هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • القاهرة .. جبارة المحبة جابرة التائهين.
  • من طرف واحد
  • العتاب محبة
  • هزمني الصمت
  • على لسان نائب
  • ديننا و دينهم
  • الرجل .. للحب جائع
  • التعلم و النجاح المالي
  • من أعجب الناس إيماناً عند الله يوم القيامه ؟
  • كرموا فتحي عبد السميع
  • قواعد الأستخدام الآمن لمضادات الإكتئاب
  • أخطاء الكبار و الصغار
  • الخوف من بعضهن
  • قبل ما ناكل حلاوة المولد
  • معنى الحب
  • هل خدعكم سبتمبر قبلا؟
  • عاشق عابد صادق أواب
  • أختبئ داخلي
  • فيولين - عهد الثالوث - الفصل 14
  • أنت ميّت على قيد الحياة
  1. الرئيسية
  2. مدونة محمد شحاتة
  3. خيال المآتة

إحنا بنحِب التَّعب والشَّقى لأننا اتربّينا عليه من صُغرِنا، من أول ما الواحد فينا رجليه بتشيله، بيبدأ يسرَح مع أبوه الغيط، على شان كده كل واحد فينا بيحب الأرض بتاعته، طينها فيه من ريحته وهو فيه من ريحة طينها، دا غير إن الأرض هي الخير اللي بجد، على شان كده بيصعب على الواحد مننا إنه يشوف خيرها بيتهدِر، ومفيش حاجة تهدِر خير الأرض وتاكل المحصول قد الطيور، وده اللي بيخلّي كل واحد مننا يحُط خيال مآتة في الأرض، واللي كلكم عارفينه طبعًا.

بس في يوم سرَحت الأرض بدري، ولما وصلت لقيت إن خيال المآتة اللي في أرضي واقع، والهوا أخد الجلابية اللي كانت على العصايتين وحدفها بعيد، والطيور زي ما تكون شياطين ملعونة، ما صدقت إن الهوا شال خيال المآتة ونزلت بهدِلت القمح، وبالمناسبة دي مش أول مرة تحصل عندي، بس المرة دي الضرر كان كبير، بدأت أزعَق في الأرض وأندِب حالي، لحد ما عويس صاحب الأرض اللي جنبي؛ وجاري بالمناسبة، سمع صوتي العالي، وده اللي خلاه ساب اللي في إيده وجالي جري، ولما شاف خيال المآتة اللي اتكسر والقمح اللي اتبهدل قال لي:

_خلاص يا عوض، استعوض ربنا في القمح اللي باظ، وصلَّح خيال المآتة ودقُّه مكانه في الأرض.

في الوقت ده رديت عليه بانفعال وقولت:

_دي تالت مرَّة يا عويس، أنا شارب الضباب من الطيور دي.

_أمر الله بقى يا عوض، ربنا يعوض عليك.

سابني ورجع على أرضه، وفضلت أبُص بحسرة للقمح اللي مرمي في كل حتة، في الوقت ده قررت أعمل خيال المآتة من أول وجديد، لأ ومش زي كل مرة، المرَّة دي الهوا مش هيقدَر يحرَّكه من مطرحه.

أخدت بعضي وروحت عند شجرة الكافور اللي على أول الأرض، خلعت جلابيتي وطلعت فوقها، لحد ما وصلت لفروعها، وساعتها قطعت فرعين كل واحد فيهم ينفع يكون وتد، أخدتهم ونزلت من على الشجرة، وبالشَّرشَرة ساويت الفروع وبعدها مسمٰرتهم في بعض حرف تي، بس لقيت نفسي بعمل تصرُّف غريب، مسكت جلابيتي اللي كانت مرمية في الأرض، وبدأت ألبِّسها للعصايتين، وبعدها جريت على الجُرن جِبت كومة قٰش؛ حشيت بها بطن الجلابية وبعدها ربطت الجلابية من تحت، ولما خلصت لقيت قدامي خيال مآتة طول بعرض، اللي يشوفه من بعيد يقول دا خفير من دوار العمدة.

شيلته على كتفي ونزلت به الأرض، ودقَّيته نفس مكان الخيال اللي اتكسر، بس المرة دي العصاية كانت نازلة لعمق كبير في الأرض، وبمجرد ما الطيور انتبهت لوجوده كأن في صاعق كهربا لمسهم، أخدوا بعضهم وطاروا بره الأرض.

حسيت إن قلبي ارتاح لما اطَّمِّنت على اللي باقي من القمح، وبدأت أشوف باقي شغلي، لحد ما اليوم خلص وروَّحت على الدار، وأول ما مرتاحة مراتي شافتني، ضربت إيدها على صدرها وقالت:

_يا مصيبتي، فين هدومك يا عوض!

ساعتها بس وعيت على نفسي، وافتكرت إني حوِّلت جلابيتي لخيال مآتة، وإني راجع على الدار بالصديري والسروال، وده اللي خلاني أقول لمرتاحة:

_اقفلي خشمِك؛ الجلابية عملتها خيال مآتة، لأن الهوا شال الخيال اللي في الأرض والطيور نزلت أكلت القمح.

بعدها سيبتها ودخلت آخد دُش مايِّه، على ما تحضَّر لُقمة ناكلها، وبعد ما الأكل جهِز وقعدنا ناكل، لقيت مرتاحة بتقول لي:

_الطيور أكلت قمح كتير؟

لما افتكرت المنظر بلعت اللقمة بالعافية وقولت لها:

_مُش كتير أوي، بس دي تالت مرة، يعني على ما نيجي نحصد مش هنلاقي حباية قمح في الأرض، لكن المرة دي أنا عامل خيال يتربِط فيه وابور حَرت.

خلصت أكل وشربت كوباية شاي ودخلت أقيِّل شوية، دماغي كانت تقيلة وكنت حاسس بتعب شديد، ده اللي خلاني أروح في النوم بمجرد ما غمضت عيني، ساعتها شوفت نفسي في الأرض، الجو كان غريب، مكنتش فاهم إن كان ده نهار ولا ليل، كل اللي فاهمه إن السما كانت غريبة، السحاب اللي فيها كان أسود وبينزل منُّه مطر أحمر زي الدم، كان بيغرَّق القمح اللي في أرضي أنا وبس، وبعد ما المطر الأحمر وقف، لقيت إن القمح بيشيخ والسنابل بتميل على جنبها، كأن في حد أنا مش شايفه بيدوس فوقها، صحيت مفزوع وأنا بستعيذ بالله من الشيطان، لقيت مرتاحة مراتي داخلة تجري على الأوضة؛ وبتقول لي:

_خير يا عوض، صاحي مفزوع ليه؟

شاورت على القُلّة اللي كانت فوق الشباك، وساعتها مرتاحة راحت جابتها لي؛ أخدتها وشربت بوق على شان أعرف آخد نفسي، وبعدها حطيتها على الأرض جنبي وقولت لها:

_شوفت كابوس.

ساعتها مرتاحة خبطت على صدرها وقالت:

_خير كفى الله الشر، شوفت إيه؟

_شوفت إن الدنيا بتمطَّر دَم على القمح، وبعدها بيفسَد.

مرتاحة وشها جاب ألوان من اللي قولته وقالت:

_ده حد حاسدنا وبيتمنى الشر للأرض، على شان موسم القمح اللي فات كان المحصول بتاعنا أحسن محصول في البلد.

قومت من مكاني بدون ما أعلَّق على كلامها، لبست جلابيتي وخرجت من الدار وروحت على القهوة، وهناك لقيت عويس قاعد على ترابيزة لواحده، قعدت جنبه وطلبنا اتنين شاي، وبعد ما القهوجي جاب الشاي؛ لقيت عويس بيسألني:

_عملت إيه في خيال المآتة يا عوض؟

_عملت خيال جديد، ولا عاوزني أسيب القمح للطيور.

_خير ما عملت، الطيور السنة دي حاجة صعبة، ربنا يعدِّي الموسم على خير.

روَّحت الدار بعد العِشا، أكلت لقمة ونمت لأن الصداع اللي عندي كان شديد، لكن صحيت مفزوع من عز النوم، بس المرة دي الفزع مكانش بسبب حاجة أنا شوفتها، ده كان بسبب صوت مرتاحة اللي كانت بتصرخ، نزلت من السرير وجريت فتحت نور الأوضة، كانت مرتاحة قاعدة بتبكي في السرير وحالتها حالة، ولما سألتها:

_خير يا مرتاحة، إيه اللي حصل؟

مكانتش قادرة تجيب النفس، وفين وفين على ما قدرت تنطق وقالت:

_الأرض يا عوض؛ شوفت واحدة قاعدة فيها، مكانش باين منها حاجة لأنها كانت لابسة أسود في أسود، حتى وشها مُش باين، وكانت ماسكة في إيدها عروسة قماش؛ وبتغرز فيها إبر خياطة طويلة، وبتحرقها بالنار في أماكن مختلفة.

القلق اللي حسيت به كان غريب، إزاي أنا ومرتاحة حلمنا بالأرض الأحلام دي في يوم واحد، هي إيه الحكاية، هو أنا هلاقيها من الطيور ولا من الأحلام المهببة دي!

فضلت صاحي لوِش الفَجر، مقدرتش أغمض عيني؛ برغم إن مرتاحة نامت من تاني وراحت في النوم كمان، ولما سمعت أذان الفجر، لبست هدومي وخرجت من الدار وسرحت الأرض، الوقت كان بدري عن كل يوم، ولما وصلت لقيت إن الدنيا تمام، القمح زي ما هو وخيال المآتة في مكانه، أصل كان بالي مشغول ليكون الأرض حصل فيها حاجة، قلبي اطَّمن وبدأت أشوف شغلي، الشمس مكانتش لسه طلعت والجو مكانش حامي، وأنا من النوع اللي بيتشجع على الشغل لما يكون الجو كويس، بس اللي خلاني أسيب الشغل وأبُص ورايا؛ لما سمعت صوت عويس وهو بيقول لي:

_عوض!

لما بصيت ورايا مشوفتش حد، قولت يمكن تهيّؤات من ليلة امبارح والأحلام المهببة دي، كبرت دماغي ورجعت أكمل شغلي، ومن تاني سمعت الصوت...

_عوض!

المرة دي مكانتش تهيّؤات؛ الصوت خرم وداني، سيبت اللي في إيدي وبدأت ألِف حوالين مني زي الثور اللي مربوط في ساقية، وبرضه مكانش في غيري، ولما وقفت متنَّح مش فاهم إيه اللي بيحصل، سمعت الصوت من تاني:

_أخيرًا يا عوض، مكنتش عارف أتكلم معاك ازاي، شهور طويلة وأنا بدوَّر على طريقة على شان نتكلم، بس المشكلة إني موجود عندك في الأرض، لو في مكان تاني كانت المهمة هتبقى أسهل شوية.

جسمي كان بيتنفض وأنا شايف الصوت طالع من حد مش موجود، والمصيبة إن مصدر الصوت كان قريب مني، بلعت ريقي وجمعت الكلام بالعافية وقولت:

_أنت مين؟ مين اللي بيتكلم؟

ساعتها سمعت ضحكة عالية، معرفش إزاي كانت بترُج المكان من حوالين مني، سنابل القمح اتهزت وخيال المآتة زي ما يكون في حاجة عايزة تخلعه من مكانه، قلبي وقع في رجلي وقولت بصوت متقطع:

_أنت مين يا جدع أنت؟

_دا أنت اللي جدع يا عوض، وسهِّلت عليا المهمة، على شان أنا جاي آخد منك حاجة مش من حقَّك.

_هو إيه اللي مش من حقي يا جدع أنت؟!

سمعت صوت الضحكة المخيفة من تاني، بس المرة دي معرفش إن كانت كل حاجة بتتهز من حواليا، ولا أنا اللي بتهز من جوايا، بس اتفاجئت إن في إيد نازلة على وشي، ومن شدّة الضربة عيني نوَّرت، وبعدها سمعت الصوت ده وهو بيقول لي:

_محروق أبوك يا عوض؛ يا واكل ناسك.

الدنيا لفَّت بيا وحسيت إن جالي ارتجاج في المخ، ومعرفش إن كانت دي هلاوس ولا حقيقة، بس حقيقة إزاي! هو مين اللي يتجرأ ويعمل كده، دا لو في واحد عملها كنت شقِّيته نصّين بالشَّرشرة.

شيلت إيدي من على وشي؛ لما لمحت عويس وهو جاي ناحية الأرض، أي نعم الصوت اللي كلمني كان نفس صوته، بس أنا مشوفتوش، وبعدين شكله لسَّه نازل من على الطريق وجاي ناحية الغيطان، يعني مستحيل يكون هو.

لما وصل عندي حاولت إني أكتِّم على اللي حصل، ماهو مينفعش إن حد يعرف إني انضربت بالكَف؛ واتشتَمت كمان، لكن لما وصل عندي مقالش سلام ربنا، كان بيبحلق في وشي وبيقول:

-مالك يا عوض، إيه اللي عمل في وشك كده؟

في الوقت ده عرفت إني مكنتش بهلوس، وإن كل حاجة حصلت كانت حقيقة، بس اتهرَّبت من سؤاله وقولت:

-مفيش يا عويس، اتخبطت بوشّي في العامود الخشب بتاع الجُرن.

-سلامات يا عوض، بس كويس مفيش طيور نزلت عندك الأرض النهاردة، شكل خيال المآتة اللي عملته مفعوله عالي، ولا شيخ الخفر.

-أديني عملت اللي عليا والباقي على ربنا.

بعدها سابني وكمِّل ناحية أرضه، وأنا خرجت من الأرض ودخلت الجُرن، قلعت جلابيتي وفرشتها في الأرض، وقولت أتمدد شوية، أصل الأرض مرويَّة وكل حاجة تمام، ومفيش حاجة تتعمل تاني.

وفعلًا مددت على الأرض وغمضت عيني، بس كانت تغفيلة خفيفة، يعني مروحتش في النوم وكنت حاسس باللي حواليا، وده اللي خلاني أحِس بخطوات قريبة منّي، لدرجة إنها كانت جوَّه الجُرن، قبل ما أفتح عيني قولت ده عويس، أكيد جاي محتاج حاجة، فتحت عيني ولسه بقول: عاوز إيه يا عو...

ولقيتني بقطع كلامي؛ لما شوفت واحدة في الجُرن، كانت قاعدة في الأرض ووشها للحيطة وضهرها ناحيتي، بصيت ناحيتها باستغراب وأنا بسألها:

-أنتِ مين يا ست أنتِ؟

لكنها مردَّتش عليا، زي ما أكون بكلم حيطة الجُرن، بس مأخدتش وقت طويل لحد ما أعرف إن دي مرتاحة مراتي، هي عبايتها السودة وده نفس جسمها، إيه اللي جابها هنا بنت الملكوم دي؟!

قومت من مكاني وروحت ناحيتها، شديتها من دراعها وأنا بقول:

-أنتِ بتعملي إيه هنا يا مرتاحة؟

ساعتها التفتت ناحيتي، وبمجرد ما شوفتها سيبت دراعها وبدأت أرجع لورا، لأن جلد وشها كان لونه أسود، معرفش إن كان ده لون الجِلد؛ ولا وشها طالع فيه شعر أسود زي شعر البهيمة، كل اللي أعرفه إن لما بصت ناحيتي اكتشفت إنها مش مرتاحة، دي حاجة تانية مش مفهومة.

فضلت أرجع لورا لحد ما ضهري خبط في طوالة البهايم، بعد كده معادش في مجال أتحرك، وقفت وأنا ركبي بتخبَّط في بعضها، في الوقت ده بدأت تقرَّب مني، بس مشيتها كانت غريبة، زي ما تكون بتزحف على الأرض وهي واقفة؛ مُش بتنقل رجليها زينا، لحد ما قرَّبت مني ومبقاش في مسافة بينا، وساعتها فتحت بوقها اللي كان مليان شَعر زي شَعر البهايم بالظبط، وبدأت تتكلم:

-واحد زيك واكل ناسه يا عوض عايش ليه؟ أنت المفروض ترُد الحاجة اللي مش من حقك، وبعدها تموت، ولو مردِّتهاش بمزاجك هتردها غصب عنك.

الصوت كان صوت عويس، وبعيد عن إني كنت مستغرب إزاي بتتكلم وبوقها مفتوح، بس حسيت إن عويس عامل فيا مقلب، ممكن تكون عينه على الأرض وعاوز يشتريها، وعارف إني مستحيل أبيع، ماهي أرضي لازقة في أرضه، يبقى أكيد عاوز يوسَّع الملكية بتاعته، وبدأ يلجأ اللحركات دي على شان أخاف من الأرض وأبيعها، ويمكن ده اللي خلاني أزقُّه بكل قوتي في صدره وأقول له:

-عيب عليك يا عويس؛ مُش شغل رجالة اللي بتعمله ده.

لكن لقيت نفسي برجَّع إيدي جنبي من تاني، لأني لما زقّيته في صدره؛ لقيت إيدي بتدخل فيه زي ما تكون داخلة في كومة قش، اللي كان واقف قدامي هدوم محشية بالقش من جوَّه، معرفش إزاي كانت بتتكلم وبتتحرك، في اللحظة دي لقيت نفسي نطّيت طلعت فوق طوالة البهايم اللي ورايا، ومعادش في ورايا غير حيطة الجُرن، وساعتها سمعت الضحكة المخيفة من تاني، المرة دي كانت طالعة من الشيء اللي مش مفهوم وواقف قدامي.

مكانش قدامي غير إني أستعيذ بالله من الشيطان، في الوقت ده بس الشيء اللي قدامي وقع في الأرض، بس لما وقع لقيته مجرَّد عباية، أيون العباية السودة بتاعة مرتاحة، اللي نسيتها هنا من كام يوم، وقالت لي أبقى أجيبها وأنا راجع على الدار ونسيت، وبالطريقة دي فهمت إن في شيطان والعياذ بالله ساكن هنا وظهر لي، واتجسد في العباية اللي كانت مركونة جنب الحيطة.

طلعت أجري من الجُرن، بس بمجرد ما خرجت لقيت الدنيا ضلمة، ومعرفش ده حصل إزاي، كل اللي فاكره إني قبل الضهر دخلت أمدد شوية، وبعد دقايق حصل اللي حصل، ولما طلعت دلوقت لقيت إننا بالليل، هو الوقت ده فات إزاي!

أخدت ديلي في سناني وطيران من الجُرن، وعلى شان أطلع الطريق كان لازم أفوت من الأرض؛ وأعدي اليمَّة التانية، بس لما جريت وسط القمح؛ سمعت صوت خطوات ورايا، ولما بصيت؛ شوفت خيال المآتة اللي أنا عملته بإيدي، كان ورايا خطوة بخطوة، زي ما يكون بيطاردني، وساعتها قولت إن اللي اتجسِّد في عباية مرتاحة اتجسِّد في خيال المآتة، بس اللي كنت سامعه، هو إنه عمال بيردد بصوت عويس:

-محروق أبوك يا عوض؛ يا واكل ناسك.

معرفش خرجت من الأرض إزاي، بس لقيت نفسي على الطريق، رجليا كانت غرقانة طين من الجري وسط القمح، أخدت بعضي ورجعت على الدار، وبمجرد ما مرتاحة شافت منظري قالت لي:

-إيه حكايتك يا عوض! كل يوم تيجي حالتك حالة من الأرض، وبعدين إيه اللي أخَّرك كل ده؟!

رديت عليها وقولت لها:

-همَّليني يا مرتاحة دلوقيت، مش وقته وحياة والدك.

غسلت رجليا وغيَّرت هدومي، وأخدت بعضي وطلعت على القهوة، وهناك لقيت عويس، قربت منه وشديته من لياقة الجلابية وقولت له:

-أنت عاوز إيه منّي يا عويس؟

ساعتها استغرب من اللي بعمله وقال لي:

-مالك يا عوض في إيه؟

-يعني مش عارف اللي أنت بتعمله؟ عاوز إيه من أرضي يا عويس؟

لما سألني عن سبب اللي بقوله؛ حكيت له اللي بيحصل، وإن عينه على الأرض وبيزاولني على شان أبيعها، بس ساعتها أقسم لي إن مفيش كلام من اللي بقول عليه ده، وقال لي:

-إحنا لازم نروح للشيخ أمين، نسأله عن اللي بيحصل في أرضك، وإن كان فيها حاجة يصرفها.

بعد كلمة مني وكلمة منه، أخدنا بعضنا وروحنا على بيت الشيخ أمين، وحظنا كان حلو إننا لحقناه قبل ما ينام، دخلنا البيت وقعدنا في أوضة الضيوف، سمع منّي كل حاجة بالتفصيل، وبعد ما خلصت كلامي، طلب مني إننا نطلع نروح الأرض، لأن الموضوع ميستنَّاش.

أخدنا بعضنا ومعانا كشاف نور وطلعنا على هناك، ولما وصلنا، لقيته واقف بيبُص ناحية خيال المآتة، وبعدها بيبُص ناحية الجُرن، وكان بيقرأ قرآن بصوت واطي، وبعد شوية قال لي:

-ده خيال المآتة اللي أنت عامله يا عوض؟

بصيت لعويس كده وبعدها بصيت للشيخ وقولت له:

-هو يا مولانا، خيال المآتة ماله؟

وبدون ما يجاوبني قال لي:

-روح شيله من مكانه واحرقه برَّه الأرض، وبعدها هات الفاس وتعالَ.

عملت اللي قال عليه، وبعد ما حرقت الخيال على الطريق، جبت الفاس ورجعت له، وساعتها طلب مننا ندخل الجرن، ولما دخلنا، لقيته بيقول لي:

-احفر هنا.

الغريبة إن كان بيقول لي أحفر في المكان اللي فيه عباية مرتاحة، وهو نفس المكان اللي الشيء ده اتجسِّد فيه في العباية، وبدون نقاش بدأت أحفر، على شان ألاقي قماشة سودة، ملفوفة زي الكورة القماش كده، وبمجرد ما ظهرت الشيخ قال:

-هات اللي في إيدك يا عوض.

الشيخ أخد كورة القماش، وبدأ يقرأ عليها آيات تخص الجن والشياطين، وبعدها بدأ يفِك فيها، كانت متعقَّدة عقدة ما يعلم بيها إلا ربنا، وبعد ما اتفكَّت، لقينا فيها عروسة قماش محروقة وفيها إبر خياطة، نفس اللي مرتاحة شافتها في الحلم، وكان معاها ورقة ملفوفة، ولما الشيخ فتح الورقة، كان مكتوب فيها رموز غريبة وحروف جوَّه مربعات شبه مربعات السيجة، ومعاها شوية شَعر، بس الغريبة إن الشّعر ده كان نفس شعر راسي، وفعلًا؛ الشيخ بص لي وقال:

-ده شَعر من راسك يا عوض.

الشيخ بدأ يقرأ على الورقة والعروسة قرآن وأدعية، وكان بيقول حاجات غريبة، زي انصرفوا من الأرض، اتركوها بسلام، الحق هيرجع بس بلاش الأذى، وكلام كتير مش مفهوم، وبعدها طلب مني آخد الورقة باللي فيها، وأرميها في مايَّه جارية.

أخدت الورقة وطلعت على الطريق، ورميتها في الترعة الكبيرة، ولأن حظي كويس، منسوب المايَّه كان عالي وقتها والتيار شديد، والمايَه أخدت الورقة والعروسة القماش وبلعتهم، وبعدها رجعت على الجُرن؛ على شان أسأل الشيخ أمين عن الحكاية، ولما سألته؛ لقيته بيقول لي حاجة عمري ما فكَّرت فيها:

-ده كان عمل يا عوض، الغرض منه إنك تكره الأرض مش تبيعها، بس ترجَّع الحق لأصحابه، أرض أختك يا عوض، اللي أبوك قرر يحرمها منها لو اتجوزت من برَّه العيلة، ولما مكانش لها نصيب في حد من العيلة أبوك كتب الأرض كلها باسمك، وأختك قررت تعمل العمل ده ودفنته هنا، على شان في يوم من الأيام تكره الأرض، وفي نفس الوقت متلاقيش مشتري، وميكونش قدامك غير إنك ترجع لها نصيبها، عرفت بقى الشعر اللي من راسك وصل للعمل منين؟

كنت بسمع وأنا مش مستوعب، لكن كنت مضطر أسمع باقي كلام الشيخ وهو بيقول:

-الشيطان اللي متكلف بالعمل، كان بيأدي مهمته على المدى الطويل، لحد ما أنت اللي فتحت له الباب بنفسك، لما عملت خيال المآتة بالطريقة المهببة بتاعتك دي، أنت عارف إن الجن والشياطين بيتجسدوا في التماثيل وألعاب الأطفال، تقوم تعمل خيال مآتة خادم السِّحر يقدر يتجسِّد فيه، ومن وقتها قرر يظهر لك على شان يخلَّص التكليف اللي عليه ويبقى حُر، على شان كده طلبت منك تحرقه، رجَّع حق أختك يا عوض، واعمل خيال مآتة زي الناس اللي حواليك، أنت مش هتاخد أكتر من رزقك.

ساعتها رديت عليه وقولت له:

-بس أبويا اللي عمل كده، يعني مش أنا اللي أخدت حق أختي.

-تفتكر إن ده هيمنع إنك واكل حقها؟ الكلام ده لو معندكش علم، بس أنت عارف ودريان باللي حصل، يعني أنت مشارك أبوك، رجَّع حق أختك وريَّح أبوك في تربته، لو هو عمل ده في الدنيا، فهو دلوقت أكيد عارف إنه عمل غلط وبيعاني، ريَّح أبوك وأختك يا عوض، أبوك الله يرحمه اتصرَّف عن جهل، متبقاش جاهل زيُّه، وبالحق متلومش أختك على اللي عملته، أي نعم اتصرَّفت غلط بس دي ولية، مش هتقدر تقف لراجل طويل عريض زيك، ومكانش قدامها غير إنها تتصرَّف كده.

خرجنا من الأرض وأنا في حيرة، وفي وسط الطريق، لقيت عويس بيقول لي:

-أنا من بُكره هروح للمحامي.

ساعتها قولت له:

-وأنت رايح بكره للمحامي ليه؟

-أختي لها تلت قراريط في أرضي، أبويا كتبهم لي لما قررت تتجوز واحد من محافظة تانية، هروح أخليه يتنازل عنهم ويرجعوا لها.

في الوقت ده رديت عليه وقولت:

-أنا بقى معنديش محامي، بس من بكره رجلي على رجلك، هروح معاك أعمل توكيل للمحامي بتاعك، والكام قيراط اللي من حق أختي هيرجعوا لها، إذا كان حصل معانا كده في الدنيا؛ على شان حقوق الناس، هيحصل معانا إيه لما نقف قدام ربنا، دا حتى الشقى والتعب في الأرض اللي مش من حق الواحد مالهاش عازة.

***

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

685 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع