هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة محمد شحاتة
  3. الدُّمية المحروقة

 

آخر حاجة فاكراها؛ هي الشَّكَّة اللي في دراعي؛ لمَّا كان جوزي مكتِّفني، عشان آخد الحُقنَة المُهدِّأة، اللي كتَبهالي الدكتور لما قالُّه:

-مراتَك عندها حالة عصبية، ولازم تاخد مُهدِّأ فورًا.

أي نعم ماقتنَعتِش باللي بيقوله، لكن كنت فاقدة السيطرة على نفسي تمامًا، الحالة اللي وصلتلها كانت جديدة عليا، أوِّل مرَّة أعيشها، أنا فاكرة كويس اللي حصل، ساعتها جوزي دخل عليا الأوضة، ومسكني من دراعي وهو بيقولي:

-بتعملي إيه؟ أنتي اتجننتي يا "فريدة"؟!

كُنت مستوعبة كل حاجة بعملها، لكن كل حاجة كانت بتحصل بدون إرادتي، وبرغم إدراكي كُنت بكمِّل، والمشكلة إني كنت برتكِب جريمة قتل، ومُش هبالغ لو قولتلكم إني كنت بحاول أقتل ابني، الطفل اللي في اليوم ده تَم 40 يوم، جوزي كان مذهول، ورغم إني ماكنتش مركِّزة في ملامحه، لكن كان باين على صوته ورد فعله، ما هو شيء غريب لما واحد يدخل على مراته؛ يلاقيها بتخنُق في ابنها اللي لسه بيرضَع، والغريبة إنه حاول يخلَّصُه من إيدي بالعافية.

لمَّا مالقاش حل معايا، اضطر إنه يضربني؛ عشان أسيب الطفل، واللي خلاني مستغربة، هو إني كنت شايفاه بيضربني، لكن ماكنتش حاسة بحاجة، كأن الضرب ده في شخص تاني، أو في الحيطة اللي جنبي، في النهاية قِدِر ينتزع الطفل من إيدي، أخده في حضنه قبل ما يلفظ أنفاسه الأخيرة، وبعدها وَقَف بُه عند باب الأوضة، كان بيبُصِّلي باستغراب، في اللحظة دي بدأت أفوق، لكن ماكنتش عارفة أنا بافوق من إيه، لكن حسِّيت بالندم على اللي عملته، ماقدِرتِش أبرَّر التصرف اللي جوزي شافه منّي، لكن كل اللي كان على لساني، هو إني قولت لجوزي:

-أنا آسفة يا "إيهاب"، ماكنتش أقصد.

ساعتها شوفت على وشُّه ضحكة غريبة، زي ما تكون ضحكة استنكار، أو استغراب، لأنه بعدها قالي:

-آسفة! هاتقتلي ابننا وبعدها بتقولي آسفة؟! إنتي إيه؟ اتجننتي ولا شاربة حاجة؟ هي في أم تعمل اللي عملتيه ده؟! انتي ناسية إحنا انتظرناه كام سنة؟ نسيتي أنتي نفسك تعبتي فيه ازاي!

كان أهوَن عندي إني أحرَّك جَبل من مكانه؛ ولا إني أقدر أبرَّر اللي عملته، في الحالة اللي زي دي، السكوت بيكون أنسب حاجة، لكني برضو ما قدرتِش أعمل دَه؛ لقيت نفسي بصرُخ وأنا بَبُص لأبني وهو على إيده، وباجري ناحيته زي المجنونة، وبَمِد إيدي من تاني ناحية رقبته!

في اللحظة دي؛ جوزي خطَف الولد من قدام إيدي، ودفَعني لورا بإيده التانية، وقعت على الأرض، وفي الثواني دي؛ كان خرج برَّه الأوضة وقفل عليا الباب بالمفتاح.

مفاتش وقت كتير، وسمعت صوت المفتاح في الكالون، بعدها الباب اتفتح، في البداية جوزي بصِّلي، وقالي:

-البسي طرحة على راسك.

مدِّيت إيدي وشدِّيت طرحة من على الشماعة، لبستها، وبعدها لقيت جوزي بيقول:

-اتفضَّل يا دكتور.

بعد ما الدكتور كشف عليا، قال إني عندي حالة عصبية، وسأل جوزي لو كانت في حاجة حصلت؛ يعني ممكن تكون هي السبب في الحالة دي، لكن كل شيء كان تمام، وكإجراء طبيعي في الحالات اللي زي دي، الدكتور فتح شنطته، وطلَّع منها حقنة، وطلب من جوزي يمسك دراعي، عشان كان لازم آخد الحقنة.

كان جوايا رفض شديد، لدرجة إن جوزي اضطر يكتِّفني، وبعد معافرة؛ غمَّضت عيني والإبرة بتشُكِّني، وبعدها بدأت أفقِد الإحساس باللي حواليا.

***

مُش هانكر إني رجعت لطبيعتي بعد ما فوقت، قومت واتعاملت ولا كأن في شيء حصل، وبقيت أقرَّب من ابني وألاعبه، لكن جوزي أخد أجازة، ومكانش بيخرج من البيت عشان مايسيبنيش لوحدي مع الولد، لدرجة إنه كان بينام هو والولد في أوضة، ويقفل عليهم من جوَّه، ويسيبني أنام لوحدي، ماكنتش بلومه، لكن كنت بلوم نفسي أنا، وماكنتش قادرة أوصل لسبب يبرَّر اللي حصل.

الأيام فاتت وإحنا على الحالة دي؛ لحد ما في يوم كنت بانشُر الهدوم في البلكونة، ودخلت الصالة، لقيت الولد نايم ومتغطِّي على كنبة الأنترية، ولما شوفت باب الحمام مقفول، عرفت إن جوزي جوَّه، قربت من الولد، وبدأت أبُص ناحيته، إحساس مُريح وأنت بتقرَّب من ابنك بدون قيود، لأني كنت بعمل كل حاجة للولد تحت إشراف جوزي، مكانش بيخليني أبقى معاه لوحدي، فضِلت أتأمِّل ملامحه، لحد ما لاحِظت إن لون بشرته بيتغيَّر، وبيتحوِّل للون الأسود، أقرب وصف للحالة اللي الولد بقى عليها، هو إني حسِّيت إني ببُص لجذع شجرة متفحَّم، لونه أسوِد ومِتشَقَّق، في اللحظة دي كان جوايا إحساس غريب، وهو إني كنت مرتاحة للهيئة اللي الطفل اتحوِّل لها.

بدأت أمِد إيدي ناحية وِشُّه، لمَست بشرته بأطراف صوابعي وأنا مبسوطة، بعدها الطفل بدأ يعيَّط، ولما فتح عينيه، لقيتهم زي كاسات الدَّم، لونهم أحمر، حتى النِّن مُش موجود، لكن كل ده اختفى، لما سمعت صوت باب الحمام وهو بيتفتح، وساعتها جوزي خرَج، وبدون ما يروح يمين أو شمال، لقيته جاي على صوت الطفل، ولما لقاني جنبه وهو بيعيَّط، بدأ يبُصِّلي وكأنه بيفكَّر إني عملت فيه حاجة، لكن اللي أنصفني، هو إني كنت قاعدة جنب الطفل بس، لا بلمِسه ولا بقرَّب منه، دا غير إنه مكانش في الهيئة اللي اتحِّول لها، دا كان رجع لشكله الطبيعي، لكن كل ده ما مَنَعش إن جوزي يسألني وكأنّي مُتهمة، ويقولي:

-الولد بيعيَّط ليه يا "فريدة"؟

استنكرت طريقة سؤاله؛ لكني ما اتكلِّمتش، وقولتله:

-يمكِن جعان، أنا هاقوم أجهِّزله الرَّضعة.

روحت ناحية الترابيزة اللي عليها المايَّه والحليب، بدأت أجهِّز رَضعة الولد، ولقيت جوزي بيقولّي:

-أنتي عارفة يا "فريدة" إحنا انتظرنا ابننا "وائل" ده كام سنة؟ أكتر من 10 سنين، قضِّيناهم متابعة مع دكاترة، وتحاليل، والغريبة إن كل الفحوصات أثبتت إن مفيش موانع، لكن مكانش ربنا بيرزقنا، وبعد السنين الطويلة دي كلها، يشاء ربنا إن يجيلنا حتة الطفل ده، عارفة هو غالي عندي قد إيه؟ دا ابني، شايل اسمي، حتة منّي، وأظِن مُش محتاجاني أفكَّرك بالتَّعب اللي تعبتيه في الحمل.

وزي ما استنكرت طريقة سؤاله، استنكرت كلامه، اللي بالمناسبة مكانش أوِّل مرَّة يقوله، دا كان بيكرَّره من وقت للتاني من وقت ما الحكاية دي حصلت، عشان كده قولتله:

-أنا مُش تايهة عن كل ده يا "إيهاب"، وزي ما هو ابنك؛ هو ابني برضو، وغالي عندي زي ما هو غالي عندك.

-من بعد اللي عملتيه بدأت أشُك في كلامك للأسف، مافيش أم تحاول تموِّت ابنها.

حسِّيت إن الدَّم بيغلي في عروقي، وقولتله:

-أنت بقيت عامل زي اللي ماسِك عليَّا ذِلَّة، الدكتور بنفسه قال إن أعصابي كانت تعبانة، ومن بعدها والحياة ماشية ومافيش حاجة حصلت، أنت إيه؟ ما بتزهقش!

كُل واحد مننا له طاقة، وأنا خلاص، طاقتي نفذت بسبب الموضوع ده، مش هاقدر أقول إن السبب في نفاذ طاقتي هو "إيهاب"، لكن الحكاية على بعضها تتعِب الأعصاب، في البداية كانت عندي رغبة أقتل ابني، والمرَّة التانية لما شوفته زي جزع الشجرة المتفحَّم؛ حسِّيت براحة نفسية، ويمكن دَه السبب الرئيسي في إني مش قادرة أتحمِّل.

لمَّا أجازة "إيهاب" خلصِت؛ لقيته بيقولي:

-أختي "روان" جاية تعيش معانا من بُكره، لأني راجع شُغلي، عشان تونِّسِك بدل ما تبقي قاعدة لوحدك.

كُنت عارفة إنها مُش حكاية وَنَس ولا حاجة، وإنه جايبها تُقعد عشان تكون مكانه وهو برَّه، وعينها تبقى عليا، وفي نفس الوقت تبقى أمان للطفل، في حالة يعني إذا اللي أنا عملته اتكرر، كُنت فاهمة دماغه كويس، وهو ماحبِّش يقولي كده بطريقة مباشرة، عشان كده قالي الموضوع بطريقة لطيفة، وعارف إنه فاهماه، ماكنتش في موقف يسمحلي بالاعتراض، أو حتى بإني أجادله، أنا نفسي كنت خايفة من جوايا، الرغبة في قتل ابني اللي بحِس بها دي مخوِّفاني، وتاني يوم، لقيت "روان" جاية من الصبح بدري، ومعاها شنطتها، وبما إنها كانت قعدت عندنا أسبوع من فترة؛ فكانت متعوِّدة تنام في الأوضة الفاضية اللي عندنا، وفعلًا، حطَّت شنطتها فيها بعد ما سلِّمت عليا، ولاحِظت إنها سلِّمت على السريع كده، مُش زي كل مرَّة، كانت زي اللي خايفة مني، في اللحظة دي؛ فهمت إن "إيهاب" حكالها كل حاجة، أصل هي مُش هتخاف كده من الباب للطاق، كُل إنسان بيكون في سبب ورا أي تصرُّف بيعمله.

بعد ما "إيهاب" خرَج وبقينا لوحدنا، لقيتها أخدت الولد ودخلت على أوضتها، وقفلت الباب وراها، وبعدها؛ سمِعت تكِّة المفتاح، عرفت إنها بتأمِّن نفسها منّي، وده اللي خلاني أسأل نفسي سؤال، هو أنا عشان تصرُّف أبقى خَطَر للدرجادي؟!

شوية ولقيت "وائل" بيعيَّط، انتظرت "روان" تفتح باب الأوضة، عشان تطلع تاخد الرَّضعة بتاعته، أصل أكيد بيعيَّط عشان جعان، لكنها ماخرجِتش، والولد لسه بيعيَّط، بل بالعكس، العايط كان بيزيد، لدرجة إن القلق أخدني، وقولت أكيد "روان" راحت في النوم ومُش سامعة الولد، أو يمكن جرالها حاجة، رجلي أخدتني لحد الأوضة، خبَّطت على الباب، ولقيتها بترُد عليا عادي؛ فقولتلها:

-"وائل" بيعيَّط يا "روان".

واتفاجأت إنها بتقولي:

-"وائل" نايم.

استغربت ردَّها عليا، لأن حتى بعد ما قالتلي كده، كنت سامعة عايط الولد، وأنا مُستحيل هكدِّب ودني وأصدَّق كلامها، فضِلت أخبَّط على الباب، وكل ما صوت الولد يعلا، كان خَبطي بيزيد، لحد ما فَتَحِت، وبمجرد ما الباب اتفتح، لقيت الصوت اختفى، رميت عيني ناحية السرير، ولقيت إن "وائل" نايم فعلًا!

رجعت بضهري لورا، وبدأت أحِس إن في حاجة مُش طبيعية في الموضوع، لدرجة إن "روان" بصَّتلي شوية وهي مستغربة، وقالتلي:

-مالك يا "فريدة"؟

قولتلها وأنا ببصّلها شوية، وببُص للولد شوية:

-مَفيش.

وسيبتها ورجعت على الصالة، لكني ما سمعتهاش بتقفل باب الأوضة زي ما كانت قافلاه، بعدها سمعتها بتتكلم في التليفون، وسمعتها بتقول "آلو يا إيهاب"، في الوقت ده عرفت إنها بتحكي لجوزي عن اللي حصل، وفهمت إنه طالب منها تبلَّغه بأي حاجة تحصل.

الوضع بقى مُش مُريح، لا أنا عارفة فيا إيه، ولا قادرة ألاقي تفسير للي بيحصل، لكن التفكير والتساؤلات وقفت عندي فجأة، بمجرَّد ما سمعت صوت "وائل" وهو خارج من أوضتي.

رجلي أخدتني لحد الأوضة، بصِّيت من الباب بدون ما أدخل، واتفاجأت إن "وائل" نايم على السرير وملفوف بالبطانية بتاعته، بصراحة؛ مسألتش هو وصل أوضتي ازاي، ولا "روان" جابته هنا امتى، دخلت أجري عليه، وأوِّل ما حَس بيا جنبه، لقيته بيفتَّح عينيه وبيبُصِّلي، كان بيضحك، لكن سمعت صوت "روان" في الصالة، كانت بتنده عليا، خرجت أشوفها عايزة إيه، وبالمرة أسألها هي ليه جابت "وائل" في أوضتي، ولما وصلتلها قالتلي:

-تعالي كده شوفي حرارة "وائل".

وقفت مصدومة من كلامها، حتى هي لاحظة إني متنَّحَة؛ فقالتلي:

-بتبُصِّيلي كده ليه يا "فريدة"؟ بقولك تعالي شوفي حرارة الولد.

-ولد مين اللي أشوف حرارته؟!

-هيكون مين يعني، "وائل" ابنك.

-فين "وائل"؟

-ما أنتي عارفة إنه عندي في الأوضة.

كانت بتتكلِّم بكل ثقة، وأنا كمان كنت واثقة إني شايفة ابني في أوضتي، لكن قرَّرت أروح معاها، دخلت أوضتها، واتفاجأت إن "وائل" عندها فعلًا، بالرغم من إني لسَّه سايباه في أوضتي من ثواني بس، نسيت الكلام اللي قالته، وإن الولد حرارته عالية، ورجعت أجري على أوضتي، عشان ألاقي اللي على سريري مُش "وائل"، دي حاجة عاملة زي الدُّمية، كانت على نفس شكل ابني، لكن زي ما تكون متفحَّمة، حسِّيت إني دخلت في نوبة انهيار تاني، بدأت أصرُخ، صرختي كانت مُرعبة، لدرجة إن "روان" جَت على صرختي، ووقفت على باب الأوضة، لكنها خافت تدخل عندي.

في اللحظة دي كان "إيهاب" رِجع من الشغل، ودخل يجري على الصوت، أوِّل ما قرَّب منّي مسِكني من إيدي، لأني كنت هَقع في الأرض، لكن كل اللي كان على لسانه إنه يقولي:

-مالِك يا "فريدة" إيه اللي حصل؟

على قد ما أقدر، استجمعت أعصابي، غمَّضت عيني؛ لأني ماكنتش قادرة أشوف المنظر، وشاورت على السرير وأنا بقوله:

-"وائل"، ابننا يا "إيهاب".

-ماله ابننا، حصل إيه؟!

-ماهو قدامك على السرير أهو، ابننا ميِّت.

حسيت بإيده اللي مسكاني ارتعشت من الكلام، لكنه كان بيبُص على السرير وبيقولي:

-فين ابننا اللي على السرير؟ السرير فاضي يا "فريدة"!

فتحت عيني، ولقيت السرير فاضي فعلًا، تقريبًا دي كانت اللحظة الفاصلة، اللي اتأكدت فيها إن المُشكلة فيا أنا، لأني بشوف حاجات مُش موجودة، وبتخليني أعمل تصرُّفات غريبة وغير متوقَّعة، وكانت نتيجتها، إن بقى في حارس على ابني، عشان يأمِّنُه من أمه، اللي هي أنا.

***

مكانش في كلام يتقال، الكًل كان ساكِت، قعدت في أوضتي وسيبت الباب مفتوح، وكان "إيهاب" قاعد في الصالة، من غير ما يبدِّل هدوم الشُّغل، أما "روان"؛ فكانت رايحة جاية ما بين أوضتها والصالة، وكان "وائل" على إيدها، الليل دَخل، ولقيت "إيهاب" داخل الأوضة، كان باين عليه الإرهاق جدًا، افتكرت إنه هينام، لكن لقيته بيقعد جنبي، بصِّلي شوية وبعدها قالّي:

-انتي كويسة؟

استغربت إنه بيسأل عن حالي، لكن على أي حال جاوبته وقولتله:

-كويسة.

-عارف إن نفسيِّتِك تعبانة، بس أنا خايف على "وائل".

-أنا عُمري ما هأذي ابني يا "إيهاب"، كانت مرَّة، وماكنتش قادرة أتحكِّم في نفسي.

-لكن المرَّة دي مُمكن تتكرَّر تاني، وساعتها ممكن يحصل فيها حاجة انتي نفسك مُش هاتتمني إنها تحصل.

-قصدك إيه؟

-قصدي إن الحكاية دي لو اتكررت في غيابي مثلًا، هرجع ألاقيكي مرتكبة جريمة قتل، وساعتها هبقى خسرت ابني وخسرتك.

-في حاجة غريبة أنا مُش فاهماها.

-طيِّب ما تقوليلي إيه الحاجة الغريبة.

-هاقول إيه بس، ما أنت عارف كل حاجة، والنهاردة لما كنت بصرُخ وبشاور على السرير، كان "وائل" موجود، لكن لقيته اتحوِّل لحاجة غريبة، بقى زي الدُّمية الخشب اللي متفحَّمَة، ده اللي خلاني أصرُخ.

-بَس مكانش في حاجة من اللي بتقولي عليها.

-ماهو ده اللي هيجنني، عارف إيه اللي تاعبني، هو إني لما شوفت ابننا زي الدُّمية المفتحَّمة؛ حسِّيت براحة، وكنت عاوزة أفضل شيفاه في الهيئة دي علطول.

-عرفتي بقى إن عندي حق، الراحة اللي شوفتيها دي وابننا متفحَّم زي ما بتقولي؛ هي نفسها الرغبة اللي جتلك ودَفَعِتك تقتليه، حتى لو الرغبة دي كانت حصلت لمرَّة واحدة، الراحة اللي حسِّيتي بها وأنتي شايفة ابننا بالشكل ده؛ دليل على إن الرغبة لسه موجودة، وده ممكن يخليكي تكرَّري اللي حصل قبل كده، حتى لو مُش بإرادتك.

-والعمل؟

-أنا مُش عارف نعمل إيه، حتى لو روحنا للدكتور، هو من نفسه قال: إن دي حالة طارئة وهتعدِّي، لكن اللي شايفة قدامي إنها مطوِّلة.

كُنا لسَّة في نُص كلامنا، وسمعنا "روان" بتصرُخ، خرجنا نجري من الأوضة، ولما روحنا أوضتها، لقيناها واقفة وبتبرَّق للسرير، أنا كمان كنت في نفس حالتها، لكن ماكنتش بنطق، وده لأني شوفت وعرفت إيه اللي خلَّى "روان" في الحالة دي.

باختصار، "روان" كانت شايفة الدُّمية المتفحَّمَة اللي شبه "وائل"، وكانت جنبه على السرير، واللي لما جت توصفها، قالت عنها "الدمية المحروقة"، واللي من الواضح برضو إنها ظهرتلها فجأة، عشان كده صرخت، وفعلًا؛ لما "إيهاب" سألها عن سبب الحالة اللي هي فيها، شاورت على السرير؛ وقالتله نفس الكلام اللي أنا شايفاه، إنما أنا؛ فكنت قاصدة إني أسكت، وأخلي الكلام ييجي من "روان"، عشان أثبِت اللي بشوفه، لأني مُش قادرة أثبِته بدون دليل، ودلوقت الدليل بيحصل قدام عيني.

لما "إيهاب" شاف التطابق بين كلامي وكلام أخته، بقى يبُصِّلنا إحنا الاتنين، وكأنه بيقول إنها عدوَى وانتشرت في البيت، لدرجة إنه صرخ فينا إحنا الاتنين وقالِّنا:

-أنتوا ناويين تجننوني؟ فين ده الطفل المحروق اللي جنب ابني؟!

كان دليل قوي إن "إيهاب" مُش شايف اللي إحنا شوفناه، بس اللي كنت مستغرباه، هو ليه "روان" شافت اللي أنا بشوفه؟!

الموضوع اتقفل لحد كده؛ لدرجة إن فات كام يوم بدون ما في حاجة تحصل، ولدرجة إن أنا نفسي بدأت أنسى الحكاية، وفي ليلة، كنا قاعدين احنا التلاتة، ولقيت "روان" بتقولنا إنها هاتمشي الصُّبح، لكن احنا اتمسِّكنا بإنها تفضَل قاعدة، بما إن الدُّنيا بقت تمام، قولنالها تقعد معانا كام يوم والدُّنيا مُستقرَّة، وهي محبَّتش تكسَّر كلامنا، قالتلنا هاتقعد اليومين، الوقت فات وإحنا بنهزَّر، وكان "إيهاب" بيحكي عن طفولته، وإن هو اللي ربَّى "روان" بعد أبوه الله يرحمه، وفضِل يحكي عن مواقف مُضحكة ليها وهي طفلة، لحد ما قالِّنا:

-الوقت اتأخَّر، هادخل أنام عشان الشُّغل.

وسابنا ودخل على الأوضة، وبالمناسبة، ده اليوم الأول، اللي كنت قاعدة فيه و "وائل" على إيدي، محدِّش منهم حاول ياخده منّي، كنت مبسوطة جدًا من الحكاية دي، ومفاتش وقت كتير، كنا قاعدين بنتكلِّم، ولقينا "إيهاب" بيصرخ في الأوضة، صرخته كانت صعبة؛ لدرجة إن "وائل" اتفزع من النوم، دخلنا نجري على الأوضة، لقيناه واقف في الضلمة، وبيشاور على السرير لما شافنا، لكن بدون ما ينطق.

في الضلمة؛ السرير مكانش باين أوي، ولا الحاجة اللي "إيهاب" بيشاور عليها، لكن عرفت إن الدُّمية المتفحَّمة أو المحروقة موجودة على السرير، لأن النُقطتين الحُمر اللي ظاهرين دول، هُما نفس لون عينين الدُّمية؛ لما شوفتها وهي مفتوحة قبل كده!

قلِّبت عيني ما بينهم، الذهول كان على وش "إيهاب"، أما "روان"؛ فكانت واقفة إيدها على بوقها، وكانت حالتها أصعب من حالة أخوها.

لمَّا النُقطتين الحُمر اختفوا، مدِّيت إيدي وفتحت نور الأوضة، السرير كان فاضي، لكن كان في أثر على الملاية، لون أسود، نفس اللون اللي بيسيبه الفَحم على إيد اللي بيمسكه، الحياة اتقلبت تاني، الحكاية بتتعاد، الدوَّامة بتكبر وبتبلَعنا كلنا، ودلوقت "إيهاب" دخل جوَّه الدايرة.

فضِلنا صاحيين طول الليل، كل واحد فينا كان قاعد على كرسي، مافيش حد كان بيكلِّم التاني، وكأننا أغراب ما نعرفش بعض، لكن كنت حاسَّة إحساس غريب، وماعرفش إن كان حد فيهم حاسس باللي أنا حسَّاه ولا لأ، وهو إن كان في أنفاس بتخبط في رقبتي، كانت زي الصَّهد، لدرجة إني من وقت للتاني كنت بلتِفت ورايا، وماكنتش بلاقي حاجة، لكن حسِّيت بالصَّهد زاد فجأة، ومعاه سمعت صوت غليط بيقولّي:

-اقتليه!

قومت مفزوعة من مكاني، وفي وسط الصمت اللي كنا فيه؛ صرخت وقولت:

-لأ، مُستحيل أعمل كده.

استغربوا رد فعلي، ولما سألوني عن سبب كلامي قولتلهم:

-في صوت غريب بيطلب منّي أقتله.

ساعتها "إيهاب" بصِّلي وقالي:

-تقتلي مين؟!

-مُش عارفة، لكن جوايا إحساس إن "وائل" هو المقصود.

الخوف كان على ملامح كل واحد فينا، لكن السكوت كان هو المُسيطر برضو، الوقت فات والنهار قرَّب يطلع، ولقيت "إيهاب" اللي كان شايل "وائل" على إيده، بيقوم وبيعطي الطفل لأخته، عشان يروح الحمَّام، وبعد ثواني؛ لقيناه بيصرخ جوَّه.

باب الحمَّام اتفتح فجأة، ولقيناه خارج مفزوع، مكانش قادر يجيب النَّفَس، لكن مع الوقت، لقيناه بيتكلَّم من نفسه، وهو بيبُص ناحية الحمَّام وبيقول:

-في حاجة مُش مظبوطة بتحصل، في كيان مُخيف جوَّه؛ ظهرلي من ورا ستارة الشاور، ومَد إيده ناحيتي بحاجة كده زي ما تكون طفل محروق.

الحكاية بتتعقَّد، لكن لما اتكلِّمنا، لقينا "إيهاب" دماغه رايحة لحتة ما فكَّرتش فيها، لما قال:

-إحنا لازِم نشوف شيخ ضروري، الحكاية دي ما يتسكِتش عليها أبدًا.

لحُسن الحظ، إن "إيهاب" معاه زميل في الشُّغل، بيشتغل في الرَّقية الشرعية والعلاج الروحاني، وتاني يوم اتصل بيا قبل ما يرجع البيت، وقالي:

-أنا جاي ومعايا زميلي، الشيخ "معاذ"، أنا حكيتله على كل حاجة، إحنا في الطريق.

كنت أنا و "روان" مستعدين لوصول الشيخ اللي مع "إيهاب"، ولما وصلوا، بدأ الشيخ يلِف في الشَّقة، وهو بيقرأ قرآن بصوت مُنخفض، دا غير إنه كان أوقات صوته بيختفي تمامًا، لكن كنت بلمح شفايفه بتتحرَّك، عرفت وقتها إنه بيتعمَّد يقول حاجات معينة ومش عاوزنا نسمعها، ولما قَعَد، لقيت "إيهاب" بيقولُّه:

-طمِّني يا شيخ "معاذ"، الشَّقة فيها إيه؟

-الشقة مافيهاش حاجة، المُشكلة فيك أنت ومراتك.

الكلام خلاني أخاف، لكن كنت ساكتة طالما "إيهاب" بيتكلم وقاله:

-فيا أنا ومراتي ازاي؟!

-طول ما أنت عايش مع مراتك، والحكاية هتفضل مُستمرة، بل وهتزيد كمان.

-يعني إيه؟

-في جِن عاشق مع مراتك.

-أنت بتهزر يا شيخ "معاذ"؟ إحنا متجوزين من سنين طويلة، وملاحظناش حاجة من دي، وبعدين أنا وهي عايشين عادي، دا غير كمان إني أعرف عن الجن العاشق، إنه بيضُر الزوج زي ما بيضُر الزوجة.

-اللي بتقوله صحيح، وأنت بدأت تدخل دايرة الضَّرر أهو، اللي حصل معاك في الحمَّام كانت بداية.

-والحكاية دي بقى من امتى، هو الجِن لسَّه عاشقها امبارح يعني؟

-بالعكس، من قبل ما تتجوِّزك، بس الناس فاهمة حكاية الجِن العاشق غلط.

-فهِّمني أنت الصح.

-كل قبلية جِن وليها قواعدها، زي ما بنقول إحنا: كل شيخ وله طريقة، في جِن يعشق إنسيَّة، ومايسمحش لأي حد يقرَّب منها، يعني يطفِّش أي عريس يدخل البيت، وفي جِن تاني يسيب اللي بيعشقها تتجوِّز عادي، لكنه بيربُط على الرَّحِم بتاعها، يعني ما يحصلش حَمل، وده اللي حصل معاكم، أنتوا مش فضلتم 10 سنين من غير ذرِّية؟

-أمر الله، بس في الآخر ربنا رزقنا.

-بالظبط، إرادة ربنا نفذت، وقال للشيء كُن فيكون، في الحالة اللي زي دي، لو حصل حمل، الجِن بيقتل الجنين في بطن أمه، بتِسقَط يعني، إنما الحَمل كمل واتولد وبقى طفل، وهو مُش قادر يقرَّب منه، لأن الجِن مايقدرش يأذي طفل، فبدأ يحرَّض على إن حد منكم يقتله، الدُّمية المحروقة دي، إشارة لموت الطفل سواء جنين أو حديث الولادة، والموضوع لو ما اتحلِّش، حد فيكم ممكن يقتل الطفل وهو مُش في وعيه.

بلعنا ريقنا في نفس الوقت، رجلي مكانتش شيلاني من الخوف، وقعت في الأرض، ولما "إيهاب" حاول ياخد إيدي عشان أقوم، الشيخ طلب منّه يسيبني، دا غير إنه طلب منُّه يقعد جنبي على الأرض، وبعدها قالُّه:

-مراتك لما حاولت تقتل الطفل، مكانتش هي اللي عايزة كده، كان هوَّ، الدكتور اللي جبتهولها مُش هيعمل حاجة، لأن الحكاية أصلها من تحت الأرض، لكن العلاج مضمون بإذن الله.

لما "إيهاب" قعد جنبي في الأرض، الشيخ بدأ يقرأ علينا إحنا الاتنين، جسمي كان بيتنفض، زي ما يكون حد بيشيله ويرزعه في الأرض، أما جوزي، فكان بيعمل صوت غريب، ماكنتش عارفة الصوت عبارة عن إيه بالظبط، ولا عشان كنت في الحالة الصعبة دي، ماكنتش سامعة كويس.

لما الشيخ خلَّص قراءة قالنا:

-الدنيا مليانة عجائب وغرائب ياما، ولو مش مصدقين، أهي الحكاية بتحصل معاكم عشان تصدَّقوا، الجِن انصرف، لكن عشان مايرجعش تاني، لازم تحصَّنوا نفسكم، في زيت اسمه خلطة العصفر، أو الزعفران، بييجي من العطار، بداية من الليلة، هتبدأوا تدهنوا جسمكم كله بالزيت، ولمدة 40 ليلة، وإن شاء الله، الحكاية دي هاتنتهي، والتحصين أهم من جلسة العلاج اللي حصلت دي.

***

كانت أغرب حاجة حصلت معايا، أو معانا عمومًا، دلوقت بس، عرفت ليه الحَمل اتأخَّر كل السنين اللي فاتت دي، برغم إن مكانش في موانع، وعرفت سبب التَّعب الشديد والغير عادي اللي كان بيجيلي وأنا حامل، أكيد كانت محاولات الجِن عشان يسقَّط الجنين، زي ما الشيخ بيقول، لكن اتعلِّمت حاجة مهمة جدًا، إن إرادة ربنا بتكون فوق إرادة أي كائن مهما كان، لأننا دلوقت عايشين كويسين جدًا، بعد ما نفِّذنا تعليمات الشيخ لمدة 40 ليلة.

تمَّت...

التعليقات علي الموضوع
تعليق واحد حتي الآن
المتواجدون حالياً

2373 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع