هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة ياسمين رحمي
  3. كتاب شمس

"القصة مستوحاة من أحداث حقيقية"

 

اتعلمت درس عمري، مكنش عندي رغبة أتعلم أو أفهم، بس هي دي الدروس وهي دي سنة الحياة، مش شرط نكون حابين التجارب أو الدروس المستفادة، لكنها ضرورية عشان ننضج ونفكر بطريقة مختلقة وناخد قرارات عمرنا ما كنا هناخدها لو لسة بالعقلية القديمة...

الدرس اللي اتعلمته بأصعب طريقة هو إن فعلًا مفيش حد يستحق يتحسد! كل المظاهر البراقة اللي بنشوفها وراها ممكن يكون ألم، لعنة، مآسي، قدر محدش يتمناه... و"أنور" كان المثال الحي للمظهر البراق...

"أنور" اتولد ف عيلة فنية، أبوه كان مصور سينمائي وأخته الصغيرة ممثلة مشهورة أما هو فكان عازف جيتار موهوب بشكل مرعب، وملحن وممثل، مش موهبته بس اللي شهرته، ده حضوره الطاغي كمان، كان وسيم جدًا، فارس أحلام بنات كتير من جيله..

اتجوز أجمل ممثلات، كان معاه ثروات.. في أكتر من كده؟ شهرة ووسامة وفلوس وحضور ومواهب متعددة وحب الجمهور؟

 

أما أنا فكنت أقرب صديق ليه وأعرف عنه اللي الناس كلها متعرفوش. أعرف إن كان عنده أكتر بكتير من كل اللي قلته، كان عنده مواهب تانية سرية، احتفظ بيها لنفسه، خفاها عن العالم كله، حتى أنا، خفاها عني لوقت كبير....

"أنور" كان مستمتع بممارسة هواية معينة، والسبب مش الهواية ف حد ذاتها بس، إنه كمان مكنش بيشاركها مع حد، بيدخل ف عالم لوحده، بتاعه هو، من غير زحمة ومنغصات وجمهور واقتحام خصوصيات. الهواية دي هي الفضول وحب المعرفة.. "أنور" كان مهتم جدًا إنه يجمع معلومات ويقرا كتير، لكن مش في كل المجالات، كان دايمًا بينجذب لكل المواضيع الغريبة، العالم غير المادي والمحسوس، ما وراء ما تراه العين وتلمسه الحواس، بمعني تاني الظواهر الخارقة للطبيعة، والأحداث التاريخية المش متفسرة والمخلوقات التانية الخفية عنا...

هو كان مقتنع بوجود كل ده برغم إننا مش مدركين وده في رأيه لإننا منغمسين في مشاغلنا اليومية المادية وكل ما ننشغل أكتر في مسائل الدنيا والعيشة كل ما بننفصل أكتر عن العالم الروحاني، نفوسنا بتنزل على الأرض وتتعلق بأجسامنا وبنكبت جزء كبير من قدراتنا الذهنية والروحانية...

وعشان يشبع قناعاته وشغفه كان بيتردد على كل مكان ممكن يلاقي فيه كتب أو قصاقيص أو مجموعة أوراق بتتكلم عن العوالم الغريبة، بالذات الأحياء الشعبية القديمة، زي الحسين والسيدة عيشة والجمالية والقلعة وكل المحيط ده... كان كل فترة بيروح ويشتري كتب كتير ومذكرات ويرجع يحطها في أوضة مكتبه من غير ما حد ياخد باله..

متهيألي اللي خلى الشغف ده ينمو جواه هي حياته الزحمة والأضواء اللي دايمًا كانت متسلطة عليه. من جواه مكنش حابب الاهتمام ده وكان نفسه ينعزل ف جزيرة بعيدة مع كتبه وورقه لكن مجتلوش الجرأة يعمل كده، زي ما كان زاهد للأضواء زي ما مكنش قادر يبعد عنها..

 

كل ليلة كان بيعمل طقس معين وهو إنه يدخل أوضة المكتب بتاعته ويقفل على نفسه الباب ويقعد هناك لوحده بالساعات وممنوع على أي حد مهما كان إنه يدخل عليه، وبيخرج من المكتب على أوضة نومه وينام من غير ما يتعامل مع حد..

يعني بكده "أنور" كان شخصيتين ف كيان واحد، طول النهار وخلال شغله وحفلاته وأفلامه إنسان اجتماعي، جذاب، ضحكته بتنور المكان اللي بيبقى فيه ومحدش بيحتاج يعمل معاه مجهود، مجرد كلمتين وهو بيتولى النقاش، وبعد غياب الشمس بيبقى إنسان منعزل، رافض للكلام أو التعامل الإنساني، أهم حاجة ف حياته بتبقى مكتبته والأوراق اللي بيفرشها على المكتب...

"أنور" وصل لمرحلة عظيمة في حياته السرية وهي تجميع عدد مهول من الكتب والأوراق الغامضة، هو مكنش مدرك أن عدد لا بأس به من الكتب دي في الحقيقة مكنتش كتب تاريخية أو علمية زي ما كان متخيل، دي كانت كتب سحر! من ضمنها كتب نادرة بتتباع من بياعين الأرصفة وسور الأزبكية عن جهل، والشاري بيشتري عن جهل، محدش فيهم عارف خطورتها. ومن الكتب دي اللي قرايتها خطر وفي اللي مجرد اقتنائها خطر....

حياة "أنور" أخدت مجرى مختلف فجأة...

في ليلة بعد ما غابت الشمس وكالعادة دخل لأوضة المكتب عشان الخلوة بتاعته..

اللي مكنش عادي هو اللي شافه على المكتب، جزء كبير من الورق المفروش اللي مكنش شاله من الليلة اللي قبلها اتحرق!

في وسط الورق كان في كتاب معين، كتاب ملوش عنوان ، جابه من الغورية، ورقه أصفر بالي، ولو حد قلب بسرعة أو مسك بإيده صفحة منهم تقع وتتفتت. "أنور" مكنش لسه قراه أو حتى فتحه.. وفورًا، أول ما شاف المنظر قلبه انقبض وشاف الكتاب بطريقة مختلفة، مكنش حابب وجوده، ومع ذلك، مع إن ده هو اللي حسه لكنه فتح باب الأوضة وفضل يزعق..

مراته الممثلة "سميحة" آخر واحدة اتجوزها، جريت عليه ف ذعر، عمرها ما شافته غضبان بالشكل ده، عمره ما زعق فيها كده...

 

=مين اللي فتح أوضة المكتب؟ أنتي؟

-لأ طبعًا يا "أنور" أنت منبه علينا...

=أيوووه منبه عليكوا، منبه محدش يهوب ناحية الأوضة دي ، مين بقى فيكوا إنتي ولا الست اللي بتساعدك في التنضيف اللي فتحتها ولا تلاقيها ماما، ما هي أصلها لما بتيجي تحب تنخرب في المكان...

-إيه اللي بتقوله ده؟! لا أنا ولا "كوثر" دخلنا، ومينفعش تتكلم بالأسلوب ده عن والدتك...

مش مجرد الزعيق والعصبية اللي كانوا جُداد عليها، ده كمان الوش، الوش ده مشافتوش ف حياتها من ساعة ما قابلته.. المرعب إنها مكنتش تعرف بوجوده، زي ما متعرفش باللي بيحصل في أوضة المكتب خلال الساعات الكتير اللي قضاها لوحده وبنشاطه اللي مخبيه عليها واللي حفز الوش ده عشان يظهر ، لغز مش هتعرف إجابته غير لما الأوان يفوت....

لما ملاقاش منها إجابات قفل الباب في وشها، تجاهل كلامها ومردش عليها، قفل على نفسه كإنها ملهاش وجود...

أهو كده مش هيعرف باللي كان مكتوب في الورق اللي اتحرق، مكنش لحق يقرا معظم الكلام اللي عليه، ده غير.... لو محدش دخل مكتبه، يبقى إيه اللي اتسبب في حريق الورق؟ وفي سؤال تاني أهم، على افتراض أصلًا إن حد عصاه وخالف قاعدته واقتحم أوضة المكتب إزاي وليه هيحرق شوية الورق اللي على مكتبه؟! مش منطقي، مش منطقي أبدًا..

الكتاب ده، الكتاب اللي هناك، اللي موجود وشامخ ومتمسش وسط الورق التلفان المحروق، الكتاب كان جذاب جدًا في اللحظة دي، شده ليه كإن معندوش سيطرة على نفسه، مُسير بقوى غامضة...

قعد على كرسيه، مسح التراب من على الكتاب وفتحه....

كان أغرب كتاب شافه ف حياته، في رسومات عجيبة في صفحاته، نباتات شكلها يقشعر، أشجار غصونها معووجة وملفوفة حوالين نفسها وورقها ليه شكل، وشوش صغيرة بتصرخ، وأشجار تانية غصونها طالع منها أشواك كتيرة صغيرة وبينزل منها نقط دم ومخلوقات شكلها منفر بعين واحدة أو تلات عيون، جلودهم مترهلة الوانها أخضر وأزرق وعندهم قرون والعيون كإنها بتبص عليه أو على أي حد بيقرا الكتاب، وأعشاب أشكالها برضه غريبة..

وفي كتابات تحت كل رسمة، من بعيد "أنور" تخيل إنها حروف عربية لكن لما ركز، مفهمش أي حاجة من المكتوب، لإنها مكنتش بس حروف عربي، وسط الحروف في حروف تانية بلغة غريبة شبه نكش الفراخ، حروف كان متأكد إنها منتمتش لأي لغة أو حضارة إنسانية موجودة في العصر الحالي وكان في رموز كمان.. 

"أنور" فضل يقلب في الصفحات طول الليل، عدى معاد نومه وفضل صاحي مسحول في الكتاب لحد لما النهار طلع، في الصفحة الأخيرة كان في جمل واضحة، حروف عربية متصلة من غير الحروف والرموز التانية، وبرغم الوضوح مكنش ليها أي معنى ل"أنور"، يعني أي حد يقراها لكن مش هيفهم حاجة، كإنها لغة تانية بس اكتبت بحروف عربية.

وللأسف "أنور "قراها.....

 

كل اللي جه ف دماغه وهو بيقرا إن الكاتب أكيد واحد مش متزن، ممكن مثلًا تكون مذكرات لحد كان قاعد في حاجة زي مصحة عقلية ف زمن قديم أوي أو مذكرات مع واحد مجنون، عايش معظم الوقت لوحده، شخابيط، مجرد شخابيط ملهاش معنى، حتى إنه ندم إنه ضيع ليلة كاملة على الكتاب ده...

الستاير في أوضة النوم كانت مقفولة عشان كده زي ما يكون النهار مطلعش، الدنيا لسه ف الأوضة عتمة..كان منهك جدًا وي ما يكون جري مسافات، راح على السرير عشان ينام...

برغم الضلمة قدر يميز إن مراته كانت قاعده على السرير، متوجهة لباب الأوضة، أكيد كانت مستنياه، لكن هو مكنش قادر يتناقش أو يجادل، هي طبعًا كانت زعلانة من اللي عمله، من اسلوبه وكلامه ليها وعايزه تعاتبه أو حتى تتخانق معاه..

هو بقى ولا كإنه كان شايفها. مشي لحد الجنب التاني من السرير ومدد من غير ما يوجهلها كلمة. اتلفتت بجسمها كله ليه وقبل ما تفكر تتكلم قال لها:

-مش دلوقتي يا "سميحة"، مش هنتخانق دلوقتي، لما أقوم من النوم، ولا أقولك، مش هنتكلم أصلًا في اللي حصل، لا دلوقتي ولا بعدين!

-هو إيه اللي لا دلوقتي ولا بعدين؟

"أنور" اتنفض من مكانه، "سميحة" كانت بتكلمه من عتبة الأوضة. الباب كان لسه مفتوح وهي بره الأوضة وداخلة عليه. يعني مكنتش موجودة جنبه على السرير، مكنتش موجودة في الأوضة أصلًا!

-كنت بتكلم مين يا "أنور"؟

-مفيش...

-يعني مكنتش بتتكلم في التليفون؟

-لأ، كنت بدأت أنام، أكيد، أكيد كنت بحلم..

كان باين من صوته المهزوز إنه بيكدب لكن "سميحة" محبتش تضغط عليه ويمكن مكنتش عايزه تواجه اللي بيحصل. كان جواها إحساس قوي، اتمنت إنه يكون مجرد إحساس..

ومن هنا حياته اتحولت لجحيم...

في وسط الحفلات فجأة كان بيوقف عزف عالجيتار عشان بيشوف في الجمهور وش غريب، وش شبه الوشوش اللي شافها في الكتاب إياه، ومن وقت للتاني كان بيسمع همس، حاجة بتتكلم جوه دماغه، كلام مش متفسر، مش مفهوم، بس كان كافي يخليه مشتت، يعزله عن الواقع واللي بيحصل حواليه.

ولما كان بينام مع كل حركة من "سميحة" جنبه كان بيتنفض، مبيبقاش عارف هي مراته ولا حاجة تانية. وأوضة المكتب، دي بقى كانت قصة تانية. أوقات كان يمد إيده عشان يفتح الباب ويدخل ميتفتحش، كإن في حاجة ماسكة الأوكرة من الناحية التانية، من جوه الأوضة نفسها، ده غير إنه لاحظ إن الحاجات بتتحرك من مكانها، بالذات الكتاب الغريب؛ بعد ما خلصه في الليلة الأولى حطه علطول في رف من الرفوف، لكن الليلة اللي بعدها لقاه على المكتب، في نفس المكان والوضع بتاع الليلة الأولى بالظبط، قال ف نفسه إنه اتلخبط، افتكر إنه شاله وحطه في رف الكتب عشان كان ده اللي عايزه مثلًا وبتلقائية شاله وحطه فعلًا في الرف وسط الكتب التانية، وفي الليلة التالتة لقاه برضه على المكتب! في نفس البقعة وبنفس الوضعية، بعصبية شاله وحطه على الرف. وفي الليلة الرابعة نفس القصة اتكررت، الكتاب كل مرة بيرجع تاني على المكتب كإنه متلمسش. في الليلة الخامسة "أنور" قرر ينهي مسألة الكتاب دي خالص، جاب عود كبريت وولع فيه ورمي الورق المحروق في باسكت الزبالة الصغير بتاع الأوضة...

وبعدها بليلة، دخل أوضة المكتب وهو مرتاح عشان أخيرًا اتخلص من الكتاب الملعون مكنش يعرف إنه هيلاقيه على المكتب تاني!

ساعتها بس عرف إنه مش هيتخلص من الكتاب بسهولة، لا بحرقه ولا بدفنه ولا برميه حتى من جبل إفيريست! وعرف كمان إن اللي جوه الكتاب مش مجرد شخابيط، وإنه احتمال يكون غلط لما قرا الصفحة الأخيرة...

وافتكر، افتكر وهو بيراقب الكتاب قصة الشرا بتاعته....

"أنور" زار كذه حي ، كان بيتمشى لوحده كعادته، بيدور على كتب جديدة أو ورق أو جرايد، أي حاجة تلبي الطلب بتاعه، المهم يكون محتواها المواضيع الغريبة إياها..

 

وبدل ما يلاقي كتاب لقى قدامه راجل شايل صندوق. 

كان وصل ساعتها حي الغورية . استغرب إنه كان بييجي الحي ده كتير بس عمره ما شاف الراجل اللي ظهر قدامه قبل كده..

هدومه كانت مهلهلة، شعره منكوش ومعلق حوالين رقبته قماشة سميكة موصولة بصندوق ضخم ماسكة بين إيديه... 

-"مين عنده الجرأة؟ مين يقدر يبص في مرايته، يشوف تفاصيل نفسه؟ يشوف اللي ورا ضهره، اللي مستنيه، اللي بيلاحقه واللي مستخبي فيه... اللي معايا ده صندوق، صندوق ظريف مليان حكايات، إنعكاسات لماضينا ومستقبلنا واللي غايب عن عيوننا، مين عنده الجرأة يبص جواه، ويشوف، مين مستعد يشوف؟؟!" 

وبما إن "أنور" عاشق لكل ما هو غريب فعلطول استحاب للراجل... كان أول واحد قرب عليه..

-أنت تقصد ايه يا...

-مش لازم، مش لازم تعرف اسمي، مش هتفرق ف حاجة، التجربة هتبقى واحدة.  

وزي ما يكون أدرك فجأة إن اللي واقف قدامه هو "أنور معتصم" بنفسه..قاله وهو متحمس:

-إيه يا فنان اللي جابك هنا؟ بتدور على حاجة ضايعة منك عالمرسح؟

-في الحقيقة ايوه، بدور هنا وف أحياء تانية على حاجات ضايعة مني على المسرح ، ضايعة من كل الأماكن اللي بروحها، حاجات بتاعتي لوحدي ، ميشاركنيش فيها جمهور ولا زملا منافقين ولا كُتاب وصحفيين.

-وأنا عندي اللي أنت عايزه.

-مظنش، أنا بتاع كتب وورق وواضح إنك بتاع عروض ولعب.

-مين قال؟ أنا بتاع كله...صندوق الدنيا بتاعي إنعكاس لدنية المتفرج، جوه هتلاقي أفكارك متجسدة، خوفك، الواقع بتاعك ويمكن ماضيك ومستقبلك، هتلاقي الإجابات للي بيدور ف دماغك.

-كل ده في الصندوق؟!

-كله في الصندوق، إلا لو خايف، يبقى بلاش، خلي غيرك يجرب..

 

وطبعًا طريقته خلت "أنور" يُستفز ويقرر يجاريه. دخل براسه جوه الصندوق وبعدين خرج علطول...

موجهش أي كلمة للراجل. سابه ومشي و لقى نفسه ماشي ف مسارات معينة، مكنش ليه سيطرة على الطريق اللي ماشي فيه، لحد ما وصل لراجل معلق ورق وكتب بمشابك على منشر زي بتاع الغسيل!

من ضمن الحاجات المتعلقة كان الكتاب أبو ورق أصفر بالي... وبعدها "أنور" خرج راسه من صندوق الدنيا...

ده كان المشهد اللي شافه جواه، شاف نفسه بيخرج بره الصندوق وبيمشي ف مسارات معينة من غير تحكم منه لحد ما بيوصل لراجل عنده الكتاب الأنتيكا المهكع..

طبعًا "أنور" كان مخضوض جدًا ومش فاهم اللي بيحصل، لكن كرر بالظبط اللي شافه...

موجهش أي كلمة لصاحب صندوق الدنيا ومشي في المسارات اللي لقى نفسه حافظها لحد ما وصل لنفس الراجل اللي شافه جوه الصندوق واشترا منه الكتاب اللي جابله اللعنة...

يومها "أنور" فسر الموضوع كله على إنه خدعة، تنويم مغناطيسي مثلًا، فكر إن صاحب صندوق الدنيا شريك بياع الكتب وإنه بيعمل العرض بتاعه ده عشان يخلي الناس تروح تشتري كتب من الراجل التاني ويقاسموا الأرباح ما بينهم...

لكن بعد كل اللي حصل من وقت ما قرا الكتاب، بقى مقتنع إن في سيناريو مظلم أكتر وره صندوق الدنيا وصاحبه والكتاب...

مكنش قدامه غير إنه يحاول يتجاهل اللي بيجرى، يمكن بالتجاهل والإنكار كل الأحداث الخارقة تختفي بشكل تلقائي وحياته ترجع زي ما كانت...

قال ف باله "خلي الكتاب زي ما هو كإنه قطعة أثاث" لا هيحركه ولا هيبص عليه وهيكمل قرايته لباقي الكتب ويدخل كل ليلة ويقضي الوقت بتاعه لحد ما يبقى عايز ينام، يرجع يعني للروتين بتاعه...

الليلة الأولى مشيت زي ما هو عايز والتانية، أما بقى التالتة فوضعها كان مختلف...

وهو قاعد على مكتبه ومندمج ف قراية كتاب لأنيس منصور الكهربا قطعت. كان قدامه سجايره وعلبة الكبريت، حرك إيده لحد ما مسك الكبريت وولع عود وقام جاب كام شمعة، حطهم على المكتب وولعهم...

جت نسمة هوا من حيث لا يدري، نسمة واحدة طفت كل الشموع...

"أنور" قال بهزار:

-هو ده هوا ولا بسم الله الرحمن الرحيم؟ في حد هنا؟

-أيوه في، بس مش حد هيأذيك!

"أنور" قام وهو بيصرخ. الصوت كان غليظ وزي ما يكون جي من كل الاتجاهات، موجود في كل المحيط حواليه..

-متخافش، متخافش يا "أنور"، أنت استدعتني لما قريت الصفحة الأخيرة، مش استدعتني أنا بالظبط، هو بيبقى زي تليفون، بتطلب رقم معين وبيبقى حوالين التليفون الناحية التانية كيانات كتير وكيان منهم بيقرر يرفع سماعة التليفون ويرد، أنا اللي رفعت السماعة، أنا اللي قررت أتواصل معاك، اخترتك يا "أنور"!

-أعوذ بالله من الشيطان الرجيم... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

فضل يمشي لحد ما وصل لرف معين، حسس على الكتب اللي عليه لحد ما وصل للكتاب اللي كان عايزه، القرآن الكريم ، ولع شمعة وفتح سورة من السور وبدأ يقرا بصوت عالي...

الكيان اختفى ، مسمعش صوته تاني ولا حس بوجوده، القرآن صرفه...

لكن هل هو انصرف للأبد؟....

 

أنا بقى كاتب وسيناريست، في الأثناء دي ومع اللي بيحصل ل"أنور" واللي كنت معرفش عنه حاجة كنت بكتب سيناريو جديد متفصل على "أنور" أقرب صاحب ليا، كان بيتكلم عن سرقة قناع إخناتون، والبطل بتاع السكريبت بيسعى طول الفيلم إنه يحل لغز السرقة ويلاقي الحرامية ويرجع القناع . "أنور" المفروض إنه كان متحمس جدًا للفكرة لما قلتهاله قبل ما ابدأ كتابة، لكني فقدت التواصل معاه بعدها، مبقتش عارف أتلم عليه، يأما مكنش بيرد على مكالماتي يأما كان شارد، مش بيعلق عاللي بقوله كإنه ف دنيا تانية، ولما كنت بروحله البيت كان بيتهرب مني ، "سميحة" تقول لي إنه نايم و لما بلاقيه وبقعد معاه مكنش بيبصلي، وبيعلق بكلمات قليلة كل فين وفين على كلامي، حقيقي كنت قلقان عليه ونفسي أعرف اللي بيحصل...

لحد اليوم ده...

اتفاجأت بمكالمة من "أنور" قال لي فيها جملة واحدة:

-تعالالي فورًا يا صبحي!

يعني يغيب كل ده وبعدين يكلمني يقولي جملة مقتضبة بإسلوب وصوت مرعب، خير اللهم إجعله خير..

هو اللي فتحلي الباب بنفسه، اداني ضهره وقال لي أمشي وراه...

"سميحة" كانت قعدة في الصالة قدام التليفزيون، بصتلي، رقبتها فضلت ملووحة، راقبتنا لحد ما دخلنا أوضة المكتب. وشها كان عليه نظرات غريبة، نظرات متطمنش..

دخلت وقعدت على كنبة مواجهة للمكتب وهو خرج لثواني، نده على الست اللي بتساعد في البيت وقال لها تعمل فناجنين قهوة وبعدين قفل الباب.

قعد على المكتب قدامي. فضل باصص ليا من غير ما يتكلم. إيديه الاتنين كانوا بيترعشوا، وشه أصفر لون الكمون، شعر دقنه نابت وعنيه حمرة. قال لي أخيرًا:

-أنا عارف إنك شغال على المشروع اللي اتكلمنا عنه، وإنك تعبان في الكتابة.

=صح يا "أنور" شغال وأنت مش شغال ومش معبرني.

-أنا مقدر ده وعايزك تقطع الورق اللي أنت كتبته.

=ورق إيه اللي أقطعه؟!

-السيناريو اللي بتكتب فيه، قطعه، إرميه في الزبالة، احرقه، اتخلص منه بأي شكل.

=لأ طبعًا، هو في إيه؟!

قمت وأنا بقول جملتي الأخيرة بعصبية، أعصابي كانت ثايرة، "أنور" بجد بقى غريب الأطوار...

-أقعد بس يا "صبحي" هفهمك. أنا هعوضك، صدقني.. أنا عايزك تكتب سيناريو فيلم تاني، فيلم أحلى، هيكسر الدنيا ويقلب الرأي العام ويحقق أرباح في شباك التذاكر مفيش أي فيلم حققها قبل كده!

كلامه وأسلوبه كانوا مقنعين جدًا. قعدت فعلًا وسكتت، مستنيه يشرح أكتر..

 

-إحنا معرفتنا بالدنيا والكون قليلة أوي، العالم أكبر بكتير مما نتخيل، مما يستوعبه أي عقل بشري.

=متفق معاك.

-أنت مؤمن بوجود الجن والأشباح يا "صبحي"؟

=يعني... مش عارف أقولك إيه، طبعًا الجن مذكور في القرآن الكريم وف باقي الأديان السماوية ويمكن كمان الوضعية، لكن مسألة العفاريت والأشباح دي، أشك بصراحة، وكمان الجن دول عالم منفصل عنا تمامًا بخواص مختلفة، ومظنش أبدًا إننا هنعرف أي أجوبة عنهم أو يبقى لينا اتصال بيهم..

-ولو قلتلك إني عملت إتصال؟

بدأ يحكي بعد كده عن العالم السري بتاعه ورحلاته للحسين والأحياء الأثرية التانية والكتب والأوراق اللي بيجمعها من سنين وصولًا للكتاب اللي من غير عنوان وصندوق الدنيا واللي شافه جواه والمسار اللي خده لحد بياع الكتاب ورسومات الكتاب الغامضة والكلام اللي ف آخر صفحة، حتى إنه وراني الكتاب بس من غير ما يفتحه. قال إنه ده لمصلحتي. وفي النهاية قال لي على اللي حصل الليلة اللي فاتت، إن الشموع كلها اتطفت مرة واحدة وسمع كيان بيقول له إنه استدعاه وإنه لما دخل المكتب الصبح لقى الشموع كلها منورة ومفيش أي شمع سايح!

=إوعى تكون استجبت ليه يا "أنور"؟

-لأ، مانا قلتلك لحد دلوقتي مستجبتش.

=لحد دلوقتي؟ يعني إيه، ممكن تستجيب وتتكلم معاه؟!

-الله أعلم. مش عارف، في حاجة، حاجة ف صوته واسلوبه بتقول إنه صادق، إنه فعلًا مش عايز يأذيني.

=ولو، إياك!

قال إيه إنه مش هيستجيب ، مش هيرد عليه ولا هيلبي طلبه ، أنه يبقى صديق ليه. وأنا كنت متأكد إنه بيضحك عليا وبياخدني على قد عقلي. أما أنا فبدأت على المشروع اللي قال لي عليه، سيناريو عن العوالم الغامضة، عالم الجن واللي ممكن يحصل لو اتصل بالعالم بتاعنا...

يومين بعديها واتفاجأت باتصال تاني، المرة دي من "سميحة" مرات "أنور"...

طلبت مني نتقابل في مكان بره من غير علم "أنور". أنا بقى خلاص مبقاش فيا أعصاب، كنت مـتأكد إن "سميحة" هتقول لي حاجات تانية يشيب ليها الشعر، وقد كان....

-"أنور" أكيد حكالك عن جزء من اللي بيحصل معاه، هو محكاليش، لكن أنا مدركة كويس أوي، عارفه أكتر مما يتخيل، صحيح معرفش التفاصيل بس متأكده إنه على اتصال بشبح أو جن.

=إيه اللي يخليكي تقولي كده؟

-اللي بشوفه.."أنور" بيظهر في أوضة النوم وأماكن مختلفة من الشقة، لكن مش بيبقى "أنور"! في الأول مكنتش عارفه أميز، دلوقتي بعرف، أول ما عيني بتقع على الكيان علطول بفهم إنه مش هو، عيونه مختلفة، نظراته وحركته، لكن مش ببين إني عارفة عشان متأذيش. "أنور" ميعرفش بالموضوع ده و لا الطيور اللي بتقع أو بتترمي من الشباك للأوضة لما بفتحه، حمام وعصافير وغربان بيقعوا ميتين، غرقانين ف دمهم.

=وبعدين يا "سميحة" هنعمل إيه؟

-تعرف المشكلة الحقيقية ف إيه يا "صبحي"؟ أنت مش ملاحظ إني بحكي معاك عادي، يعني مش مخضوضة كمان يجب كإني، كإني اتعاملت مع الموقف ده قبل كده؟

=أيوه صحيح، جبتي الهدوء ده منين؟ وتقصدي إيه بإتعاملتي مع الموقف ده قبل كده؟

-أنا قلقانة أكون أنا السبب، أنا اللعنة، أنا يا "صبحي" عشت واتربيت ف بيت مسكون، كان في شبح عايش معانا وبيتجول طول الوقت قدامنا، عشنا واتعاملنا معاه كإنه جزء من العيلة، واديني أهو اتنقلت لبيت جوزي وبرضه لقيت فيه جن ، مش بس كده ، ده جوزي طلع عنده شغف سري بالعوالم المجهولة، لعنتي دي ولا قدري ولا إيه..

حاولت أطمنها وإن كنت أنا نفسي قلقان، وحاسس إن إحنا بس بنبتدي وأن الأمور هتتطور كتير عن كده...

واللي توقعته لقيته...

 

مع الوقت "أنور" كان بيتحسن، مبقاش خايف ولا مهزوز، نفسيته اتحسنت كتير، ووشه ورد، كإن الحياة دبت فيه بطريقة محصلتش قبل كده، وده أكدلي إن "أنور" ماشي ف سكة غلط!

روحتله ف ليلة وقعدت معاه ف أوضة المكتب.

لقيته بيقول لي:

-أنا اتفتحتلي كل الأبواب.

=أبواب إيه؟

-كل الأبواب يا "صبحي"، كل الأبواب. بقى عندي علم حقيقي، مش العلم اللي كنت بتلقاه من شوية الورق جوه الكتب، العلم الأكبر، الأغزر، اللي ميعرفوش بشر.

=أنا مش مطمن للي بتقوله يا "أنور".

-تخيل بس كده معايا، تعرف سر "قارون"؟ التقنية اللي كان بيحول بيها التراب لدهب؟

=دي قصة مش مؤكده، هو كان غني جدًا، الله أعلم بقى إزاي كان غني ومنين ثروته؟

-بس تخيل، تخيل إني أعرف السر ده، أعرف التركيبة الكيمائية اللي تحول التراب لدهب، وأعرف أسرار اللي ماسكين سلطة العالم كله، أسمع اتفاقاتهم في الأماكن السرية اللي بيتجمعوا فيها وأعرف أماكن مصانع الأسلحة وتقنيات الصنع بتاعتها وأروح لأماكن ف جوف الأرض وأشوف المخلوقات اللي فيها من غير ما يشوفوني أو يحسوا بيا، أدخل جوه أكبر خزنات العالم وأعبي منها وأخرج بسلام، اخترق الحديد والحيطان من غير ما حد يدرى...

=دي تبقى كارثة، لو حد ملك القوة دي ، تبقى كارثة يا "أنور"، دي ملكات المفروض متبقاش عندنا كبشر، ربنا سبحانه وتعالى ليه حكمه في خلقه لينا بإمكانياتنا المحدودة، عشان إحنا مش محتاجين أكتر منها.

-أنت مش مصدقني؟

=مين قال إني مش مصدقك، المصيبة لو كلامك طلع صح.

النور قطع أول ما خلصت جملتي. حسيت بنسمة هوا باردة..

"أنور" بدأ يتكلم، صوته كان مرتاح أكتر في الضلمة.. قال إن كل اللي قاله شافه فعلًا وعاشه وإن كل ده بفضل صاحبه الجديد ولما سألته:

=صاحبك مين يا "أنور"؟

-شوف بنفسك.

شفت على ضوء القمر حاجة، جسم ضهره محني عليه شعر كثيف، وباقي الجسم عليه جلد بس، جلد من غير لحم، لونه رمادي مترهل، مخلوق بشع، بشع!

من الرعب مصرختش، مأصدرتش أي صوت بس سمعت صوت تاني:

"يا أنور أنا شايف وشك معكوس على شظايا إزاز وعليه بركان أحمر بيتلألأ على جبال قاتمة سوده"

الصوت كان بشع زيه زي منظر الكائن، وهو بيتكلم كان بينهج جامد والنبرة مش بشرية أبدًا كإنه من الزواحف مثلًا.

مقدرتش أستحمل أكتر من كده، حركت راسي الناحية التانية وبعد شوية النور رجع..

-تفتكر كان قصده إيه؟

كنت ماسك نفسي لحد اللحظة دي ومبعدين مقدرتش، انهرت، حسيت جسمي بيسيب وأغم عليا...

لما فقت الصورة كانت مشوشة، مفيش حاجة واضحة حواليا، شايف أجسام بوشوش لكن الملامح مكنتش باينة، ميزت بعد وقت إنهم كانوا "أنور" و"سميحة"...

 

سمعت "أنور " بيقول لسميحة تسيبنا..

راقبها وهي بتمشي وبعدين قال لي بتهكم:

-أنت خفيف كده ليه يا "صبحي"؟ أمال إيه كاتب وبتكتب عن لعنة فراعنة وعفاريت وبتاع؟

هزيت راسي رافض طريقته وكلامه ورديت بصوت ضعيف:

=خليت سرقة قناع أثري لعنة فراعنة؟ وبعدين أنا مكتبتش عن عفاريت قبل كده، أنت اللي خلتني ابدأ في السيناريو المريب ده، أنا مليش ف جو عفاريتك..

-مقولتليش تفتكر "شمس" كان قصده إيه بالوش المعكوس والبركان الأحمر والكلام ده؟

مفيش فايده، كنت عارف إني مش هخلص. اضطريت أجاريه. قمت وقعدت مكاني وسألته عن شوية تفاصيل عن صاحبه الجن، قال لي إن سنه 1700 سنة وإن اللي قالهولي عن الأسرار والإمكانيات ده بس اللي كان مسموح له يقوله وفي حاجات تامية كتير كان ممنوع على "أنور" يصرح بيها وإن "شمس" قال له إنه إنسان مميز جدًا، عامل زي لاسلكي ليه قابلية لتلقي الإشارات اللي الناس التانية متحسش بيها ولا تستوعبها وإنه يقدر يعمل كتير إلا لو ربنا شاء غير كده، إلا لو وقف قدره فطريقه...

الحالة اللي كان فيها "أنور" اتبدلت تمامًا في الكام اللي بعد كده، لقيت "أنور" بيكلمني كتير، مكالمتين تلاتة في اليوم الواحد، ومحتواها كان إنه ندمان على إستجابته للجن وإنها كانت غلطة كبيرة، وإنه مش عارف يعمل إيه عشان يتخلص منه وقال لي إنه قرب من ربنا، مبقاش يفوت صلاة وبقى يقرا قرآن بشكل منتظم وف آخر كل مكالمة، وبرغم الرعب اللي كان ف صوته كان بينبه عليا ويحلفني إني مروحلوش ومهوبش ناحية البيت...

في المكالمة الأخيرة قال لي كلام رعبني أكتر من كل اللي فات...

قال:

=لو حصل لي حاجة يا "صبحي" واضطريت تدخل البيت إياك تهوب ناحية أوضة المكتب، سمعني يا "صبحي" ، إياك!

مسمعتش من "أنور" بعد كده بس سمعت عنه...

جاتلي مكالمة تاني يوم بليل، حد بيبلغني إن "أنور " مات!

"سميحة" كانت في المستشفى مع ممثلة تانية مشهورة. هم الاتنين كانوا مع "أنور" في العربية بتاعته. عملوا حادثة و"أنور" مات.

اللي حصل إن "سميحة" اشتكت للممثلة التانية اللي كانت صديقة مقربة ليهم من "أنور" وأحواله الغريبة واكتئابه فالممثلة كلمت "أنور" وعزمته على حفلة ف شاليه ليها في الهرم وأصرت إنه ييجي مع "سميحة".. "أنور" وافق وهو مغصوب بس من الإحراج.. في الوقت ده الهرم كان حي فاضي، مفيهوش عمار، ولما الحفلة خلصت والليل جه الطرق بقت موحشة أكتر. "سميحة" مسكت في الممثلة، اترجتها تروح معاهم البيت وتبات في أوضة الضيوف، وده بعد ما الممثلة كانت عرضت عليهم نفس العرض، يباتوا في أوضة الضيوف في الشاليه عندها عشان عارفة بالحالة النفسية اللي بيمر بيها "أنور" و"سميحة" كمان، لكن "أنور" رفض تمامًا وبكده العرض اتحول و"سميحة" هي اللي أصرت على الممثلة تركب معاهم العربية وتروح عندهم.

"أنور" انطلق بالعربية ومعاه الاتنين التانيين، مكنش في عربيات تانية لمدة كبيرة لحد ما ظهرت فجأة 3 عربيات ، العربيات بقت تزنق عليه وتطارده وهو حاول يهرب لكنه فقد السيطرة في الآخر والعربية اتقلبت بيهم..

الإزاز الأمامي اتكسر وفي شظايا دخلت في رقبته، أما وشه فكان معكوس على شظايا تانية عليها كمية كبيرة من دمه، الدم كان زي بركان أحمر بيتلألأ على الطينة، جبال قاتمة سوده!

ساعتها بس فهمت جملة "شمس" الجن. "شمس" وصف مشهد نهاية "أنور"...

 

السؤال بقى مين اللي قتله، مين اللي سلط العربيات التلاتة عشان يخبطوا عربيته ويموتوه؟

الإجابة عرفتها أنا وأغلب الوسط الفني. مكنش سر إن في منتج معين مشهور، مش معروف بأعماله الفنية على قد ما هو معروف بلعبة قذرة كان بيعملها.. المنتج كان بيستغل الممثلات، بالذات المبتدئات، بطريقة ما بيستدرجهم لبيته وبيقنعهم بكذه إسلوب يمضوا معاه عقد فيلم ، يقول لهم مثلًا أن مراته موجودة معاه في البيت. ولما بيروحوا ، بيقول إن مراته في أوضتها أو في المطبخ ويقدملهم مشروب ويحطلهم مخدر فيه وبيعتدي عليهم ويصور الاعتداء، ويبتزهم بالشرايط عشان يحتكرهم، يشتغلوا ف أفلامه سنين من غير ما يطلبوا مقابل مادي كويس وميتجرأوش يشتغلوا مع منتج غيره. 

"أنور" الوحيد اللي وقف للمنتج وهدده قبل ما يتقتل بفترة بسيطة إنه هيبلغ عنه الشرطة وهيفضحه عن طريق الصحافة لو مبطلش اللي بيعمله. هو كده ، هو ده "أنور" مكنش بيقدر يبطل يلعب دور البطل ويهتم بالناس التانية حتى لو محدش طلب مساعدته.

 

الكل بما فيهم أنا كنا متأكدين إن المنتج هو اللي قتل "أنور" لكن للأسف الشرطة ملحقوش عليه أي دليل، مقدروش يوصلوا لأصحاب العربيات التانية...

اللي سببلي حزن مش بس طريقة موت "أنور" الدموية والمأساوية، إنه كمان عاش رعب رهيب ف أيامه الأخيرة، كان بيواجه خطر من الإنس ومن الجن، الكل بيطارده لكن عزائي إنه قرب من ربنا وإستغفر قبل ما يموت...

وبما إني ف مقام أخوه ففضلت أتردد على بيته كذه يوم بعد الوفاة، اتلقى العزا واستقبل الناس، البيت مكنش بيفضى ليل أو نهار، كمية ناس جت تعزي رهيبة وده عزائي التاني حب الناس ل"أنور" ودعائهم ليه ، وكان من ضمن المعزين المنتج اللي قتله! تخيلت مليون مرة إني بجيب سكينة من المطبخ وبقتله وهو قاعد ببجاحة في بيت "أنور" قال بيقدم العزا وبيترحم عليه، صحيح يقتل القتيل ويمشي ف جنازته...

في آخر يوم روحت أستقبل فيه المعزين وبعد ما آخر زاير مشي، استأذنت "سميحة" أدخل الحمام.. لما خرجت ومشيت في الطرقة سمعت همس جي من أوضة المكتب.. قربت من الباب وحطيت ودني عليه...

مكنتش عارف أفسر الهمس ولقيت نفسي بمسك الأوكرة وبفتح الباب...

هناك على المكتب، كتاب بالي ورقه أصفر من غير عنوان، الكتاب كان بيندهني، مقدرتش أقاوم، انجذبت ليه كإني حته معدن وهو مغناطيس، وصلت ليه وقلبته لحد ما وصلت لآخر صفحة وبدأت أقرا.....

"تمت"

التعليقات علي الموضوع
تعليق واحد حتي الآن
المتواجدون حالياً

2902 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع