هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • القاهرة .. جبارة المحبة جابرة التائهين.
  • من طرف واحد
  • العتاب محبة
  • هزمني الصمت
  • على لسان نائب
  • ديننا و دينهم
  • الرجل .. للحب جائع
  • التعلم و النجاح المالي
  • من أعجب الناس إيماناً عند الله يوم القيامه ؟
  • كرموا فتحي عبد السميع
  • قواعد الأستخدام الآمن لمضادات الإكتئاب
  • أخطاء الكبار و الصغار
  • الخوف من بعضهن
  • قبل ما ناكل حلاوة المولد
  • معنى الحب
  • هل خدعكم سبتمبر قبلا؟
  • عاشق عابد صادق أواب
  • أختبئ داخلي
  • فيولين - عهد الثالوث - الفصل 14
  • أنت ميّت على قيد الحياة
  1. الرئيسية
  2. مدونة حاتم سلامه
  3. الأزهري الذي أحبه طه حسين

لم يكن في الدنيا أحد أبغض إلى عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين من الأزهر والأزهريين.. عاش جل حياته يبغض الأزهر ورموزه الذين زرعوا في حياته كثيرا من العقبات والمعوقات التي كادت أن تُفشله وترمي به في بحر الضياع والنسيان ليصير إنسانًا لا قيمة له ولا ذكر.

ولولا أن قيض الله للرجل مسارًا آخر عن طريق الجامعة المصرية التي قدرت مواهبه أو تفتقت فيها هذه الموهبه، ووجدت نفسها مؤهلة للنمو والظهور، لما كان أحد يستطيع أن يسمع بهذا الاسم إلى اليوم.

لم ينس طه أبدا في غمرة نجاحه وشهرته هذا الثأر القديم بينه وبين الأزهر، فكان يعرّض به وبعلمائه في كل مجتمع، ويصرح بعداوتهم على الملأ، ومن طريق آخر عمد إلى تشويه صورتهم في سيرته الذاتية الأيام، حتى أن من يقرأ كتاب الأيام يستبشع الأزهر ويحتقر بيئته التي صورها طه حسين.. ولا شك انه امتدح بعض الأزهريين كالامام محمد عبده والمرصفي الا ان المزاج العام للايام يذم الأزهر بجملته. 

والحق أن الدكتور طه على قدر ما كان فيه من استفزاز وانحراف وقت شبابه، كان يمكن استيعابه لو وجد يدا حانية عاقلة لينة تقدر طبعه وظرفه، لكن النكران والعسف والقسوة التي قوبل بها أججت هذا النفور بينه وبين الأزهر.

وقد أعجبني فضيلة الدكتور النبوي شعلان والذي أُعده أول عالم أزهري يقر بقسوة الأزهر وشيوخه في موقفهم من طه حسين، حين تخلي الشيوخ في معاملتهم له من روح الأبوة الحانية، فقد حكى لي فضيلته وفي موقف مشابه مع أحد الطلاب المشاكسين، أنه اعترض أي قرار متعسف ضده، ولما خوطب في ذلك قال: لا نريد أن نخسر طه حسين آخر.

ولك أن تتخيل مدى هذه الكراهية التي لم تنطفئ نارها أبدا أن يأتي طه حسين ويكن لواحد من الأزهريين كل محبة وتقدير، بل إنه حينما مدحه وأطراه عرض في ملامح الحديث عن إنسانيته وسماحته ورقيه الأخلاقي، وكأنه ينعي على الأزهريين ممن لقيهم تجردهم من معالم الإنسانية والرفق واللين.. إنه الشيخ الأكبر مصطفى عبد الرازق الذي مدحه طه حسين في الوقت الذي كان يعمل بقلمه في سمعة الأزهر وينكل به في كل حين.

ها هو يقول عنه: "كان سمحا في جميع أطواره وفي أطوار من حوله من الناس وما يحيط به من الظروف، كانت الابتسامة الحلوة أدل شيء عليه، والحديث العذب ألزم شيء له."

وعن خيريته وإنسانيته وحبه للبر والإحسان ومعونته للمعوزين يقول الدكتور طه: "لم أعرف قط قلبا أبر بفقير ولا نفسا أرق لذي حاجة ولا يدا أسرع إلى العطاء من قلب مصطفى عبد الرازق.. كان أستاذاً في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وكنت لها عميداً في بعض الأوقات. وكان فقراء الطلبة أكثر مما تحتمل قواعد المجانية في الكلية إذ ذاك، فكان يسعى إلى في بعضهم، فأجتهد له في ذلك حتى لا أجد سبيلا إلى الاجتهاد فأشهد ما تخلف قط عن أداء نفقات التعليم عن أولئك الذين كانت تضيق بهم القواعد. وكلمته في ذلك ذات يوم وقلت له: توشك ألا تجد شيئاً من مرتبك آخر الشهر؛ فضحك ضحكة حلوة، وقدم إلى سيجارة من نوع جديد، كما كان يقول، ثم ألقى بهذه الكلمة التي لم أنسها قط، والتي ينبغي أن يذكرها كل قادر على العون: وماذا تريد أن نصنع بهؤلاء الطلاب؟ أتريد أن نتركهم يصدون عن العلم ونحن نرى؟"

بُهر طه بشخصية مصطفى عبد الرازق وأعجب بالإنسان الذي تحمله هذه الشخصية وكان من أبرع ما لمسه فيه صفة الوفاء، فذكر أنه عرفه وفيا لكل من أحب من الناس لا يفرق بينهم في ذلك مهما تكن الظروف ومهما يبعد بهم الزمان والمكان ومهما تلم الأحداث وتدلهم الخطوب.. كان وفيا وكان أبيا وكان برا وكان سمح الطبع والنفس والقلب، ويقول: لم أره قط يخرج عن هذه الخصال منذ عرفته إلى أن فرق بيننا الموت، وكان لهذه الخصال كلها تأثير أي تأثير في حديثه إذا تكلم وفي فنه إذا كتب.

يحكي الدكتور طه فيقول: " عرف الشيخ مصطفى أستاذاً فرنسياً شاباً في إحدى الجامعات هناك -في فرنسا- واشتد الإلف بينهما، ثم أعلنت الحرب العالمية الأولى، ودعي ذلك الأستاذ الفرنسي إلى أداء واجبه العسكري، فاستجاب للدعاء وترك زوجه وليس لها عائل، فكان مصطفى عبد الرازق يؤثرها على نفسه بالنصيب الأوفر مما كان يصل إليه من المال، لا يتردد في ذلك ولا ينقطع عنه حتى عاد إلى مصر، والله يعلم ماذا فعل بعد عودته. وقد عرفت ذلك من الأستاذ الفرنسي نفسه، وقد كلمت فيه مصطفى فغير مجرى الحديث، وظل وفيا لهذا الأستاذ، حتى إذا وضعت الحرب أوزارها، ومضى شيء من الوقت، وخلا منصب فني من المناصب في مصر، ولم يكن بين المصريين من يستطيع النهوض بأعباء هذا المنصب، وأخذت الحكومة تبحث عن أجنبي - جد مصطفى حتى اختير صديقه ذاك لهذا المنصب. وسألته عن عنايته الخاصة بهذا الأستاذ وجده في السعي له، فأنبأني بأنه يرى فيه الكفاية لمنصبه أولا، وبأنه فقد زوجه وجزع لفقدها، فمن الخير أن يترك وطنه ومدينته ويشغل عمله ذاك الجديد، عسى أن يجد في ذلك عزاء وتسلية .

وربما جر عليه وفاؤه ذاك بعض ما كان يضيق به من الأمر، ولكنه لم يحفل قط بعواقب الوفاء أتكون خيراً أم شراً، بل لم يحفل قط بعواقب الواجب وما يمكن أن تجر عليه مما يسوؤه أو يرضيه. كان سعد زغلول منفيا عن وطنه وكانت زوجه تعيش في دارها بالقاهرة يبرها المصريون والسعديون منهم خاصة، وكان مصطفى من أسرة تذهب مذهب الأحرار الدستوريين الذين كانوا يخاصمون سعداً أشد الخصام، وكان مفتشاً قضائياً بوزارة العدل، وأقبل عيد من الأعياد، فلم يتردد مصطفى في أن يذهب إلى دار سعد ويترك بطاقته هناك.

وانقضت أيام العيد، وذهب مصطفى إلى عمله، فلم يكد يستقر في مكتبه حتى دعي للقاء الوزير، فلما لقيه قال له الوزير: ألم أعلم أنك ذهبت إلى دار سعد وتركت فيها بطاقتك يوم العيد؟ قال مصطفى: قد كان ذلك. قال الوزير: أو لم تعلم أن سعداً يناوى الحكومة القائمة وأن زيارة داره سياسة محظورة على الموظفين؟ قال مصطفى: تلك مجاملات لا شأن لها بالسياسة ولا بالحكومة. قال الوزير: فأنت مفصول منذ الآن. قال له مصطفى: أنت وما تريد. وعاد مصطفى إلى داره غير حافل بما كان. ولكن رئيس الوزراء ثروت باشا، رحمه الله، علم بالأمر فعاتب الوزير فيه، وترضى ذلك الوفي الذي وشت به الأرصاد فعوقب على الوفاء."

هكذا كان ذكر طه لهذا الأزهري الذي أحبه في الوقت الذي كره فيه كل من ارتدى زي الأزهر والأزهريين أو انتسب إلى أروقته وربوعه.. لكن أنى له أن يكرهه وقد وجد فيه معنى الإنسان المتسامي، الإنسانية التي لم يجدها فيمن عيروه يوما بعلته وعماه، وظهر منهم في أقسى ما يظهر فيه الإنسان طغيانا وجورا؟!

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1450 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع