هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة محمد شحاتة
  3. مالطا الجِن 

من كام يوم وأنا رايح جاي على الطريق، بشوفها أنقاض من بعيد، أطلال ومباني مهجورة، أغلبها مهدوم، معرفش إن كانت اتهدمِت مع الزمن، ولا اتهدمت بفعل فاعل، لكن كل اللي أعرفه؛ هو إن في جوايا إحساس بإن في سِر ورا المكان ده.

 

إحساسي مكانش من فراغ، لكن أنا مؤمن دايمًا إن الأنقاض تحتها حكايات، ومدفون فيها أسرار؛ لو عرفناها أقل شيء هيحصل لنا هو إننا نندهش، فما بالكم بمنطقة في الصحرا، أي حد بيشوفها وهو ماشي على الطريق، يمكن من كتر ما الناس بتعدِّي عليها، مشهدها بقى معتاد عندهم، والعين لما تعتاد على حاجة؛ صاحبها بيبطّل يسأل عنها، لأن الاعتياد بيقتل الفضول اللي جوانا.

 

لكن أنا حاجة تانية خالص، عيني كل ما كانت بتعتاد على المكان، فضولي ناحيته كان بيزيد، وبسأل نفسي أسئلة كتيرة، ياترى المكان ده كان قرية، ولا مدينة كبيرة وده اللي باقي منها؟

 

السؤال كان بيكرر نفسه في دماغي كل ما بفوت عليها، بس مكنتش لاقي حد يعطيني إجابة، وبما إني جديد على الخط، مكنتش عارف أسأل مين، أنا معرفش حد في أي قرية أو مكان قريب من المكان المهجور ده، دا غير إني ممنوع أقف في أي مكان أو استراحة، شحنات الفاكهة اللي معايا لازم توصل في أسرع وقت، أصل الفاكهة روحها قصيرة والحر ممكن يهلكها، وكان لازم أوصل بالبراد في أقصر وقت، دا غير التعليمات اللي بسمعها من المشرف كل يوم وأنا بستلم الشحنة، ممنوع الوقوف على الطريق يا "فريد"، الفاكهة لازم توصل بسرعة عشان أي توالف ناتجة عن التأخير أنت اللي هتشيلها، ولما تسلّم ترجع على طول، على شان البراد يلحق يتحمّل بالشحنة اللي بعدها، وده اللي كان بيخليني آخد الخمس ساعات سواقة بدون توقّف، رايح جاي، أسلِّم وأرجع على شان أستلم، ساقية ودايرة والتّور مبيقولش لأ، ويمكن ده السبب اللي كان بيمنعني أقف في أقرب مكان فيه استراحة، وأسأل أي حد عن المنطقة دي.

 

لحد ما في يوم جالي تليفون وأنا على الطريق، كنت رايح أسلِّم شحنة، ساعتها المشرف كلمني؛ وبلغني إن تحميل بكره اتأجل، وده معناه حاجة واحدة بس، وهو إني مش مطلوب مني أرجع بسرعة، بالعكس، الوقت كان مفتوح معايا.

 

فرصة وجت لحد عندي؛ نزلت الشحنة اللي معايا وركبت الطريق، الليل كان بدأ يدخل، كنت قرَّبت على الاستراحة اللي قبل المنطقة المهجورة، في الوقت ده بدأت أهدّي سرعتي، على شان متفوتنيش دخلة الاستراحة، ولما لمحت الدَّخلة هدّيت على الآخر ودخلت، وقَّفت البراد في مكان فاضي قدام الاستراحة، ونزلت وقفلت الباب ورايا، واتأكِّدت إن الباب مقفول كويس، مهما كان أنا أول مرة أقف هنا، يعني المكان بالنسبة ليا مش مضمون، معرفش حد هنا ولا حد يعرفني، ولا أعرف ممكن حد يحاول يركب البراد ويمشي ولا لأ، وأروح أنا في أبو كازوزة.

 

دخلت الاستراحة وقعدت على ترابيزة، اخترتها بحيث إن البراد يكون قدام عيني، ومفيش ثواني ولقيت شاب داخل عليا وبيقول لي:

_أؤمرني يا باشا، تشرب إيه؟

_قهوة سكر زيادة.

_من عينيا.

_تسلم عينيك.

_حالًا؛ أحلى كوباية قهوة في استراحة ميمون كلها.

 

كان شيء لطيف إني أعرف اسم الأستراحة بالصدفة، أصل لا كان في اسم مكتوب ولا يافطة متعلقة، قعدت أنتظر القهوة، ولعت سيجارة وسحبت منها كذا نفس ورا بعض، دماغي كانت خرمانة على الآخر، واكتشفت إن معدش في العلبة غير سيجارة واحدة، قولت أكيد بيبيعوا هنا في الاستراحة.

 

انتظرت لما الشاب جاب كوباية القهوة وسألته:

_عندكوا سجاير إيه؟

 

حط كوباية القهوة وقال لي:

_للأسف مش بنبيع سجاير هنا، مشروبات وبس، الحاج صاحب الاستراحة بيقول إنها حرام، لكن تقدر تشتري من الاستراحة الجاية في طريقك، أول استراحة بعد مالطا الجِن على طول.

 

كلامه لفت انتباهي؛ فسألته:

_تقصد إيه بِمالطا الجِن؟

_المنطقة المهجورة اللي في الصحرا؛ بعدنا على طول، أكيد أخدت بالك منها وأنت على الطريق.

 

كان طرف خيط مهم، قولت أكيد ده اللي هيجاوب على كل الأسئلة اللي في دماغي، على شان كده سألته:

_أنت تعرف حاجة عن المنطقة دي؟

_إلا أعرف، أنا عارف حكايتها من الألف للياء، وكل الناس هنا تعرفها.

_طيب ما تحكيها لي، أصل رايح جاي عليها من كام يوم، ومستغرب أمرها، ودي أول مرة أركن على الطريق، فرصة أعرف الحكاية طالما أنت عندك المعلومة.

_هو في حد ميعرفش حكاية مالطا الجِن؟ 

_أنا مش عارفها، لسه جديد على الخط، ومن محافظة بعيدة عن هنا، يادوب بودّي شحنة فاكهة وأرجع على شان الشحنة اللي بعدها، منكم بقى نستفيد يا...

 

سألته عن اسمه، لأن برغم كل الرغي ده؛ مكنتش أعرف اسمه إيه، لكن عرفت لما قال لي:

_محسوبك "سيد".

 

وبدأ يحكي لي:

_الجيل اللي قبل جيلنا، أقصد يعني أبهاتنا وأمهاتنا، اتولدوا وكبروا؛ لقوا المنطقة دي كده، بيوت مهجورة ومهدومة، وكان في كلام بيتقال إنها كانت قرية الجِن أهلكها، لأن كان فيها واحد غني، عنده أراضي ومواشي، والفلاحين كانوا بيشتغلوا عنده، الراجل ده كان قادر، عنده استعداد يعمل أي حاجة مقابل الفلوس، أكل حق اللي بيشتغلوا تلاقي، يحط إيده على أرض بالقوة وياخدها، بلاوي متلتلة، واللي زاد وغطّى، إنهم بيقولوا كان له في السِّحر والكُفر ده والعياذ بالله، لكن كل ظلم له نهاية، الفلاحين فاض بيهم، هاجوا وثاروا واتجمعوا قدام القصر بتاعه، وكانوا عايزين يدخلوا القصر بالقوة وياخدوا الحاجة اللي فيه، مقابل حقهم اللي بلعه في بطنه، بس الرجالة بتاعته ضربوا نار في الهوا، والفلاحين خافوا وهربوا، لكن هو قرر يزيد في ظلمه، سخَّر الجِن على شان ينتقم من الفلاحين، ويسيطر عليهم ويخليهم زي الخاتم في صباعه، لكن مش دايمًا اللي بيحضر العفريت بيعرف يصرفه، الجِن اللي اتسخَّر محدش قدر يسيطر عليه، حتى اللي سخَّره، بدأت حالات الوفاة الغامضة تنتشر، والناس بدأت تقول طاعون، ماهو محدش كان يعرف بحكاية الجِن دي، ناس ماتت وناس هربت، لكن النار لما بتولع؛ مش بتفرق ما بين اللي ولَّعها واللي مقصود يتحرق بيها، الجِن خرج عن السيطرة تمامًا؛ لدرجة إنه قتل الشخص اللي سخَّره، شوفت حكمة ربنا، اتقتل بسبب الجِن اللي سخَّره على شان يسلطه على الناس، داق من نفس اللي الناس داقته، في كلام بيقول إن اللي كانوا معاه؛ شافوا الجِن وهو بيقتله، الحيطة اللي كانت وراه بدأت تتشكّل على وجه شيء مخيف، لحد ما بقى لها عيون مخيفة وبوق له أنياب، وساعتها بلعته، الناس اللي شافت المنظر ده هربت، وقالت عن اللي شافته، والناس كلها عرفت السِر، وإن اللي بيحصل بسبب الجِن مش طاعون وبيحصد أرواح الناس ولا حاجة.

 

كنت مستغرب الحكاية، خصوصًا لما سمعت إن الطمع ممكن يعمي الناس للدرجة دي، على شان كده قولت له:

_والحكاية خلصت بعد ما الشخص ده مات؟

_حالات الوفاة الغامضة استمرت زي ماهي، بس الناس كانت عرفت السبب، على شان كده كانوا بيهربوا من المكان، خصوصًا لما محدش عرف يصرف الجِن، كل اللي حاول اتأذى ومات، وباقي الناس سابت القرية سداح مداح للجِن، ماهو محدش هيقدر يواجه جِن خارج عن السيطرة، ومن وقتها والقرية زي ما أنت شايف، الأراضي اللي فيها بارت، ومن وقت للتاني تلاقي بيت وقع منه جزء بدون سبب، أو وقع بالكامل، ناس تقول السبب إن المباني قديمة، وناس تقول الجِن مش لاقي حد ينتقم منه في القرية؛ فبينتقم من البيوت اللي فيها لأنه غضبان، لحد ما القرية خربِت، وبقوا يقولوا عليها مالطا، وعلى شان السبب هو الجِن، بقى اسمها مالطا الجِن.

 

على ما عرفت الحكاية، كنت شربت قهوتي، وبعدها شكرت "سيد" وحاسبته، وسيبت له تيبس كمان، وأخدت البراد ومشيت.

 

الليل كان سيطر على الطريق، دي المرة الأولى اللي أتأخر فيها، والوقت يتأخر عليا بدون ما أتجاوز القرية المهجورة، أو مالطا الجِن زي ما عرفت اسمها، معرفش ليه بعد ما عرفت الحكاية، قلبي كان مقبوض وأنا فايت عليها، فتحت الكشافات الكبيرة، محاولة على شان أكسر الخوف اللي جوايا، لكن وأنا فايت؛ لمحت حاجة غريبة، مكان كان فيه أنقاض بيت كبير مهدوم، الأنقاض مكانتش موجودة، دا البيت نفسه كان موجود، زي ما يكون في شيء خلى كل ذرة تراب ترجع في مكانها، والبيت يتكون من تاني، البيت كان واخد شكل قصر، أي نعم كان قديم لكنه كان واقف على حيله، معرفش إيه اللي خلاني أهدّي سرعتي، تقريبًا ده القصر اللي "سيد" بتاع استراحة ميمون كان بيقول عليه، بدأت أسأل نفسي هو أنا إزاي شايفه قدامي كده، حتى لو كان ظاهر في شكل قديم، المفروض إنه أنقاض، شوية حجارة وتراب.

 

وقفت على الطريق، وبصيت عليه من شباك البراد، لكن فجأة حسيت ملامح البيت بتتغير، الحيطان زي ما تكون بتتشكّل وبتكوّن شيء غريب، مع الوقت حسيت إن القمر بيقرب من القصر القديم، وفي سحاب بيتكوّن في السما فوق مكان معين من القصر، وساعتها المكان ده اتحول لوجه مخيف، وجه ضخم عيونه لونها أبيض وممسوحة، بيصرخ وأسنانه ظاهرة حادّة وفيها أنياب، جسمي اتنفض وقلبي كان هينفجر من الخوف، ضغطت البنزين بكل قوتي، كانت جوايا رغبة إني أهرب من المكان، البراد اتحرَّك بسرعة، والقصر كان باين في المراية وظاهر منه وجه الشيء المخيف ده، لكنه فجأة انهار ونزل في الأرض، ورجع أنقاض من تاني.

