هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • القاهرة .. جبارة المحبة جابرة التائهين.
  • من طرف واحد
  • العتاب محبة
  • هزمني الصمت
  • على لسان نائب
  • ديننا و دينهم
  • الرجل .. للحب جائع
  • التعلم و النجاح المالي
  • من أعجب الناس إيماناً عند الله يوم القيامه ؟
  • كرموا فتحي عبد السميع
  • قواعد الأستخدام الآمن لمضادات الإكتئاب
  • أخطاء الكبار و الصغار
  • الخوف من بعضهن
  • قبل ما ناكل حلاوة المولد
  • معنى الحب
  • هل خدعكم سبتمبر قبلا؟
  • عاشق عابد صادق أواب
  • أختبئ داخلي
  • فيولين - عهد الثالوث - الفصل 14
  • أنت ميّت على قيد الحياة
  1. الرئيسية
  2. مدونة د راقية الدويك
  3. أنا و مكة ..

كان النهار صيفيا حارا تشوبه رطوبة لا يستهان بها.. بعد محاولاتي المتعددة لمعرفة أفضل الطرق وأسهل وسائل المواصلات للوصول من عمق المريوطية بالهرم إلى أطراف القاهرة العالية في المقطم.. في البدء كانت الوسيلة المثلى سيارة خاصة بمبلغ لا يستهان به، وكنت أدفعه راضية لأضمن سلامتي وراحة الرحلة.. ثم في إحدى المرات وفي موعد شديد الزحام رفضت السيارات المكلفة قبول طلبي لارتياد إحداها.. وكان المشوار مهما لا يمكن إلغاؤه أو الاعتذار عنه.. كما أنني كنت بالفعل قد وصلت لأول الشارع الرئيسي.. بمعنى أنني قد خرجت بالفعل من المنزل مستعدة للرحلة الملعزة.. فقررت استعادة روح راقية القديمة.. المكافحة الشطورة جيدة التحمل وقوية العزيمة.. قلت لنفسي "أكيد فيه مواصلات عامة للناس اللي عايزة تروح المشوار دا من غير تاكسي ولا أوبر.. لكنني لا أعرفها.. فلأسأل إذن" وقد كان.. سألت وعرفت أن الموقف العام القريب به سيارات تقطع نفس الطريق.. فجمعت همتي وتوجهت للموقف.. وبالفعل فوجئت بالسائق ينادي مقطم شارع ٩ مقطم شارع ٩.. ياللهول! إنه يذهب لشارع ٩ أيضا.. احتفظت بالبقية الباقية من عزلتي الأثيرة فجلست بجوار السائق وحدي منفردة ودفعت أجرة مقعدي والمقعد الأوسط الشاغر بيننا.. كانت الحالة ألطف كثيرا من حالة ركوب السيارة الخاصة.. أو هكذا أقنعت نفسي في خضم دهشتي وسعادتي بالعثور على وسيلة للوصول. 

 

تكرر المشوار بعد عدة أيام، وساعتها توجهت مباشرة إلى نفس الموقف وأنا أبحث عن السيارة ذات الكرسيين الشاغرين بجوار السائق.. لكنني وجدتهما محجوزين بالفعل.. الموعد يقترب ولا مجال لانتظار السيارة التالية.. فلأجلس إذن في هذه السيارة بالمقعد قبل الأخير بجوار الشباك، والذي يسميه مرتادو المواصلات العامة المحترفين "القلاب".. وقد كان.. قاومت شعوري بالحرارة ووطنت نفسي على تقبل نصف ساعة من الضغط المرتبط بالجلوس في سيارات الميكروباص في عصر يوم أغسطسي أصيل.. لكنني فوجئت بالراكب خلفي ينبهني إلى أن المقعد مكسور وأنني قد أضغط علي ركبته "اللي عامل فيها عملية" دون أن أنتبه.. ماذا افعل يا ربي؟ فكرت أن أنزل من السيارة، لكن السائق فرض واقعه وتحرك في نفس لحظة تفكيري.. اعتذرت للرجل المهذب وعدلت جلستي "عوجتها بمعنى أدق"، فصار ظهري للشباك ووجهي للجالس بجواري.. أما يدي اليمنى فكنت أراسل بها أختي.. واليسرى؟ اليسرى بالطبع سندت بها على ظهر الكنبة التي أمامي للتمكن من الاستمرار بقدر من الاتزان على كرسي المكسور.. 

كانت الأمور عادية.. ضاغطة لكنها عادية.. تتكرر كل يوم بألف تفصيلة مختلفة.. 

إلا هذه التفصيلة.. 

فبينما أنا منهمكة في كتابة الردود لأختي وجدت يدا تلمس أصابعي برقة وضعف لطيفين، حتى أنني لم أنتبه لامساكها بإصبعين من كفي إلا بعدما أمسكتهما بالفعل وبدأت الضغط عليهما.. انتبهت.. رفعت رأسي.. فوجدت وجها يقابلني.. فتاة ذات خمس سنوات على الأرجح.. تستند إلى كتف أمها الجالسة أمامي فتواجهني.. لما التقت عيوننا وجدتها تبتسم لي وتسحب يدها خجلا.. فابتسمت لها .. ابتسمت من كل قلبي.. كانت بشوشة للغاية.. وفي عينيها لمعة عجيبة وكأنها انتهت لتوها من البكاء لكنها لم تكن تبكي.. تماما كما قال لي أحدهم ذات يوم "دايما عينيكي زي ما تكوني لسة مخلصة عياط".. فلما ابتسمت لذات العيون اللامعة ابتسمت بقوة واطمئنان.. ثم سارعت بإمساك أصابعي مرة أخرى.. لكنها هذه المرة أمسكتها كلها.. وجذبت يدي جذبا لطيفا للغاية .. حتى أنها لم تحركها من على طرف للمقعد الذي أسندها عليه.. بعد لحظات صارت تطور حركتها في يدي.. من كثرة ما اطمأنت غالبا.. ثم فجأة.. اضطرت للابتعاد لتغيير والدتها لكرسيهما.. فظلت تنظر لي من مقعد بعيد وتبتسم.. بعد دقيقتين عادت ووالدتها لمعقدهما الأول .. لكنها في هذه المرة جلست وحدها على المقعد الذي امامي مباشرة.. والعجيب أنها ظلت تواجهني وتعطي كامل ظهرها للطريق.. ساعتها أمسكت بيدي بين يديها وتمسكت بشدة وكأنها تناديني.. وكانت ابتسامتها قد تحولت لضحكات صريحة بلا صوت.. كان إمساكها بيدي عجيبا.. وكأنها تخبرني شيئا ما.. سرا ما.. كانت تبتسم وتنظر لامها لتنبهها لكفينا المتشابكتين.. فضحكت الأم خجلا في البداية خوفا من أن الأمر ربما يضايقني.. فلما رأتني أبتسم قالت لها شيئا لم أسمعه.. لكن البنت سألتني بعدها "إنتي منين؟" قلت لها "من الهرم.. وانتي من المقطم؟"ردت أمها "لا من الهرم رايحين المقطم مشوار وراجعين" قلت لها "وانا كمان عندي مشوار وراجعة".. ثم سألت البنت "اسمك إيه؟" فردت بصوت خفيض "مكة.. وانتي اسمك ايه؟" قلت لها "رقية.. أنا إسمي رقية.. إيه رأيك في إسمي؟" فازداد ابتسامها دون رد صريح.. -منذ فترة تقارب العامين صرت أجيب على أي سؤال ودي عن اسمي بأنه رقية.. تركت راقية للورق الرسمي- 

عادت مكة تمسك بأصابعي وتعانق كفي.. ورددت أنا عناقها بعناق أحن وأقوى .. حتى قالت لي أمها "يا رب نشوفك تاني" قلت لها "أكيد بإذن الله، طول ما انتي عندك مشوار عالطريق دا وانا عندي مشوار عليه هنتقابل"

ونزلت من السيارة تاركة بعض الحب داخلها ومصطحبة كثيرا من الوحشة.. فمكة كانت محطتها بعدي.. لوحت لها بيدي فبادلتني تحية الوداع.. بهذه البساطة المذهلة اختفت مكة. 

 

أما لماذا كانت هذه التفصيلة استثنائية بالنسبة لي.. فناهيك عن فردانيتها وندرتها.. وعن صدقها الجارف ورسائلها العجيبة.. فقد كنت قبل أن تلتقط مكة أصابعي بيديها في حالة ذعر شديد .. كان السائق يطير بالسيارة طيرانا.. وكنا جميعا وجلين.. إذ العجيب أنني نسيت السائق الطائر والطريق القفر فور اشتباكي مع أصابع مكة.. ولم أنتبه إلا وقد وصلت مقصدي بسلام.. والسيارة آمنة وجيران الطريق سالمون. 

مكة سمحت لي بتصويرها.. فلما أريتها صورتها زأططت فرحا.. وكذلك قلبي زأطط.  

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

1409 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع