ما لم تدركه بعد يا ولدي_وهذا ليس لقلة إدراكك فقد حباك الله عقلا وفهما حمدا لله ولكن لعدم تجربتك _ والإدراك والتجربة متلازمان فقد تدرك أشياء معنوية بشكل سطحي غير محسوس وما إن تخالطها التجربة حتى يصير الإدراك قويا ملموسا محسوسا_ هو أن للأمومة جناحا خفيا يحلق بأحلام الصغار في سماء عالية تراه الأم وحدها دون سائر الخلق ، أحلامك يا ولدي ما إن تستشعرها أمك أو تحكيها أنت لها ولو كانت من حكايا الطفولة البريئة تأخذها أمك على محمل الجد فتتبناها وتكبر بها ومعها ولها يصبح حلمك جزءا لا يتجزأ من حياتها فتراها معقودة عنده ومعقود هو عندها فلا يرتاح لها بالا إلا بعد أن تراه واقعا ملموسا ولذلك لا تتعجب يا _حماك الله_حينما تجدها تذكره في الغدوة والرواح والصبح والمساء إذا ما تبسمت فلأنها وجدت له فكرة تخرجه بها إلى النور وإذا شردت فلأنها تفكر كيف تبني له عشا يحفظه من موبقات الزمان وأما إذا ما بكت من غير سبب فلعلها أوصد في وجهها بابا حسبته يفتح..  

تلك هي أحلامك يا ولدي تدخل مباشرة إلى قلبها لا مجال للعقل في تلك النقطة القلب وحده يفكر ويدبر ويدعو وينفذ لا تعجب يا ولدي هكذا فطرها الله قلت لك لم تعِ بعد فقل سبحان من أودعها رحمته .

إنها الأم يا ولدي تشعر بك قبل أن تكون ثم تشعر بك في رحمها وتشعرك وأنت خارج رحمها حيا ترزق تشعر بجوعك إن جعت وهي بعيدة عنك لبعض شأنها فتراها تطوي الأرض طيا تحت قدميها كي تعود وتطعمك وتشعر بألمك إن أذن الله لأسنانك بالتكوين ثم تشعر بالحنين إليك إن ضمتك معلمة الروضة بحب أمامها إنها أمك ولست هنا كي أستدر عطفك نحوها فقد أنزلها الله منزلتها التي تستحق فقرن طاعتها بعبادته والإحسان إليه توصية منفردة ثم هو سبحانه يضمد جراح قلب مريم حين حزنها 

﴿فَكُلي وَاشرَبي وَقَرّي عَينًا فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ البَشَرِ أَحَدًا فَقولي إِنّي نَذَرتُ لِلرَّحمنِ صَومًا فَلَن أُكَلِّمَ اليَومَ إِنسِيًّا﴾

[مريم: ٢٦]

وأعاد موسى لأمه كي تقر عينها ولا تحزن﴿فَرَدَدناهُ إِلى أُمِّهِ كَي تَقَرَّ عَينُها وَلا تَحزَنَ وَلِتَعلَمَ أَنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكثَرَهُم لا يَعلَمونَ﴾

[القصص: ١٣]

وهذه هاجر أم إسماعيل تؤمن بابنها وتربيه ليصير أبر الأبناء لأبيه إبراهيم عليهما السلام

وغيرها وغيرها وغيرها أم الشافعي التي حملت حلم ابنها ودفعته للتعلم وأم توماس أديسون الي آمنت بقدرات ولدها حتى أصبح مخترع المصباح الكهربائي

الأمثلة لا حصر لها يا ولدي إن أردت المزيد فإن لم تكن أمك واحدة منهن فهي مثلهن.

 وحلمك وأملك الآن ينسج في قلبها تحلق في سماء تحقيقه تراه هي حقيقة وتراه أنت مستحيلا لأنها ترى بعين قلبها واليقين وتراه أنت بعين الإمكانات المادية المحسوسة فلا عجب أن تحبط أنت وتبث هي فيك الأمل.

أرأيت يا ولدي أنك لم تدرك ولن تدرك أبدا هذه يا صديقي إحدى الهبات التي وهبها الله للأم لكي تكتمل الحياة بلونها الحسي والمعنوي فكنت أنت المحسوس وهي الحب ،أنت الأسباب وهي اليقين،أنت التفكير وهي النبض،فكن لأمك حلما مزهرا يا بني فتزهر أيامها وتنفرد أجنحتها في سماء اليقين لتنسج لك الأحلام في حدائق قلبها ثم تطلقه في رسائل السماء ليعود إليك واقعا حقيقيا وحفظا ونجاحا وفلاحا.

وعلى قلبك السلام يا صغيري