 

مكنتش مستوعب؛ أول مرَّة أعدّي بحاجة زي دي، يمكن كلام "سيد" خلاني أتهيَّأ كل ده، الكلام أحيانًا بيكون زي السحر، بيخلي جواك هواجس تخليك تشوف اللي ميتشافش.

 

حاولت أتخلص من خوفي وأنسى، قاومت الصداع اللي مسك راسي، لحد ما وصلت أول استراحة بعد مالطا الجِن، افتكرت إن "سيد" قال بتبيع سجاير، ركنت البراد ونزلت قعدت، اشتريت علبة سجاير وطلبت قهوة، على شان أقدر أكمل الطريق، وساعتها شاب سنه صغير جاب لي القهوة، لاحظ إني مغمَّض عينيا ومش منتبه فقال لي:

_حضرتك تعبان؟ 

 

فتحت عيني ولقيت كوباية القهوة قدامي، وقولت له:

_مصدع شوية من الطريق، شكرًا على القهوة.

_تحت أمرك، في وحدة صحية قريبة لو تعبان تقدر تروح.

 

شكرته للمرة التانية وقولت له:

_هبقى كويس، الطريق بالليل يعمل أكتر من كده.

 

بدأ يبُص حواليه وبعدها قال لي:

_قصد حضرتك إيه؟ أنت جاي من على مالطا الجِن دلوقت صح؟

أخدت نفس طويل وقولت له:

_أيون.

_مفيش حد بيعدي عليها بالليل غير لما بيدوس بنزين على الآخر، أصل لو حد هدّى أو ركن هناك، بيظهر له الجِن اللي ساكن فيها، الله يكون في عون اللي عربيته تعطل هناك بالليل.

 

بعدها سابني ومشي، وساعتها شربت قهوتي وطفيت اللي باقي من السيجارة، حسيت إني محتاج أبعد عن المكان، مكنتش متخيل إني شوفت الجِن فعلًا، وشوفت قصر الشخص اللي ارتكب الجريمة البشعة دي، واللي المكان لحد النهاردة لسه بيعاني منها.

 

بيني وبينكم، لما "سيد" حكى لي الحكاية، افتكرته بيجوِّد عليا، أي نعم خوفت، لكن الخوف اللي حسيته وقتها، ميجيش واحد على الشمال من اللي حاسس بيه دلوقت، ماهو لما أكون رايح جاي على مكان الجِن راشق فيه، ويطلع كل ده حقيقة، واللي خلاني أكتشفها هو إني رجعت متأخر لأول مرة عن ميعادي، والليل دخل عليا وأنا فايت على المكان ده، أكيد مفيش خوف بعد كده، دا أنا شوفت الجِن بعيني، تفتكروا ممكن يكون في خوف أكبر من ده؟

 

في الطريق وأنا راجع أسلِّم البراد، كنت ناوي أكتب طلب بتغيير الخط اللي شغال عليه، خلاص؛ مش عاوز أفوت على المكان ده تاني، لا ليل ولا نهار، وارد جدًا أتأخر في يوم لأي سبب، ووارد جدًا حظي يعاندني والبراد يعطل منّي وقتها قدام مالطا الجِن، ساعتها إيه اللي ممكن يحصل؟ أكيد المرة دي أنا عارف الجواب كويس أوي.

 

قبل ما أدخل الشركة، كنت مجهز طلب تغيير مسار، والورقة كانت في جيبي، لكن اتفاجأت بإن القدر بيساعدني، لما لقيت المشرف بيقول لي:

_"فريد"، من بكره هتغيّر مسارك، في سواق براد ساب الشغل فجأة وهتستلم مكانه على خط تاني.

 

ساعتها بس احتفظت بالورقة في جيبي، ولسه لحد النهاردة محتفظ بيها في محفظة الورق اللي في تابلوه البراد، رغم إن فات شهور على اللي حصل، لكن كل يوم بطلعها وبقرأها، وبفتكر اللي شوفته، وبحكيه بيني وبين نفسي، لكن النهاردة؛ قررت إني أشارك معاكم حكايتي.

تمت...

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1674 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع