برغم عقلي الثائر دائماً،
برعت في الاحتفاظ بلساني في جوفي حتى ظن كثر أنني لا أملك واحداً أو أنني أعاني من خطبٍ ما يعوقني عن التحدث بينما على مدى عمري الذي لا يتعدى عقدين ونصف تعلمت أنه لا طائل من الحديث وربما لا طائل من الحياة بأسرها فليس هناك ما يستحق انخراطي فيه و اهدار هدوئي وطاقتي.
بدأ الأمر بالامتناع عن ابداء رأيي في المواقف العامة التي لا تخصني بشكل مباشر والبقاء لوقت طويل وحدي ثم توقفت عن سرد مواقفي الخاصة لأحد حتى اوشكت على نسيان النطق تقريباً إلا من بضع كلمات ترحيبية كدليل على التنفس.
في صغري،
قررت والدتي أن الفتاة المهذبة عليها التزام الهدوء وعدم الرد وألا تكون ثرثارة فتطلق العنان لحصان فمها يعبث في آذان الجميع ويرفس رؤوسهم!
وأن الرجال لا قبل لهم بفتاةٍ تنفعل بسرعة ويشتعل صدرها من حجرٍ واحد ويثير حنقها أو يرتفع صوتها ولو سهواً!
الفتاة القوية يفضلها الجميع فهي لا تشكو ولا تئن، لا تدمع لشعور ولا لمرض!
كان يجدر بها القول أن الرجال لا يرغبون بفتاة تشعر من الأساس!!
كذلك قرر والدي أنه على درايةٍ بمصلحتنا خيراً منا وبالتبعية قرر عنا بأي جامعةٍ نلتحق وأي وظيفة نقبل ومَن علينا مصادقته وأنه أفضل لنا أن نكون بلا أصدقاء تماماً!!
وبهذا الشكل أوصدت كل الطرق أبوابها وإن كنت أظن أنها لم تفتحها يوماً..
انتهى دورى الذي لم اتسلمه في الحياة؛ فما عليّ سوى القبول حتى لا أكون عاقةً سيئة الخلق..
وبتلك الطريقة لم يكن هناك ما يستحق العناء، صرت اتابع الحياة من بعيد.. من داخلي.. كأنها لا تخصني ولا أملكها، أتلصص عليها من ثلاثة ثقوب؛
ثقب في الباب وثقبان في وجهي!!