حين تتحول قاعات الدرس في عدد من جامعاتنا المصرية - تحت مسمى حفلات التخرج -إلى هذا المشهد المسف وبمباركة ممن يسمون بالأساتذة ، مقابل أن نرى خريجي جامعات دول أخرى كاليابان مثلا ، وهم يقبلون يوم تخرجهم في مواكب من التأدب والتخشع ، ثم ينحنون احتراما لأساتذتهم الشامخين في علمهم ووقفتهم وهيأتهم ، ليتسلموا رمز تأهيلهم الجيد لخوض معركة امتلاك الصدارة في عالم وثاب متسارع …

حين نقارن هذا المشهد بذاك يسوغ لنا أن نعلن وفاة العلم والمتعلمين والأخلاق والطموحات في بلادنا .

وحين نرى مشهد خريجي جامعة من جامعات الولايات المتحدة الأمريكية ، وهم يحرصون في حفلة تخرجهم على تبني قضية غزة وتصعيدها عالميا ، بارتداء الكوفية الفلسطينية والهتاف الحماسي لغزة وشهدائها -تلك القضية التي طواها النسيان في بلادنا - ليصدروا للعالمين العربي والإسلامي رسالة واضحة : لايحق للآدميين أن ينسوا في غمار فرحتهم غزة وشهداءها وأطفالها ونساءها، بل ولايجوز الرقص على أشلاء إخوة لهم في الإنسانية ، وهم يبادون وتسلب منهم إنسانيتهم وآدميتهم ، فضلا عن أوطانهم وكرامتهم .

حين نرى هذا المشهد والرسالة التي يحملها ، يسوغ لنا أن نعلن وفاة النخوة العربية والرابطة الإسلامية والإنسانية في عقر دارها. 

لقد كتب الأستاذ نزار قباني قصيدته التي هوجم لأجلها كثيرا " متى يعلنون وفاة العرب " في انكسارة عربية لاتصل إلى حجم الكارثة التي نحن بصددها الآن ، وهو يتساءل بسخرية عن هذا الموعد المرتقب موعد " إعلان وفاة العرب" ربما لأنه كان لايزال يرى في العرب رمقا من حياة يؤخر إعلان وفاتهم بعض الوقت ، أما وقد شهدنا هذه الميوعة داخل محاريب التربية والتعليم ومعاقل صناعة الحضارة والرجال ، وفي ظل نكبة غزة ومذبحتها المهينة لكل عربي مسلم بل ولكل إنسان عاقل حر ، فقد آن أوان إعلان هذا النبأ الذي ترقبه نزار .

 حقيقة كانت الفاجعة كبيرة بالنسبة لناكأساتذة جامعيين من أبناء جيل يرى أن قيمتنا الحقيقية في التمسك بالبقية الباقية من مكانة وقدسية الجامعة، ورسالتهاالتي لاتقل في وعينا عن المسجد ورسالته، فإذا بكل شيء ينهار !!!

لقد انهار مابناه أساتذتنا من جيل الرواد أمام أعيننا في لحظات معدودات من قبل صبية طائشين ، وبتصفيق من أساتذة يرتدون الروب الجامعي الذي لا يدركون قيمته ، ولاقيمة الرمزية التي لأجلها أعد .

وأرى أنه من انعدام الموضوعية أن نصب وابل غضبنا على هؤلاء الصببة الطائشين الذين لم يجدوا من يرتقي بهم علما وذوقا ووجدانا ، ويعلمهم فارق مابين حانات الرقص وحرم الجامعة ، ولانصب القدر نفسه من الغضب على من أسهموا ولو بقدر ضئيل في هندسة هذا الطيش وانعدام الذوق والرباية ، فالتربية قبل التعليم .

يجب إذن أن لا نتهاون بهذا الذي حدث ، إذ لابد أن ينال الجميع عقابه الذي يستحقه ،كل بمقدار جرمه ومدى مسؤوليته عنه ومشاركته فيه .

———————

والآن إليكم بعض أبيات من قصيدة نزار " متى يعلنون وفاة العرب " ، التي تؤكد على أننا أمة ألفت ماهي عليه من انكسارات موجعة ، وماأشبه حاضرها بماضيها إن لم يكن أمر وأنكى ….     

يقول نزار :

أنا منذ خمسين عاما

أحاول رسم بلاد 

تسمى مجازا بلاد العرب 

رسمت بلون الشرايين حينا 

وحينا رسمت بلون الغضب 

وحين انتهى الرسم ساءلت نفسي 

إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب 

ففي أي مكان يدفنون؟  

ومن سوف يبكي عليهم 

وليس لديهم بنات  

وليس لديهم بنون

وليس هناك حزن 

وليس هناك من يحزنون 

وقد أجاب الشاعر والدبلوماسي السعودي / غازي القصيبي نزار في تساؤله وشاركه تألمه، في قصيدة كان مما قاله فيها : 

من غازي القصيبي الى نزار قباني 

الذي سأل 

متى يعلنون وفاة العرب ؟

نزار أزف إليك الخبر

لقد أعلنوها وفاة العرب

وقد نشروا النعي فوق السطور

وبين السطور وتحت السطور

وعبر الصور

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وقد صدر النعي

بعد اجتماع يضم القبائل

بني هلال و جميلة و مضر

و شارون يرقص بين التهاني

عظيم الحبور شديد الطرب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نزار أزف إليك الخبر

وإياك أن تتشرب روحك

بعض الكدر

فنحن نموت نموت نموت

ولكننا لا نموت

... نظل

غرائب من معجزات القدر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذاعاتنا لا تزال تغني

ونحن نهيم بصوت الوتر

وتلفازنا مرتع الراقصات

فكفل تثنى ونهد نفر

وفي كل عاصمة مؤتمر

يباهي بعولمة الذل

يفخر بين الشعوب

بداء الجرب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي دزني لاند جموع الأعارب

تهزج مأخوذة باللعب

ولندن مربط أفراسنا (!)

مزاد الجواري وسوق الذهب

وفي الشانزلزيه سددنا المرور

منعنا العبور

و سحنا بين الملاهي و الصور

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نزار أزف إليك الخبر

يموت الصغار وما من أحد

تهد الديار وما من أحد

يداس الذمار وما من أحد

فمعتصم اليوم باع السيوف

             لبيريز  

عاد وأعلن أن السلام الشجاع

             انتصر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وجيش ابن أيوب مرتهن

في بنوك رعاة البقر

وبيريس يقضي إجازته

بين زنود نساء التتر

ووعاظنا يرقبون الخلاص

مع القادم المرتجى المنتظر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نزار أزف إليك الخبر

سئمت الحياة بعصر الرفات

فهيء بقربك لي حفرة

فعيش الكرامة تحت الحفر

نعم

عيش الكرامة أصبح تحت الحفر!!!!

ملاحظة

هذه الصفحة أكاديمية ولايسمح بأي تعليق غير متوائم مع رسالة الصفحة .