اللي ميعرفش يعني إيه كلمة "ألب"؛ فأحب أقول له إنها باللاتيني معناها الأبيض، على شان كده اسمها سلسلة جبال الألب، لأن الجليد بيغطي معظمها.

كنت في سويسرا زيارة، جولة سياحية كده، أصل متعوِّد إن كل سنة أطلع دولة أوروبية، وطالما في جبال وجليد، أول حاجة لازم تفكر فيها هي التزلج، قولت أجرب حاجة جديدة، كلمت الفندق اللي كنت فيه، واللي بالمناسبة كان بينظم فعاليات تزلج؛ بحكم إنه قريب من الجبال، طلبت منه يحجز لي فقرة مع مدرب تزلج، وبعدها بنص ساعة كلموني، وبلغوني إن الموضوع تم والدنيا زي الفل.

الميعاد كان تاني يوم بعد المغرب، في البداية كنت مستغرب إزاي ممكن ناس تمارس التزلج برغم إن الليل قرب يدخل، بس لما روحت معاهم، لقيت إن ممر التزلج اللي نازل من الجبل، عليه كشافات إضاءة وتجهيزات، بحيث إن يكون في إمكانية لممارسة التزلج في أي وقت، لأن الرياضة دي في الأول والآخر لها جدوى اقتصادية، ويهمهم إنها تشتغل ٢٤ ساعة.

طلعت مع المدرب لقمة الجبل في عربات جليد، اللي هي شبه موتوسيكل البحر دي، كنا ٣ أشخاص، ولما طلعنا استلمنا أدوات التزلج، وكان دوري الأخير، ولما جه عليا الدور، أخدت تعليمات من المدرب، واللي كان من أهمها إني مبعدش عن مسار التزلج، على شان ما أتوهش في الجبل، وإن المسافة كلها حوالي كيلو وشوية، بعدها هلاقي المساعد بتاعه منتظرني تحت.

الموضوع كان بسيط، وبرغم إنه كان أول مرة بالنسبة ليا، لكن اكتشفت إن شوية حفظ توازن كفاية على شان الدنيا تكون تمام، بس في نص المسافة كشافات النور انطفت.

معرفش إزاي توازني اختل، يمكن لأن الدنيا وقتها بقت كحل، الليل كان دخل خلاص، وقعت في الجليد وأنا مش شايف أي حاجة، حاولت أستوعب اللي بيحصل، بدأت ألمس المكان من حواليا، واتفاجأت إن إيدي لمست حاجة سخنة، استغربت إزاي في حاجة ملمسها سخن؛ رغم إن التلج مغطي كل حاجة.

أول مرة كنت أحس بالفزع ده، مش من الوقعة ولا الضلمة؛ لأ، بس لأني سمعت حد بيكلمني بلهجة مصرية وبيسألني:

_مصري؟

رديت بلسان مهزوز وقولت:

_مصري، مين اللي بيتكلم؟

_المفروض أنا اللي أسألك أنت مين، أنت اللي اقتحمت أرضي.

_أنا مقتحمتش أرض حد، كل الحكاية إني بجرب التزلج، حاجة جديدة كان نفسي أعملها، وده مسار تزلج، بيستخدمه ملايين غيري.

_أنت صح، بس بيستخدموه في النور، لكن في الضلمة عالمنا هو اللي بيكون مسيطر هنا، وبنكون موجودين.

_مين اللي موجودين، أنت مين؟

_كل ده ولسه مفهمتش؟ أنا جِني.

بلعت ريقي من الخوف وقولت له:

_جِن إيه ده اللي في الجليد، الجِن مكانه في الأماكن المهجورة والجبال والبحار، والخرابات والحمامات.

_والمكان اللي أنت فيه ده إيه؟ مش جبل من الجبال؟

_بس جليد، والجِن مخلوق من نار، إيه اللي جاب الشامي للمغربي.

_أنت مخلوق من طين، بس جسمك لحم ودم، إحنا مخلوقين من نار، بس مش معنى كده إننا عبارة عن شعلات نار ماشية على الأرض، لنا أجسامنا عادي، ونقدر نعيش في أي مكان، المهم إنه يكون من الأماكن اللي اتسمح لنا نعيش فيها، مش هتفرق بقى جليد أو صحرا.

_يعني كان لازم الكشافات تفصل، والضلمة تحِل، وتظهر لي سيادتك.

_مش أنا اللي ظهرت لك، أنت اللي اقتحمت العالم بتاعي، ماهو قولت لك؛ لما الكشافات بتفصل عالمنا بيظهر؛ وبيسيطر، لأن دي من الأراضي اللي عايشين فيها، اللي بيفصل بينا وبينكم النور والضلمة بس؛ أنت اللي حظك كده، مصري بقى، البركة محاوطاك فين ما تروح.

الكشافات اشتغلت فجأة، النور رجع في المسار، لقيت نفسي واقع في التلج، بصيت حواليا مشوفتش أي حاجة، بدأت ألمس المكان من حواليا، يمكن ألاقي الملمس السخن اللي لقيته قبل كده، بس كل شيء كان بارد.

حسيت بحد موجود ورايا، ولما بصيت لقيته المدرب، كان نزل يدور عليا لما الكشافات فصلت، ولما لقاني اعتذر ليا وقال لي:

_إحنا آسفين جدًا، عطل بيحصل لأول مرة.

مكنش قدامي غير إني أقبل أسفه، لأني وقتها اقتنعت بكلام الجني اللي كلمني، وعرفت إنه حظي كده، وبما إني كنت آخر واحد في التزلج، المدرب كمّل معايا المسار لحد تحت، بس بعد ما نويت إني مش هدخل أي جبل تاني بالليل، حتى لو في كشافات ضعف اللي موجدة دي، وهنا مش بقصد جبل جليد بس، لأ، أنا بقصد أي جبل عمومًا.

تمت...