هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • شهيد المعبر 149
  • الصبر على البلاء والحرمان: امتحان القلوب وصقل الأرواح
  • فوانيس مصر في رمضان 
  • العمل عن بُعد
  • فستان فرح 
  • طريق ومنحنيات
  • قلب وعقل 
  • أهو الإنسان؟!
  • نجاح بطعم الفشل
  • التيك توك .. مقزز
  • إلى صاحبةِ الحُزنِ الطويلِ
  • الهدف التوعية
  • محتوى بلوجر قبيح و معيب
  • هل الوهم يرسم، يا يحيى؟
  • مبروك أنت ممسوس
  • نجمة أمل
  • وميض ومضة غرام
  • ذلك الصباح البعيد 
  • ‏في أوروبا استطاعوا تحويل الزبالة لطاقة كهربائية‏
  • التوازن بين الابتكار والحفاظ على الأصالة
  1. الرئيسية
  2. مركز التـدوين و التوثيـق ✔
  3. المدونات الموثقة
  4. مدونة ياسمين رحمي
  5. علال العاشق

أنا عارف أن المفروض أي أخ يغير على أخته لما تحكيله عن ظهور راجل في حياتها، المفروض يكون متحفز وقلقان عليها. 

لكن اللي حصل معايا العكس، أنا كنت فرحان، وشجعتها تديله فرصة وتمشي ورا إحساسها. وده عشان حالتنا مكنتش اعتيادية ابدا، "جهاد" كانت مختلفة عن ستات كتير، كان عندها فوبيا من الجواز، أو زي ما بيقولوا "العروسة الهاربة"، وده نابع من إنعدام الثقة بالرجالة، مش قادر أفهم سبب ده بالظبط، إيه مصدر الفوبيا دي، مانا عندها أهو، أقرب حد ليها في الدنيا، أكيد فيا عيوب كتير بس مخلص للست اللي معايا ومكانش عندي معايير سطحية لاختيار شريكة حياتي ولا عمري بصيت أو فكرت حتى في غيرها، وحياتي بفنيها ليها ولولادي، ليه "جهاد" بتخَون كل الرجالة، ليه شايفة أنهم يأما متسلطين، يأما عينيهم زايغة، يأما هيدفونها ويدفنوا هويتها وأحلامها أول ما يتقفل عليهم باب؟!

 

مفيش غير تفسير واحد، جهاد مخبية عليا تجارب مُرة عاشتها، كانت فيها ضحية، اتكسرت واتهانت واتعرضت لأنواع من العذاب النفسي، لحد ما في مرحلة أعلنت التمرد، أنها هتبقى زي رجالة كتير، مضربة عن الجواز والارتباط والمسؤوليات وسلامتك يا راسي. 

كنت بستغرب كمية عروض الجواز إللي بترفضها بمنتهى السهولة من قبل ما تدي لنفسها أو للعريس فرصة، المبدأ كان مرفوض من بابه.... لحد اليوم ده…

 

كنت بزورهم في البيت..قعدت مع امي في الصالة ، لقيتها داخلة علينا من بره، كانت راجعة من الجامعة…وشها كان منور، مش هي طلتها المعتادة، هي عمرها ما كانت نكدية او بتحب الدراما، بالعكس، هي رايقة جدا وفرفوشة، بس النور اللي على وشها ده كان مش معتاد، أنا عارفه، ده التألق إللي بيظهر مع ظهور حد معين، حد مميز…

-مش ملاحظ حاجة على "جهاد"؟

أمي همستلي أول لما "جهاد" دخلت تغير هدومها..رديت عليها كأني مفهمتش تقصد إيه وقلت:

=حاجة إيه يا ماما؟

-يعني الستايل بتاعها اختلف، بقت تهتم بنفسها اكتر، واحلوت.

=وده معناه إيه؟

-مش عايزه اتحمس أو أسبق الأمور، لكن أظن معناه في حاجة حلوة جايه في السكة.

=حاجة إيه بس يا حجة؟

مردتش عليا، بان عليها الزهق من المراوغة بتاعتي…

 

زي ما قالت بالظبط، مينفعش هي بالذات تتحمس أو يكون ليها توقعات عشان إحباطها وزعلها هيبقى مضاعف، أمي أكيد هتموت من القلق على "جهاد"، مش عشان متجوزتش لحد دلوقتي، لكن عشان موقفها وآرائها المتطرفة، وده معناه أنها ممكن متتجوزش طول عمرها بسبب نشفان دماغها.

إللي عملته إني انسحبت بهدوء وخبطت على باب "جهاد" ودخلت…

 

كان شكلها مضطرب، كأنها عاملة عملة، ايديها متكتفة وعينيها زايغة…

حاولت أبان عفوي، سألتها عن يومها في الجامعة والتدريس وأحوال الطلبة والعميد اللي دايما بتشتكي منه.. ما صدقت، انطلقت في الكلام، كانت بتسهب في إجاباتها وبتتكلم بسرعة جدًا، كلها علامات على توتر واضطراب وأنها مخبية حاجة، بتغطي وتلغوش على حاجة معينة، عايزاني انشغل بالمواضيع والرغي الفاضي ده…

بعد ما خلَصت أشواط الرغي سألتها عن الجديد في حياتها، ورد فعلها أكد لي اكتر واكتر إللي في بالي..

 

اتشدت، تنحت، عينيها وقفت كأنها تمثال ازاز زي باقي أطرافها وجسمها…

=ياه يا جهاد كل ده بتفكري في الإجابة؟

-مانا مش فاهمة السؤال، هيكون إيه الجديد يعني؟

=أنا إللي بسألك، مستنيكي تحكيلي.

-أحكيلك عن إيه؟

=يووه يا جهاد، خلاص أنتي حرة، مش غصب هو، كنت بس عايز أدردش معاكي.

عملت كأني متضايق ومستعد اقوم واسيب اوضتها، لقيتها بتوقفني…

 

عينيها كانت في الارض وجسمها متخشب، هتموت من الإحراج وهي بتحكي…

حكت أنها قابلت حد من حوالي شهر…كانت في مكتبة الكلية بتاعتها، كلية "سياسة واقتصاد"، بتعمل الروتين المعتاد، بتشوف كذه كتاب يبقوا مراجع ليها عشان تحضر للsessions والورق اللي هيسهل على الطلبة المنهج، وفجأة وهي منهمكة في قراية ومقارنة كذه كتاب ، شافت رجلين من تحت الطرابيزة اللي عليها الكتب، الرجلين كانوا قريبين جدا من الطرابيزة، ومش بيتحركوا، استغربت ورفعت راسها للشخص ده..

 

كان واقف فعلا قريب منها جدا، شوية وهيلمسها، وكان مركز في الكتب اللي قدامها، بيقرا فيهم..

=مين حضرتك؟

-أنا "علال الأخضر".

=نعم؟

-"علال" ، أنا من المغرب بس عشت سنين في مصر، سنوات الجامعة بتاعتي وبعديها كذا سنة، مكانش سهل عليا أول ما اخلص دراسة ارجع بلدي واسيب مصر، حاولت ألاقي شغل واستقر لكن ربنا ما أرادش فاضطريت ارجع.

=جميل بس أنا إيه علاقتي بكل ده؟ بعتذر منك طبعًا بس مش فاهمة حضرتك عايز مني ايه.

-في واحد مصري جه زيارة للمغرب الصيف إللي فات، اسمه "كريم" ، طبعا أنا لما قابلته مسكت فيه وبقينا صحاب عشان اي حد جي من مصر بيبقى ليه معزة علطول، المهم انه حكالي عن معيدة استثنائية حببته في مادة معينة وفي الكلية بشكل عام، بعد ما كان مقفول وبيفكر يغير التخصص كله وينقل كلية تانية ، "جهاد هاشم" ده اسم المعيدة.

بعد ما كانت قفشة ومش طايقاه، ملامحها ارتخت وحست بنشوة، معقول تأثيرها عميق للدرجة دي؟! الطلبة بتوعها بيحكوا عنها بره مصر كمان؟ حست بفخر رهيب بنفسها وفجأة حالها اتبدل، بقت عايزه تسمع اكتر من الراجل المغربي الوسيم ده…

وفقًا ليها مش ممكن حد يقدر يعرف أنه أجنبي لو مقالش بنفسه، كان بيتكلم مصري بطلاقه، ومخارج حروفه مظبوطة، ده حتى كان عارف آخر الألفاظ الدارجة في قاموس الشارع.. هي استغربت نفسها، أنها استجابت اول ما طلب منها رقمها، من غير تردد اديتهوله كأنه مسحوبة، ملهاش إرادة ومنجذبة ليه بشكل عجيب…

..........................................

 

الأيام اللي بعدها فضلت مستنياه يكلمها أو يتواصل معاها على الواتساب او يبعتلها طلب صداقة على الfacebook لكن اللي حصل أنها مسمعتش عنه حاجة...الدنيا اسودت في عينيها، كأن الكون كله حركته وقفت، مبقتش قادرة تركز في حاجة، مستواها في الشرح والتدريس قل، ولما حد وجهلها كلام مسمعتوش من أول مرة وحتى لما سمعت مبقتش فاهمة نص الكلام…

كل اللي في دماغها كانت ملامحه، والأصوات اللي بتسمعها صوته وبس، والكلام إللي بيتردد في بالها هو كلامه، مرة ورا التانية ورا التالتة ، كل لما جمله تخلص ترجع تتكرر من تاني في راسها كأنها اسطوانة محطوطة على جرامافون…

لحد لما ظهر تاني….

 

كانت في مطعم مع كذا واحدة صاحبتها لما شافته قاعد على طرابيزة قدامهم، كان برده لوحده زي أول مرة شافته فيها… 

قلبها كان هيتخلع، مكنتش مصدقة إللي شايفاه، مش بس عشان فرحانة جدا، لكن كمان مش فاهمة إللي بيحصل…

إزاي ظهر فجأة كدا، معقول تكون صدفة؟ والابتسامة والطريقة إللي بيبصلها بيها مش متناسقة مع تصرفاته، تجاهله ليها الأيام اللي فاتت..ليه محاولش يتواصل معاها، كأنها مش فارقة معاه؟

حاولت تتقل، متبصلوش كتير، كأنها متعرفوش أصلا، تحاول تحفظ كرامتها….

 

بس عملت تصرف غريب، طلبت من صحباتها بعد ما خلصوا أكل وحاسبوا أنهم يمشوا ويسيبوها، قالت اي عذر، أنها احتمال تقابل صديقة تانية ميعرفوهاش، بس مش متأكده هتيجي امتى أو هتقابلها فين فهتستنى لوحدها في المطعم شوية…

طبعا هما كانوا مستغربين تصرفها وأصروا يستنوا معاها لحد ما تعرف هتعمل ايه وإذا كانت الصديقة هتظهر ولا لأ لكن هي برده أصرت على موقفها وقالت لهم يمشوا ويسيبوها…

في الآخر استجابوا وبقت لوحدها…

 

حاولت تكمل التمثيلية، تحافظ على الدور، كإنها متعرفوش أو مش واخده بالها منه بس انهارت لما قام وقرب للطربيزة بتاعتها. فضل راسم نفس الإبتسامة وقال:

-انتي مش فاكراني ولا إيه؟

=لأ تمام فاكراك، أنت إللي كنت في مكتبة الكلية.

-ياه نسيتي إسمي؟

=لأ مش ناسياه انت "علال".

عاتبت نفسها، إزاي تبينله أنها فاكراه وفاكرة اسمه وتجاوب بسرعة كده؟؟ كأنها مركزة معاه، كأنه حد مميز، لكن برده كان غصب عنها، مكانتش بتتصرف بطبيعتها، كأنها مش متحكمة في نفسها.

عرض عليها يخرجوا من المطعم ويتمشوا شوية وهي طبعا وافقت، مكانتش قادرة ترفض أو تتردد..

 

وهما بيتمشوا لاحظت حاجة، وشه كان بيحمر كتير، لما ركزت لقت أن ده اتكرر في المرة الأولى والمرة دي، بيجيله زي طفح جلدي، بيظهر فجأة ويختفي بعد فترة، بس الطفح مختلف عن المعتاد لإن بشرته كلها بتبقى مصبوغة بالأحمر مش بقع في أماكن معينة، زي ما يكون حد رمى عليه مية سخنة مولعة سلخت جلده!

فكرت أنه يمكن ده بسبب بشرته البيضة، البشرة البيضة بتبقى حساسة شوية واي حاجة بتبان عليها، مش شرط مؤثرات خارجية زي ضوء الشمس والحرارة العالية، ممكن كمان الانفعالات، الغضب، الفرحة ، الكسوف…يكون هو ده السبب؟ كان فرحان مثلا وهو معاها؟

 

ماكنتش عايزه تنساق ورا الأفكار دي ولا الأحاسيس اللي بتحسها ناحيته، لكن ما باليد حيلة، كل ما تحاول تعلي السد ما بينها وبينه، بينهار اكتر وبتغرز اكتر واكتر…

 

كانت مرتاحة بشكل غريب وهي بتتكلم معاه أثناء الجولة بتاعتهم، كانت منطلقة في الكلام، أي سؤال بيسأله بتجاوب من غير تردد، حتى الأمور الشخصية وماضيها وتجاربها وتفاصيل عن كل الناس إللي في حياتها، أهلها، وأنا منهم طبعا وعلاقتها القريبة مني، واصحابها وزمايلها ويوميات شغلها، وبسبب الراحة دي مكنتش مرتاحة!

 

معروفة، السلاسة والراحة والانجذاب نتيجتهم ممكن تبقى وخيمة لو الموضوع حصل في اي حاجة والعلاقة مكملتش، زي إللي ينط من الطيارة من مسافة عالية وبعدين يكتشف وهو في الهوا إنه نسي البراشوت، طبعًا الشخص ده هيقع على جدور رقبته ومش هيقوم منها.

 

ده مع الناس العادية فما بالك ب"جهاد"؟ لازم طبعاً يجيلها نوبة فزع والرعب يبقى مضاعف، دي لا بتضعف ولا بتميل لحد..

 

بعد التمشية اللي طولت لساعات كان نفسها تقوله "الوداع- مش عايزه اشوفك ولا اعرفك تاني"

 

لكن لقت نفسها بتقول:

-هشوفك امتى تاني؟

=كان إيه إحساسك النهارده لما شفتيني من غير تخطيط، لما مكنتيش متوقعة؟

 إحساسها كان حلو طبعاً وده إللي قالته، وفهمت من اسلوبه ان المرة الجايه برده هيفاجئها…

 

وده إللي حصل فعلا…

فجأة برده لقيته في وشها، كانت بتتمشى لوحدها في شارع قريب من البيت....

جميل لما يبقى في حد مهتم بالتفاصيل، بيدرس إللي قدامه، عارف بيحب إيه وبيكره إيه، بيشتغل فين، ساكن فين…

ثانية واحدة، ساكن فين؟!

هو إزاي عرف بيتها فين؟ ما هي أكيد مش صدفة أنه ظهر في شارع قريب من البيت، وازاي هي شايفة إنها لفتة لطيفة منه وأنه شخص رومانسي ومهتم بيها؟

 

على قد مانا كنت مبسوط ومتحمس في الأول وحقيقي شجعتها تتجرأ وتديله فرصة على قد ما اتخدت كل ما حكيتلي اكتر عنه ومش شايف تصرفاته رومانسية او تطمن على الإطلاق!

 

خصوصاً إللي حكته بعد كده….

معجزة، وصفت إللي حصل على إنها معجزة…قال إيه حياتها بشكل ما بقت سلسة اكتر، مشاكلها اتحلت تلقائياً ببركة وجوده معاها، المُعيد إللي كان بينافسها وحاطط نقره من نقرها وبيحاول يوقعها ويأذيها بأي شكل اختفى من حوالي اسبوعين! لا أهله ولا أصحابه ولا الشرطة قدرت توصل لحاجة، كأنه اتبخر في الهوا…

 

والعميد اللي كان مبهدلها عيي فجأة، مبقاش قادر يتحرك وجسمه كله بيوجعه، عمل كل التحاليل اللي في الدنيا وموصلش لسبب طبي للي عنده، على الورق ووفقا للدكاتره مفيهوش اي حاجة…وجارتنا الغتتة اللي كانت بتركن في المكان المخصص لعربية "جهاد" مبقتش تعمل كده. في يوم "جهاد" رجعت في المعاد المعتاد من الكلية وكانت متوقعة تلاقي عربية الجارة مركونة في مكانها، ومكنتش هتعمل حاجة، لا هتروح تتكلم معاها ولا تبعت البواب ولا تشتكي لمجلس إدارة العمارة، مهو مفيش فايدة، جربت كل الإجراءات دي قبل كدا وكذا مرة كمان، ومفيش تغيير، ودن من طين وودن من عجين ولساها بتركن كل شوية في مكان "جهاد". مش بس ملقتش عربية الجارة، دي لمحتها متوجهة لمدخل العمارة، كان شكلها مختلف، بتتلفت حوالين نفسها وبتمشي بطريقة غريبة وأول لما شافت "جهاد" كأنها مسكت سلك كهربا عريان، اتخضت ومقالتش ولا كلمة، هربت من عيونها وسرعت خطواتها كأنها عايزه تجري منها...

 

"جهاد" قالت إنها مكانتش تعرف أن عندها التأثير ده، أنها تقدر تخوف الجارة اللزجة اللي بتضايقها من سنين... طبعًا مكنش ليها التأثير ده! في حاجة غريبة، إيه اللي يبدل موقف الجارة فجأة وبالشكل المتطرف ده؟ والموضوع مش نابع من صحوة ضمير أو ذوق، ده خوف....

بعد ما "جهاد" خلصت كلامها، بصت لي في ترقب، مستنيه رد فعلي، تعليقي على كل ده، على ظهور "علال" وارتباطها بيه و"البركة اللي حلت على حياتها من وقت ما ظهر"... أما أنا بقى فرد فعلي هو وشي الأصفر المخطوف، وعيني المفتوحة على آخرها، مكنتش متطمن أبدًا، مش بس عشان اللي حكته، حاجة تانية مكنتش قادر أعبر عنها، ضيق وتوتر مصدره مش مادي ملموس، قلبي مقبوض... كمان أوضتها، أوضتها مبقتش مريحة أبدًا، مكنتش عايزه اقعد فيها، عايز أخرج بأي شكل.. ده غير موضوع الدولاب، وهي بتتكلم معايا قامت تقفل ضرفة الدولاب، اللي كان مفتوحة حبة صغيرين، عملت كده بتلقائية ورجعت مكانها، بس بعد ما خلصت كلام لاحظت أن الضرفة كانت مفتوحة برده! اتفتحت إمتى وإزاي مع أن على حد علمي إنها كانت سليمة وبتتقفل للآخر عادي، وهي برده بتلقائية قامت وقفلتها تاني...

 

كانت مٌحبطة جدًا من سكوتي والقلق اللي باين على وشي، عشان كده اضطريت أكدب، قلتلها:

=حلو يا "جهاد"، حلو، واضح أن "علال" شخص كويس ومهتم بيكي وإن شاء الله يبقى في خطوة قريب مش كده؟ هنشوفه يعني ونقعد معاه..

كانت زي الغرقان اللي اتعلق بقشاية.. برغم أن صوتي كان بيترعش وكلامي في حته والخضة اللي باينة في ملامحي في حتة تانية، بس هي صدقت أو عملت مصدقاني ووشها رجع نور تاني. أكدت إن "علال" مهتم بيها بجد وهيتقدم قريب حتى لو لسه مقالش، باين من تصرفاته وطريقة كلامه ليها..

.............................

لما رجعت بيتي متكلمتش كلمتين على بعض مع مراتي وولادي.. دخلت أوضة النوم بدري عن المعاد المعتاد، بررت إني تعبان عشان عملت أنشطة كتير يومها... في الحقيقة ده كان هروب، مكنتش عايز أواجه حد ولا قادر أتعامل مع حد.. مكنتش عايز أنام زي ما قلت، كنت عايز بس أبقى لوحدي.

 

مرضتش أقفل النور، كنت خايف من الضلمة! كل ما افتكر كلام "جهاد" عن الراجل المغربي اللي ظهر في حياتها فجأة بتفزع، مجرد سيرته بتخوفني.. يمكن دي غيرة الأخ على أخته! يمكن عشان "جهاد" مدتنيش فرصة أحس بالغيرة دي قبل كده لرفضها لأي فرصة جواز وحب فمكنتش أعرف ده عن نفسي، إني هغير وهخاف عليها لما تبقى مع راجل تاني، يتحمل مسؤوليتها ويبقى شريك حياتها؟ طبيعي، دي أحاسيس الاب تجاه بنته والأخ تجاه أخته، بيفضلوا يشوفوها في صورة البنت أو الأخت، ومع الوقت التحفز ده بيقل وبيتقبلوا وجود الزوج... مهو مفيش تفسير تاني للضيق اللي كنت فيه، "جهاد" نفسها متطمنة ودي مش بتطمن وترتاح لحد بسهولة..

أخيرًا غمضت عيني، بدأت أحس بالخمول...

 

عيني فجأة فتحت، بقيت فايق تمامًا كأني منمتش ثانية واحدة... الدنيا كانت ضلمة وفي صوت أنفاس جنبي، دي مراتي وأكيد هي اللي قفلت النور قبل ما تنام... بهدوء مديت إيدي وجبت الموبايل من على الكوميدينو جنبي ، بصيت في الساعة، كانت 2 بعد نص الليل، المفروض نمت من أكتر من أربع ساعات.. قعدت في مكاني شوية مش بفكر في حاجة، وفجأة في مشهد مجسم شفته في خيالي... أختي في المكتبة بتاعة الكلية، بتبص على الكتب في الأرفف، بتتمشى بهدوء، رقبتها ملووحة في اتجاه الأرفف، بتنقي كل فترة كتاب، بتحاوطه بدراعها لحد ما بيبقى معاها كذا واحد، بتحطهم على الطرابيزة وتفتحهم كلهم في وقت واحد، وجنبهم كراستها اللي بتدون فيها الملاحظات، بعدين بتلمح رجلين من تحت الطرابيزة، بترفع راسها وتشوفه! راجل بيتكلم معاها بأريحية كأنه يعرفها كويس، بيقول لها إنه سمع عنها من حد مصري، طالب إسمه "كريم" زار المغرب الصيف اللي فات، بيطلب رقم موبايلها وهي بتستجيب فورًا وتديهوله...

إبه ده؟! إزاي؟ إزاي قادر أشوف كل التفاصيل دي؟ ما يمكن عشان هي حكيتهالي. لكن أنا عمري ما كان عندي القدرة دي على التخيل بالشكل ده، ده حتى ملامحه كنت متخيلها بدقة... ده غير، مش بس المشهد ده، شفت مشاهد تانية، وكلام وأحاسيس مش مادية، مش واضحة...

 

لا كان عندي قدرة على التعبير ولا التأليف ولا الكتابة ولا التخيل والإبداع، لكن سيل المشاهد الحية اللي شايفها خلاني أقوم بسرعة وأمسك اللاب توب وأخرج بيه بره الأوضة عشان أكتب كل ده....

 

بدأت بمشهد المكتبة وبعدين كملت، كتبت تفاصيل مشهد المطعم والتمشية الأولانية والتمشية التانية في الشارع القريب من بيت "جهاد"، فعلًا الراجل ده ، "علال" كان وسيم، بس مش مريح أبدًا! خلينا نقول أن دي الصورة اللي تخيلتها ليه في بالي، مش ممكن يكون ده شكله الحقيقي ولا ده بالظبط اللي حصل، لأن ده مستحيل، مستحيل أكون شفت وسمعت وعشت اللي حصل، مش منطقي ابدًا.. بس برده ده مش منطقي، الطريقة الي بكتب بيها وقدرتي على التعبير والكتابة، ولا كأني بكتب من 20 سنة، إيه، اتخبطت في دماغي مثلًا من غير ما اخد بالي، زي اللي اتعرضوا لحوادث وبسببها بقوا فنانين فجأة! خبطة راس حفزت الجزء الإبداعي عندهم؟! بس ده محصلش، أنا متخبطتش ولا اتعرضت لحادثة...

بعد ما خلصت كتابة المشهد الأخير ما بين "علال" و"جهاد" شفت حاجة تانية، مشهد مختلف، مشاهد ل"علال" لوحده، واقف على عتبة باب المكتبة، لابس لبس مختلف عن أول مرة قابل فيها "جهاد"، يوم تاني، الناس كانت بتعدي جنبه كأنها مش شايفاه، بتخبط فيه وبتلمسه ولا هو بيتهز، هو مركز..مركز على نقطة معينة...

 

كانت قعدة في الاتجاه اللي مركز فيه، "جهاد"! قعدة قدام طرابيزة ، فاتحة كتاب ومنهمكة في القراية... فضل واقف كتير بيتملى فيها من غير ما هي تحس أو تلاحظ وجوده... وبعد وقت قامت، رجعت الكتاب في مكانه على الرف واستعدت عشان تمشي. لسه مش شايفاه، حتى وهي خارجة من المكتبة مش شايفاه، فضلت تقرب منه وهو مش بيتحرك، كده هتخبط فيه! ليه مش بيتحرك عشان يسيب لها مجال تمشي؟ وصلت لعنده وعدت من خلاله! 

 

إزاي كده؟ ايه اللي بيحصل؟ كأنه طيف مش جسم إنسان عادي...

 

بعد ما مرت من خلاله اتلفت عشان يكمل مراقبة، فضل متابعها لحد ما بعدت واختفت تمامًا...

وبس، الإلهام انقطع في الحتة دي، مشفتش حاجة تانية...

 

بعد ما خلصت كتابة بعتت اللي كتبته لنفسي على الإيميل، معرفش ليه حسيت أني لازم احتفظ بالقصة دي...

مدرتش بالوقت، سمعت ادان الفجر، ولأول مرة ارفع راسي من شاشة اللاب توب.. الأرض كان فيها حاجة غريبة، اليوم اللي فات كان فيه رياح خماسين،التراب كان مغطي كل حاجة، العفش، إزاز الشبابيك ، الأرض، لكن لاحظت حتت معينة فاضية من التراب، آثار أقدام!

دي مكنتش آثار رجلي، أولًا لإني مكنتش حافي وثانيًا حجم الآثار أكبر من حجم رجلي، دي آثار رجل ضخمة حافية عشان رسمة الصوابع اللي واضحة. مين غيري كان هنا؟! مين اللي اقتحم الشقة؟

 

كنت مرعوب، بس لازم كنت أتحرك، قمت بهدوء عشان أشوف لو فعلًا في حد غريب موجود، حرامي مثلًا...

بصيت في الصالة والصالون وأوضة الولاد وأوضتي أنا ومراتي وأوضة المكتب والحمام، مفيش، محدش موجود وأخيرًا دخلت المطبخ....

بررده ملقتش حد، اتلفتت وكنت مستعد أمشي لولا إني أخدت بالي من حاجة...

 

في أماكن مفيهاش تراب على الطرابيزة اللي بناكل عليها، بقع فاضية ليها نمط معين، آثار أقدام، لكن مش شبه اللي فاتت، دي أقدام حيوان، زي حوافر، لمعزة أو خروف أو حيوان تاني...

وقفت مشلول في مكاني مدة، مش قادر أتحرك من الخوف، ولا قادر أستوعب، إيه معنى الآثار دي، إيه معني اللي حصل اليوم والليلة اللي فاتت كله، بس بعد شوية فقت لنفسي، في حاجة مهمة كان لازم أعملها، أمحي كل الآثار دي قبل ما مراتي وولادي يصحوا...

 

بسرعة لمعت الطرابيزة وشلت كل التراب اللي عليها وكنست الأرضية في الصالة.. كدا اللي شفته محفور في ذهني أنا بس مش طالبة يبقى في حفلة فزع يعني!

..........................................

تاني يوم قررت أزور أختي تاني وأحاول أوصل لأي معلومات تانية عن "علال" ولو أمكن أخليها تظبط مقابلة لينا، كنت متأكد إني هرتاح شوية لما اشوفه وأوهام كتير في راسي هتتبدد وناري هتهدى....

 

اتفاجئت أن "جهاد" مرحتش الجامعة، دي أول مرة تغيب من كتير، ماما قالتلي إنها مخرجتش من أوضتها إلا مرتين دخلت فيهم الحمام، مأكلتش ولا قعدت مع ماما ولما ماما دخلت عليها كذا مرة قالت إنها كويسة مش تعبانة بس مهمدة شوية ومش جعانة وعايزه تفضل في أوضتها...

خبطت على بابها، مستجبتش!

خبطت تاني وتالت ، برده مردتش.. فتحت الباب ودخلت...

 

مكانتش نايمة ولا بتصلي مش فاهم ليه مردتش... كانت قعدة على السرير مدياني ضهرها، باصة في الحيطة قدامها، ضهرها كان محني جامد، وراسها مدلدلة...

مقدرتش أقول حاجة، الكلام وقف في زوري، مش قادر حتى أناديها...

 

فجأة راسها اتحركت، رفعتها ولفتها في اتجاهي. ابتسمت ابتسامة مريبة، فضلت بصة لي شوية بنفس الابتسامة وبعدين قالت:

-كنت عارفه أن إنت اللي جيت!

 

حاول الطف الأجواء وأخرج نفسي من مود التوتر.. رديت عليها بنبرة خفيفة:

=عرفتي إزاي بقى؟ شفتي الطالع ولا قريتي الفنجان؟

-معرفش...عرفت وخلاص، حاجة عرفتني، حتى قبل ما تخبط على باب الشقة...

 

تجاهلت اللي قالته، معلقتش على الكلام الغريب ده...سألتها:

-جهاد إنتي ليه مروحتيش الجامعة النهارده؟

=جسمي كان تعبان أوي، مهمدة، مش قادرة على المجهود ده..

=عيانة؟

-لا، لأ، مش التعب ده، حاسه إني مش قادرة على أي مجهود، زي ماكون منمتش ومعنديش رغبة في إني أسيب أوضتي.

-طب هو أنا ممكن اسألك على حاجة؟

=اتفضل.

-"علال" كلمك؟ اتفق معاكي تتقابلوا قريب؟

 

لفت راسها تاني وبصت في اتجاه الحيطة.. قالت بنفس النبرة الواطية البطيئة اللي بتتكلم بيها من ساعة ما دخلت:

=لا مكلمنيش، بس هيظهر، أنا متأكده...اقول لك على حاجة؟ في حاجة غريبة أوي حاساها من إمبارح.

-حاسة بإيه؟

=حاسه بوجوده! كأنه حواليا، بيراقبني، مش بيسيبني لحظة.

-يعني إيه الكلام ده؟

=يمكن بسبب طريقته معايا، الاهتمام الزايد بيا وتصرفاته وكلامه في الكام مرة اللي شفته فيهم، بقيت حاسه إنه موجود حتى لو غايب.

-جهاد أنا لازم أشوف البني آدم ده!

 

لفت ليا براسها تاني من غير ما تحرك جسمها وقالت كلمة واحدة بصوت واطي وحاد:

-هيحصل...

.............................

طول السكة وأنا سايق العربية بشوف مشاهد تانية ف خيالي، "علال" بيراقب "جهاد" في مراحل مختلفة من حياتها، مش بس "جهاد"، بيوت وناس كتير غريبة، بيبص على الشوارع من فوق كأنه طاير في السما..... سرعت، عايز أوصل البيت عشان أكتب كل اللي شفته بكل التفاصيل....

"حاجة في العالم المادي ده، في اللمس، الإحساس، الألم، حاجة مفتقدينها في العالم بتاعنا، متعة غريبة في عواصف المشاعر والأحاسيس المتناقضة والفوضى، حتى العمر القصير وألم فقدان إنسان عزيز، ده كله بيميزكم، بيخليكم كائنات سامية، بالدونية دي أنتم ساميين!"

سمعت الكلام ده جوايا مع شريط المشاهد اللي شفتها، أكيد دي مش أفكاري أنا... ممكن أفكار مخلوق بره العالم بتاعنا، بس يعني إيه؟ كل الكلام ده مقصود بيه إيه بالظبط؟

أول ما وصلت جريت زي المجنون على أوضة المكتب، تجاهلت أي كلام مراتي وولادي وجهوه ليا... هدفي واحد بس، أكتب كل اللي شفته في السكة...

 

فضلت ساعات أكتب، كلام كتير ومشاهد زودتها، لإني وأنا بكتب كنت بشوف وبسمع الزيادات دي... بعترف إني كنت مبسوط! كإني بكتب سكريبت، إسلوبي وترتيب المشاهد والحوار بتاع الكائن اللي بكتب عنه، زي ما أكون كاتب قديم متمكن، وأظن إن اللي كتبته ينفع مادة لفيلم أو مسلسل.

 

ممكن المصدر اللي فجر الإلهام عندي يكون "علال" الشخصية الأجنبية الغامضة اللي ظهرت فجأة، برغم خوفي منه بس حسيت أن بطريقة ما وجوده نعمة! زي ما حياة "جهاد" بقت سلسة من ساعة ما ظهر، أنا كمان حياتي بقت مختلفة، موهبة التأليف دي عظيمة وممتعة، عايزها تبقى موجودة طول الوقت، مش عايزها تروح...

 

توقعت إني هلاقي الكل نايم لما أطلع من الأوضة..الشقة فعلًا كانت هادية جدًا ، الكل نام إلا "نوح" إبني الصغير، الدنيا كانت مضلمة، نور خافت بس اللي موجود في الطرقة اللي جنب الصالة... مش فاهم إزاي "نوح" كان متعايش مع النور الخفيف ده وليه قاعد لوحده من غير حتى ما يولع التليفزيون على قناة الكرتون اللي متعود عليها.. قاعد بيعمل إيه لوحده؟ 

هو محسش بحركتي..كان باصص في بقعة معينة جنبه على الكنبه، ميزت برغم الإضاءة الخفيفة إنه كان مبتسم وهو بيبص في الإتجاه ده .. بعد شوية بدأ يتكلم، كلمات وجمل قصيرة قالها، كأنه بيكلم أو بيرد على حد:

-"اه"..."أنا مبسوط أنك هنا"..."معنديش صحاب كتير"..."لأ، مش عايزك تمشي"..."بابا وماما مش هيقولوا لأ"!

="نوح" بتكلم مين؟

 

سألته بهدوء وأنا بضحك، أهو ده اللي ناقص، صديق خيالي! يعني وجودنا وإهتمامنا بيه طول الوقت وتدليعنا ليه والفسح واللعب وأصحابه، كل دول مش مكفيين عشان كمان يصاحب صديق خيالي!

"نوح" متخضش ولا اتفاجأ بوجودي، لفلي ببطء وابتسم وقال:

-إزيك يا "بابا"؟

=أنت كنت عارف إني واقف وراك؟

-اه، عارف.

=يا سلام! وعرفت إزاي بقى؟

-هو قال لي، من قبل حتى ما تقوم من على مكتبك، قال لي إنك جي علينا..

=ياه، بجد؟ وقال لك إيه كمان؟

-قال إنه عايز يناسبنا، يبقى جزء من العيلة، وعايزني أنا بالذات أبقى صاحبه..

 

"يناسبنا"؟ إيه الكلمة دي؟ جابها منين؟ إزاي اختلق موضوع زي كده؟ هو كده، بيرمي ودنه في كل قعدة، وعامل زي الستات الأراشنات، مهتم أوي بالأفراح والجوازات ومين هيناسب مين ومين هيتقدم لمين، العيال دول الواحد لازم يبقى حذر جدًا وهو بيتكلم قدامهم.

=وقال لك إيه كمان يا "نوح"؟

-قال إنه يقدر يغير حياتنا كلنا للأحسن، اللي نعمله في 10 سنين يقدر هو يحققهولنا في يوم لو قبلنا.

=قبلنا إيه؟

-قبلناه وقبلنا عرضه.

=يا "نوح" متحورش يا "نوح"، أنت زهقان يا حبيبي؟

-أنت مش مصدقني يا بابا؟ هو برده قال إنك مش هتصدقني..

=لأ مش مصدقك. 

(بيضحك وهو بيقول الجملة الأخيرة)

 

الولد سكت للحظات، رفع راسه وسرح في البقعة اللي كان باصص ليا في الأول وبعدين بص لي وقال:

-غمض عينك وهو هيديك إشارة إنه موجود بجد.

=هو قال لك كده؟

-أيوه.

=ماشي، أهو..

 

غمضت عيني عالآخر ، كنت مبتسم، واخد "نوح" على قد عقله، قلت ألعب لعبته وأجاريه للآخر..

هدوء، ولا الهوا، بعدين سمعت صوت طقطقة صوابع جنب ودني مباشرة! الصوت كان قريب أوي لدرجة إني اتنفضت من الإزعاج.. صرخت وأنا بفتح عيني، "نوح" كان لسه قاعد قدامي عالكنبة، متحركش وبعدين حتى لو اتحرك، يستحيل يكون هو، عشان دي طقطقة جنب ودني، يعني حد كبير!

 

صدري بقى يعلى ويهبط، أنفاسي عالية وسريعة... سألته بنبرة مهزوزة:

=مين يا "نوح" صاحبك، إسمه إيه؟

 

(صوت ضحكة طفل)

ضحك ببراءة وقال لي:

="علال الأخضر"!

 

مدريتش بنفسي، ثورت فيه، قلت له يروح فورًا على أوضة الولاد وميتحركش من جنب إخواته وميقعدتش أبدًا لوحده من هنا ورايح.

.............................

كذا عميل كلمني على مدار الأيام اللي بعديها، بيستعجلوا الشغل، أنا بقى حصل لي بلوك كده، مبقتش قادر أكمل أي تصميم، الديكور كان كل حياتي، بالنسبة لي كان شغف مش مجرد شغل، والتصميمات مكنتش بتنقطع عن خيالي، عندي غزارة في التخيل والإنتاج، لكن مبقتش قادر أركز أو اتخيل، التخيل الوحيد هو المشاهد والقصص إياها، بتاعة الكائن الدخيل اللي بقى عندي يقين أنه هو "علال الأخضر"، ده غير إني بقيت مرعوب، مرعوب على أختي وعلى "نوح" وعلى نفسي وكل اللي حواليا، برده بقيت متاكد أنه بطريقة ما مسؤول عن الموهبة الجديدة اللي جاتلي، اللي مش عايز أفقدها، هي دي، هي دي هديتي، جزء من مهر "جهاد" لو قبلت أنه يتجوزها، وكان هيقدم لكل واحد فينا هدية تخلي حياتنا أريح ماديًا ومعنويًا. إيه التخريف ده؟! أنا بفقد عقلي ولا إيه؟ "كائن" مين و"علال" مين وعروض إيه وجواز إيه؟ أكيد ده كله مش حقيقي، مش معقول!

 

ده كان رقم "جهاد" ، هي اللي بتتصل بيا.... أنا كنت بتجنبها من آخر مرة روحت فيها، الأجواء في أوضتها وقصة "علال" وشكلها وطريقتها بقت تخوفني، بس واضح أن مفيش مهرب ، "علال" ورايا في كل حتة...

رديت عليها.. ملحقتش أقول حاجة.. كانت بتنهج ، بتتكلم بسرعة، قالت:

-يا "عزيز"، أنا مش عايزه، مش عايزاه، مش عايزه كده.

=مس عايزه إيه يا "جهاد"؟ قصدك إيه؟

 

مفيش، مردتش عليا، مقفلتش علطول بس مردتش، فضلت ساكتة وأنا بندهها، مش سامع غير صوت أنفاسها التقيلة وصوت تاني تداخل مع صوت أنفاسها، صوت تخين، بعيد، كأنه صدى صوت "ج..ها..د..ليا، جهاد ليا"!

فورًا اتحركت، في وقت قليل كنت هناك، في بيت ماما و"جهاد"، مردتش على ماما وهي بترحب بيا وبتتكلم معايا، مشيت في إتجاه أوضة "جهاد"، دخلت أوضتها وقفلت ورايا الباب بالمفتاح عشان ماما متدخلش.

-إيه اللي بيحصل؟

لقيتها قعدة نفس قعدة المرة اللي فاتت، ضهرها محني وراسها مدلدلة وبصة في إتجاه الحيطة قدامها...

 

قالتلي من غير ما تتحرك:

-هو بيقول إنك عارف، والمفروض متماطلش!

=في تطورات حصلت يا "جهاد"؟ من آخر مرة؟

-اه، مش قلت لك إني حاسه بوجوده، مبقاش إحساس، بقى يظهر، بشوفه معايا في الأوضة، بيتكلم معايا، قال لي كل حاجة، عشان بيحبني قال إنه مينفعش يخبي عليا، "علال" مش إنسان، "علال" جن! عايز يتجوزني ومش هيقبل الرفض، قال إنه بيراقبني من وقت كبير، من ساعة ما كنت طفلة، وتابع كل اللي حصل معايا، خيبات الأمل والصدمات في الرجالة اللي حبتهم، وقال كمان أنه مكنش طمعان فيا ومكنش عنده رغبة في الجواز مني، لكن مع الوقت ومع الإحباط اللي حسيت بيه وفقداني الأمل في البشر طمع، وشاف إني خسارة في أي إنسان، رجالة الإنس جاحدين مش مدركين لطبيعتي المخلصة الحساسة وأنه كان لازم ياخد خطوة، يتحمل المسؤولية اللي محدش منهم قدر يتحملها والموضوع إتحول لعشق ورغبة رهيبة في أنه يكون جوزي، هو وبس دونًا عن أي راجل... وعدني أنه دايمًا هيظهر بشكله الإنسي، القالب المادي اللي إتشديت وإرتحت ليه وإني مش هحس بطبيعته الحقيقية...

 

صوتها بدأ يتغير، يترعش، كملت وهي بتعيط:

-بس يا "عزيز" أنا مش عايزه، مش قابلة العرض ده، ده غلط، غلط! حتى لو كان أكتر حد إرتحتله، ربنا منع الإتصال وأنا مش هغضب ربنا، أنا مش عايزاه!

 

قعدت جمبها ، حاوطتها بدراعي ومعلقتش، مكنتش عارف ممكن أقول إيه في موقف زي ده، ده غير إني كنت خايف، مش بس منه، كنت خايف افقد الملكة، الكنز اللي "علال" إديهوني لو أختي رفضته! طمعت، طمعت في العرض بتاعه وعيني زغللت، تخيلت نفسي كاتب مشهور، وأكيد "علال" زي ما ساعدني في التأليف كان هيخليني أوصل لمنتجين ومخرجين، وحياتي هيبقى ليها شكل تاني تمامًا.. 

