لم يعتقد "جعيدي" أبدًا أنه سيرتاح هكذا لرؤية العميل "008" فقد يحمل له بعض الإجابات عن ألغاز هذه الليلة. جرى ناحيته في تحمس مثلما يجري العيال من صاروخ اشتعل صباح يوم العيد وأُلقي عليهم في محاولة لتفاديه قبل أن يفرقع في شباشبهم.
= عميل "008" أخيرًا ظهرت.
-لا بينا حلم ولا بينا وعد مجرد اتنين عرفوا بعض، خير يا عميل "جماجم"؟
-أنا....مبقتش فاهم حاجة.
-طب بس بس خد نفسك كده وتعالى نروح المطبخ نعمل لنا اتنين سحلب على الوابور أبو عين واحدة.
اتبع "جعيدي" "008" إلى المطبخ وجلس على كرسي بينما قام بوضع كنكة على الوابور بها السحلب.
سأله العميل "008" بينما يتابع السحلب ويعطيه ظهره في أجواء الشموع السوداء التي بالكاد تنير المكان:
-إيه يا سي جماجم، إيه قصتك بقى؟ عامل دوشة ليه؟
= الموضوع بدأ لما "مهيطل" كلمني وقال إنهم محتاجيني في مبنى الملفات السرية أوي بعد ما كنت خلصت ساعات الشغل وفي البيت ناقع نفسي في فقاقيع الصابون والملح في البانيو..
-مين هم بقى اللي محتاجينك؟
=هم..
-أيوه، هم مين؟
=الناس اللي في الشغل.
-مين الناس يابن الناس؟
=هم...
-طيب طيب وبعدين؟
فار السحلب في اللحظة التي التفت فيها العميل "008" إلى "جعيدي" برغم أن عينيه كانت مثبتة على الكنكة طوال المدة الفائتة، لكن السحلب استغل فرصة انشغال "008" ليفعل فعلته ويفور ويزروط الوابور...
أقشعر بدن "جعيدي" لفوران اللبن والصوت الذي أحدثه بعد أن احترق على قاعدة الوابور.
-ولا يهمك نعمل سحلب تاني.
= مش عايز سحلب.
-أومال عايز إيه؟
= عايز أروح.
-طب استنى بس، إيه رأيك نكلم العميل "مهيطل" نشوف القصة؟
= ماشي بس لو حصل أي ظواهر غريبة تانية أنا همشي.
-على الفور....
أخرج العميل "008" جهاز الموبايل الذي يشبه اللاسلكي الووكي توكي من جيبه والذي تعدى حجم فردة الشبشب وفرد الأريل على آخره حتى يلتقط إشارة...
نظر إلى "جعيدي" في قلق وقال:
-مش بيرد... أهو رد....أيوه يا عميل "تعلب" أنت فين، قريب ولا بعيد حزين ولا سعيد، فاكر سنيني ولا قلبك نسيني ولا؟....طايب، طيب، لسه مختل زي ما أنت وفاكر الفضائيين خطفوا الناس على عربية طافية على الرصيف على ناصية شارعكم في ميت غمر وطاروا بيهم؟ جميل، جميل....لاا أبدًا كان في مسألة كده معلقة مش باين ليها أرار، أنت كلمت العميل "جماجم" وقلتله ييجي مبنى الملفات السرية أوي؟
اتسعت حدقتا العميل "008" وزغر ل"جعيدي" ويكأنه طالب في المدرسة قد ارتكب فعلة شنعاء وهذا ولي أمره يتلقى الخبر من مدرسٍ ما...
ظل غامضًا هكذا، لا يتوقف عن التحديق ل"جعيدي" بينما انفتح فمه عن آخره حتى دخل الناموس وتفسح وأخد راحته في جوفه....
سأله "جماجم" في توتر:
= قالك إيه؟
-قال لي حبني على مهلك ده أنا آخر العنقود ومعلقش على الكلام، واكتفى بأنه قال لي استنى مكاني ومتحركش لحد ما ييجي لإن الموضوع خطير مينفعش يبقى عبر التليفون...
انتظر الإثنان وصول "مهيطل" على أحر من الجمر، فترات كبيرة من الصمت الرهيبي، الصمت الرهيبيي، تتخللهم محاولات لكسر الجمود والجو السسبنسز الموتر ببضع كلمات، ثم يعود الصمت مرة أخرى مع نظرات مريبة من جانب أعين كل منهما تجاه الآخر حتى أخيرًا وصل المايتي عميل "مهيطل التعلب".
فط الاثنان من أماكنهما وجريا نحوه، انطلق "جعيدي" يستفهم:
=كلمني كلم كلم كلمني فهمني فهم فهم فهمني.
تجاهله "مهيطل"، وأيضًا مشى وتجاوزه إلى حيث كان العميل "008". قطب جبينه ثم سأل بجدية:
-هاه بقى يا عميل "008" كنت بتقول إيه؟
-كنت بقولك كلمت "جعيدي جماجم" واستدعيته في شغل في الساعة دي بعد ما كان بيرلاكس في حمام فقاقيع صابون الغسيل؟
لف "مهيطل" يده بحنو حول رقبة "008" واقترب منه حتى التصقت الرأسان ثم سأله مرة أخرى:
-أنت بتتكلم عن العميل "جعيدي جماجم"؟
-أ...اااايوه، ده قال إنه شاف ظواهر عجيبة غريبة يشيب لها عمرو دياب.
-هو فعلًا العميل "جعيدي" من اكفأ العملا اللي عدوا على الملفات السرية أوي، شريك لا غبار عليه برغم إنكاره للظواهر الماورائية ونصرته للرز بلبن وجحوده للمهلبية، لكن...."جعيدي" بطل ييجي من 7 سنين...
-إيه؟ إزاي؟ ليه؟
-عشان "جعيدي جماجم" مات من 7 سنين!
-هو أنا غبت عنكم كل ده؟
-اه كنت واخد أجازة وضع.
-اه صحيح.
انطلق صوت البيانو مع صوت المطر المنهمر والرعد...
بتقولوا إيه؟ إنتوا بتقولوا إيه؟ أنا .....مت؟ ومن سبع سنين؟ لأ، لأااااااااااه، أنا أهو قدامكم بشحمي ولحمي، أنا مبقتش قد جرح، أنا مبقتش أستنى فرح، اسمعوني، أنا هنا....
ثم جرى وهو يقفز أمام "مهيطل" تارة وأمام "008" تارة أخرى ويلوح بيديه ويصرخ "هالو"، لكن دون جدوى، لا يسمعوه أو ينتبهوا لوجوده، حتى "008" الذي كان يتعامل معه قبلًا لم يعد يراه.....