كنت في الشهر التاسع من الحمل حين أصرت جدتي على قضاء الشهر الأخير معها في بيتها وقررت أن علي ترك بيتي والبقاء معها حتى موعد الولادة ورضخنا جميعا وانتقلت لبيت جدتي - الذي لم أكن قد بارحته أصلا - إلا عند زواجي منذ بضعة شهور قضيت معظمها في بيت جدتي..!
كنت وقتها "ولازلت" على غيي القديم وكراهيتي للقطط، حين وجدت القطة المشمشية التي كان يعجبني لونها وأكره أفعالها، وجدتها حاملا مثلي في شهرها الأخير، لم أتعاطف معها إطلاقا إذ أنها "طالعة نازلة" تنظر لي ببرود وتتهادى كأنها تكيدني كلما صادفتني على السلم وفي عينيها نظرة تقول فيها لنفسها "البت دي هبلة".
حتى كان هذا اليوم الذي سمعت فيه مواءها ضعيفا ومستمرا، أرقني صوتها لسبب لا أدريه، فقمت فتحت باب الشقة فوجدتها تصعد السلم وتنظر لي بوهن وتموء بضعف..تسمرت بمكاني حتى وصلَت لي ثم عادت ونزلت مرة أخرى وظلت على تلك الحال"طالعة نازلة" أمامي وأنا لا أفهم، ماذا جرى لها، هرعت للداخل أسأل جدتي "هي مالها؟"
قالت جدتي إنها تتمرن لكي تلين عضلاتها استعدادا للولادة..!
رجعت مرة أخرى للست قطة ووقفت أتابعها في قلق وهي تنظر لي ..قربت منها طبقا به ماء وطبقا به لبن فلم تقربهما..وكأنها تقول لي"غوري من وشي الساعة دي"
نادتني جدتي وقالت لي "إقفلي الباب وتعال اقعدي هنا..اتركيها لحالها تتمرن"
ظللت ساهمة أسترق السمع ومواءها لا ينقطع وقلبي يرتعش..حديث جدتي لتسليتي لم أسمع معظمه، وطمأنتها لي لم تؤت ثمارها إذ توقعت أنني سأموت أو أتألم مثل فيلم الزوجة الثانية وكل الأفلام السينمائية التي تبث في الفتيات الرعب من الولادة ..توقعت أن أتألم حتى أموت من الألم...مثل "فااطنة" سعاد حسني.. التي قطع صراخها قلبي وهي تقول "انجديني يا خالة نظيمة"
قالت جدتي: كل مخلوقات ربنا بتولد وتقوم بعافية بإذن الله ..لم أرد عليها تمتمت فقط "إن شاءالله"
في الفجر انقطع المواء ولكني استيقظت على صوت مواء آخر يشبه صراخ الأطفال حديثي الولادة، فقمت وفتحت باب الشقة ونظرت أعلى السلم فوجدت القطة المشمشية تنام محتضنة مجموعة من الصغار شتى الأشكال والألوان الأسود والأبيض والمشمشي والمختلط..رفعت رأسها بوهن...ونظرت لي..كان الجو هادئا ونسيم الفجر رائق ..قربت منها الطبقين وأنا أرتعش خوفا..فأنا أعرف أن القطة إذا ولدت تخاف على صغارها "وتخربش" من يقترب منها....كان منظرهم جميلا ومبهجا رغم كراهيتي لأمهم المتكبرة.
هرعت مرة أخرى ودلفت لفراشي وأنا سعيدة وأتساءل في خبث...هذه الكلبة أنجبت كل الأشكال والألوان أنا محتارة..من أبوهم إذن ؟؟؟ آه يا حيوانة، الشك هيموتني.
في صباح اليوم التالي استيقظت على مواء وصراخ ففتحت باب الشقة وإذ بي أجد القطة المشمشية أخذت كل أبنائها وبناتها إلا واحدا "أو واحدة" بيضاء اللون كالحليب..تلك المسكينة كانت تبكي وتصرخ، ربما نسيتها الست هانم..
احترت ولم أدر ماذا أفعل وكيف أعثر على الأم وكيف أبلغها إنها نسيت أحد صغارها.
اشتد صراخ الصغيرة وكانت بالضبط في حجم اصبعين متجاورين من كف يدي فقمت إلى زجاجة قطرة وغسلتها وملأتها باللبن ثم حملت الصغيرة ووضعت القطارة في فمها فرضعت حتى ارتوت ثم ارتمت على كفي "مِشتَّحة" أي فردت يديها وقدميها الصغيرتين لأنها لم تكن تستطيع المشي اصلا وراحت في نوم عميق على كفي وأنا لا أدري ماذا أفعل بها ...أأدسها في التراب أم أحملها على هون تلك القطة بنت ال.... القطة..إلا أن قلبي لم يطاوعني فوضعتها في مكانها لعل أمها ترق لها وتعود لتتفحص المكان وتأخذها.
يومان وأنا أعد "الرضعة" كل ثلاث ساعات للست قطة ..وهي .. تلك الحيوانة ..لا تصبر على الجوع تظل تصرخ فأرتبك وأنا أعد الرضعة حتى أرضعها لتروح في نوم عميق على كفي..يهزني ملمسها الناعم ووجهها المستسلم البرىء..
أقاوم رغبة شديدة في تقبيلها بل أمطرها بالقبلات لكنني أعود فاٌقول لنفسي "يااااع" وأضعها بالراحة على السلم وقلبي يتقطع وأعود لأغسل يدي وأشتم القطط وقلة أدبهم وقلوبهم المتحجرة.
في اليوم الثالث استيقظت نشيطة وخرجت وأنا مستغربة أن "البنت" لم تبك ولم تناديني لأرضعها، وحين فتحت باب الشقة فوجئت بأمها القطة المشمشية تحملها في فمها وتنزل السلم في تؤدة.
مرت بجانبي ونظرت لي نفس النظرة وكأنها تقول لنفسها "البت دي هبلة" ..التصقت بالحائط وأنا أكاد ابكي ...القطة واخدة بنتي ورايحة فين.
هل أخذها منها وأقول لها روحي من هنا دي بنتي أنا ..كنت فين وأنا بارضعها وأدلعها ثلاثة ايام بلياليهم...لكني طبعا لم أجرؤ على الاقتراب منها.
عدت لجدتي أبكي في حجرها، هدأتني وقالت لي:
أما أنت فسيكرمك الله بولادة سهلة كما أكرمت تلك القطة المسكينة..ثم نظرت في عيني مليا تتأملني وقالت "هممممم يومان ...باق لك يومان يا دينا"...وصدقت جدتي...وللحديث بقية إن كان بالعمر بقية.