هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • القاهرة .. جبارة المحبة جابرة التائهين.
  • من طرف واحد
  • العتاب محبة
  • هزمني الصمت
  • على لسان نائب
  • ديننا و دينهم
  • الرجل .. للحب جائع
  • التعلم و النجاح المالي
  • من أعجب الناس إيماناً عند الله يوم القيامه ؟
  • كرموا فتحي عبد السميع
  • قواعد الأستخدام الآمن لمضادات الإكتئاب
  • أخطاء الكبار و الصغار
  • الخوف من بعضهن
  • قبل ما ناكل حلاوة المولد
  • معنى الحب
  • هل خدعكم سبتمبر قبلا؟
  • عاشق عابد صادق أواب
  • أختبئ داخلي
  • فيولين - عهد الثالوث - الفصل 14
  • أنت ميّت على قيد الحياة
  1. الرئيسية
  2. مدونة محمد شحاتة
  3. ليلة مع ميطرون

الصبر من عندك يا رب؛ المشوار ده تقيل على قلبي جدًا، ولو سألتني مشوار إيه؛ هقول لَك مشوار القاهرة؛ أصل أنا غريب عنها وماليش في الزحمة، بس بكون مُضطر أنزلها لو في سبب، زي تخليص ورق من هناك مثلًا، وحاجات من دي يعني، ولأن المشوار طويل بكون مضطر أبات هناك، وطالما هبات يبقى أول حاجة هفكر فيها؛ هي إني أشوف لوكاندة سِعر الليلة فيها على قد جيبي.

المرَّة دي كنت مضطر أنزل في الشِّتا، بالتحديد في ٢٢ يناير، وصلت في قَطر الفَجر، ولما خرجت من محطة مصر؛ أول حاجة فكرت فيها هي إني أشوف لوكاندة مناسبة، أصل بالطول أو بالعَرض هبات هنا لأسباب كتير، أولًا أنا نازل أخلَّص ورق مهم والروتين معروف، إمضاءات وأختام؛ ولفة طويلة هتنتهي بالجملة المعروفة: تعالَ استلم الورق بُكره، وثانيًا إني مش هقدر أرجع بلدنا وآجي تاني يوم الصبح، المسافة طويلة بالقَطر والنهار في الشِّتا قصير، دا غير إنها مُمكن تمطَّر، وده اللي خلاني أبدأ ألِف على لوكاندة في الأماكن القريبة من المحطة، لكن حظي عمره ما خدمني أبدًا، كنت كل ما أدخل لوكاندة ألاقيها فول كومبليت، مفيهاش سرير فاضي، والسبب اللي كنت بسمعه قبل ما أسيب اللوكاندة وأمشي، هو إننا في سيزون معرض الكتاب، وناس كتير جاية من برَّه مصر ومن الأقاليم، وكلهم حاجزين من بدري، اللي سَبَق أكَل النَّبَق زي ما بنقول في الأمثال عندنا.

 

النهار كان قرَّب يطلع؛ وكنت فقدت الأمل إني ألاقي مكان فاضي، بصراحة؛ كنت عامل حسابي إني هقضي الليلة في أي قهوة من قهاوي وسط البلد، لكن عملت محاولة أخيرة بما إني كنت قريب من لوكاندة مسألتش فيها قبل كده، دخلت وأنا بقول جايز حظي يبقى كويس، ولما وقفت قدام موظف الريسيبشن قولت له:

-صباح الخير، في أوضة فاضية يكون سعر الليلة فيها كويس؟

كنت منتظر أسمع الرد اللي سمعته في اللوكاندات اللي سألت فيها، بس لقيته بيبُص في الدفتر اللي قدامه، وبدأ يحرَّك صابعه على الصفحة زي ما يكون بيدوَّر على حاجة، وبعدها قال لي:

-في أوضة مشتركة بسريرين؛ فيها سرير فاضي. 

-أقدر أحجز المكان الفاضي؟

بعد ما بَص في الساعة وكتب ملاحظة في الدفتر اللي قدامه قال:

-مفيش مشكلة، الليلة 350 جنيه.

السعر كان عالي شوية، بس بعد اللي شوفته قولت مش مهم، حطيت إيدي في جيبي وطلعت فلوس الإيجار، وبعدها طلب مني البطاقة.

طلعتها من جيبي وحطيتها قدامه، كان بيبُص فيها وبينقل البيانات اللي فيها، وكنت سامعه وهو بينطق كل حاجة بيكتبها، سعد أحمد، مقيم في...

أخد البيانات اللي عاوزها ورجَّع لي البطاقة تاني، وبعدها ناولني نسخة مفتاح وقال لي:

-أوضة رقم 21، آخر الممر اللي فوق يمين.

أخدت المفتاح من إيده، وبعدها أخدت بعضي وطلعت، موقفتش لحد ما ييجي حد يوصَّلني زي ما بعض الناس بتعمل، لأن مفيش معايا غير الشنطة اللي على ضهري، دا غير إن اللي باقي معايا يادوب يكفي الأكل وتذكرة القَطر وأنا راجع البلد بُكره.

طلعت ووصلت للأوضة، ولما فتحت الباب ودخلت لقيت فيها جوز سراير، لكن كان في سرير منهم الغطا اللي عليه مفرود، وسرير تاني كان مترتِّب، قولت أكيد اللي نازل معايا في الأوضة سايب سريره متبهدل، وأول حاجة خطرت على بالي إنه ممكن في الحمام، وده اللي خلاني أقول بصوت عالي:

-صباح الخير.

 

مفيش حد رد عليا، دخلت ناحية باب الحمام واللي بالمناسبة كان متوارب، وساعتها اتأكدت إن مفيش حد موجود، قولت أكيد الشخص ده صحى من النوم بدري وخرج.

 

مكنش عندي وقت، يادوب أحط شنطتي وأروح أخلَّص المصلحة اللي ورايا، وفعلًا حطيت شنطتي جنب السرير وأخدت أوراقي وخرجت، وروحت قدِّمت الأوراق بعد ما خلَّصت إجراءتها، وفي الطريق أكلت سندوتشين ورجعت اللوكاندة بعد الضُّهر، كنت مُرهق جدًا، صاحي في القَطر طول الليل؛ وبعدها لفِّيت لما اتقطعت أنفاسي على لوكاندة، وروحت خلَّصت أوراقي، وبعد كل المشاوير دي طلبِت معايا نوم.

 

طلَّعت تريننج النوم اللي في شنطتي ولبسته، وبعدها اترميت على السرير وشديت الغطا فوقي، مأخدتش وقت طويل وروحت في النوم، بس لقيت نفسي بقلق من النوم لما سمعت صوت حد ماشي في الأوضة.

 

رفعت راسي من على المخدة؛ ولاحظت من الشباك إن الليل دخل، بعدها بصيت في الأوضة، وساعتها شوفت واحد واقف وضهره ناحيتي، مكنتش محتاج حد يقول لي إن ده الشخص اللي نازل معايا في الأوضة، وعلى شان يعرف إني صحيت من النوم قولت له:

_مساء الخير.

 

حسيت إني بكلم حيطة، لأنه لا رد عليا ولا حتى التفَت ناحيتي، وده اللي خلاني أردد كلامي تاني، ولما ملقتش منه أي رد فعل؛ قومت من السرير وروحت ناحيته، وقفت وراه ومديت إيدي زقيته في ضهره وأنا بقول له:

_أنت كويس يا أستاذ؟

 

نزلت إيدي من على ضهره لما لقيته بيلتِفت ناحيتي، لكن حركته كانت بطيئة بدرجة غريبة، كنت واقف مستغرب من اللي بيعمله، ولما وشه بقى في وشي حسيت إن قلبي وقف، والهوا مش داخل صدري، كنت حرفيًا بتخنق من الرعب اللي حسيت به، وده لأن وشُّه كان غريب، عينيه مبرَّقة ولونها أبيض، بوقه مفتوح كأنه بيتخنق وبيحاول يتنفس لكنه مش قادر، يمكن ده سبب إن وشه كان لونه أزرق وعروق رقبته منفوخة!

 

بدأت أرجع لورا وأنا ببُص لمكان في الأوضة ممكن أستخبى فيه، وملقتش غير إني أنُط للناحية التانية من سريري، وبعدها نزلت في الأرض وكتمت نفسي، معرفش إيه اللي خلاني أعمل كده؛ لكن الإنسان لما بيخاف مبيعرفش هو بيعمل إيه.

 

انتظرت شوية أشوف هيحصل إيه، بس مفيش حاجة حصلت، قومت من الأرض وأنا ببُص في الأوضة اللي كانت فاضية، معرفش هو راح فين، لا سمعت صوت باب اتفتح على شان أقول يمكن خرج، ولا حتى لقيته نايم ومتغطي.

 

قومت من مكاني وأنا بقول أكيد كابوس، أيون؛ أنا مكنتش صاحي، أنا شوفت كابوس مخيف وأنا نايم خلاني أتفزع وأقع من على السرير في الأرض، بدليل إني لسه قايم من جنب السرير.

 

بلعت ريقي وبدأت آخد نفسي بانتظام، بس حسيت قلبي بيقع في رجلي تاني؛ لما سمعت صوت السيفون بيتشد في الحمام.

 

بمجرد ما عيني جت على باب الحمام لقيته اتفتح، ساعتها خرج منه واحد كان لابس نفس هدوم الشخص اللي شوفته قبل ما أنزل على الأرض جنب السرير، لكن المرة دي كان بينشِّف راسه بالفوطة، ولما أخد بالي إني واقف ببُص ناحيته وأنا متخشِّب قال لي:

_صحِّي النوم يا نجم؛ هو أنت منمتِش من سنة ولا إيه؟

 

عدم الاستيعاب اللي كنت فيه خلاني أقف مبلِّم، لأن ملامحه كانت عادية مفيهاش أي حاجة تخوِّف، أومال شوفته إزاي في الهيئة اللي كان عليها، يبقى مكنش حلم، أصل إزاي أحلم بحد وأقوم من النوم ألاقيه في وشي!

 

_مالك يا نجم متنَّح كده ليه؟ هو أنت شوفت عفريت؟

_لأ أبدًا بس لسه صاحي ومعنديش علم إن في حد معايا في الأوضة.

_لا يا نِجم؛ طالما نزلت لوكاندات القاهرة في سيزون معرض الكتاب لازم تبقى عامل حسابك على كل حاجة.

 

قولت في سري هو السيزون ده ورايا في كل حتة؛ الخلاصة بقى؛ بالطول أو بالعَرض ليلة وتفوت، والدنيا لازم تمشي، وبما إن هقعد ليلة وشي في وشه قولت أتعرَّف عليه فقولت له:

_اسمي سعد.

 

بص لي وهو بيقعد على سريره وقال:

_عاشت الأسامي يا سعد.

_تسلم وتعيش، واسم الكريم إيه بقى؟

_ميطرون.

 

تنَّحت من تاني وبعدها قولت له:

_ميطرون ده اسمك؟

 

في اللحظة دي بص لي بصة مُريبة وقال لي:

_أومال نوعي! أكيد اسمي.

_عاشت الأسامي، يا ميطرون.

 

استغربت الاسم، لأني كنت بسمعه لأول مرة، بس قولت عادي الدنيا فيها كتير، واللي يعيش يا ما يشوف، أنا اللي عايش في بلدنا متعوِّد على سعد وعلي وأحمد ومحمود، بس الدنيا واسعة وفيها كتير، ولما شافني واقف سرحان قال لي:

_مستغرب الاسم صح؟

 

هزيت راسي وأنا بصدَّق على كلامه وقولت:

_أول مرة أسمعه.

 

ساعتها اتمدد على السرير وقال لي:

_ما أنت لو من عندنا كنت سمعته كتير، بس هتعمل إيه بقى، محدش بيختار اسمه ولا العالم اللي بيتخلق فيه.

_عندك حق؛ الشجرة بتطلع تلاقي نفسها مغروسة في أرض مش من اختيارها.

 

لما قولت الكلمتين دول مردِّش عليا، غمَّض عينيه وراح في النوم، وأنا لقيت النوم كابس عليا من تاني، رجعت على سريري وشديت الغطا فوقي، الدنيا كانت برد؛ واستغربت هو إزاي نايم بدون غطا ومش حاسس بالبرد؛ بس قولت عادي، أنا أسمع إن في ناس مش بتبرد، جايز يكون هو منهم وعلى شان كده اسمه ميطرون.

 

معرفش ليه كنت مركّز معاه، يمكن على شان اسمه الغريب، ولا بسبب عدم إحساسه بالبرد، قولت يمكن راح في النوم ونسي يتغطى، محبِّتش أجازف وأقوم أغطيه، يمكن يتضايق، وفي وسط كل ده لاحظت حاجة أغرب، هو إزاي مش بيتنفِّس وهو نايم؟ ليكون مات!

 

شيلت فكرة الموت من دماغي لما لقيته بيحرَّك رجليه، ساعتها بس عرفت إنه غرقان في النوم.

 

غمضت عيني ونمت، لأن المفروض هقوم من بدري أروح أستلم أوراقي، بس صحيت على حاجة غريبة، الجو كان نار، استغربت إننا في عز الشتا والحرارة عالية بالطريقة الرهيبة دي، أول حاجة عملتها هي إني شيلت الغطا من فوقي، لأني مكنتش متحمله، بعدها قومت قعدت، ومعرفش إيه اللي خلاني أبُص ناحية سرير اللي اسمه ميطرون ده، على شان أشوف أغرب حاجة شوفتها في حياتي.

 

كان وشه ناحيتي، وقاعد على السرير نفس قعدة اليوجا بالظبط، مش ده الغريب إنه كان قاعد كده في الضلمة، الغريبة إنه كان بنفس الهيئة اللي شوفته عليها لما اترعبت وقلبي وقع في رجلي، عينيه لونها أبيض ومبرَّق، بوقه مفتوح ووشه أزرق، بس الغريبة في المرة دي هي إن عينيه كانت منور زي اللمبة النيون.

 

أول حاجة جت في بالي هي إني أطلع أجري من الأوضة، لكن لما بصيت ناحيت الباب لقيت مكانه حيطة، الباب مكانش موجود ومعرفش اختفى فين، بصيت في الأوضة كلها يمكن أكون بصيت في مكان غير اللي الباب فيه، بس ملقتش أثر للباب، يمكن ده اللي خلاني أنزل على الأرض ورا السرير من تاني.

 

رفعت راسي وبصيت ناحيته لأني كنت سامع صوت غريب، الصوت كان غليظ لدرجة خلتني أتهز من جوايا، الغريبة إن ده كان صوته، كان مختلف عن الصوت اللي اتكلم معايا به، حتى الكلام اللي كان بيقوله كان غريب...

 

"ميطرون هنا، تعويذة استحضار أحضرتني إلى هنا بطريقة خاطئة، ميطرون هنا، محبوس في عالم لا يستطيع العودة منه، ميطرون هنا، ولا يملك إذنًا بالعودة، ميطرون هنا، من أكمل الطلسم غادر الغرفة ولم يعد حتى الآن، ميطرون هنا؛ عودتي مرهونة بحذف اسمي من الدائرة، ميطرون هنا؛ إذا لم يعد الذي أحضرني حتى الفجر فأذنوا لي بالعودة عن طريق زهق روح بشرية".

 

كنت زي لوح التلج، بس ياريتني كنت كده وأدوب وأخلص من اللي شايفة قدامي، فضلت في مكاني مش قادر أتحرَّك، ومع الوقت اللي بيفوت ببطء؛ أدركت إن اللي اسمه ميطرون هو مصدر الحرارة اللي في الأوضة، العرَق بدأ ينزل على وشي ويغرَّق جسمي كله، وحسيت إني بتنفض لما لقيته بيبُص ناحيتي بعينيه الممسوحة المنوَّرة وبيقول لي:

_محدش بيختار نصيبه، ومفيش حد بيموت ناقص عُمر، والقانون ده عندنا وعندكم، يعني أنا قدري إني أبقى هنا دلوقت، محبوس في الأوضة دي ومش عارف أرجع، بسبب واحد عمل تعويذة استحضار بالخطأ وكتب اسمي في الطلسم، وساعتها حضرت هنا ومش عارف أرجع، وهو معندوش القدرة إنه يصرفني، دا غير إنه معندوش علم بوجودي، والمشكلة إن نوع الطلسم االي استحضرني عن طريقه بيشترط إن رجوعي يتم في نفس المكان اللي حضرت فيه، واللي هو الأوضة دي، لأني حضرت واتحبست هنا، وهو حاجز نفس الأوضة وراجع على شان سيزون معرض الكتاب، ميعاده الفَجر، ولو مرجعش هضطر أرجع عن طريق زهق روح بشري، عرفت بقى ليه قولت لك محدش بيختار نصيبه، ومفيش حد بيموت ناقص عمر.

 

مكنتش قادر أنطق ولا مستوعب اللي بسمعه، لكنه كان بيكمل كلامه...

_بمجرَّد ما أقول التعويذة مقلوبة وأنا بزهق روحك؛ هيكون معايا الإذن بالرجوع، ده في حال لو مجاش الشخص المطلوب، واللي هيكون معاه الورقة اللي فيها الطلسم، وساعتها حذف اسمي منها هيفتح البوابة على شان أرجع تاني.

 

الوقت فات بدون ما في حاجة تتغيَّر، ساعتها لقيته بيقرب مني، لكن ده حصل بدون ما يقوم من مكانه، كان بيقرَّب وهو قاعد نفس قعدة اليوجا، ومعرفش إن كان السرير بيقرب به ناحيتي، ولا هو اللي كان ماشي في الهوا، الخوف مكانش مخليني مركّز، ولما قرَّب مني لقيت إيده بتتمد ناحية رقابتي، معرفش ليه حسيت إن صوابعه زي الجمر، نار الله الموقدة، والغريبة إني كنت فاقد القدرة إني آخد رد فعل، حتى لما حاولت أصرخ صوتي مكانش بيخرج.

 

بدأت أحِس باختناق وإن أطرافي بتبرد، روحي بتنسحب من جسمي بطريقة غريبة، كنت بتشاهد في سرِّي، بس كل ده وقف في اللحظة اللي سمعت فيها صوت مفتاح بيتحط في الباب، أنفاسي بدأت ترجع لي وحسيت إن الروح بترد في جسمي، وفي الوقت ده باب الأوضة اتفتح والنور نوَّر، وشوفت قدامي واحد، شاب من سنِّي، شايل شنطة على ضهره زي بتاعتي، وفي إيده شوية أوراق، أول ما شافني قاعد في الأرض وضهري للحيطة ساب شنطته وجري ناحيتي وقال لي:

_أنت كويس؟

 

كنت بلتفت حواليا وأنا مش مصدق إن الدنيا رجعت لطبيعتها، حتى عيني لما جت على السرير التاني لقيته مترتب، وكأن الغطا مكانش مفرود عليه ولا كان ميطرون ممدد فوقه، السرير مترتب كأن مفيش إيد اتمدت ناحيته.

 

جسمي كان بيرتعش من الخوف، ولما كرر سؤاله تاني قولت له بصوت كله خوف:

_أنا كويس الحمد لله.

 

ساعتها أخد نفس عميق وقال لي:

_خضيتني عليك يا عم، أنا قولت هيجرى لك حاجة والسيزون يقلب بغم.

 

كرهت كلمة السيزون دي، من وقت ما وصلت وهي مرتبطة بأحدث كلها قلق ومشاكل وخوف، ويمكن ده اللي خلاني أستجمع قوايا وأنطق وأقول له:

_سيزون إيه؟

_مالك يا عم متعصب ليه، سيزون معرض الكتاب، استنى أنا هقول لك اللي فيها.

 

وبدأ يكمل كلامه ويحكي...

_أنا بحجز الأوضة دي باستمرار، أصل أنا بكتب روايات رعب وغموض وكده، ومن حوالي شهر حجزت وجيت هنا على شان أقعد في جو هادي أكمل روايتي، اللي نازل بها في المعرض السنة دي، اسمها ميطرون، الرواية فكرتها إن شاب بيحاول يستحضر جن اسمه ميطرون من عالم تحت الأرض، وبيسخره في خدمته على شان يوصل للكنز اللي أبوه دفنه ومات قبل ما يقول عن مكانه، وعلى شان الرواية تبقى مقنعة، جبت طلسم من الطلاسم وحطيت فيه حروف ميطرون، وكتبت تحته تعويذة استحضار من كتاب سحر قديم، والرواية جهزت خلاص، والمعرض بعد يومين ويادوب أسلمها لدار النشر النهاردة على شان تلحق تطبعها، الأوضة دي لها معايا ذكريات، كتبت فيها روايات كتير، وبنزل فيها على طول، حتى الناس في اللوكاندة يعرفوني وعارفين إني بحجز فيها؛ ها قول لي بقى، اسم الكريم إيه؟

 

مكنتش عارف أقول له إيه، يعني أخلَّص منه اللي حصل معايا، ولا أطنِّش لأنه مش عارف إن اللي عمله ده كان هيتسبب في كارثة بدون ما ياخد باله، لأنه عمله عن جهل وبدون علم لمجرد إنه يعمل ضجة لروايته، وخصوصًا إن اللي اسمه ميطرون ده قال إنه حضَّره بالغلط، لكن قولت أشوف آخره إيه وقولت له:

_اسمي سعد

_عاشت الأسامي يا سعد، وأنا إيهاب عادل، لو بتحب تقرأ رعب يبقى أكيد اسمي عدى عليك.

_أنا لا بحب أقرأ رعب ولا بحب سيرته، هي ليلة وفاتت وأروح أستلم أوراقي وأرجع بلدنا في أول قَطر.

_يعني مش هتحضر المعرض؟

_أنت لو كنت غيبت شوية كان زمانك بتحضر جنازتي مش المعرض.

_يا عم الشر برَّه وبعيد، خليك متفائل.

 

كنت بشيل شنطتي بعد ما غيرت هدومي؛ لأن النهار كان خلاص بيشقشق، وبكده الليلة اللي أنا حاجزها خلصت، وهخرج من اللوكاندة ومش هعتبها تاني، ولا هعتب أي لوكاندة بعد كده خصوصًا في السيزون ده، الله أعلم الناس المجانين دي هتكتب إيه تاني وإيه اللي ممكن أشوفه، وساعتها قولت له وأنا ماشي:

_سلام يا أستاذ إيهاب عادل، وبالتوفيق في روايتك اللي ما يعلم بها غير ربنا دي.

 

في اللحظة دي بص لي وقال لي:

_شكرًا على الدعوة، بس عارف؛ من ساعة ما دخلت الأوضة وأنا بتلح عليا فكرة غريبة، وهي إني أحذف اسم ميطرون من الطلسم قبل ما أسلم الرواية، أصل إحنا بنكتب الكلام ده وبنستخدم التعاويذ والطلاسم ومش عارفين أبعادها، ولا عارفين الناس ممكن تستخدمها في إيه، على شان كده أنا هحذف الاسم من الطلسم وهسلمها على كده، وأقعد على إيد الناس في دار النشر بقى على شان تنطبع.

 

أخدت بعضي ومشيت من اللوكاندة، مكنتش مصدق إني خرجت، ولا مصدق إن اللي كان حاجز السرير التاني في الأوضة مكانش موجود، وإن ميعاد وصوله كان الصبح، وإني قضيت ليلة مع اللي اسمه ميطرون ده والعياذ بالله، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم، بس معرفش ليه الناس بتعرَّض نفسها للأذى، وبتعمل حاجات بتفتح بوابات بتخرج منها بلاوي زرقا ممكن تهلكنا، أنا كنت هروح فطيس في حاجة ماليش ذنب فيها، واللي عملها مكانش يقصد اللي حصل أكيد، بس ليه الناس متاخدش بالها من الكلام ده؟!

 

روحت استلمت ورقي وطلعت على محطة القَطر، قطعت تذكرة وانتظرت القَطر اللي كان على وصول خلاص، ولقيتني بسأل نفسي سؤال؛ هو ليه اللي اسمه إيهاب عادل غيَّر رأيه فجأة وحذف اسم ميطرون من الطلسم بمجرد ما دخل الأوضة؟

 

ساعتها افتكرت إن اللي اسمه ميطرون قال إن إذن رجوعه في حذف اسمه من الطلسم، نفس الفكرة اللي سيطرت على إيهاب بمجرد ما دخل الأوضة، وهنا بس، عرفت حاجة مهمه، إننا حتى لو استحضرنا حد منهم على شان نسخَّره، برضه هو اللي بيكونوا متحكِّم فينا مش العكس.

 

تمت...

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1699 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع