آخر الموثقات

  • القاهرة .. جبارة المحبة جابرة التائهين.
  • من طرف واحد
  • العتاب محبة
  • هزمني الصمت
  • على لسان نائب
  • ديننا و دينهم
  • الرجل .. للحب جائع
  • التعلم و النجاح المالي
  • من أعجب الناس إيماناً عند الله يوم القيامه ؟
  • كرموا فتحي عبد السميع
  • قواعد الأستخدام الآمن لمضادات الإكتئاب
  • أخطاء الكبار و الصغار
  • الخوف من بعضهن
  • قبل ما ناكل حلاوة المولد
  • معنى الحب
  • هل خدعكم سبتمبر قبلا؟
  • عاشق عابد صادق أواب
  • أختبئ داخلي
  • فيولين - عهد الثالوث - الفصل 14
  • أنت ميّت على قيد الحياة
  1. الرئيسية
  2. مدونة أماني عز الدين
  3. غبار العودة ..

كعادته يتقدم بسرعة رهيبة نحو الأماكن التي نغيب عنها ويحتلها فيلقي بظله علي كل الأشياء إنه " الغبار " .

هكذا حدثتني نفسي لحظة أن عدت بعد سفر طويل إلى بيت عائلتي القديم لأجده علي تلك الحالة ، أدركت المعني الحرفي لتلك الجملة فقد إكتسي هنا كل شيء بالغبار .

في البداية هاجمني صوت صرير مزعج أصدرة مزلاج الباب الخارجي لحظة أن حاولت فتحة وكأنه يعلن عصيانه أمامي لأني من جعلته يستيقظ من ثُبات دام سنوات لم أعد أهتم بعددها ، كانت هي فترة غيابي عن أرض الوطن .  

كل شيء هنا ، بات له ملمس وشكل مختلف ، 

 المقابض إكتست بما يشبه الصدأ وأصبحت قاسية و خشنة تصيب من يلمسها بوخزات كتلك التي نشعر بها حين نلامس ثمرة تين شوكي .

مهما حاولنا تفادي أشواكها الظاهرة ، باغتتنا بوخزات من وبرها ، شيء غير مرئي لكنه محسوس وملموس ..

 يسبب الكثير من الألم و الأذى إن علق بأطراف أصابعنا ..

المشهد هنا لايوصف بالكلمات 

 إنما يمكن أن نستشعره ، مزيج عبثي ما بين صورة لازالت محفورة بذاكرتي وقت أن كنت أعيش هنا بهذا البيت قبل أن أرحل عنه وكأنني أفر من يوم الزحف ..

في محاولة بائسه لتحقيق حلم مبتور ، 

وبين أنوار وأصوات متداخلة تملأ رأسي صخب لحياة لم يعد لها وجود فعلي علي أرض الواقع ..

 الأن كل شيء من حولي إكتسي بظلال كئيبة . اللون المسيطر علي المشهد أمامي هو اللون الرمادي 

 كل الأشياء يغلفها الصمت. وكأنها أعلنت توبتها وانزوت بركن مظلم تسبح لتكفر عن آثامها..

ظلال باردة تملأ أرجاء المكان ..

ربما أن هذا الشعور بالرجفة لايعبر عن شيء سوي أن أرواحهم وأطيافهم لا زالت عالقة هنا تملأ المكان وتعلن عن وجودها ..

كنت أتطلع إلي كل هذا بعين دامعة من خلال ضوء ينبعت من كشاف هاتفي ، إتجهت نحو الزاوية كي أضع مكبس الكهرباء و أشعل الضوء ..

تعثرت قدماي بشيء واقع علي الأرض لم استطع أن أستوضح ماهيته كدت أسقط لكن شيء ما حماني من الوقوع لست أدرك ما هو ،لكنني في تلك اللحظة تذكرت عادة أمي القديمة أن تقوم بلف السجاد ووضعه إلى جانب الحائط، كانت لها عادات قديمة لم تتخلي عنها أبداً فلقد كانت تدثر الأثاث بالأغطية علها تحمية من هبات الأتربة ..

وضعت المكبس فأضاءت كل أضوية البيت فجأة ..

لأجدني أُغلق عيناي كي أستوعب مقدار الضوء المباغت لعيني ..

إن العتمة تشبه الضوء كلاهما مؤذي للعين وكلاهما لا تكون الرؤية فيه واضحه ..

بدأت بعد قليل أستوعب الضوء لتتضح الرؤية من جديد ..

كل شيء ساكن ..

وجدتني أتجه رغما عني نحوه وكأنما أقدامي تعرف وجهتها ، هي من تسوقني إليه وأخذتني بإتجاهه 

 وجدته كأنه يتطلع بي مثلما أتطلع به علي وضعيته كما هو ساكن مكانة أمام النافذة ..

حين وضعت يدي عليه ولامسته وكأنما بعثت إليه الحياة من جديد وأخذ يهتز كسابق عهدي به ولكن الفرق هذه المرة أنه أصبح خاليا ، لم يعد يهتز مثلما كان يحدث بالماضي .

حينما كان يجلس والدي عليه متجهاً بنظره نحو النافذة ..

هنا كان مكانه المفضل يجلس ليحتسي قهوته مستمتعا بحركة كرسية الهزاز منصتا الي لحن اغنية قديمة ..

لازال صداها عالق في ذاكرتي .

"مادام تحب بتنكر ليه ،ليه اللي يحب يبان في عنيه ، اللي يحب يبان في عنيه، مادام تحب بتنكر ليه ليييه .."

وكأنني اسمعها لحنا وصوتا من جديد ، سرت بي رجفة لم أستطع احتمالها ..

هناك حقيقية تقول أن الأشياء تحزن بعد رحيل أصحابها وكأنها تفقد جزء من روحها بقطع الصلة بينهما ..

دفء غريب بت أشعر به الأن، علها الذكري هي ما جعلتني أشعر هكذا .

أقف صامته ..

فجأة وكأنما أنتُزعت مني الحياة ، روحي تتخلي عن جسدي لتعود تدب في كل شيئاً حولي بقدر ما تنسحب من جسدي ، صدي صوت يملؤه البهجة ينادي من بعيد : بابااااا

 أتلفت لأجدني بهيئتي القديمة أهرول بإتجاه الكرسي المجاور للنافذة وأحتضن أبي الجالس وأُبلغه بقبولي ضمن البعثة التعليمية المتجهه إلى فرنسا..

كان هذا الحلم الذي كنت أسعى إليه وأخيرا حظيت به ..

سأسافر ..

لم يهتز له ساكن ولكنه نظر إلى بعين دامعة نظرة لم أفهمها إلا بعد حين ..

صوت إرتطام يأتيني من الخارج يعيد إلى روحي المسلوبه لأعود إلى الواقع من جديد .

لا أعرف هل مرت الايام والسنون 

مسرعة أم أني كنت أجيد الركض واستطعت أن أنهى دراستي في وقت قصير وأشرع في تحقيق أحلامي ، حلم يتلوه حلم حتي أني أصبحت أسيرة لأحلامي وفي زحمة أيامي نسيته ..

 نسيت ذلك العجوز الجالس عند حافة النافذة في إنتظاري .

مرت أعوام وحين عدت كان كل شيء مختلف ، يبدو أنه مل الإنتظار ورحل علي حين غفلة الي عالم آخر أرحب وأوسع ..

كان دوما هنا يقف حائلا بيني وبين حزن الدنيا ، لكنه أفلت قبضتي . أو ربما أنا من أفلت قبضتي منه في البدء وأنتزعت آشلائي المعذبة. وتركته وحيدا. فكان لزاما علي الأيام أن ترد عليا الصاع صاعين ..

 وتركني من كنت به أكتفي ...

 ها هو يرحل إلى مثواه الأخير دون أن يودعني ..

لأظل ما بقي لي من عمر أبحث عن الأمان عن أرض صلبة أقف عليها .. اُمني نفسي بالصلابة لكن أقدامي لا تنخدع بالثقة الزائفه وتدرك أنها ترتكز علي شيء رخو أو ريما كان الوصف الأدق أنه هش سوف يتحطم لأسقط في فجوة لا نهائية .

أشعر أن شيء ما داخلي ينهار علي الرغم أني علي حالي أبدوا واقفة وثابتة .

قرأت ذات يوم جملة مؤثرة جدا في رواية 

" البؤساء " للشاعر والروائي الفرنسي فيكتور هوجو

 تقول 

" هناك لحظات تكون فيها الروح جاثية على ركبتيها مهما كان وضع الجسد. "

حقا إنها أشد لحظات الإنهيار تلك التي تمارسها الروح قبل إنطفائها ، ليس إنتصاراً أبدا أن نبدو صامدين من الخارج حد الشموخ وتكون أرواحنا في داخلنا جاثية، بل علي العكس تماما إنها ذروة الإنكسار ..

هكذا يكون الوصف الدقيق لما وصلت إليه الأن .

عدت إلى موطني يصحبني نجاح يتحدث عنه القاصي والداني ، أحمل أعلى الدرجات العلمية ولكني للأسف الشديد لم أجد من أحدٍ في إنتظاري لأُهديه هذا النجاح ..

 

 

شكرا

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

710 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع