لو عدنا إلى تاريخنا معاً لبعض الوقت , سنجد أن الأمة العربية والإسلامية , كانت لحمة واحدة وكتلة واحدة لا انفصام لها , وكان هذا السبب الرئيسي في قوتها وحضارتها , وبسبب هذه الوحدة وهذا التلاحم , لم يستطيع أي أجنبي أو مستعمر أن يقهرها, وأدرك الغرب هذا الأمر , لذلك اتبعوا القاعدة المعروفة في السياسة , وهى قاعدة فرق تسد , فتدخلوا لإنشاء الحدود والأسوار بيننا , والحدود والأسوار هنا ليست حدوداً جغرافية فقط , وإنما أسوارا بين ثقافاتنا أيضاً. ولقد اتبع أيضاً الطغاة وحكامنا الظالمين هذه القاعدة , وخصوصاً في عهد المخلوع مبارك , فهو كان يعلم جيداً أن القوى الوطنية إذا وقفت جنباً إلى جنب وانفتحوا على بعضهم البعض , فلن يستطيع أن يكون ديكتاتوراً , ولن يستطيع أن ينهب كما يشاء وأن يبطش كما يشاء ولن تكون بيده السيطرة, فكان عليه اتباع هذه القاعدة وبناء الأسوار بين هذه القوى , وسجونه ومعتقلات ساعدته كثيراً فى بناء هذه الأسوار , فلا يستطيعون التواصل مع بعضهم البعض , فلا يملكمون من المعرفة عن أفكار الآخرين سوى القشور , فلاتجد الليبرالى يعرف شيئاً عن أفكار الإسلاميين , والعكس صحيح أيضاً لا تجد الاسلامى يعرف شيئاً عن أفكار الليبراليين. وفى ثورة يناير العظيمة استطعنا أن نحطم الديكتاتور وأن نحطم الخوف , ولكننا لم نستطيع أن نحطم أسواره إلى الآن , ماعدا فترة الثمانية عشر يوماً ما قبل التنحى , فقد رأينا تجمع الشباب سواء كان ليبرالياً أو إخوانياً أو سلفياً أو يسارياً , وتعايش الجميع مع بعضهم البعض , وبفضل الله ثم هذا التعايش والوحدة استطاعوا كسر هذا النظام , الذى كتم على صدورنا وكمم أفواهنا لما يقرب من ستون عاماً , ولكننا عدنا مرة أخرى داخل الأسوار التى بناها بيننا النظام القديم , فتجد كل تيار يرى الأمور من وجهة نظره هو فقط وداخل الأسوار المحتجز داخلها , ويرى أنه الأكثر وطنية والآخر لا يمت إلى الوطنية بصلة . أنا لا أتحدث فى مقالى هذا إلى قيادات هذه التيارات أو القوى الوطنية , فقد تعايشوا مع هذه الأسوار حتى ألفوها , وأصبحوا جزءاً منها , ولكننى أتحدث إلى الشباب , الذين حطموا أسوار النظام العسكرى وحطموا اليد الحديدية التى كانت تضرب كل من يعارض صاحبها , وأقول للشباب من كل التيارات لابد أن نحطم هذه الأسوار , الأسوار التى بدونها فقط نستطيع خدمة هذا الوطن والتقدم به , لابد أن نتفاعل مع الآخرين مهما كان مختلفاً معنا فى الرأى , حتى نستطيع الرؤية من الزاوية المقابلة , التى لم أشاهد منها من قبل , وبهذا تتضح الصورة أمامنا بالكامل , لأننا سنكون رأيناها من زوايا مختلفة وليس من زاويتى فقط , فلماذا لا نشاهد فعاليات شبابية يشارك فيها الشباب من مختلف الاتجاهات والتيارات , سواء كانت هذه الفعاليات سياسية أو اجتماعية , حتى نستطيع التعرف إلى أفكار الآخرين ورؤيتهم لما يجرى , حتى نشكل قوة دافعة حقيقية لهذا الوطن تدفعه لبر الأمان.