بس لأ، مينفعش أكون أناني، مينفعش أخد الطعم، مصلحة "جهاد" فوق أي مصلحة وبعدين أكيد هيبقى في مقابل تاني، مصير إسود لو انسقت وقبلت بعرض "علال"..

قلتلها إنها لازم تقاوم، لازم ترفض، مش بس بالكلام، لازم يبقى إرادة حقيقية ، ترفض من جواها حبه وتقتنع أن ده مش مظهره الحقيقي ولا كمان طبعه الحقيقي، الله أعلم بيه وبالعالم بتاعه...

كنت عارف أن "علال" مش هيستسلم بسهولة، وممكن كلنا نتأذي، ولازم نصبر ونستحمل...

.......................................

"نوح" بقى منعزل، كتير بشوفه قاعد لوحده وسرحان وبيتكلم بصوت واطي، وانا كنت بندهه وبصر يقعد معايا أو مع إخواته وف ليلة غفلت عنه، ماخدتش بالي أنه مش قاعد معانا بقاله كتير. دخلت أوضة الولاد بعد ما أدركت أنه مش موجود. قلبي اتقبض لما شفته قاعد، هي هي، نفس قعدة "جهاد" غياها، الضهر المحني والراس المدلدلة... لف لي براسه، تحت عينه كان إسود وشعره منكوش.. قال لي:

-"علال" جاب لي هدي..

="علال"؟!

-اه، قال إن الاكل اللي بتقدمهولي مش هو الأكل الصحي المغذي، والمفروض ااكل من المصدر..

=مصدر إيه؟

 

نزل عالأرض ومد دراعه وسحب حاجة من تحت السرير ، حطها قدامي، فرخة ميتة، بطنها ورقبتها مشقوقين والدم مغرق ريشها! الدم كان دافي، لسه مدبوحة!

شلتها فورًا هي والملاية اللي تحتها، وفتحت باب الأوضة وجريت عالمطبخ، فتحت كيس زبالة وحطتهم فيه وانسحبت بهدوء للشارع عشان أرميهم..

 

الموضوع مكنش ينفع يوصل لمراتي أو ولادي التانيين، لأنهم أكيد هيتأذوا لو عرفوا هما كمان.. 

برغم كل اللي بيحصل كنت لسه مقتنع أن الموضوع عايز بس صبر وإصرار على الرفض.

أول ما رجعت من الشارع سمعت صوت صرخات، المرة دي كانت مراتي، فتحت باب الشقة بسرعة وجريت على جوه..

كانت في أوضة المكتبة، عينيها مفتحة على آخرها وبتصوت...

اللاب توب كان بيتحرق، ومعاه شغلي كله بيضيع وكمان، الكتابة......

طفيت الحريق ومعلقتش ولا إتكلمت كلمة واحدة... مراتي كانت مستغربة موقفي البارد، كإني كنت متوقع اللي حصل..

أنا اللي كنت بحاول أهديها واقنعها أن الشغل هيتعوض وإني هشتغل الضعف الفترة اللي جايه.

.......................................

اللي حصل بعد كده أني أقنعت "جهاد" تمشي في سكة موازية مع رفضها ل"علال" وتكثيف الصلاة وقراية القرآن، السكة دي هي العلاج النفسي، لازم ترجع تتصالح مع "الرجالة"، لازم تسامح كل اللي أذوها وتثق في اللي لسه مأذوهاش، المفروض تكمل حيتها وتدي للحب فرصة تانية ولو فشلت في تجربة بعد كده، تدي فربصة تالتة ورابعة وخامسة لحد ما تلاقي الشخص المناسب اللي يحافظ عليها.. وده فعلًا اللي حصل، "جهاد" لما بدأت في سكة العلاج النفسي "علال" ظهوره قل لحد ما اختفى تمامًا وهي قابلت إبن الحلال بعدها بسنة واتجوزت وعاشت سعيدة...

 

أنا بقى حصل معايا حاجة غريبة، الإلهام متقطعش! بالعكس قصة "علال" كانت البداية، هو صحيح حرق اللاب توب بس دماغي، المصدر فضل شغال، الإنتاج بقى غزير ووصلت فعلًا لمخرج كان بوابتي لعالم الكتابة والسيناريو وبقيت من اشهر كتاب مصر والأكثر طلبًا واعتزلت هندسة الديكور... 

أما بقى الأغرب فهو إني اتخلصت من حجر كان سادد طريقي ومنكد عليا حياتي ، "مراتي" اللي مع الوقت مشاكلي زادت معاها وقلة أصلها بانت، بقت شايفاني زكيبة فلوس وبتعاملني اسوء معاملة.. في يوم أنا وهي كنا قاعدين لوحدنا في الشقة الجديدة اللي بتبص على النيل.. كانت هي في المطبخ المفتوح على الصالة بتعمل العشا، عيني جت عليها في لقطة، لقتها واقفة مبرقة في مقص المطبخ اللي في إيديها، لفت وبصت لي وعرزت المقص في رقبتها...

جريت عليها زي المجنون ، حاولت أنقذها، إستنجدت بالجيران بس طبعًا ملحقنهاش ، ماتت من النزيف والإختناق، وبس.. حياتي بقت أسهل، فلوس وشهرة وموت مراتي اللي كرهتها و.....

 

وهو ده مهر "جهاد"! لما ركزت في شريط حياتي اللي دار قدامي بعد فترة أدركت، دي هدية "علال"، في حاجة مش مظبوطة بتحصل، "علال" ماختفاش، "جهاد" أوهمتني بده، بعد ما كانت رافضة رجعت إستجابت ليه، واتفقوا إنهم يسايروني، يحسسوني إن "جهاد" رفضته وأنها بتخضع ومقتنعة بالعلاج النفسي وأنه اختفى، حتى لو ده معناه إنها تتجوز إنسان، هو برده هيفضل موجود، هيفضل معاها، هيفضلوا عشاق.. لكن أنا مش هستسلم، المرة دي هحاول بجد أعالج "جهاد" وأمشي "علال" من حياتها وحياتنا، حتى لو هفقد كل حاجة وأرجع لنقطة الصفر....

 

"تمت"

التعليقات علي الموضوع
تعليق واحد حتي الآن
المتواجدون حالياً

1478 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع