قدم جوستاف لوبون في كتابه "روح الثورات والثورة الفرنسية" عملا فلسفيا يعتبر بمثابة دراسة نقدية عميقة للحدث التاريخي الكبير (الثورة الفرنسية)، من خلال العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي شكلت على مهلٍ هذا الحدث التاريخي الفارق في تاريخ العالم الحديث، ويعرض لوبون رؤيته الخاصة لكيفية تطور الحكومة والسلطة خلال فترة الثورة الفرنسية وما بعدها، وكيف أثرت هذه التحولات على الشعب الفرنسي وعلى أوربا والعالم بأسره.
في الجزء الأول قد لوبون تحليلا فلسفيا عميقا للثورة، كيف تنشأ وتتكون، وهل هي طفرة تاريخية غير مبررة كما ذهب البعض، أم أنها ثمرة تطور اجتماعي وسياسي، وأسباب أدت إلى نتائجها، وتحدث في هذا الجزء عن الثورات العلمية والدينية والسياسية، الفرق بينها، ومدى تأثيرها على الشعوب، واختلاف استجابة العامة لها.
وبعمقه الفلسفي المعروف حلل لوبون نفسية الشعوب وقت الثورات، دينية ويعقوبية وثورية ومجرمة، والنفسية التي تسود المجالس الثورية والجماعات الثورية، وعلى ما في هذا العمل – تحليل النفسيات – من الصعوبة والغموض قدم لوبون تحليلا مختصرا وعميقا لا يخلو من جدة وتفرد.
وفي الجزء الثاني طبق لوبون ما أصله في الجزء الأول عل الثورة الفرنسية، تحدث فيه عن آراء المؤرخين في الثورة الفرنسية بين النقد أو الإشادة أو التحليل، وذكر المبادئ النفسية التي قام عليها النظام الملكي قبل الثورة، ومدى تأثير ذلك عل الثورة نفسها، ومسؤوليته عن الفوضى والأوهام التي سادت الثورة الفرنسية، وطبعت أيامها الأولى، واختلاف الفلاسفة والكتاب في نظرتهم إلى هذه النقطة، وتعليق لوبون عليها.
أما المعركة الكبرى في الثورة الفرنسية فهي الصراع بين العقل والعاطفة، وبين التدين والاجتماع أيام الثورة الفرنسية، وهذا الصراع حكم بعلم أو بدون علم سياسات مجاس الثورة وجيوشها، وحرك قاداتها ورموزها، وهذا الصراع انبثق عنه صراع آخر بين العوامل الوراثية والمبادئ الثورية، صراع تفتق عنه انحسار الفوضى وإعادة النظام وتشكل الجمهورية.
أما الجزء الثالث والأخير فهو عن نشوء المبادئ الثورية في العصر الحاضر، ودور الثورة الفرنسية في تشكيل أوربا المعاصرة، والتقدم والاختلاف الذي طرأ على هذه المبادئ منذ نشأتها على يد الثورة الفرنسية، ونتائج ذلك على نشوء الديمقراطية وأشكالها المعاصرة، وربما كان الاعتدال في الرؤية وعدم المبالغة أو التهوين من تأثير الثورة الفرنسية هو ما يصبغ رأي لوبون في هذ الجزء وربما في الكتاب كله.