لا ليس بعد .. ولكن أعتقد أنه صديقه المقرب إذا كان ما نعتقده عن هذا الرجل بدوره في هذه المغامرة "

فقال الشرطي في رضا " حسنا .. هذا قد وفر علينا مشقة التحري عن الرجلين "

فقال ياسر وهو يراقب الرجلين " بل تحر كيفما شئت ...و لكن مراقبتهم ستثمر عن شيء بالتأكيد...فوجود رجل أعمال يعني وجود المال ...و المال غالبا ما تصاحبه الدماء "

و قد كان محقا في مقولته الأخيرة ..

***********************

" لم أكن أرى داعيا لهذا "

 قالها أحمد شوكت لصديقه عاطف الذي نظر إليه مستفسرا فأستطرد أحمد " أقصد تركك لأعمالك بالمستشفى و العيادة لتأتي معي .."

فهز عاطف رأسه مبتسما قبل أن يقول " صراحة لقد كانت نبرة صوتك بالهاتف مقلقة بعض الشيء ففضلت أن أرافقك ....ومن ناحية أخرى سأعتبر هذه أجازة إستجمام "

فقال أحمد في قلق و تهكم " إستجمام ؟!.. و كيف لي أن أسترخي في هذا الجو من القلق و التوتر ؟ "

فقال عاطف مهدئا صديقه " لا تقلق.. الجميع سيقوم بما يتوجب عليه أن يفعله "

فقال أحمد في إنزعاج " لست قلقا على ما يفعله رامي فهو محترف يدرك ما يفعله جيدا .... و لكن يزعجني

 الإنتظار "

فقال عاطف في دهشة " الإنتظار ؟! و ماذا بأيدينا أن نفعل غير ذلك ؟ "

فتألقت عينا أحمد وهو يقول " نذهب في أثرهم "

فسعل عاطف و هو يشرب قليل من الماء قبل أن يقول " ماذا ؟ هل جننت ؟ قد يكون هذا خطيرا جدا "

فهز أحمد رأسه نافيا وهو يقول " ليس الأمر بالخطير....فقد زرت تلك الأماكن كثيرا و قرأت عنها الكثير بحكم عملي في مجال السياحة ..و أعرف أين سيكونون "

فسأله عاطف في قلق و توتر " كيف تواتيك هذه الفكرة فجأة و تتوقع أن ننفذها أو تتوقع أن أدعك تفعلها ؟ "

فقال أحمد مبتسما " لم تأتيني فجأة... فقد فكرت فيها مرارا قبل أن آتي إلى هنا "

 قالها وهو ينهض قبل أن يستطرد " علينا ألا نضيع الوقت و نستعد لكي نذهب الآن "

 ثم إستدار ليذهب إلى غرفته ليستعد وفي أثره إنطلق عاطف يناديه لكي يثنيه عن فكرته ....و لكن ماكان هناك شيء ليثنيه عن الطريق الذي سيسير فيه مهما كانت المفاجأت التي سيلاقيها... ومهما كانت الخطورة .

******************

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

861 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع