هل هي زيارتك الأولي ؟دليل الزيارة الأولي

آخر الموثقات

  • القاهرة .. جبارة المحبة جابرة التائهين.
  • من طرف واحد
  • العتاب محبة
  • هزمني الصمت
  • على لسان نائب
  • ديننا و دينهم
  • الرجل .. للحب جائع
  • التعلم و النجاح المالي
  • من أعجب الناس إيماناً عند الله يوم القيامه ؟
  • كرموا فتحي عبد السميع
  • قواعد الأستخدام الآمن لمضادات الإكتئاب
  • أخطاء الكبار و الصغار
  • الخوف من بعضهن
  • قبل ما ناكل حلاوة المولد
  • معنى الحب
  • هل خدعكم سبتمبر قبلا؟
  • عاشق عابد صادق أواب
  • أختبئ داخلي
  • فيولين - عهد الثالوث - الفصل 14
  • أنت ميّت على قيد الحياة
  1. الرئيسية
  2. مدونة ياسمين رحمي
  3. جبل المقطم

بسم الله الرحمن الرحيم

القصة مستوحاة من أحداث حقيقية

=الو.

-أيوه.

=موبايلي فصل شحن، سايبه عالشاحن.

-شاهين؟

=أيوه.

-كل حاجة تمام؟

=أنا بس حبيت أبلغك إني كنت تعبان أوي، وقفت في استراحة، كنت ناوي بعد ما أكل واشرب حاجة استأذن أصحاب المكان إني أنام شوية على أي كنبة أو كرسي بس أنا مش هعمل كده، هكمل...هكمل لحد ما أوصل البضاعة لأصحابها...

-ت...مام يا "شاهين"، يعني أنت كوي...

المكالمة قطعت، "شاهين" قفل الخط مع مديره قبل ما المدير يخلص جملته، هو نبرته واسلوبه كانوا عاديين، نفس نبرته المعتادة لكن الحوار هو اللي مكنش معتاد...

ما طبيعي "شاهين" بيوصل البضاعة في معادها، عمر ما كان في مشكلة في كده، "شاهين" معروف عنه إنه زي الإكس في مواعيده، وكل شغله زي الفل، سواقته، استخدامه وصيانته للتريلا، حفاظه على البضاعة بسبب رزانته في السواقة، طب فين المشكلة، ليه "شاهين" يكلم مديره ويقول له إنه هيوصل البضاعة في معادها، وكإن في سبب كان هيمنعه من ده، والسبب بناء على كلامه هو تعبه، طب هو تعبان من إيه؟ موضحش ليه؟

جه معاد تسليم البضاعة....

الناس اللي طالبينها اتصلوا بالمدير، استغرب هم ليه كلموه، ليه مكلموش "شاهين" مباشرة، قالوله إن "شاهين" موبايله مقفول..

"غريبة لسه مقفول؟ ده قال إنه هيشحنه"

ده اللي جه في بال "جمعة"... سكت ثواني ورد:

-إيه يا جماعة ما صبركم علينا شوية، الغايب حجته معاه، أنتوا بتكلموني 5 بالظبط، اللي هو معاد التسليم، عادي لو اتأخر كام دقيقة، هتلاقوه داخل عليكم.

كانوا مشغلين مكبر الصوت، كذه واحد كان بيتكلم في نفس واحد عشان كده كان بيكلمهم بصيغة الجمع، نبرته كانت واثقة، قوية، لكن جواه كان مهزوز!

صحيح مكان التسليم كان أسوان، مسافة كبيرة من القاهرة لهناك، لكن "شاهين" كان دايمًا بيعمل حسابه في الوقت والمسافات، متأخرش ثانية واحدة عن أي تسليم، كان بيوصل قبل المعاد...

وأنا أكتر واحدة عارفة كده، أكتر واحدة عارفاه...

شغل "شاهين" مكنش سهل أبدًا، كان سواق نقل، بيشتغل على تريلا تبريد، دي بتبقى تريلا فيها تلاجة ضخمة لحفظ الأكل، كان هو وظيفته يسوق بالتريلا لمواقع الزباين اللي بيتعاقدوا مع الشركة، مطاعم، محلات سوبر ماركت كبيرة، وغيرهم، كان بيقطع مسافات كبيرة، شمال وجنوب مصر وشرقها وغربها، اتعود على الشقا، وكان الموظف المثالي، مش بتاع الشهر، بتاع كل شهر، راجل متفاني في شغله حقيقي ومش بيبص على المرتب اللي بياخده، بيحمد ربنا ومش بيقارن نفسه بحد، بيوصل قبل ميعاد التسليم، بيراعي ربنا في العربية اللي معاه، بيمشي وفق السرعات المفروضة وفي الطرق المسموح له بيها، وبسبب رضاه وأخلاقه العالية كان بياخد إكراميات كويسة جدًا من الزباين، وبكده مستوى معيشتنا كانت تمام، قادر يكفي نفسه وأسرته الصغيرة المكونة منه ومني ومن ابننا...اللي كان منور حياتنا وعامل ليها طعم...

وفات معاد التسليم وفاتت وراه ساعة وساعة وساعات كتير و"شاهين" مظهرش...

المسألة مبقتش بس إن الزبون زعلان ولا الخسارة الرهيبة اللي حلت على الشركة، الرعب على "شاهين" نفسه، "شاهين" راح فين؟

....................................

بنتين قاعدين على عربية على جبل المقطم بليل، بياكلوا سندويتشات ومعاهم مشروبات غازية، بيرغوا شوية ويضحكوا شوية، لحد ما قطعت قعدتهم كتلة كبيرة من الدخان وصوت رهيب، صوت عالي أوي وحركة مزعجة، الاتنين بصوا لبعض للحظات وبعدين نزلوا جري من على العربية، كانوا بيجري بشكل عشوائي مش عارفين يمشوا في أنهي اتجاه، يهربوا فين؟

وده لإن كان في تريلا ظهرت فجأة من العدم، هي اللي اتسببت في الغبار المهول اللي خلى الرؤية مش واضحة، التريلا كانت ماشية بسرعة وبعدين فجأة وقفت، البنتين جه في بالهم نفس الفكرة، السواق أدرك إنه ماشي في سكة غلط عشان كده وقف، مع إن الموضوع كله غريب، إزاي وليه تطلع تريلا على جبل المقطم؟ جايز نشاط مشبوه؟

قربوا من بعض، شافوا التريلا بتتحرك وواضح إنها هترجع تاني من مكان ما جت، هتنزل من الجبل وده ريحهم نسبيًا، خلاهم قادرين ياخدوا نفسهم، فعلًا العربية اتحركت في الاتجاه التاني وكان واضح إنها خلاص هتمشي من الجبل، لكنهم سمعوا دوشة تاني، نفس الدوشة بتاعة المرة الأولانية، التريلا ظهرت من جديد! مشيت بنفس السرعة الجنونية وخدت نفس المسار....

البنتين قرروا إنهم لازم يمشوا فورًا قبل ما يتأذوا، رموا الأكل من التوتر، صرخوا ، مكنوش سامعين بعض من الدوشة وكلامهم اصلًا مش منطقي، كلام نابع من الرعب اللي كانوا فيه، لحد ما صاحبة العربية حطت المفتاح ودورت العربية والتانية ركبت جنبها، وجريوا بالعربية وسابوا المكان....

.........................

قبل ما يروحوا بيوتهم عدوا على أقرب مركز شرطة وعملوا بلاغ هناك باللي شافوه، في نفس الوقت كان في بلاغ تاني ، بلاغ عن اختفاء سواق اسمه "شاهين"، شغال على عربية نقل، وبلاغ تالت من زباين كانوا عاملين طلبية لشحنة كبيرة من الخس والطماطم ودفعوا مقابل الطلبية لكن موصلتش...

كل المحاضر والبلاغات دي كان فيها عنصر مشترك وهي "جوزي"، "شاهين"....

محضر منهم اتقفل وده لإن الشركة اللي كان بيشتغل فيها "شاهين" رجعت المبلغ للزباين، المبلغ اللي دفعوه قصاد البضاعة اللي موصلتش، لكن مدير "شاهين" وأصحاب الشركة مكنش فارق معاهم البضاعة ولا عربية النقل على قد ما فارق معاهم "شاهين"، الحق يتقال كانوا هيموتوا من القلق عليه وبيسعوا معايا يعرفوا مكانه ومصيره...

لكن...إيش جاب لجاب!

"شاهين" كان سايق العربية في اتجاه أسوان وكان قرب يوصل، قدامه أقل من ساعتين، قال كده لمديره لما وقف في استراحة، يعني إيه يظهر في جبل المقطم، إزاي؟؟؟

المواصفات اللي البنات قالوها بتاعة العربية شبه مواصفات عربية "شاهين"، التريلا كانت مميزة، لونها وشكلها والملصقات اللي عليها بتاعة الشركة، صحيح الدنيا كانت ليل لكن كشافات عربيتهم وضحتلهم التفاصيل دي في لمحة، لما العربية رجعت وكان بيتيألهم إنها خارجة بره الجبل....

بس ده مش منطقي!

من ناحية التوقيت مش مستحيل، العربية ظهرت في المقطم بعد اختفاء "شاهين" ب26 ساعة، لكن بالعقل كده مستحيل، ليه أصلًا!

وبعدين التصرفات المريبة بتاعة العربية...

تطلع على جبل المقطم مبدئيًا وتمشي في اتجاه معين وترجع تاني وتغير رأيها وتمشي من أول وجديد في نفس الاتجاه، دي مش تصرفات حد بعقله، وأكيد مش تصرفات "شاهين"...

وده وصلني لفكرة معينة وهي إن السواق فعلًا مكنش "شاهين"!

سيناريو مرعب لكن لازم كنت أفكر فيه بجدية وهو إن في حد سرق العربية من "شاهين" وأخدها ورمح بيها، لكن برضه ده ميفسرش التصرفات الغريبة، ليه السارق يرجع من اسوان على جبل المقطم؟

يكونش كان واخد حاجة مثلًا؟ سواقين التريلات في منهم للأسف ونظرًا لظروف شغلهم القاسية بيتعاطوا مخدرات عشان يستحملوا السواقة لمسافات كبيرة من غير راحة، لكن لأ، ده مكنش "شاهين"، عمره ما حتى شرب سيجارة عادية، وده يأيد السيناريو اللي عمال ييجي ويروح على دماغي وهو إن حد سرق منه العربية والله أعلم عمل في إيه...

لكن مين ده؟

مين اللي يتجرأ يثبت "شاهين" ويسرق منه التريلا؟؟

"شاهين" طول بعرض،جسمه ضخم جدًا، وشه عريض، وعنده شنب يقف عليه الصقر، ملامحه حادة وتخوف، اللي بس يعرفوه عن قرب مدركين إنه عبارة عن دبدوب محشي قطن، يبان ضخم ومخيف وهو في الحقيقة ودود جدًا ورقيق، بس الغريب ميتجرأش يتعرض ليه...

مين بقى اللي وقفه وقدر يخطف منه العربية ويتخلص منه؟؟؟

إلا لو...

الموضوع مكنش عفوي ووليد اللحظة، دي خطة متدبرة، حد عارف خط سيره ومكان تسليم الشحنة، ويمكن كانوا أكتر من حد، عصابة اعترضت طريقه وعملت فيه اللي عملته...

ااااخ، دماغي هتنفجر، مش قادرة أفكر في اللي ممكن يكون حصل لشاهين....

طب والعربية راحت فين بعد كده؟ ملهاش أثر!

مواصفات العربية اتنشرت ما بين كل الأقسام ولجان الشرطة، محدش لمحها في أي مكان، زيها زي "شاهين" راحت في الوبا...

مسمعناش أي أخبار عن التريلا لحد اليوم الرابع من المشاهدة الأولى...

"كنت لوحدي على الجبل، بدخن سجاير، بالي كان مشغول، يعني عندي شوية مشاكل كده وكنت مخنوق فقلت أصفي ذهني بالطلوع لجبل المقطم بالعربية، زي ما كنت بعمل زمان، وفي عز سرحاني لفت انتباهي مشهد غريب، عربية نقل كبيرة مركونة، الوقت كان قرب الفجر، الضباب كثيف، المشهد كان ملبد شويتين، عيني اضيقت، كنت بقفلها نص تقفيلة عشان أركز، عايز اتأكد من اللي شايفه، مش بس في تريلا ضخمة مركونة، دي كمان وضعية الركنة، كانت معووجة، الجزء الخلفي اللي عبارة عن صندوق ضخم وهو الغالب في حته وكابينة السواقة في حته، ولما ركزت لقيت إني مكنتش لوحدي! في واحد واقف على مسافة من التريلا، الجو كان تلج، طبيعي الشمس لسه مطلعتش وإحنا على ارتفاع، ومع ذلك، الشخص ده كان لابس قميص خفيف وكمان مشمر الكمام لحد الكوع، كان واقف باصص قدامه، مش بيتحرك، كإنه صنم، مفهمتش هو ده صاحب التريلا ولا إيه؟ قربت منه بحذر، سألته بنبرة مهزوزة "حضرتك تمام؟ محتاج مساعدة؟" مردش، ولا كإني اتكلمت، ولا كإنه حاسس بوجودي، بعدين بدأ يفقر بجسمه، يتحرك قدام وورا بضهره ووشه، ولفلي بمنتهى البطء، بصلي كتير، عينه مكنتش بترمش، من كتر الفزع أنا اتسمرت في مكاني، كنت عاجز عن الحركة، إحساسي بيه إنه تايه كده ومش مركز ومش مستوعب الدنيا حواليه، وبعد الوضعية دي اللي استمرت أكتر من دقيقة، بوقه اتفتح، فضل يوسع ويوسع، شفايفه اللي فوق بتبعد عن اللي تحت لدرجة إن الفتحة بقت كبيرة جدًا، مشفتش بني آدم يقدر يفتح بوقه كده، مظنش في حد عنده القدرة دي، جناب شفايفه كانوا اتشققوا ونزفوا! كنت قادر أشوف زوره، حرفيًا! بعدين قفل بوقه بنفس البطء لحد ما شفايفه طبقوا على بعض وبعدها سمعت صوت تكتكة فظيعة، شفايفه رجعت اتفتحت سنة صغيرة وشفت سنانه بتخبط في بعض، مكنش في حد استنجد بيه، مش فاهم اللي بيحصل بس مرعوب وحاسس إني في خطر، إيه البني آدم ده؟!....بعد الفقرة المريبة دي بوقه ابتدا يتحرك، كان بيتكلم، لكن المشكلة إنه كان ميوت، من غير صوت! مكنتش قادر أفسر اللي بيقوله، بحاول أقرا شفايفه لكن مش عارف...وأخيرًا خرج صوت بسيط منه، صوته كان واطي أوي...اتحركت ناحيته، قربت أكتر، معرفش جبت الجرأة دي منين، لكن كان عندي فضول رهيب أسمعه...وسمعت أخيرًا....كان بيقول "مش أنا اللي عملت فيهم كده، هم اللي عملوا!"

دي كانت شهادة واحد راح القسم وبلغ عن الموقف اللي مر بيه على جبل المقطم قرب الفجر، المصيبة إن التفاصيل اللي قالها هي نفسها بتاعة جوزي، بس ده لا يمكن يكون جوزي!

هم مين اللي عملوا وعملوا إيه؟ ويعني إيه مش هو اللي عمل؟ "شاهين" متورط في إيه بالظبط؟؟ وبعدين...إيه الحاجات الغريبة اللي قالها دي، يعني إيه فكه اتفتح بطريقة خارقة وسنانه كانت بتخبط في بعض، إيه الكلام الفاضي ده؟؟

طيب و"شاهين" راح فين والعربية؟

اختفوا!

الشرطة اتوجهت فورًا للمكان اللي الراجل قال عليه، المقطم، مفيش، ملهمش أثر، لا "شاهين" ولا العربية، ولا موجودين في أي مكان قريب ولا ظهروا في أي حته في مصر....

الألغاز دي لعبة الشرطة والمحققين، كل اللي أنا عايزاه هو جوزي، عايزاه يرجعلي، مش مهم قصته إيه وإيه اللي حصل له، ده اللي هيحكهولي بعدين...

...........................

-"نادين"!

صحيت على صوته اللي ناداني، الصوت كان بعيد، مش قادرة أميز الجهة اللي جه منها، مغفلق، كإنه صدى صوت، وأدركت إنها في الغالب تهيؤات، "شاهين" مش هنا، لسه مرجعش...

بعد ما أدركت إنها تهيؤات جتلي حالة إحباط، لكن رجعت لحالة السكون اللي كنت فيها بعد ما كنت منتبهة، رجعت للخمول اللي كنت فيه، المود الحزين الهادي...بعد ثواني عيني وسعت على الآخر، افتكرت حاجة، حاجة خلتني أتنفض وأقعد بعد ما كنت ممددة، المقطم!

"افتكرته، صورته فجأة بقت على بالي، مشاهد كتير ليه من ساعة ما اتولد ولحد النهاية، افتكرت ملامحه أول ما خرج من بطنك، بالتفصيل! تغميضة عنيه، شكل راسه، صرخته وعياطه، افتكرت أول مرة شاف فيها، أول مرة بصلي ونظرته ليا، أول ابتسامة وضحكة بصوت، أول مرة يحبي وأول مرة يمشي، والمرة اللي اتخبط فيها في سن الطربيزة وشكل التعويرة والدم السايح على جبينه، والحضن اللي حضنهولي لما روحنا نطعمه وكان بيستنجد بيا، والحساسية اللي ظهرت على وشه وجسمه كله لما كل الشوكولاته، وحضنه ليا وأنا نايم جنبه، إيده ورجله اللي كانوا بيتمدوا للآخر وبيقفش فيا كإنه نبات مميت من النباتات اللي بتطبق على فريستها ومش بتفلتها غير وهي مفطساها، كان بقالي كتير أوي مش قادر أفتكره كويس، ملامحه بقت مشوشة، كإنها صورة مهزوزة لفيلم قديم، على قد ما فرحت لما أفتكرت تفاصيله على قد ما حسيت بمرارة رهيبة وخنجر بينخر جوه قلبي"

ده كان كلام "شاهين" ليا في يوم من الأيام، أول ما صحيت لقيته مفتح على الآخر وباصص في السقف وقال الكلام ده من غير حتى صباح الخير، كان يقصد ابننا، اللي ربنا أراد إنه يموت في سن ال7 سنين، ذكرى أليمة، جرح مش بيخف، طفل ساكن معايا في البيت ومش ييفارقني أبدًا من وقت ما فارق، عمري ما نسيته، لكني كنت متماسكة عن "شاهين"، كنت أقوى منه، متعايشة وعايشة مع ذكرى إبني وفي نفس الوقت مكملة حياتي، لكن "شاهين" كان منهار، معظم الوقت منهار، عشان كده تفانى أكتر في شغله، مبقاش ياخد اجازات، مش قادر يرجع البيت ويواجه غيابه، على قد ما أنا كل حياته، وعلى قد ما بيحس بالراحة معايا أنا وبس على قد ما بيتوجع لما بيشوفني لإن الولد كان نسخة مني، في الشكل ونبرة الصوت وطريقة الكلام وحتى الطباع...

بعد ما قال لي الكلمتين دول كان عايز ينزل، بس يومها كانت اجازة رسمية، كنا في العيد ومفيش شغل غصب، كان عمال يفرك، عايز ينزل بأي طريقة لكن مش عارف يروح فين، لحد ما قرر يروح المقطم.

=المقطم؟؟ هتعمل إيه في المقطم؟

-زمان وأنا صغير ولحد ما روحت الجامعة كنت لما ببقى مخنوق أو عايز افكر لوحدي كنت بروح هناك.

=بس أنت المفروض متبقاش لوحدك يا "شاهين"، أنا شريكتك، جزء من المعادلة، حزننا مشترك، ده كان إبني زي ما هو إبنك.

مستحملش الكلام، عنيه اتلبدت بالغيوم، غيوم من الدموع المكتومة...قررت أسيبه على راحته، يمكن المشوار ده يريحه شوية، صحيح أنا كنت مجنونة بإبني، بس مكنتش مستعدة أخسر توأم روحي، جوزي، كان نفسي يرجعلي تاني زي زمان....

معرفش ليه كنت قلقانة اوي عليه، مكنتش على بعضي وهو هناك، واللي زاد وغطى إنه مكنش بيرد على الموبايل...

كلمته ييجي فوق ال20 مرة، الموبايل كان بيرن لحد ما يفصل... جه في بالي مليون سيناريو وكلهم أسوأ من بعض...

وأخيرًا، لقيت اللي بيطل عليا 6 الصبح!

رد فعلي العفوي هو إني مسكت المخدة ونزلت فيه ضرب بيها! من كتر قلقي وغيظي ورعبي عليه، إحساسي بيه كإنه ابني مش جوزي وإنه كان تايه، زي الأم اللي بتلاقي ابنها بعد ضياع عايزه تاخده في حضنها وتضربه في نفس الوقت!

بدل ما يصدني ولا يحاول يتفادى الضربات ويعتذر لقيته بيضحك....

وقفت، وده عشان مشفتش ضحكته من كتير، إيه رد الفعل الغريب ده!

استنيته يشرحلي، كل اللي قاله:

-مش عارف أحكيلك ولا لأ.

=لأ بقى احكي، مهو أنا مفضلتش على أعصابي كل ده عشان في الآخر متحكيش إيه سبب عدم ردك عليا.

-مانتي مش هتصدقي.

=جربني.

-طلعت عالمقطم، نزلت من العربية وفضلت واقف كتير سرحان، كل اللي على بالي صورته وصوته، في الأول كان في عدد من الناس حواليا، وبرغم دوشتهم مكنتش عارف اسمع غير صوته وبس، وحدة وحدة الزحمة خفت وبقيت لوحدي تمامًا، وساعتها سمعته.

=وإيه الجديد؟ مانت من الأول سامعه...

-لأ، المرة دي سمعت صوت عياط طفل، طفل لسه مولود، كان صوته هو، مش في خيالي، صوته الحقيقي.

حواجبي اتعقدت، سألته يقصد إيه ب"صوته الحقيقي"، رد عليا:

-صوته، كان بيعيط، مش في خيالي، بيعيط بجد.

=إيه هو اللي بيعيط بجد؟

-أنا عارف إنك مكنتيش هتصدقيني.

لف وكان هيسيبني لولا إني مسكت إيده وقلتله:

=معلش، معلش، كمل، مش هعلق تاني.

اللي جه في بالي إنه بيخرف، يجوز شرب حاجة، مع إن دي كانت هتبقى أول مرة يعملها، لكن يمكن من الحزن شرب حاجة مُسكرة أو اتعاطى مادة مخدرة، أو يمكن الحزن لوحده كان كافي يسطله...

كمل وقال:

-كانت نفس نبرة صوته، صوت عياطه أول ما اتولد، أنا مش ممكن أغلط في صوته، فاكره كإنه بصمة اتحفرت في دماغي...اللي جه في بالي وقتها إن ده طفل مرمي في الصحرا، صوته متطابق مع صوت ابننا...

=اه، كده معقول...

-بس برضه، قلت في نفسي إزاي كده، إزاي صوته يبقى بالظبط نفس صوت "مروان"، ده غير الإحساس، إحساسي بيه إنه ابني، ابني اللي سامع صوته مش حد تاني، ومشيت ورا الصوت، مشيت، مشيت لحد ما وصلت للمكان المقصود...

هنا، هو ده المكان، بس المشكلة إن مكنش في ولد، صوت بس...غمضت عيني وفتحتها، برضه الولد مش ظاهر، صوت من غير صورة...

وفجأة....

في واحد ظهر جنبي، معرفش جه منين، ظهر مرة واحدة، كان لبسه غريب، لابس بدلة بيضة ضيقة. قال لي "عايز تشوف إبنك؟!"

رديت عليه "طبعًا عايز، من فضلك"، قال لي "بس وعد، لو وريتهولك تيجي تاني تقابلني هنا الليلة اللي جايه"، قلتله : "هعمل اللي أنت عايزه بس وريهوني"...ابتسم وظهرت دوامة في الهوا، دخل فيها واختفى وبعدها علطول ظهر "مروان"، كان في نفس اللفة يا "نادين"، نفس اللفة اللي اتلف بيها أول ما اتولد!، شلته بين إيدي، حضنته، حسيت بدفا حضنه ونبض قلبه، اتمليت فيه، قعد ما بين إيديا نص ساعة كاملة وبعدين اختفى...

................................

عيني كانت مليانة دموع زي "شاهين"، الفرق إن الدموع في عينه كانت من الفرحة إنه شاف الولد، أما الدموع في عيني هي من حزني عليه وصدمتي! "شاهين" فقد عقله تمامًا وكان بيخرف من الزعل على "مروان"، الراجل بيروح مني....

معلقتش خالص على كلامه، ومن وراه كلمت واحدة صاحبتي كانت بتروح لدكتور نفسي بتقول عليه شاطر، أخدت نمرته وكلمته أستشيره في موضوع "شاهين"...

قال لي إن اللي حصل له وهم، عقله عمل عالم مزيف لكن حقيقي جدًا بالنسبة لي عشان كان هينهار نفسيًا وجسديًا من الحزن، الوهم ده أنقذه من حافة انهيار كان واصل ليها، ويمكن لولا التهيؤات كان جاله جلطة ولا سكتة قلبية، وإن مفيش داعي للقلق لو ده وضع مؤقت، مجرد حالة في موقف معين، إنما لو اتكررت كتير لازم نلجأ لحد متخصص...

ومسمعتش حاجة تانية من "شاهين" عن إبننا ولا المقطم، بس كان عندي إحساس قوي إنه فضل يروح هناك، لكن مقالش حاجة...

................................................

صحيت على هزة، الموبايل كان بيرن....

نمرة غريبة، في الأول تجاهلتها، كنت تعبانة أوي، لسه مش فايقة، بس كان في إصرار غريب، التليفون رن مرة لحد ما فصل وبعدها مرة تانية وتالتة ورابعة ، مفيش، المتصل مش بيبطل رن...

وأخيرًا رديت...

-مدام "نادين فراج".

=أيوه.

-المقدم "طه سعيد".

انتبهت، عيني فتحت على الآخر وقعدت بعد ما كنت ممددة، متكلمتش، استنيته يكمل، نبضات قلبي سريعة، مش قادرة أتنفس...

-ممكن تشرفينا في القسم.

=ايه، لقيتوه؟

-شرفينا في القسم وهنقولك على المستجدات، دلوقتي!

لبست أي بلوزة ومغيرتش البنطلون اللي كنت لابساه ونزلت من غير ما أغسل وشي...

يا ترى لقوه؟ أكيد، أكيد لقوه، أكيد حصل له حاجة، ما هو لو كان عايش وكان كويس كانوا قالولي على التليفون، عايزنني...عايزنني اشوف جثته، لأ،لأ،لأ، يارب ما يكون كده، مش هستحمل أشوفه ميت، مش هستحمل...

لقيت كذه ظابط في القسم، عمالين يحوموا حواليا، كان في صمت مريب، عمالين يبصولي بس، خلاص فقدت أعصابي، كنت حاسه إن هيغم عليا، هو في إيه؟

واحد منهم قال:

-هو جوزك كان حكالك عن أي حاجة، ناس عرفهم مؤخرًا، عداوات ما بينه وبين أي حد؟

=هو في إيه بالظبط، أنتوا لقيتوا جوزي؟

-لأ لقينا ناس تانيين.

ورمى قدامي أربع صور...الأربع صور كانوا لأربع أشخاص، أربع جثث ممددين على أرض كلها تراب، من غير هدوم، وفيهم فجوة كبيرة، جلدهم مسلوخ وأعضائهم مش موجودة ومفيش نقطة دم نازلة منهم!

صرخت بصوت عالي، هم ليه بيوروني المناظر دي...

واحد تاني قال:

-أول حد جه في بالنا هو جوزك.

=جه في بالكم يعني إيه؟ مال جوزي ومال الكلام ده؟

- "مش أنا اللي عملت فيهم كده، هم اللي عملوا!"

=برضه مش فاهمة.

-مش فاكرة الجملة دي يا مدام "نادين"؟

افتكرت! دي الجملة اللي قالها "شاهين" بناء على ادعاء الراجل اللي قال إنه شافه على المقطم..

جه في بالي خاطر مرعب، الجبل، ظهور "شاهين" الغير مبرر مرتين وتصرفاته المريبة، جملته الأخيرة، وبعدين ده....ظهور أربع جثث في حالة بشعة ملهاش تفسير، لا يكون "شاهين" ليه علاقة بيهم؟

ومع ذلك عملت عبيطة!

=أنا مش فاهمة، بدل ما تدوروا على جوزي بتوروني جثث لناس تانيين، مالي ومال جوزي بالكلام ده؟

-جوزك ظهر مرتين في المقطم وقال بالحرف إنه جزء من جريمة، إنه متورط وناس تانيين هم اللي مسؤولين.

=بالحرف؟؟! ده مقالش أي حاجة من اللي قلته ده، ده لو على اعتبار إن الكلام اللي الراجل قاله صح وإنه فعلًا شاف "شاهين".

هم بيحاولوا يوقعوني في الكلام؟ فاكرين إن "شاهين" مجرم وإني عارفة بنشاطه الإجرامي؟ لأ، يا دي المصيبة، ده مش بس كده، دول كمان فاكرين إني ممكن أكون شريكته! شفت ده في نظراتهم المريبة ليا.

بصراحة في اللحظة دي أنا نفسي شكيت في كل حاجة! شكيت في "شاهين" وشكيت إني ممكن أكون عارفة حاجة لكن مش مدركة...

في كل الأحوال مفيش دليل حسي دامغ ضد "شاهين"، كلها شكوك ونظريات ناقصة ومهلهلة ، كلام متنتور هنا وهناك.

.............................

وروحت البيت على كده، لا أخدوا مني حق ولا باطل ولا أنا كمان استفدت منهم بحاجة

-"نادين"!

فتحت عيني على الصوت اللي ناداني ومن أول لحظة أدركت إني بيتهيألي، كان صوت "شاهين"، خلاص أنا قربت أتجنن...

غفلت بس للحظات، ملحقتش أغرق في النوم ومن وقت ما فقت على الهلاوس النوم طار من عيني، أصلًا كنا لسه في عز النهار، بس يمكن محاولة نومي هروب من الواقع...

في حاجة تانية افتكرتها!

صحيح "شاهين" مقاليش حاجة تانية عن المقطم ولا الراجل الغريب اللي ظهرله ولا التهيؤات، لا قال إنه شاف إبننا تاني ولا سمعه لكن في موقف كده غريب حصل...

في ليلة من الليالي كنت راجعة من عند أختي، أنا كنت ناوية أبات عندها بس غيرت رأيي و"شاهين" مكنش يعرف إني راجعة....

فتحت الباب واتهيألي إني سمعت صوته...كإن "شاهين" كان بيتكلم مع حد، يمكن بيتكلم في الموبايل، دي اول حاجة جت في بالي، لكن إسلوبه كان...كإنه بيتكلم مع طفل ، بيوطي صوته وبيلاغي حد عقله صغير، وبعديها سمعت صوت الطفل....

متأكدة إني سمعت صوت عيل ، نبرة واطية، طفل عنده 3 سنين مثلًا، مميزتش الكلام اللي الطفل قاله...

باب أوضة النوم كان مردود، فتحته عالآخر من غير ما أخبط، مكنتش عايزه أنبه "شاهين"، عندي فضول رهيب أشوف مين الطفل اللي معاه، بس مكنش في طفل!

"شاهين" كان قاعد لوحده منتبه وباصص في اتجاه أقدامه كإنه بيبص على حاجة، بس مكنش في حاجة قصاده...

فضل ثابت على نفس الوضعية لحظات وبعدين لف براسه وبصلي...

-أنتي جيتي؟ مش كنتي هتباتي عند أختك؟

=هو أنت....؟

كنت هسأله بيكلم مين بس رجعت في كلامي، عملت عبيطة، أقنعت نفسي إني بيتهيألي، بيتهيألي إنه سرحان في حد قدامه، وبيتهيألي إني سمعت فعلًا صوت طفل، ونسيت أو تناسيت الواقعة دي كلها، حطيتها ورا ضهري وكملت حياتي، بس واضح إني كان لازم أرجع أجيبها من صندوق مهملات ذاكرتي عشان ليها لازمة!

......................................

"لقيت تريلا راكنة وكإنها غارزة، منظرها مكنش مظبوط، كان معايا مراتي وولادي والمشهد قدامنا كان مريب، راجل قاعد مربع على الأرض جسمه بيتحرك لورا وقدام، بيفقر وجنبه التريلا، برغم خوفي على نفسي وأسرتي، قررت أساعده، شكله كان واقع في مشكلة، قربت منه وكحيت كحة مكتومة، مستجبش، قلت "يا أستاذ" مردش، كملت وقلت "أنت محتاج مساعدة، العربية شاكلها غارزة"، بطل تفقير وحرك راسه وحدة وحدة ناحيتي، مد إيده جنبه ورفع طوبة ورماها عليا! جريت وزعقت في مراتي وولادي، قلتلهم يقفلوا أبواب العربية بتاعتنا اللي كانت مفتوحة، وقبل ما أوصل العربية لفيت للمرة الأخيرة لقيته بيقول "طاسيلي"!"

مش ممكن! كنا هنتجنن، الشرطة وأنا شخصيًا، وكل اللي بيحققوا ومتابعين الموضوع، دي كانت شهادة واحد شاف "شاهين" والعربية أسبوع بعد ظهور الأربع جثث، عربيات الشرطة وعساكر وظباط كتير كانوا في الجبل الكام يوم اللي بعد اكتشاف الجثث و"شاهين" مظهرش، لكن حتى بعد تخفيف قوات الشرطة، محدش شاف العربية وهي طالعة ولا وهي نازلة من جبل المقطم ومفيش أي بلاغات عن مشاهدتها في أي منطقة قريبة ولا أي مكان في مصر....

طبيعي استدعوني وسألوني إذا كانت كلمة "طاسيلي" ليها أي معنى بالنسبة لي، والإجابة لأ، مش فاهمة يعني إيه طاسيلي...

"طاسيلي" ده ليه علاقة باللي بيحصل ل"شاهين"؟ ليه علاقة باختفاؤه وتصرفاته الغريبة والجثث؟

مين "طاسيلي"؟ مجابش سيرته قبل كده، إيه الأسرار اللي مخبيها يا "شاهين"؟

...............................

الساعة كانت 2 بعد نص الليل وانا عاملة زي اللي مراته بتولد في الأفلام القديمة، رايحة جايه في الشقة، بلف حوالين نفسي، لحد ما جالي خاطر، كتبت "طاسيلي" وعملت بحث على النت....

النتيجة كانت...

مدينة في الجزائر اسمها "سيفار" مساحتها 12000 كيلومتر في وسط الصحرا، فيها كهوف، جدرانها عليها رسومات غريبة، رسومات لحيوانات، حيوانات مألوفة وغيرها مجهولة، رسومات تانية لطقوس دينية، رسومات لأنهار وجناين، ناس شايلة رماح وبيصطادوا، ناس تانية بتزرع وبترعى حيوانات، أغنام وخيول وجمال، ورسومات شكلها جديدة نسبيًا لأنها عن ستات لابسة فساتين شبه موضة أوائل القرن العشرين وناس لابسين بدل غطس وناس فيما يبدو لابسين بدل فضاء وأطباق تشبه الأطباق الطايرة اللي في ناس قالوا إنهم شافوها في أماكن مختلفة في العالم وعلى مدار التاريخ، يعني واضح كده إن مدينة "سيفار" اللي فيها الكهوف عبارة عن متحف مفتوح والناس مسموح ليهم يرسموا على جدران الكهوف ويزودوا على الرسومات القديمة، التقنية اللي العلماء استخدموها عشان يعرفوا عمر الرسومات القديمة أثبتت إن الرسومات عمرها تقريبًا 30 ألف سنة، مش ده بس المذهل...أنا غلطانة!

كل الرسومات عمرها 30 الف سنة ومفيش حد مسموحله يرسم ويلون على الكهوف زي ما استنتجت، يعني الرسومات اللي تبان عصرية بتاعة الفساتين وبدل الفضاء والغطس من آلاف السنين برضه!

إزاي؟

حد يقنعني كده، إزاي ناس عاشوا من 30 الف سنة رسموا هدوم بتاعة عصر قريب وبدل فضاء وغطس بتاعة دلوقتي؟؟

وإيه علاقة الرسومات ب"شاهين"؟

أكيد مش صدفة، الظواهر الغريبة اللي بتحصل والجثث وظهور "شاهين" الغير مبرر في أوقات وظروف عجيبة، "طاسيلي" ليها علاقة باللي بيحصل!

الراجل اللي شافه، اللي كان لابس أبيض في أبيض وإبننا اللي ظهرله في صورة رضيع وبعدين....لما ظهر له في الشقة، أيوه، الطفل اللي سمعته ده كان "مروان" في مرحلة سنية مختلفة، "مروان" ظهر كذه مرة لشاهين في مراحل مختلفة من عمره....

أنا بقيت متأكدة إن الراجل اللي لابس أبيض قصد يغري "شاهين" بعرض ميتفوتش، إنه يقعد ويتملى ف"مروان" تاني، ابننا الميت، وعده بلقائات ما بينهم، بس المقابل إيه؟؟

......................

كنت حاسة إني هتجنن، المباحث مش سايبنني في حالي، بيراقبوني، في 2 بقيت حافظاهم ماشيين ورايا في كل حته، ببص من الشباك بلاقيهم تحت البيت، طبعًا هم شاكين وشبه متأكدين كمان إن "شاهين" مجرم وإنه قتل أو اشترك في قتل الأربعة بتوع المقطم، وأنا كمان بدأت أشك!

اللي متأكدة منه إن "شاهين" كان مخبي أسرار وإن ليه علاقة باللي حصل للأربعة ولو بشكل غير مباشر....

هو فين، فين "شاهين"، فيييين؟

............................

معرفش إمتى نمت، أنا كنت قاعدة على الكرسي، عيني مفنجلة عالآخر، بس اللقطة اللي بعدها لقيت نفسي بفتح، لكن.....

غريبة! وضعي مختلف، لما صحيت لقيت نفسي ممددة على الأرض في الصالة وشامة ريحة ....تراب، فين المصدر؟

المصدر هو هدومي....

هدومي فيها شوية رملة وأطراف شعري كمان وحاسه بإجهاد فظيع، كإني....كنت في مشوار ورجعت...

أنا كنت فين؟؟

تلقائيًا مسكت الموبايل اللي كان مرمي جنبي، جه في بالي أشوف قائمة الاتصال يمكن يكون فيها إجابات لكن لفت انتباهي، خبر ظهر على الشاشة، اصلي مشتركة في خاصية بتبين عناوين الأخبار على شاش الموبايل، والخبر عن جثتين لقوهم في المقطم!

الجثث مسلوخة وأعضائها مش موجودة، لا القلب ولا الرئتين ولا الكلى ولا الكبد ولا العيون....

يا خبر اسود، أنا كنت فين؟

صدفة؟ إني أفقد الوعي وأصحى ألاقي بواقي رملة على هدومي وشعري ويكتشفوا وجود جثتين؟

لكن أنا مش فاكرة حاجة، بس، بلاش تخريف، تلاقيني كنت..كنت بمشي وأنا نايمة فنزلت مثلًا اتمشيت شوية وقعدتلي على أي رصيف ونمت وقمت ورجعت البيت و...

وهو ده عادي؟؟ هو ده يعني التفسير اللي هيريحني؟

وزي ما توقعت، النيابة استدعتني واتفتح معايا تحقيق بخصوص الجثث الجديدة وعلاقتهم ب "شاهين" أو باختفاء "شاهين" اللي عدد من الناس في أيام مختلفة سجلوا إنهم شافوه على جبل المقطم، لكن وكالعادة بره المقطم محدش بيشوف التريلا ولا الشرطة عارفة ترصده...

أكدت للنيابة إني معرفش حاجة، معرفش "شاهين" فين لكن المرة دي كنت مهزوزة، مبقتش مبرأة "شاهين" زي قبل كده، كنت دايمًا بقول مستحيل يكون ليه علاقة بالجرايم، مقلتش كده المرة دي! اكتفيت بإني معرفش مكانه ولا أي معلومة عنه وإنه متواصلش معايا وإني مليش علاقة بكل الهرجلة دي...

.............................

-ماما!

"مروان"؟؟ مشهد غريب جه في بالي، كان "مروان"، فاتح دراعاته وبيجري عليا من بعيد، بس...ده محصلش، يعني المكان اللي فيه كان مجهول بالنسبة لي، فضا، رملة محاوطاه من كل جهة، إمتى ده حصل، ليه جه في بالي المشهد ده وكإنه ذكرى....

دي مكنتش المرة الأخيرة، مجرد البداية...

في الأيام اللي بعد كده مشاهد كانت بتتجسد قدامي، مشاهد لمروان وليا وأنا قاعدة معاه و...راجل لابس أبيض في أبيض، بدلة بيضة، مشبك إيديه في بعض وبيبتسم لي...

-مش عايزه تشوفي إبنك تاني؟ أنا أقدر أوريهولك.

أنت مين؟ مين ده اللي بيكلمني عن إبني وإيه اللبس الغريب اللي لابسه، ده حصل فعلًا؟ أنا شفت الراجل اللي لابس بدلة بيضة واتكلمت معاه وهو...هو اللي وراني "مروان"؟ أنا شفت "مروان" بجد؟

ده نفس اللي قالهولي "شاهين" قبل ما يختفي، الراجل اللي لابس بدلة بيضة ضيقة وعرض عليه يشوف "مروان"....

أكون متأثرة بالقصة اللي قالها "شاهين" وبالأحداث اللي حصلت واختفاؤه والألغاز اللي ليها علاقة بالاختفاء؟ هو أنا بفقد عقلي؟

..............................

كل شوية المشاهد بتكمل وبتتوصل ببعض، لأ، مظنش إني بخرف، كله حصل، اليوم اللي نمت فيه على الكرسي قمت على نداء، نداء خفي، مش صوت واضح، أشبه بهمس في عقلي، بيلح عليا أروح جبل المقطم....

نزلت أخدت تاكسي وانطلقت على هناك....

كنت لوحدي، لوحدي تمامًا، لحد ما ظهرت دوامة في الهوا وخرج منها راجل جسمه قليل لابس بدلة بيضة ضيقة، كنت مرعوبة لكن مشلولة مش عارفة أتحرك، مد إيده ومسكني، شعوري اتغير تمامًا، بقيت مرتاحة عالآخر، كإني اتحقنت بمخدر، ابتسملي وقال:

-مش عايزه تشوفي إبنك تاني؟ أنا أقدر أوريهولك.

عيني غرغرت، اتملت دموع، هزيت راسي بالإيجاب...وبعدها علطول "مروان"....ظهر....

 كان فاتح دراعاته وبيجري عليا من بعيد، وأنا كمان جريت عليه، أخدته في حضني وشلته، قضيت معاه ساعات، اتكلمنا وضحكنا وكل شوية كنا بنحضن ونبوس بعض...

في الآخر "مروان" اختفى والراجل الغريب ظهرلي مرة تانية...

مد إيده ولمسني بصوابعه وقال:

-أنا ممكن أوريهولك تاني، زي ما أنتي عاوزه، كإنه عايش بالظبط، بس إحنا محتاجينك، انتي وإحنا محتاجين بعض، عايزين ناس، عايزين إجابات...

..................................

-"نادين"!

ده "شاهين"، صوته، بس المرة دي الصوت أوضح من قبل كده، الصوت مجسم أوي...

كنت لسه سرحانة وبفتكر لقائي مع الراجل الغريب و"مروان" لما سمعت "شاهين" بيناديني وبعدها سمعت صوت شحتفة، "شاهين" بيعيط...

الصوت مصدره كان الحمام...

كنت بتنفض من الرعب، قربت وحدة وحدة، وكل ما أقرب من الحمام الصوت يبقى أوضح، وفتحت الباب....

ستارة البانيو كانت مقفولة، في حاجة باينة وراها، حد...

فتحتها ولقيته واقف بيترعش، "شاهين"!

كان شابك إيديه الاتنين وحاططهم على كتافه زي رسومات القدماء المصريين على جدران المعابد، سنانه بتخبط في بعض، بيتكتك من البرد...

قلتله وأنا بزعق:

=جيت هنا إزاي؟ وكنت فين؟ عملت إيه؟

-مش أنا اللي عملت فيهم كده، هم اللي عملوا..

=هم مين وعملوا إيه؟

-سكان المستقبل.

=سكان إيه؟

-سكان "سيفار"، كهوف طاسيلي.

="سيفار" إيه و"طاسيلي" إيه؟ مدينة "سيفار" عمرها 30 الف سنة على الأقل.

-هم، سكان المستقبل.

=لأ، فهمني كده واحدة واحدة.

خرجته من البانيو، مشيت بيه لحد السرير، وجبتله هدوم تقيلة وغطيته بالبطانية...

بدأ يحكي:

-روحت المقطم وأنا مخنوق، ظهرلي راجل...

قاطعته:

=راجل لابس بدلة بيضة ضيقة وقال لك "عايز تشوف إبنك؟".

هز راسه بالإيجاب وبعدين قال:

-الراجل اختفى جوه دوامة الهوا ، و"مروان" ظهر، كإنه لسه مولود، أخدته ما بين إيديا وقعدت معاه شوية، كإن الروح اتنفخت فيا مرة تانية بعد ما كنت فاقد للحياة وللشغف ولأي إحساس، "مروان" اختفى وبقى يظهرلي فجأة في مناسبات متفرقة وأماكن غريبة، أكون بغسل إيدي في حوض الحمام اسمع صوته في البانيو وأروح اشيله واتأكد إن باب الحمام مقفول بالترباس عشان متدخليش علينا وتشوفيه، أكون سايق التريلا واسمعه في الكرسي اللي جنبي ونفضل نتكلم لحد ما اسلم الشحنة، أوقات كان بيظهر وأنا وأنتي مع بعض، اشاورله عشان يتدارى وأول ما أنتي تتشغلي أروحله وأقعد معاه، حتى لو في الدولاب...كان بيظهرلي في مراحل مختلفة من عمره، مرة عنده سنتين، مرة أربعة، مرة سبعة...كل ده والراجل الغريب مش بيظهرلي، سايبني أتهنى ب"مروان"، بس بعد مدة ظهر....قال لي إنه محتاجني، كلهم محتاجينني سألته "مين كلكم؟"، قال لي "المستقبل، الناس في المستقبل"... حكالي قصة غريبة جدًا، إن البشرية اتطورت بصورة رهيبة، لدرجة محدش في زمننا يقدر يتخيل مدى التطور، حاجة متخطرش على بال حد، سواء في التكنولوجيا أو الأسلحة أو الاختراعات، ده اللي هم يعرفوه، لكن اللي مش عارفينه إمتى حصل الخلل، الراجل اللي طلع إسمه "مأمون" قال إن برغم التقدم والتكنولوجيا الرهيبة الإنسان بقى عامل زي الورقة، مناعته ضعيفة جدًا وهزيل وشاحب، صحيح في أجهزة متطورة وأدوية فعالة جدًا، بس الإنسان بقى عامل زي العربية مش بيمشي غير بالأدوية دي والعناية الرهيبة، الواحد بيتولد ضعيف ومن اللحظة الأولى بيحتاج حَضانة وبيدخل بعد كده جوه جهاز يمده بالغذاء والمواد الناقصة وده بيحصل كل يوم... يعني لو حد لسبب ما فوت جلساته على آخر اليوم بيبقى ميت، فده اللي جننهم، ده غير إن الطبيعة راحت في داهية، كل حاجة بقت صناعي، لا في غابات ولا جناين ولا مطر ولا سحاب، الجزر التعابين ملتها والبحور السمك المفترس احتلها، عشان كده كل حاجة عملوا منها صناعي، الجزر والبحيرات والجناين، حتى السحاب، بقوا يرشوا ملح بكميات مهولة من الأجسام الطايرة عشان يعملوا سحب صناعية تنزل مطر...وجه وقت وصلوا لآلية تخليهم يسافروا عبر الزمن...وبعد فترة ودراسة وسفر من زمن لزمن، لقوا إن المكان الأمثل هو "سيفار" والزمن الأمثل من 30 الف سنة، أفواج راحوا على هناك وعاشوا أو لسه هيعيشوا!

=ثواني بس...يعني عايز تقنعني إن الرسومات اللي على جدران الكهوف، الرجالة اللي ببدل فضاء والغواصين والفساتين المودرن، ده تفسيره إن اللي عاشوا في سيفار ناس من المستقبل؟!

-ايوه! وعشان المستقبل ميتكررش، عشان يضمنوا حياة صحية وطبيعة متجددة في الوقت اللي اتولدوا أو لسه هيتولدوا فيه في المستقبل جندوا فريق منهم يفضل يتنقل عبر الأزمنة ويعملوا اختبارات على البشر، يفهموا منها إيه الغلط اللي حصل وإمتى بدأ واتطور إزاي، إزاي البشر بقوا بالضعف ده وإزاي قضوا على الطبيعة...

=متهيألي أنا عارفة الباقي، بقوا يتنقلوا من زمن لزمن ويعملوا إختبارات على البشر، وده عن طريق إنهم يجندوا بشر تانيين، زيك كده، بالتكنولوجيا بتاعتهم بيدخلوا جوه عقل المجند و ذكرياته ويعرفوا نقط ضعفه ويجسدوها قدامه ويستخدموه.

هز راسه بالموافقة ودموعه بتنزل على خده...

قال:

-كان بيتهيألي إنه "مروان"، كان عندي يقين بده، بس طلعت تكنولوجيا من بتاعتهم، قدروا يجسدوه بالصوت والصورة، لكن مش هو..."مروان" مات ومش راجع تاني.

=وأنت قتلت الناس دي...

-لأ، لأ، معملتش كده...

=يبقى قدرت تجيبهم، جرتهم للمقطم عشان التانيين يخطفوهم ويعملوا عليهم التجارب.

هز راسه بعنف وقال:

-لا لا لا لا، مرضتش، قالوليي أعمل كده، مرضتش، عشان كده اتعاقبت، دخلوني في دوامة في الهوا ومنها بقيت أتنقل من زمن لزمن ومن مكان لمكان من غير تحكم، أنا والتريلا....حرموني من "مروان"، مبقتش اشوفه، بقيت في سجن، علطول غريب ما بين عهد والتاني...قدرت أجي هنا أخيرًا، لما ركزت لقيت فيه أرقام بتظهر مع الدوامة، أرقام تقريبًا شفافة، مع تكرار ظهور الدوامة قدرت اشوفها ودوست على السنة دي وبعدها ظهرت خريطة دوست على المنطقة ، ظهرت بيوت من ضمنها بيتنا، دوست عليه وجيت، بس أنا مش هفضل كتير، أكيد هيكتشفوا وهيسفروني تاني و....

سمعت دوشة رهيبة ومعاها كان في هوا جامد، زي ما يكون جي من مروحة طيارة ضخمة، بصيت ورايا لقيت دوامة، جريت والدوامة قربت ل"شاهين" واختفى جواها...

أديني عرفت جوزي راح فين وحصله إيه وعرفت سر الجثث المسلوخة، هل أنا كده ارتحت؟

............................

-ماما!

صحيت على صوته، "مروان"، لقيته بيطل عليا، وشه على وشه، بيبتسملي...

مديت إيديا وأخدته في حضني ....قلتله في هدوء:

=أنت مش حقيقي، مش كده؟

-أنا حقيقي كفاية، مش سامعاني ولامساني؟

مديت شفايفي وبوست راسه...

كان غرقان جوه حضني، ضهره ليا ووشه الناحية التانية، لفلي وقال بعيونه الواسعة البريئة:

-مش عايزاني أفضل معاكي علطول؟

=أيوه..

ابتسم ابتسامة خبيثة وقال:

-طب هتعملي إيه عشان أفضل؟

=هعمل أي حاجة ولو سلختهم بنفسي!

بعدها علطول ظهر "مأمون" ببدلته البيضة، ابتسم ابتسامة كشفت عن سنانه الناصعة...قال:

-مهمتك تستدرجي ناس، أكبر عدد ممكن، واحد ورا التاني لمكان فاضي معزول، زي جبل المقطم مثلًا، مش عايزين شوشرة، وإحنا هناخدهم...

كنت فاكرة إني أقوى من "شاهين"، إني تخطيت موت إبننا، بس الحقيقة إن "شاهين" طلع أقوى مني ورفض يشارك في قتل حد حتى لو على حساب حرمانه من "مروان" وعقابه المؤلم لحد آخر حياته، أما أنا فمش هقدر أخسر الاتنين، مش هتحمل، وبعد ما شفت "مروان" مش مستعدة اتحرم منه تاني، مين عالم، مش يمكن سكان "سيفار" يلاقوا حل للغز ويتفادوا الكارثة اللي هتحل على الأرض وساعتها المستقبل يتغير وأنا متحطش في الاختبار ده تاني، يمكن....

"تمت"

التعليقات علي الموضوع
لا تعليقات
المتواجدون حالياً

802 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع