هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • تزوج اتنتين معا | 2024-09-07
  • التنمية البشرية والمبادرة المنتظَرة، ، مقال | 2024-09-07
  • الصفر ….الصدئ | 2024-09-07
  • وصلنا لفين | 2024-09-07
  • كود 396 او كود تسلا بطيخة | 2024-09-07
  • ﻟﻠﻐﺮﺑﺔ ﺁﻻﻑ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑْ  | 2016-12-28
  • خطأ التعامل مع الشخص علي أنه ذكي | 2024-09-07
  • لعنة الله علي المناصب | 2024-09-07
  • حسام حسن و العناد | 2024-09-07
  • وجبة بطاطا | 2024-09-06
  • دوامة البدايات | 2024-09-07
  • حبات الرمل (١) | 2024-09-06
  • عدة أوجه  | 2021-09-06
  • اريد | 2024-09-04
  • هذه الليلة صاخبة | 2024-08-02
  • أنت قدّها وقدود | 2024-09-05
  • خليفة إبليس في الأرض | 2024-09-04
  • للصمت حياة لا يعقلها الحالمين  | 2024-09-02
  • حياة نصفها كِتاب | 2024-09-03
  • مبعتمدش انتماءات  | 2023-09-06
  1. الرئيسية
  2. مدونة صفا غنيم
  3. ويبقي  الحب

                        

جلست قرب نافذة القطار المتهالك شاردة عبر النافذة ، أصوات كثيرة متداخلة ، لم يستطع صوت منهم أن ينتزعها من شرودها هذا، غير صوت رجل خمسيني جلس فوق المقعد الواقع أمامها قائلا لمن جلس بجواره :

-منذ وقوع النكسة وكل شئ أصبح مر ، المحصول لم يعد كما كان وكأن الأرض نفسها تأن لما حدث ، أمسك الرجل بلفافة تبغ يشعلها قبل أن يجيبه قائلا:

-ليست الأرض فقط هى من توقفت عن حصاد ثمارها ، لي ولد واحد تزوج قبل النكسة بعام ومر عامين وحتى الأن لم ينجب ، أشعر أن الجميع أقسم ألا يفرح قبل أن تفرح الأرض برجوعها إلينا

تنهدت وهناك صوت يتردد بين جنبات روحها  قائلا:

-إذن النكسة لم تلحق بالأرض فقط ، بل لحقت بحالنا جميعا وكأن هناك شئ يخفي يربط بيننا وبين بعضنا البعض ، عادت من شرودها على صوت نكات وتهكمات ونمنمات تسربت إلي أذنيها ،عادت بعينيها من الطريق الذي كانت تتصفح ملامحه طيلة رحلتها ، وجدته يقف مستند بظهره إلي أحدي المقاعد يكتم غضبه ، فهمت دون سؤال أن ما سمعته من نكات كانت تقصده ، زيه الذي أنباء أنه أحد جنود الجيش ، أكد لها أنهم أخرجوا ما بداخلهم من غضب حينما رأوه ، ظلت ناظرة بوجهه الخمري اللون وعينيه السوداء وشعره البني الناعم وتلك الغمازتين فوق خديه ، شعرت بألمه من خلال صمته ، وقف القطار فجأة ليهتز الجميع ، نهض من كانوا يجلسون أمامها مغادرين  نظر حوله يبحث عن  مقاعد  شاغرا ليجلس به ، رأها ناظرة إليه ، فهم  أنها تود أن تخبره بأن يجلس ، خطى ناحيتها جالسا أمامها وهو صامت ، تحرك القطار مرة أخري يكمل طريقه ، مرت  دقائق قبل أن تتحدث إليه قائلة كمن يحاول أن يخفف عمن أمامه لحظة حزن يحياها:

-لا عليك هم فقط يحاولون أن ينفثوا عن حزنهم ، لا تحزن وأترك الأمر جانبا ، رفع وجهه إليها وقد ارتسمت على ملامحه أبتسامة هادئة قائلا:

-لست غاضبا منهم أنا حزين من أجلهم ، كم وددت أن تذهب أنفاسي ولا أحيا ما حدث ..لكنها إرادة الله ، سوف نعود لنحارب من جديد وسننتصر ، أبتسمت له قائلة:

-مؤكد سننتصر ونعود نحيا من جديد فرحين برجوع أرضنا ورجوع أرواحنا ، فقط أبتسم

وضع يديه تحت ذقنه قائلا:

-صدقينى أنت النسمة الهادئة التى قابلتها منذ أن تركت مكانى هناك فى سيناء وجئت أقضي يومين أجازة مع أسرتي ، أخبريني ما أسمك؟

أحتضنت كتب كانت تمسك بها قائلة:

-فاطمة أسمى فاطمة  وأنت ما أسمك؟

أتسعت أبتسامته قائلا:

-أسمك هو نفس أسم أمي وكم أحب هذا الأسم ، ألم أقل لك أنك نسمة هادئة ، أما عن أسمي فهو أحمد ، قطع حديثهم أمرآة تحمل طفلها تود الجلوس بجواره ، أفسح لها مكان بجواره لتجلس به ، أردف قائلا:

- أين تسكنين ؟ مدت أناملها ترفع خصلة من شعرها قد سقطت على عينيها قائلة:

-أسكن حي الحسين وأنت أين تسكن؟ أتسعت عيناه وهو ينظر خارج النافذة قائلا:

-أسكن حي السيدة زينب ، وكم جئت إلي حي الحسين أصلي بمسجده ، أنني أعشقه كما أعشق السيدة زينب وكل شبرا بمصر ، لاحت نظرة حزن بعينيها قائلة :

-من منا لا يعشقها ..لكن أخبرني هل تؤدى فترة تجنيدك أم أن عملك بالجيش؟ مد يديه يغلق النافذة التى تُسرب البرد إليهما قائلا:

-أنني أؤدي فترة تجنيدى ، أننى أعمل مهندسا مدنيا و أمارس  مهنتي داخل الجيش أيضا ، أبتسمت له قائلة:

-يوفقك الله أنت وجميع من معك ، أبتسم لها بحب قائلا:

-وأنت ماذا تصنعين هنا بالأسماعيلية ؟ مدت إليها يديها بما كانت تمسكه من كتب قائلة:

-أنني أدرس هناك بكلية الآداب قسم تاريخ ، همس بينه وبين نفسه بصوت منخفض قائلا:

-تاريخ اليوم هو الخامس عشر من شهر يونيو ١٩٧٣ لن أنسي هذا اليوم ، رفعت حاجب عينيها اليسرى مداعبة إياه قائلة:

-فيما أنت شارد هكذا أيها البطل ؟ خرجت من بين شفتيه أبتسامة ساخرة قائلا:

-بطل ؟ لست بطل بعد يصير هذا اللقب صحيح حينما نحارب وننتصر وقتها فقط ستكونين محقة عندما تنادينى بالبطل ، مدت يديها دون إرادة منها تربت كفه الأسمر قائلة ومازالت أبتسامتها مرسومة فوق شفاهها قائلة:

-سننتصر ، غدا سننتصر طبيعة تلك الأرض يقول هذا أنه مهما مر عليها من انهزامات وسقطات حتما سننتصر ، أكتفي بأن يبتسم لها قائلا:

-متى تعودين إلى الإسماعيلية ؟

أتسعت عينيها كمن سمع للتو شئ كان ينتظره قائلة:

-نهاية الأسبوع  تنتهي عطلتي وأعواد وأنت؟ نظر بساعة معصمه قائلا:

-أنا أيضا سأعود فى نفس موعد عودتك ، علت صافرة القطار يعلن نهاية رحلته ووصوله إلي محطة مصر وقف من بالعربة يغادرونها وظلوا هم حتى غادر الجميع ، نهضا مترجلين هم الأخرين وقف يشد على كفها قائلا:

-سأراك نهاية الأسبوع ، قلبي يحدثني أنني سأراك مرة أخري ، تركت يدها بين راحته قائلة:

-أتمني أن يكتب لنا الله لقاء ثاني ، أراك بخير ، تركته مغادرة المحطة وقف يتبعها بعينيه وما وصلت إلي نهاية طريقها حتى وقفت تنظر إليه لوحت له بيدها مرسلة أبتسامة تصطحبه ، سقط باقى اليوم سريعا وكلا منهم فى بيته وسط أهله ..لكن هناك شئ ما ينقصهم ما هو لا أحد يعرف كانت تلك هي أطول إجازة شعروا بها ، تمنوا أن تمضي سريعا ويتقابلا ثانية ، هناك شئ ربط بينهما ، شئ لا يعرفون ما هو وأن كان كلاهما يشعر به ، لملمت "فاطمة" أشيائها ماضية في طريقها إلي جامعتها قبل أن تنتهى فترة إجازتها ، أوقفتها أمها سائلة إياها :

-ماذا حدث بنيتي ؟ لم أنت مغادرة اليوم ، باقي يومين وتنتهى فترة إجازتك ، توقفت واضعة حقيبة ملابسها بجوارها مجيبة أمها:

-لا شئ يا أمي هناك بحث هام يجب أن أنهيه وأسلمه لرئيس القسم بالكلية ولا وقت أمامي ، أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ، مالت تقبل رأسه ومضت فى طريقها ، وصلت إلي محطة القطار وقفت فوق رصيفه ،فجأة أعلنت السماء سقوط أمطارها ، بحثت عن مكان تحتمى به ، خطت لتجلس على أحدى المقاعد شاردة فى قطرات المطر هامسة لنفسها:

-كاذبة يا نفسي ، تلك هى المرة الأولى التى تكذبين فيها على أمك ، هل حقا هناك بحث تودين الأنتهاء منه ؟ أم أنك تبحثين هنا عنه ؟ أم أنك أحسست بوحشة غريبة فى غيابه ، فجأة رأت خيال يقف أمامها عادت من شرودها تنظر إليه ، لتجده هو بابتسامته الصافية وعينيه الدافئتين يقف أمامها، أبتسمت له دون كلام دون سؤال ، ظل كلاهما يحدق بالأخر ، جلس بجوارها قائلا:

-لم أتيتِ إلى هنا وقررتِ السفر قبل أنتهاء إجازتك؟  نظرت إليه قائلة:

-وأنت ما الذي جعلك تأتي إلى هنا قبل أنتهاء إجازتك؟ نظر باتجاه شريط القطار شاردا به قائلا:

-لا أعرف حقا ، شئ ما جعلني آتي إلي هنا ، شيء أقوى منى جعلني أبحث عنك دون أن أعرف السبب ، تلك هى المرة الأولى التي أقطع بها إجازتي وأعود ، أخذت تعبث بأناملها بما تحمله من كتب دون كلام ، وصوت بداخلها يقول:

-هل هذا هو الحب الذي قرأت عنه كثيرا فى الروايات ؟ هل من الممكن أن نحب دون تمهيد أو سابق أنذار ؟ يا الله ما هذا الذى يخترق روحي دون تمهيد ؟ لم هو بالذات ؟ ما سبب تلك السكينة التي أحسها بجواره ، وصل القطار الذي سيقلهم إلي وجهتهم ، نهضوا معا ، جلسوا بجوار بعضهما البعض ، شق القطار طريقه ، حاول أن يبدأ الحديث قائلا:

-فاطمة ، هل لي بسؤال؟ بتردد جاوبته قائلة :

-تفضل ، أخذ نفس عميق قائلا:

-سوف أروي لك شئ وعليك أن تسميه لي بأسم محدد ، منذ أن تركتك وأنا أشعر أن هناك شئ ما ينقصني ، شئ أنتزع منى وبدونه تائه ضل طريق عودته ، نعم لا أعرفك عن قرب ولم يدم حديثنا طويلا ولم أراك ألا مرة واحدة .. لكن سبحان مؤلف القلوب ، تلك هى المرة الأولى التي أعرف أن هناك من نقابلهم ساعات ويصيرون كل شئ بالنسبة لنا ، أخبريني ماذا تسمي ما حدث؟ أحمرت وجنتيها خجلا ، حاولت أن تجمع الحروف والكلمات قائلة:

-صدقنى أن قلت لك أنه نفس الشئ بالنسبة لي ، ضحك عائدا برأسه للخلف قائلا:

-إذن هذا هو القدر الذى لا نملك حياله شئ ، قد جمعنا الله دون موعد وكأننا نصفين نبحث عن بعضنا البعض ، فاطمة لا أعرف ماذا سيحدث فى عودتى تلك ..لكن أعاهدك والله شاهد عليٓ أن عدت بخير لن أعود إلا وأسمك معقود بأسمي ، نظرت إليه بعينين يفيضان شوق وحب وخوف ، مسح على كفها قائلا:

-لا تخافى أدعي من جمعنا أن اعود إليك سالم مرة أخرى ، وصل القطار نهاية رحلته ترجلا من القطار ويديهم متشابكتين ، سارا سويا حتى وصلت إلي كليتها وقف يودعها ووجه يفيض بشرا قائلا:

-أنتبهي لحالك جيدا ، أنتظرينى مهما تأخرت سأعود إليك ، شدت على كفه كطفل صغير لا يريد أن يترك أمه قائلة:

-ستعود أعلم أن الله لن يرضيه أن يجرح روحي ، تركها ماضيا فى طريقه ، ظلت واقفة تتبعه بنظرها حتى أختفى ، قربت كفها من أنفها تستنشق ريحه هامسة :

-اللهم  أحفظه كما حفظت سيدنا موسى لأمه ، مرت الأيام سريعا وعادت إلي  محطة القطار تنتظره ..لكنه لم يأتي ، أعتصر قلبها خوف عليه ، جلست على رصيف المحطة تنظر بوجوه العابرين تبحث عنه وسطهم لكن دون جدوى ، سمعت بعض الأحاديث التي تموج بها المحطة تقول :

- أن هناك طوارئ بالجيش وهناك أحاديث عن قيام حرب ، وضعت كفها فوق قلبها كمن يخاف أن يترك ضلوعه ويخرج قائلة بصمت:

-كن معهم يا الله وأكتب لهم النصر ، مرت الشهور ولم يراه ولم تعرف عنه أي شئ ، جاء شهر رمضان الكريم كان هو دعوتها التى لا تنساها كل يوم ، علا صوت المذياع فجأة يعلن أن جنودنا عبروا القناة ورفعوا علم مصر ، بكت وضحكت فى آن واحد بكت فرحا وخوفا عليه ، ضحكت فرحة بالنصر ، مرت الأيام والجميع يتابع ويدعوا الله أن تعود الأرض وهي تدعوا معهم أن يعود أليها الغائب بخير ، أنتهت الحرب ومرت الأيام ثقيلة عليها ، لم يعد ولم تعرف عنه شئ ، بحثت عنه فى جميع المستشفيات ، سألت عنه كل من رأته عائد من الحرب لكن لا جديد ، لا جديد يخبرها أنه بخير ، جاء الشتاء من جديد ..لكنه جاء أكثر برودة وصقيع لأنه جاء خاليا منه ، جلست بنفس المكان الذي جلسوا به سويا من قبل ، لم تعد ترغب فى فعل أي شئ ، جلست شاردة بعيد ، فجأة رأت شخص يشبهه من بعيد ، تعلقت عينيها به لكنها سرعان ما عادت بهما إلي الأرض أنه شخص كفيف ، مرت لحظات وسمعت صوت دقات عصاه التي يتكئ عليها تقترب منها ، لم ترفع رأسها إليه لم تنظر باتجاهه ، جلس بجوارها ، مرت دقائق تسرب عطره إليها ، عقدت حاجبيها أستدارت تنظر إليه ، شهقت فجأة ، نزلت دموعها دفعة واحدة  ، فشلت أن تنطق بكلمة أو توقف سيل دموعها ، أنه هو أنه "أحمد " .. لكنه كفيف ، كيف حدث هذا ؟ متى حدث ؟ لهذا غبت عني طيلة هذه الشهور ، أمسكت بكفه ، أنتبه فجأة ، سمع صوتها يئن وهو يناديه ، علم أنها هى ، أنتفض واقف يحاول أن يغادر المكان ، أمسكت بذراعه تستوقفه قائلة:

-أحمد اشتقت إليك كثيرا الآن فقط عادت روحي ، حاول أن يتركها ويمضى لكنها تشبثت به متوسلة إليه آلا يغادر قائلة:

-لم تفعل هذا ؟ ما سبب أبتعادك عنى ؟ انتظرتك وبحثت عنك طويلا ، خرج صوته  حزين قائلا:

-ابتعدت عنك لأنك تستحقين من هو أفضل مني ، كيف ستحيين مع إنسان فقد بصره فى حرب، أنا أحبك لهذا فضلت أن أبتعد كى تعيشتي حياتك مع من هو أفضل منى ، ضمته إلي صدرها ، أعتصرته بين ضلوعها ، هو الأخر أطبق ذراعيه عليها ، تنفس بعمق كمن وجد واحة سلام عاش بها ، همست له قائلة:

-أنا عيناك وبصرك ، أنا عصاك اتكأ علي ولن أدعك ترحل مهما فعلت ، أنا معك مهما حدث ، حينما أحببتك لم احب بك جسد رجل ولا عطر رجل بل أحببت روحك ، أمسكت العصا التى يتكأ عليها ملقية بها بعيد ، واضعة كفها بكفه ممسكة به قائلة:

-هيا نكمل طريقنا معا ، تمسك بيدى جيدا سوف نكمل ما بدأناه سويا أن فقدت كل ما لديك لن تفقدني وسيبقى الحب دوما رأس مالنا .

                             -تمت بحمد الله-

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

2892 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع