نجحت الديمقراطية نجاحًا باهرًا، بعد ممارسة طويلة من العراك الفكري، والذي وصل إلى التحارب المجتمعي أحيانًا كثيرة في اوروبا، وكان نتاج هذا العراك ثورات خسرت فيها أوروبا عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين، إلى ان توصلوا لأسلوب أو أداة لإفراز حزب ما يحكم البلاد، للهروب من الفوضى والخراب.
وقد لا تكون تلك الأداة مناسبة لشعوب مناطق أخرى من العالم، ممن لم يمروا بنفس هذا التحارب المجتمعي بأوطانهم، لأنها لا تُطبَق بنجاح إلا على شعوبٍ واعية، مرت بتجارب وخبرات تجعلها تتمسك بتلك الأداة -الديمقراطية- بشكلٍ قوي وصائب.
لكن بعضًا من تلك الدول الكبرى التي تنتهج تلك الأداة، دأبت على أن تنشر الديمقراطية قصرًا، على أساس أنها منهج سياسي للحياة، "يجب فرضه" على كل الشعوب -حتى التي لم تتحارب ولا تحتاج للديمقراطية- تحت دعاوى ووعود بالتحضر والرفاهية لأي شعب ينتهجها، ثم راحت تلك الدول الكبرى لتفرض الضغوطات على حكام البلاد الأخرى، مدعين بأن هؤلاء الحكام في دكتاتورية وحكم فرد، وهو الذي يجب تغييره إلى الحكم الديمقراطي قهرًا، ليصدعوا رؤسنا بدعوى أن تلك الدول الكبرى هي تحمي الحريات الإنسانية، التي هي حقٌ للفرد والمجتمع، وبدون الديمقراطية سوف تُسحق حقوق الإنسان في الدول الغير ديمقراطية،
ليمثل ذلك إرهابًا سياسيًا وفكريًا على حكام تلك الدول ممن لم يعملوا بالديمقراطية، ولتكون سوطًا جالدًا يُلهب ظهور حكام تلك البلاد.
وصدَّق الكثيرون من شعوب تلك البلدان، ما روجت له تلك الدول الكبرى، من دعاوى حقوق الإنسان المهدرة -حسب مزاعمهم- تحت الحكم اللاديمقراطي،
ونتيجة لذلك نشَأت الحركات الإرهابية منها والمعارضة المسلحة، لتنهار تلك الدول بسبب تلك الادعاءات الغربية، وبأيدي أبناء تلك الدول.
لكن سرعان ما انكشف المستور وسقطت الديمقراطية في كلمات الإدارة الأمريكية الأخيرة، بتهجير شعوب كاملة من أرضها، ووجوب الاستيلاء على بلاد لم يكن اختيار شعوبها أن تحكمها أمريكا أو غيرها، فضلًا عن وقوف أمريكا مع الكيان المعتدي بشكلٍ سافر دون خجل أو حياء مما أهدر الديمقراطية وكل حقوق الإنسان.
نحن نعلم بأنها أحلام يقظة لحكام يحلمون بالتعدي والظلم والطغيان، تحت مظلة القوة وإرهابها، حيث تم ذبح كل مواثيق حقوق الإنسان والقوانين الجنائية والدولية، تحت أقدام مذبحة غزة التي استمرت شهورًا تحت أعين وأسماع العالم.
سيقول المدافعون عن مدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان: بأنها مجرد أفكار وأطروحات، ونقول: حتى لو كانت مجرد افكار، فليس لهم بعد اليوم أن يصدِّروا لنا الديمقراطية ولا الحديث عنها وليس لهم أن يتشدقوا بحقوق الإنسان الذي تم وأده في غزة وغيرها من أصقاع العالم.
أنا لا أهتم كثيرًا بما يقوله هؤلاء في بلادهم مما يطبقونه على أنفسهم هناك، لكنني أخاطب أهل وطني في بلادي، بأن لا تنصاعوا وراء تلك الدعاوى، ولا تكونوا ضد حكامكم بعد أن تهاوت إدعاءات هؤلاء المدعين، وبعد أن سقطت ورقة التوت عن أهدافهم الخفية والقاتمة، والتي تعمل على هدم بلادنا دون النظر لأي حقوقٍ فيها لأي إنسان.